لقد أثار اهتمام العلماء منذ فترة طويلة الادعاء بأن أدمغة الأشخاص المحافظين تختلف عن أدمغة التقدميين. وأجرى باحثون من جامعة أمستردام أكبر دراسة تكرارية (replication study) حتى الآن، حيث قاموا بتحليل فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي لـ 975 شخصًا هولنديًا تتراوح أعمارهم بين 19 إلى 26 عامًا، للتحقيق في العلاقة بين الأيديولوجية وبنية الدماغ. وقد ألقت النتائج المدهشة التي توصلت إليها الدراسة ضوءا جديدا على هذا الارتباط المعقد. تمت هذه الدراسة بناءً على دراسة أجريت عام 2011 على 90 طالبًا إنجليزيًا والتي أثارت لأول مرة فكرة وجود صلة بين بنية الدماغ والأيديولوجية. إن نتائج الدراسة لها آثار مهمة على فهمنا لتأثير الأيدولوجية على بنية الدماغ. ولكن ماذا يعني هذا بالضبط، وكيف يؤثر على فهمنا للاختلافات الأيديولوجية؟
محتويات المقال :
لغز الأيديولوجيا
هل تساءلت يومًا ما الذي يجعل شخصًا ما محافظًا أو تقدميًا؟ هل هي تربيتهم أم بيئتهم أم شيء أكثر جوهرية؟ لفترة طويلة، كان العلماء يحاولون فهم ماهية الأيديولوجية السياسية. ولكن على الرغم من النظريات العديدة، فإن مفهوم الإيديولوجية يظل لغزا محيرا.
لفهم مدى تعقيد الأيديولوجية، دعونا نبدأ بالأساسيات. يمكن النظر إلى الأيديولوجية على أنها سلسلة من المواقف حول مواضيع مختلفة، مثل القضايا الاجتماعية والثقافية مثل حقوق المرأة والمثليين، أو القضايا الاقتصادية مثل عدم المساواة في الدخل. ويمكن أيضًا أن يُنظر إليها على أنها هوية، وطريقة لرؤية العالم ومكان الفرد فيه.
تشير الأبحاث إلى أن الأيديولوجية تتأثر بعدة عوامل، بما في ذلك الوراثة والتربية والتعليم والخبرات الحياتية. على سبيل المثال، أظهرت الدراسات أن التوائم المتطابقة، الذين يشتركون في نفس التركيب الجيني، يميلون إلى أن يكون لديهم آراء سياسية مماثلة، حتى عندما يتم تربيتهم منفصلين. ومن ناحية أخرى، تلعب العوامل البيئية، مثل تأثير الوالدين والوضع الاجتماعي والاقتصادي، دورًا مهمًا أيضًا في تشكيل المعتقدات السياسية للفرد. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه النتائج، لا يزال النقاش مستمرا.
تأثير الأيدولوجية على بنية الدماغ
كشفت الدراسة عن وجود صلة رائعة بين اللوزة الدماغية والأيديولوجية. على الرغم من أن العلاقة كانت أصغر من المتوقع، إلا أنها لا تزال مهمة. وتَبين أن اللوزة الدماغية، المسؤولة عن معالجة العواطف، وخاصة الخوف والقلق، تكون أكبر قليلاً لدى الأفراد المحافظين. وكان هذا الاختلاف صغيراً بشكل ملحوظ، مقارنة بحجم حبة السمسم. يسلط هذا الاكتشاف الضوء على العلاقة المعقدة بين بنية الدماغ والأيديولوجية، ويكشف أنه حتى الاختلافات الدقيقة في تشريح الدماغ يمكن أن يكون لها آثار مهمة على معتقداتنا السياسية.
ولوضع هذا في الاعتبار، كان متوسط حجم اللوزة الدماغية للناخبين المحافظين 157 حبة سمسم، في حين كان متوسط حجم اللوزة الدماغية للناخبين التقدميين 156 حبة سمسم. وهذا فارق صغير، ولكنه مهم. ويشير إلى وجود صلة بين تشريح الدماغ والأيديولوجية على مستوى ما، ولكنها غير مباشرة للغاية
إن العلاقة الدقيقة بين أيدولوجيا المحافظين وحجم اللوزة الدماغية لا تزال غير واضحة. ومع ذلك، فقد تمت دراسة اللوزة الدماغية بشكل أساسي فيما يتعلق بالمواقف المهددة والخوف، ولكن يبدو أنها تستجيب على نطاق أوسع بكثير للعواطف بشكل عام وللمعلومات المتباينة. قد يكون هناك ارتباط حيث تكون اللوزة الدماغية أكبر لدى الأفراد الذين يتفاعلون بقوة أكبر مع المعلومات، مما قد يؤدي في بعض الأحيان إلى أفكار أكثر تحفظًا في السياسة.
كشف تعقيد الأيديولوجيا
يشير البحث إلى عدم وجود ثنائية بسيطة فيما يتعلق بالإيديولوجية السياسية في الدماغ. حيث يتحدث الناس أحيانًا عن أدمغة زرقاء (ديمقراطية) وحمراء (جمهورية) في سياق السياسة الأمريكية. هذا الاستعارة مغرية، لكنها في غير محلها تمامًا. حيث يجب أن ينظر إلى الإيديولوجية كمفهوم أوسع بكثير وإظهار أن هناك روابط أقل بين الدماغ والإيديولوجية مما تم العثور عليه في الدراسات السابقة.
الإيديولوجية نفسها أكثر تعقيدًا مما افترضته الأبحاث السابقة. على سبيل المثال، يذكر مؤلف الدراسة كيف أن المشاركين الذين صوتوا لصالح الحزب الاشتراكي، وهو حزب سياسي هولندي يتبنى مواقف اقتصادية يسارية متطرفة ولكن قيم اجتماعية أكثر تحفظًا، كان لديهم لوزة دماغية أكبر في المتوسط من المشاركين الذين تماهوا مع أحزاب أكثر تقدمية. لذلك فإن الإيديولوجية أكثر تعقيدًا من مجرد التماهي مع الموضوعات الاجتماعية الثقافية.
المصادر
Study among Dutch people adds nuance to link between brain structure and ideology | eurekalert
Is political ideology correlated with brain structure? A preregistered replication | iscience
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :