نُشرَ كتاب عنف الدكتاتوريّة عام 1936 للكاتب النمساويّ الشهير ستيفان زفايغ. اشتُهِرَ زفايغ، المنتمي إلى مذهب النيو-رومانتيكيّة، بإبداعه الروائيّ حيث تُرجِمت رواياته إلى لغاتٍ مختلفةٍ، واقتُبِست في الأعمال السينمائيّة العالميّة. يطلِقُ زفايغ في هذا الكتاب صرخة تحذيرٍ لألمانيا، بشكلٍ خاص، وإلى العالم أجمع بعد وصول النازيّة إلى السلطة. لذلك اختار قصّة كفاح اللاهوتيّ، إنسانيّ المذهب، سيباستيان كاستيليو، ضدّ دكتاتوريّة جان كالْفِن، الذي يُعدّ أحد أبرز قادة حركة الإصلاح الدينيّ، صاحب السلطة والنفوذ في كامل العالم البروتستانتيّ، لينبّه العالم إلى الخطر المحدق به. أراد زفايغ لقارئه أن يقارن وقائع عصره مع الأحداث التاريخيّة التي تبدو للوهلة الأولى ماضياً بعيداً. فهو كتابٌ يدافع عن الحريّة والسلام في وجه العنف والدكتاتوريّة. فماذا قال زفايغ؟ وماهي رسائله إلى العالم في كتاب عنف الدكتاتوريّة؟
محتويات المقال :
الدكتاتوريّة ضد الحريّة
يتجدّد في كل زمانٍ صراع الحريّة ضدّ الوصاية، الإنسانيّة ضدّ التعصّب، فلا يكاد سؤال الحدود الفاصلة بين السلطة والحريّة يغيب عن ذهن كلّ الشعوب في كلّ الأزمنة. فالحريّة بدون سلطةٍ فوضى، والسلطة في غياب الحريّة فسادٌ وطغيان. وقد أثبت التاريخ ميل الشعوب إلى التسليم لنظامٍ يعفيهم من إعمال الفكر، فهم يفضّلون تسليم أمورهم إلى منقذٍ يفرض حلوله الجاهزة لتعقيدات حياتهم. وهكذا يظهر الأنبياء الاجتماعيّون والدينيّون.
يظهر رجلٌ ذو موهبةٍ ليعلن بطريقةٍ حاسمةٍ أنّه، وحده، يمتلك الحقيقة المطلقة ليخلق مثاليّةً جديدةً عمادها الوحدة والطهارة. فيتخلى عموم الشعب عن حريّتهم مستسلمين للانقياد دون أدنى مقاومة. عندها، ينقاد السلطويّون إلى المزيد من التسلّط ويحاولون فرض عقيدتهم على الجميع دون استثناء. هكذا تغدو أدنى معارضةٍ لأفكارهم، التي تصير دستوراً، جريمةً في حق الدولة. حتى أصحاب أنقى الحقائق وأطهرها يلجؤون إلى العنف ويعلنون الحرب ضدّ الحريّة الإنسانيّة خلال سعيهم الحثيث لفرض أيديولوجيّتهم.
ولأنّ كل ضغطٍ يقود، عاجلاً أم آجلاً، إلى الثورة، ولأنّ الذهن يعرف دوماً كيف يقاوم كلّ تبعيّةٍ، وعلى الرغم من أنّ غالبيّة أصحاب الصوت الحرّ والنظرة الإنسانيّة لا يتجاسرون على الكفاح ضدّ القمع ويلتزمون نظرةً حزينةً لواقعهم المرعب، تظهر نفوسٌ حرّةٌ تتملّص من القمع الجماعيّ وتدافع عن حقّ المرء في قناعةٍ ذاتيّةٍ ضدّ المهووسين بفكرةٍ أحاديةٍ متسلّطةٍ.
هكذا كان كاستيليو، الذي وقف صامداً أمام دكتاتوريّة كالْفِن، أعنف دكتاتوريّات القرن السادس عشر، مدافعاً عن المبدأ الأساسيّ لحركة الإصلاح الدينيّ التي قامت على شعار «الحريّة للإنسان المسيحي»، موجهاً صرخة الضمير الإنسانيّ الرافض للعنف بعد إقدام كالْفِن على حرق ميغيل سيرفيت حياً بسبب آرائه اللاهوتيّة.
صعود كالْفِن للسلطة
قاد القسيس فاريل عمليّة تحوّل مدينة جنيف، التي كانت تحت حكمٍ ديمقراطيٍ، من الكاثوليكيّة إلى البروتستانتيّة. فتمّ انتزاع الصور المقدّسة من الكنائس وطُردَ رجال الدين الكاثوليك من المدينة. ولكن، وإن كان فاريل قادراً على قلب النظام القديم، فهو غير قادرٍ على بناء نظامٍ جديد. فلجأ فاريل إلى كالْفِن صاحب الأفكار الملهمة في بناء مجتمعٍ بروتستانتيٍّ مثالي.
مراحل الصعود
اعتنق كالْفِن البروتستانتيّة واضطرّ للهجرة من فرنسا إلى مدينة بازل هرباً من الاضطهاد الدينيّ. وأدرك مبكراً أنّ الكنيسة البروتستانتيّة مهددّةٌ بالانشطار إلى فرقٍ عديدةٍ ذات طابعٍ محليٍّ وطني. لذلك كتب مؤلّفَهُ الأشهر «تعاليم الديانة المسيحيّة». وهو من أهم منجزات الإصلاح، ومن أكثر الكتب تأثيراً على أحداث التاريخ. فإن كان لوثر هو من بدأ حركة الإصلاح، فإن عبقريّة كالْفِن التنظيميّة هي من منعت انشطارها وضياعها.
أعجِبَ فاريل بنظرة كالْفِن الثاقبة وثبات رأيه، فهو لم يتراجع يوماً، ولو بشكلٍ بسيطٍ، عن أيٍّ فكرة من أفكاره، ولم يقبل من خصومه إلّا الصمت والتسليم. ففي مواجهة كالْفِن، إمّا أن يحطّمه المرء أو يتحطّم أمامه. فأصرّ على تولي كالْفِن زمام الأمور في جنيف. في النهاية وافق مجلس المدينة على تعيينه في منصب «قارئ الكتابات المقدّسة» وهو أعلى منصب دينيّ في المدينة.
قدّم كالْفِن لمجلس المدينة كتاب التعليم الديني الهادف إلى تعليم الناس أسس العقيدة الإنجيليّة الجديدة. ووقع صدامٌ بينه وبين أعضاء المجلس حول صلاحيّاته. فمطلب كالْفِن كان سلطةً مطلقةً وطاعةً عمياء في سبيل تحويل أفكاره النظريّة إلى واقعٍ عمليٍ. ولم يكن ليسمح بأيّ حريّةٍ في العقيدة أو الحياة العامة. ولم يتردّد في استخدام العنف والإرهاب في محاولة فرض نهجه. حاول عندها أعضاء المجلس عزل كالْفِن ونفيه من المدينة متمسّكين بقيمهم الديموقراطيّة بعدما تيقّنوا أنّ المزايا المؤقتة للدكتاتوريّة وللنّظام الصارم إنّما تُدفَع على حساب حريّة وحقوق الفرد. لكنّ خوفهم من انعدام الاستقرار وإعجاب الأغلبيّة بنموذج كالْفِن التنظيميّ جعلهم يرضخون لسلطة الدكتاتور.
مدينة كالْفِن الفاضلة
بدأ كالْفِن عمليّة تحويل المجتمع، وفق مبادئه النظريّة، بكلّ ما لدى شعبه من مشاعر وأفكار إلى نظامٍ أحاديٍّ وفق آليّةٍ صارمةٍ تُلزِمُ الناس بالعيش حسب طريقةٍ صحيحةٍ مطابقةٍ لإرادة الله وتعاليمه. تجاوز كالْفِن مطالب الإصلاح الدينيّ وابتعد عن أفكاره الأوّليّة. فقد بدأ الإصلاح كحركة تحرّرٍ أخلاقيٍّ تريد وضع الإنجيل في متناول الجميع لِيُكوّن كلّ فردٍ قناعته الذاتيّة بدلاً من سلطة البابا في روما. ولكنّ كالْفِن انتزع بلا هوادةٍ كلّ أشكال الحريّة الفكريّة ووضع خاتمةً لكلّ تأويلات تعاليم الله.
أسّس كالْفِن مدينته على أساس التعفّف والصرامة. فالإنسان -حسبه- يجب أن يعيش في خضوعٍ وإذعانٍ ورفضٍ لكلّ ملذّات الحياة. لذلك حرّم كلّ أشكال الفن وألغى الاحتفالات الدينيّة ووحّد ملابس الناس وعادات أيامهم وعلاقاتهم. وكما في كلّ دكتاتوريّةٍ، أسّس إدارةً تسهر على تطبيق تقاليده الرهيبة. تحقّق هذه الإدارة مع كلّ المواطنين بشكلٍ دوريٍّ وتفحص إيمانهم وتتدخل في كلّ تفاصيل حياتهم، فانعدم مفهوم الحياه الخاصّة تماماً. يشعر الإنسان في ظلّ هذا الإرهاب الأخلاقيّ بأنّه مذنبٌ دائماً وأنّه معرّضٌ في أيّ لحظةٍ للعقاب؛ مصادرة أملاكه، طرده من المدينة، أو حتى حرقه حياً. فيتحوّل كلّ إنسانٍ في مدينة كالْفِن، إلى جاسوسٍ ضد أقربائه وجيرانه، في سبيل الحفاظ على سمعته وتجنّب الملاحقة.
- ملخص كتاب اللاهوت العربي وأصول العنف الديني
- مارتن لوثر: مؤسس الكنيسة البروتستانتيّة
- فلسفة التنوير وتفكيك المقدّس
- ملخص رواية آموك لستيفان زفايغ
من هو سيباستيان كاستيليو؟
انجذب كاستيليو، أكثر رجال عصره ثقافةً، بقوةٍ إلى قضايا عصره الجديدة، حيث انشغل بمحاولات تجديد الدراسات الكلاسيكيّة. وانضمّ إلى المناقشات الملتهبة التي شغلت أوروبا بعد انطلاق حركة الإصلاح الدينيّ. تحوّل إلى البروتستانتيّة، بتأثير طبيعته الإنسانيّة، عندما شهد وحشيّة محاكم التفتيش في التعامل مع المارقين. تأثر كاستيليو بكتابات كالْفِن الداعية إلى الحريّة وتتلمذ على يده، وانتقل معه إلى جنيف بعدما استقر الأمر لكالْفِن هناك.
بدأ كاستيليو بترجمة الكتاب المقدّس إلى اللاتينيّة ومنها إلى الفرنسيّة لإيمانه بأنّ الحقيقة ينبغي أن تكون في متناول شعبه كما هي لدى الألمان. لكنّه اصطدم برفض كالْفِن طبع الكتاب بدون وضع تعديلاته وملاحظاته التي ستُفقِدُ الكاتب استقلاليّته. فالشخصيّة السلطويّة تعتبر أنّ مَن يفكر بطريقةٍ مستقلّةٍ معارض لا يُطاق. رفض كاستيليو الخضوع للتسلّط، وتمسّك بحريّته في تفسير الكتاب المقدّس، مما أدّى إلى المزيد من الصراع، خاصةً بعد موافقة مجلس المدينة على تعيين كاستيليو قسّيساً وبالتالي عضواً في المجمع الدينيّ دون الرجوع لكالْفِن الذي أراد احتكار التعليم. لكنّه طلب من مجلس المدينة أن يعفيه من وظيفة المدرّس وأن يسمح له بمغادرة المدينة عندما أدرك قدرة خصمه على الاحتيال وتزوير الحقائق بما يخدم سياسته.
حقق كالْفِن، بخروج خصمه الفكريّ من جنيف، نصراً لاستبداده. لكنّه لم ينس خصمه أبداً، فلا يمكن لأيّ دكتاتوريّةٍ أن تواصل العيش من دون قلقٍ في ظلّ وجود رجلٍ مستقلٍّ، ولو كان بعيداً.
عنف الدكتاتوريّة: حالة سيرفيت
كان ميغيل سيرفيت صاحب إرادةٍ صافيةٍ تبتغي الحقيقة. استبدّت به، مثل أبناء جيله، قضايا الصراع الكبير داخل الكنيسة، فانضمّ إلى المصلحين باندفاعٍ وراديكاليّةٍ، حتّى أنّه رأى أنّ التباعد والانفصال عن الكنيسة القديمة يحدث بتريّثٍ شديد. طالب سيرفيت بإلغاء النظريّة الخاطئة بشأن الثالوث الأقدس في الكنيسة الإنجيليّة، وهو ما يخالف إجماع أهل اللاهوت. وعندما رفض الحكماء آراءه، نشر أفكاره وبراهينه في صيغة كتابٍ مما أثار عاصفةً ضده.
طُرِد سيرفيت من كلّ مكانٍ ولم يعد له إلّا أن يختفي تماماً، فانتقل من مدينةٍ إلى مدينة، وعاد إلى فرنسا مُستخدماً اسماً مستعاراً. لكنّ شخصيّة المارق لم تَمُتْ في هذا الرجل الطَموح. فعندما تتملّك فكرةٌ ما إنساناً، تسيطر عليه حتّى آخر ذرّةٍ من مشاعره وتفكيره. لذلك حاول سيرفيت مجدداً إقناع المجتمع اللاهوتيّ بأفكاره. فاختار مراسلة كالْفِن الذي يثور غضباً من أدنى اعتراضٍ على أتفه الصغائر، بقصد استمالته لصالح فكرته.
قتل سيرفيت
استبدّ الغضب بكالْفِن بسبب هذا التبشير المَرَضيّ والإلحاح المجنون لذاك المعارض، وشعر بضرورة إسكات ذاك الصوت الهرطوقيّ. لو كان سيرفيت يعيش في مناطق نفوذه لحاول تسليمه إلى السلطات المدنيّة، ولكنّه يعيش باسمٍ مستعارٍ في مدينة فيينا تحت سلطة الكنيسة الكاثوليكيّة. لذلك أمر أتباعه بتدبير المكائد وحثّ السلطات الكنسيّة، بتحريضٍ غير مباشرٍ، على محاكمة سيرفيت. هرب سيرفيت مراراً واستبدّ به يأسٌ شديدٌ قاده بالنهاية، دون سببٍ مفهومٍ، إلى مدينة جنيف بالذات، أخطر مكانٍ عليه في العالم.
تمّ اعتقال سيرفيت وزُجَّ به في السجن حيث عانى من أسوأ ظروف الاعتقال والتحقيق والتعذيب النفسي. وبدأت محاكمته بدون تعيين محامٍ للدفاع عنه. كما حَرصَ كالْفِن على تطبيق أقسى عقوبةٍ في حقّ المتّهم على الرغم من أنّه لم يعد يشكّل خطراً عليه. ينبغي للمتمرّد على السلطة أن يدفع الثمن. فكلّ معارضٍ لتعاليمه الكنسيّة مجرمٌ ضدّ الدولة تتم محاكمته بدلاً من الرّد عليه بصفته لاهوتيّاً. وهكذا تمّ الحكم على سيرفيت بالحرق، مع كتبه، حيّاً ليكون عبرةً ودرساً لكلّ من تسوّل له نفسه ارتكاب جريمةٍ مماثلة.
ضميرٌ ينهض ضدّ العنف: منشور الحريّة
ما إن تمّت عمليّة إحراق سيرفيت حتّى اعتبرها معاصروها نقطةَ انحرافٍ أخلاقيٍّ في تاريخ البروتستانتيّة التي عانى أنصارها من محارق الكنيسة الكاثوليكيّة. فعمليّة الإعدام هذه هي أوّلُ قتلٍ دينيٍّ داخل حركة الإصلاح وأوّلُ إنكارٍ في منتهى الوضوح لأفكارها الأساسيّة التي قامت على مبدأ الحريّة الفكريّة للإنسان المسيحيّ. لذلك ارتفعت أصواتٌ مندّدةٌ بهذا الحدث واعتبرته مخالفاً للدين والقانون. عندها قام كالْفِن بالدفاع عن قرار الإعدام. فالقرار، برأيه، يهدف إلى حماية الكنيسة من أصحاب النوايا السيّئة.
انتفض المفكّرون المستقلّون الذين شعروا أنّ عمليّة إحراق سيرفيت كانت بمثابة إعلان حرب. فأصدروا، بقيادة كاستيليو الذي كتب تحت اسمٍ مستعارٍ في ظلّ الإرهاب الكالْفِينيّ، منشور التسامح. اعتبر كاستيليو في منشور التسامح أنّه لا ينبغي ملاحقة الزنادقة ومعاقبتهم بالإعدام على جنحةٍ ذات طابعٍ فكريّ. فالزنديق هو الذي لا يلتزم بالمسيحيّة برغم كونه مسيحيّاً، وإنّما يتشبّث في بعض النّقاط برأيه الشخصيّ وينحرف عن العقيدة الصّحيحة التي اختلفت الطوائف المنتشرة حينها في تحديدها. لذلك رفض كلّ أشكال الاضطهاد والعنف، وانتقد التعصّب وانعدام التسامح عند العقائديّين الذين لا يتحمّلون أيّ رأيٍ مخالفٍ لهم. وطالب بمنع عمليات التّعذيب والإعدام. وأكّد أنّ نشر التسامح والحريّة الفكريّة بعيداً عن عنف الدكتاتوريّة، هي السبيل الوحيد للعيش المشترك.
عنف الدكتاتوريّة في مواجهة التسامح والحريّة
أدرك الدكتاتور أنّ الناس لم يكونوا مستعديّن لالتزام الصمت إزاء قتل سيرفيت. فلجأ إلى القمع والرقابة، وسعى جاهداً لمنع صدور أيّ كتابٍ ينتقد ممارساته القمعيّة مستخدماً نفوذه السياسيّ وقوّة جهازه الأمني. وجنّد أهمّ أتباعه ليردّوا على كلّ منشورٍ هرب من الرقابة. وبدل محاولة احتواء الاضطراب، دعا هؤلاء إلى المزيد من العنف ضدّ من لا يلتزم بقواعد كالْفِن وتفسيراته للكتاب المقدّس.
بسبب ذلك أدرك كاستيليو أنّ صمته إزاء هذه التهديدات يعني الرضوخ النهائيّ للدكتاتوريّة وإطلاق ذراع العنف بلا رادعٍ. فبدأ بالكتابة، وهو صاحب النظرة الثاقبة والثقافة العالية، ردّاً على ادعاءات أتباع النظام. على الرغم من أنّه كتب بعقلانيّةٍ بعيدةٍ عن التوتر والهجوم الشخصيّ، فإنّ كلماته كانت واضحةً مباشرةً لا تتردّد في إعلان رفض كلّ ما لا يوافق العقل والمنطق والكتاب المقدّس. كان سلاح كاستيليو الوحيد هو قلمه في حين تخلى عنه أصحاب الفكر الحرّ خوفاً من العنف والقمع. بينما امتلك خصمه كلّ أدوات الدولة وعناصر القوّة.
تمكّن كالْفِن، باستخدام سلاح الرقابة والتهديد، من منع نشر أغلب كتابات كاستيليو، التي لم تر النور إلّا بعد عشرات السنين. وردّ هو وأتباعه على القلّة القليلة التي تمّ نشرها بصوتٍ عالٍ واتهاماتٍ كثيرةٍ حاولت النيل من سمعة كاستيليو. ولأنّ الدكتاتوريّات، وعلى الرغم من سيطرتها المطلقة، لا تستطيع احتمال صوت رجلٍ حرٍ رفض الإتبّاع الأعمى، سعى كالْفِن إلى إلصاق التّهم بمنافسه الفكريّ. لذلك خطّط لاستدراج كاستيليو إلى عمود المحرقة باستخدام كلّ وسيلةٍ ممكنةٍ.
في النهاية انتزع الموت المفاجئ كاستيليو قبل أن يقع في قبضة كالْفِن. وبالطبع، فإن هذه النهاية لا تُرضي الدكتاتور، فهو يريد تشويّه سمعة خصمه وسوقه للمحاكمة ليكون عبرةً يرسّخ بها سلطته بشكلٍ أعمق، ويردع من يفكّر بمعارضة أدقّ تفاصيل نظامه.
المصادر: كتاب عنف الدكتاتوريّة ل ستيفان زفايغ
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :