محتويات المقال :
تعد الأبستمولوجيا (نظرية المعرفة) قديمة قدم الفلسفة، وكانت موضوعاً للعديد من التحليلات والفرضيات. فقد طرح العديد من الفلاسفة وجهات نظرهم وحاولوا تعريف “المعرفة”.
في الفلسفة، تعرف نظرية المعرفة أو الأبستمولوجيا (Epistemology) على أنها الدراسة الفلسفية لطبيعة المعرفة البشرية وأصلها وحدودها. ويعود أصل كلمة أبستمولوجيا إلى الكلمتين اليونانيتين epistēmē وتعني المعرفة، و logos وتعني المنطق [1]. يرجع تاريخ دراسة نظرية الفلسفة إلى أيام اليونان القديمة. فعند أفلاطون، كانت نظرية المعرفة تتمثل بمحاولة فهم ما معنى أن نعرف، وكيف تكون المعرفة جيدةً للعارف، ثم عند لوك (Locke) فكانت محاولة فهمٍ للعمليات التي يجريها الفهم البشري. في حين يرى كانت (Kant) أن نظرية المعرفة هي محاولة لفهم الظروف والشروط المحيطة بإمكانية الفهم البشري، وأما راسل (Russell) فيعتبر أنها محاولة فهم كيف يمكن تفسير العلم الحديث باللجوء إلى التجربة الحسية [2].
وتمثل كل هذه المحاولات التطور الذي طرأ على مفهوم المعرفة من وجهة نظر الفلسفة خلال تاريخها الطويل، والذي كانت المعرفة فيه تأخذ شكل نظريات وأطروحات، إضافة إلى أسئلة ومفاهيم وتصنيفات، وغير ذلك. يمكن تلخيص مواقف فلاسفة الأبستمولوجيا أو نظرية المعرفة عبر هذا التاريخ بأن بعضهم وضع أفكاراً عن ماهية المعرفة وماذا يمكن أن تكون، في حين أخذ بعضهم موقفاً رافضاً لإمكانية وجودها [3].
يتحدث د. دنكان بريتشارد من جامعة إدنبرة في كتابه ما المعرفة؟ عن نوعين من المعرفة وهما المعرفة الافتراضية (propositional knowledge) ومعرفة القدرة (ability knowledge) [4]. تتعلق المعرفة الافتراضية بافتراض معين (proposition)، تُخبرنا عنه جملة محددة تكون عادة جملة توضيحية (declarative) تفترض وجود حالة ما. مثلاً، تخبرنا جملة “تجلس القطة على السجادة” بالافتراض المتمثل بأن القطة موجودة على السجادة. يمكن القول أنّ هذه جملة توضيحية لأنها تصف حالة ما، وهذه الحالة قد تكون صحيحة أو خاطئة. فإذا كانت القطة فعلاً موجودة على السجادة، فالعبارة صحيحة، أما إذا كانت القطة موجودة على الكرسي، أو على الطاولة، فالعبارة خاطئة. كي نفهم المعرفة الافتراضية بطريقة أفضل، سنأخذ مثالاً على جملة ليست توضيحية وبالتالي لا تمثل افتراضاً. عندما نقول لأحد ما “أغلق الباب!” لا نكون قد أعطينا افتراضاً أو طرحاً معيناً لأن هذه الجملة لا تقبل أن تكون صحيحة أو خاطئة. فهي لا تفترض وجود حالة معينة [5].
أما النوع الثاني فهو معرفة القدرة ويسمى أيضاً الدراية العملية (know-how). وهي معرفة الطريقة التي تتم بها ممارسة نشاط معين. من الأمثلة على ذلك معرفة ركوب الدراجة أو معرفة السباحة. ومن المهم للإنسان أن يمتلك هذا النمط من المعرفة [4].
يكمن الفرق بين هذين النوعين بأن المعرفة الافتراضية تقتصر على كائنات متطورة نسبياً من الناحية العقلية، كالبشر، في حين أن معرفة القدرة هي شائعة بين الكائنات. على سبيل المثال، تعرف النملة الاتجاهات التي تسلكها أثناء السير في محيطها، ولكن هذا لا يعني أن النملة تمتلك معرفة افتراضية وحقائق معينة [4].
من الجدير بالذكر أنه ليس بالضرورة أن تكون المعرفة الافتراضية معصومة (infallible). فالمعرفة الافتراضية تعني وجود افتراضٍ معينٍ يصف حالة ما، ولكن هذا لا يعني أنها تشمل ما إذا كان الافتراض صحيحاً أم لا [5].
وفق تحليل المعرفة التقليدي، توجد ثلاث مكونات أو شروط رئيسية تعبّر عن المعرفة، وهي شرط الحقيقة (truth) وشرط الاعتقاد (belief) وشرط المبرر (justification). يسمى هذا بتحليل JTB للمعرفة [6]. ويتفق على هذا التحليل عددٌ من الفلاسفة، من بينهم أفلاطون وكانت وآخرون، وبناء عليه، إذا كان لدى أحد ما “اعتقاد حقيقي مُبَرّر” بأن افتراضاً ما هو صحيح، فهذا الشخص يعرف بأن الافتراض صحيح [7]. فما هي هذه الشروط؟
أولاً، وكي نقول أنّنا نعرف شيئاً ما، يجب أن يكون هذا الشيء حقيقياً، لأن الشيء غير الحقيقي أو غير الموجود لا يمكن أن يشكّل معرفة [5]. حتى تكون الجملة “تجلس القطة على السجادة” معرفة، يجب أن تكون القطة موجودة على السجادة، وإلا، فهذه ليست معرفة.
ثانياً، حتى تتحقق المعرفة، يجب أن يكون هناك اعتقاد وإيمان بالافتراض المطروح. بالعودة إلى مثال القطة، إذا لم أكن أؤمن أو أعتقد بأن القطة على السجادة، فلا أستطيع أن أقول بأنني أمتلك المعرفة الكامنة وراء هذا الافتراض [5]. في سياق تحليل JTB للمعرفة، يتمثل الاعتقاد باعتقاد كامل أو قوي وليس مجرد ثقة من شيء ما [6]. مثلاً، إذا كنت أعتقد بأن القطة موجودة على السجادة، ولكن لم يكن هذا الاعتقاد يقيناً، أي إذا لم يكن كاملاً، فلن يرقى لمستوى المعرفة. ويجب تأكيد الاعتقاد بشكل قطعي كي ندعوه معرفة [6].
ثالثاً، من الضروري وجود مبرر كي تتحقق المعرفة. فمثلاً إذا رمينا قطعة نقود وقلنا بأنها ستقع على جهة “النقش” وبالفعل حدث هذا، لا يمكن القول بأننا كنا “نعرف” أنها ستقع على جهة “النقش”. بل هذا تخمين وليس معرفة، ويعود السبب إلى أن الاعتقاد بأن القطعة النقدية ستقع على جهة دون سواها ليس اعتقاداً مثبتاً أو مبرراً، وعليه، فهو لا يمثل معرفة [6].
في عام 1963، نشر الفيلسوف الأمريكي إدموند غيتييه (Edmund Gettier) مقالاً يتحدى فيه التحليل التقليدي للمعرفة ذو المكونات الثلاثة. ويضم هذا المقال عدداً من المسائل الحقيقية أو المحتملة يكون فيها لدى الشخص “اعتقاد حقيقي مُبَرّر” ولكنه لا يمثل معرفة. وقد كان لمقاله هذا أثر عميق في الأبستمولوجيا، حيث بدأ الباحثون في هذا المجال بإعادة النظر في طبيعة المعرفة، واتفق أغلبهم أن غيتييه نجح فعلاً في نقض تعريفها التقليدي. وفي الحالات المبنية على مسألة غيتييه، يوجد عنصران أساسيان، هما الخطأ في التبرير والحظ [8].
من الحالات التي عرضها غيتييه في مقاله الحالة التالية. كان لدى سميث وجونز مقابلة عمل، وقام رئيس الشركة بإخبار سميث أنّ جونز هو من سيحصل على الوظيفة. وكان سميث يعرف أن لدى جونز عشر قطع نقدية، فقد عدّها بنفسه. وبناءً على كلام رئيس الشركة وملاحظته لعدد القطع النقدية، خرج سميث بالاعتقاد المبرر التالي: من سيحصل على الوظيفة لديه عشر قطع نقدية. هنا لا يُعتبر افتراض سميث تخميناً، فلديه اعتقاد حقيقي وتبرير ليصنف افتراضه على أنه معرفة [8].
ولكن في نهاية الأمر، يحصل سميث على الوظيفة، وسميث نفسه لديه عشر قطع نقدية، وبهذا تكون فرضية سميث صحيحة ولكنها ليست معرفة. في واقع الأمر، توجد حقيقتان في هذه الحالة – سميث حصل على الوظيفة، وهو يملك عشر قطع نقدية – وهاتان الحقيقتان تجعلان من افتراض سميث صحيحاً. ولكن لم تكن أي منهما معروفتين لسميث، وحسب رأي غيتييه، يمكن القول أنّ افتراض سميث لا يمثل معرفة. بعبارة أخرى، يرى غيتييه أن سميث فشل في معرفة أن الشخص الذي سيحصل على الوظيفة لديه عشر قطع نقدية [8].
ترى بعض أشكال الشكوكية الفلسفية (Philosophical Scepticism) أننا لا نعرف الافتراضات التي نظن أننا نعرفها [9]. ولأن الشك يمثل موضوعاً مثيراً للاهتمام في الفلسفة، فهو يستحق حيزاً مستقلاً للحديث عنه.
اقرأ أيضاً: ملخص كتاب نظرية المعرفة لزكي نجيب محمود
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…
View Comments