Ad

لا يهتم المنهج البنيوي كالمناهج النسقية – المنهج التاريخي والمنهج الاجتماعي والمنهج النفسي – بالجانب الخارجي للعمل الأدبي، سواء كان حياة المؤلف أو نفسيته أو الظروف التاريخية أو الظروف الاجتماعية المصاحبة للفترة التي أنجز فيها العمل الأدبي. بل يهتم – المنهج البنيوي- بالجانب الداخلي للعمل الأدبي. ماذا تقصد البنيوية إذن حين تتحدث عن الجانب الداخلي للعمل الأدبي؟ وما الذي تبحث عنه البنيوية في العمل الأدبي؟ وما هي أبرز الحركات التي ساهمت في ظهور البنيوية؟

ما الذي يقصده المنهج البنيوي حين يتحدث عن الجانب الداخلي للعمل الأدبي؟

تسببت مقولة “أدبية النص” أو “أدبية الأدب” في نقل القيمة الفنية الخاصة بالأعمال الأدبية من السياق التاريخي والسياق الاجتماعي والسياق النفسي كما شهدناه مع المناهج السياقية، إلى السياق الداخلي للأعمال الأدبية المنبثق من داخلها. ويقصد بالسياق الداخلي “البنية” التي يعرفها النقاد بأنها “النظام الأدبي الذي يقوم على مجموع العلاقات الداخلية الموجودة بين مختلف عناصر النص”.[1]  

فلو حللنا قصة من الأدب الشعبي مثلا سنلاحظ حضور “التحضير للمواجهة” و”المبارزة” و”نتيجة” هذه المواجهة. وتبرز هذه الأخيرة عناصر البنية الداخلية للنص. تتضمن القصة شخصيات تحمل كل واحدة منها دورا معينا وهو ما يمكن أن نسميه بالعوامل. فلو كانت القصة تحكي عن رجل يريد الزواج من حبيبته لكنه يجد صعوبات تعيقه، ستكون حبيبته هي العامل المطلوب وستكون العوائق هي العامل المعارض، وستكون هناك عوامل مساندة تمكنه من بلوغ مراده. ولا تقتصر العوامل على هذه العوامل الثلاثة فقط، بل يمكن الحديث عن أكثر من ذلك، ليسمن المطلوب حضورها كاملة في كل قصة. ومن خلال هذه العوامل نستطيع فهم طبيعة البنية الخاصة بالنص. [2]

ما الذي يبحث عنه المنهج البنيوي في العمل الأدبي؟

تهدف الدراسة البنيوية إلى تحليل الكيفية التي تتفاعل بها هذه العناصر فيما بينها، وكيفية تكون المعنى من خلال الكلمات والجمل. فقد اكتفت البنيوية من التحليل التاريخي للأدب. “فالتاريخ فلسفة في الدرجة الأولى والأدب لا يكون أدبا بما فيه من فلسفة وإنما بشيء آخر”. وهذا الشيء هو هو ما أطلق عليه “أدبية النص” أو “أدبية الأدب”. [1]  إذ أن هم البنيوية كان هو الإجابة عن السؤال “ما الذي يجعل الأدب أدبا؟”.

ما الذي ساهم في ظهور المنهج البنيوي؟

ساهمت العديد من المدارس والاتجاهات وكذلك الأفراد في ظهور وتطور المنهج البنيوي، ولكننا سنقتصر على الحديث عن ثلاثة فقط، دي سوسير، والشكلانيين الروس، وكلود ليفي شتراوس مع إشارة خفيفة لياكبسون.

دي سوسير

قدم دي سوسير في محاضراته الشهيرة “محاضرات في اللسانيات العامة” التي تناولت علم اللسانيات مجموعة من الثنائيات. ولا يهمنا من هذه الثنائيات سوى ثنائية علم اللغة الداخلي وعلم اللغة الخارجي. ويقصد بعلم اللغة الداخلي القوانين المستخلصة من اللغة، فهذه القوانين أو القواعد غير المبتكرة من طرف البشر بل مصدرها هو اللغة نفسها وطبيعة هذه اللغة. بينما يعني علم اللغة الخارجي كل ما ارتبط بالظروف الخارجية للنص من أوضاع وبيئات خارجية تتصل بالحقائق اللغوية.

الشكلانيون الروس

ركزت هذه المدرسة  التي نشأت في روسيا “على دراسة الشكل الأدبي ودلالاته وطانت تحليلاتها لمفهوم الشكل قريبة جدا من مفهوم البنية” خاصة حين يتعلق الأمر بطريقة تحليلهم للنظم الإيقاعية للشعر والنثر ولقضايا أخرى ترتبط بالأدب عموما. [1]

كلود ليفي شتراوس وياكبسون

ومما ساهم بشكل كبير في بروز المنهج البنيوي رؤية كلود ليفي شتراوس الذي أدرك من خلالها أن المنهج اللغوي أكثر فائدة لدراسة البنى الاجتماعية وفهم علاقات المجتمعات الأولية من المنهج التاريخي والتحليلي. لذلك التقت أفكاره مع أفكار ياكبسون فحللا معا “سونيت القطط” لبودلير، وكان ذاك التحليل إعلانا لميلاد المنهج البنيوي.

خاتمة

سئم النقاد إذن من تحليل الأدب انطلاقا من سياقات خارجية قد لا تكون لها علاقة بما يحصل داخل النص، فاعتمدوا على مفهوم البنية ليحللوا النصوص الأدبية منفصلة عن كل السياقات الخارجية، وقد وصل الأمر ببعضهم إلى الحديث عن لاوعي خاص بالنص، ينفصل تماما عن الكاتب ولا وعيه الخاص.

المصادر

[1] مناهج النقد المعاصر، صلاح فضل.

[2] مبادئ تحليل النصوص الأدبية، بسام بركة، ماتيو قويدر، هاشم الأيوبي.

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


غير مصنف فكر فنون أدب

User Avatar

زكية بلحساوية


عدد مقالات الكاتب : 10
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق