بدت عمارة الحداثة في يوم من الأيام ثوريّةً للغاية، وانتشرت بمدارسها المختلفة مثل «باوهاوس-Bauhaus» و«دي ستايل-De stijl» في أنحاء العالم. لكن في النهاية لم يصمد الحجم الهائل لهذه العمارة العمودية من الخرسانة أمام اللغة الكلاسيكية للعمارة. وظهر ما يعرف الآن باسم عمارة ما بعد الحداثة Postmodernism. كما يشير المصطلح بالفعل، فقد شكّلت عمارة ما بعد الحداثة نقطة تحوّل في تاريخ العمارة، ممّا يثبت استعداد الخبراء لتعريف هذا العصر الجديد على أساس رفض الحركة السابقة له.
محتويات المقال :
تميّزت فترة الستينيات بعدم الرضى عن عواقب حركة الحداثة وخاصّةً في أمريكا الشمالية. وسعى بعض الخبراء -بالتزامن مع بناء ناطحات السحاب- إلى إعادة إنسانية الهندسة المعمارية من خلال تخليصها من العمارة الحديثة.[1]
وقد ظهرت «عمارة ما بعد الحداثة – Postmodernism» لأوّل مرّة في الستينيات باعتبارها خروجًا عن الحداثة، ورد فعل ضدّ التقشّف والرسميّات والرتابة. حيث تدافع ما بعد الحداثة عن تصاميم مليئة بالعلاقات والرموز، والتي يمكن أن تنقل القيم الثقافية المختلفة. ووقفت ضدّ الملل والتشابه عن طريق الثناء على التنوّع.[2]
يقرُّ المنظّر والمعماري «تشارلز جنكس-charles jencks» موت عمارة الحداثة بهدم عدّة مباني. كونها لم تفِ بوعودها إذ لم تُوفّر لمستخدميها بيئةً صالحةً للعيش. وافتقرت إلى التواصل، بعبارة أخرى لم تتعامل مع العمارة كلغة، وفشلت كذلك في التواصل مع عامّة الناس. ووجد جنكس الحل البديل في عمارة ما بعد الحداثة والتي اعتبر أن أهم ميزة لها هي الترميز المزدوج؛ من وجهة نظره تتواصل مباني ما بعد الحداثة عبر مستويين في وقت واحد. فهي تعبّر عن معانٍ محدّدة لأقليّة من الخبراء مثل المعماريين ومؤرخي الفن، وغيرهم من الذين يميّزون إشارات ودلالات الأساليب التاريخية والإيماءات الساخرة. بينما في الوقت نفسه تتواصل هذه المباني مع جمهور أكبر من الناس عن طريق استدعاء الصور التي ترضي مشاعر الحنين لديهم.
هاجمت الصحفية «جاين جاكوبز-Jane Jacobs» التخطيط العمراني الحديث بسبب فشله في تصميم بيئات آمنة وصالحة للعيش، وذلك لأنّه عرقل التفاعل الاجتماعي بدلًا من تحفيزه كما حدث في برج تريليك والذي يعود للعمارة الوحشية. وأدّى التصميم الحديث كذلك إلى خلق رتابة وملل ومبانٍ أحادية الوظيفة.
كما اشتكى المعماري «روبرت فينتوري-Robert Venturi» من أن الحداثة شكّلت نظامًا جامدًا ونمطيًّا، في حين تمتلك التعقيدات والتناقضات قدرة أكبر على إثارة اهتمام مستمر لدى الأفراد.[3]
امتلك معماريو عمارة ما بعد الحداثة العديد من وجهات النظر المختلفة لكنّهم تشاركوا الرغبة في تبديد المخاوف من الذاكرة التي سادت في عمارة الحداثة، والتي كانت قد رفضت تقليد كل ما هو قديم.[1]
وتتعارض عملية تحديد خصائص عمارة ما بعد الحداثة مع الرؤية التعدّدية لها والتي ترفض العالمية. ويستخدم المصطلح اليوم للدلالة على سلسلة من التعبيرات المعمارية الجديدة التي تهدف إلى انتقاد عمارة الحداثة. وبذلك تُمثّل عمارة ما بعد الحداثة روح التشكيك في الظروف غير المرضية دون رفض وجود الماضي أو فهم الظروف الثقافيّة الجديدة والتقنيات الحديثة.[2]
اشتركت اتّجاهات ما بعد الحداثة في رفض التركيز على الوظائف والكفاءة التي ميّزت عمارة الحداثة. وبشكل عام يمكن تمييز 3 اتّجاهات، لكن لا تخلو الحركة من معماريين لا يمكن تصنيفهم ضمن قالب معين.
بصفة عامّة تمتّع معماريو ما بعد الحداثة بحريّة استعارة عناصر من الماضي سواءً من الفترة الكلاسيكية أو حتى من العمارة الحديثة!. ففي بعض الأحيان تصنّف أعمال معماريين مثل «ريتشارد ماير-Richard Meier» و«ريم كولهاس-Rem Koolhaas» على أنها تعود لعمارة ما بعد الحداثة على الرغم من أنهم يقلّدون بوضوح التصميم الحديث.[3]
صمّم مبنى AT&T «فيليب جونسون-Philip Johnson» و John Burgee، ويتكوّن البرج من 37 طابقًا، ويجمع بين الجاذبية التجارية وأفكار ما بعد الحداثة. شيّد البرج بنظام الإطارات لكن عوضًا عن استخدام واجهات زجاجية كما في «الطراز الدولي-international style» استخدموا الغرانيت الوردي للإكساء. بصورة شاملة يعكس البرج عمارة الماضي مستعيرًا عناصر معماريةً من مصادر متباينة مثل إيطاليا في عصر النهضة، وإنجلترا في القرن ال17، وحتى نيويورك في القرن ال19.[4]
صمّم «مبنى بورتلاند-the Portland building» للخدمات المعماري «مايكل جريفز-Michael Graves». ويعرض التصميم العديد من العناصر الرمزيّة على واجهاته الضخمة في تناقض واضح مع التصميم الحديث. إذ يسعى المبنى إلى إنشاء اتصال بين الماضي والحاضر باستخدام إكساءات جصيّة تضمّ عناصر كلاسيكية أعيد تفسيرها. ويُذكّر التصميم كذلك بالبناء اليوناني وعلاوةً على ذلك أضاف جريفز رمزية من خلال اللون الأخضر والأزرق للدلالة على الأرض والسماء، من أجل ربط المبنى بصريًّا مع بيئته وموقعه.
انتُقد التصميم كثيرًا بسبب عدم كفاءته الوظيفية، على سبيل المثال؛ صعوبة الوصول إلى المداخل من ثم وجود ردهة ضيّقة وغير مريحة. واشتكى المستخدمون بسبب وجود مطعم بدون نوافذ بالإضافة إلى أنّ المساحات المكتبيّة كانت مظلمةً وخانقةً. [5]
يشير العديد من النقّاد أن عمارة ما بعد الحداثة تميّزت بالسطحيّة، والمبالغة، والاشتقاق من الماضي. وبدأت الحركة بالتلاشي في نهاية القرن ال20، بينما عادت مبادئ عمارة الحداثة بالظهور مجدّدًا. ربّما ارتبط هذا التقدير المتزايد للخطوط البسيطة للمباني بسنوات الركود على الأقل في أوائل التسعينيات بعد انهيار سوق الأوراق المالية عام 1987. إذ رغب العملاء بتوفير المال عن طريق تصاميم أبسط، ممّا أدّى إلى التخلّي عن الزخرفة المعقّدة المكلفة المرتبطة بما بعد الحداثة.[1]
اليوم لا يمكن لأحد أن يشكّك بأهميّة عمارة ما بعد الحداثة وأن الاستخدام البسيط للأفكار التاريخية قد صنع هذا التطوّر الصادم في العمران والثقافة الشعبيّة.
في عالم الكم، لم تعد قواعد الفيزياء الكلاسيكية قابلة للتطبيق. واحدة من أكثر الحالات الرائعة…
أظهرت دراسة جديدة أن المرضى يجدون الذكاء الاصطناعي أكثر تعاطفاً وتفهماً من الأطباء النفسيين وخبراء…
باتت التجارب الرقمية أكثر عمقًا وانغماسًا مع دمج الحواس البشرية في البيئات الافتراضية. ويأتي نظام…
في اكتشاف رائد، كشف باحثون من جامعة أتينيو دي مانيلا عن أدلة على وجود شكل…
درس العلماء الأسماك الغضروفية الحديثة، مثل أسماك القرش وأسماك الزلاجات. وقارنوها بنظيراتها عديمة الفك، مثل…
تحول دماغ شاب إلى زجاج منذ ما يقرب من 2000 عام، وهي ظاهرة يعتقد العلماء…