تختلف وسائل تربية الأطفال حسب ثقافة الأهل والمجتمع، ويعتبر التأديب الجسدي شائعا في العديد من البلدان بما فيها العربية رغم بدء اعتباره عالميا انتهاكا لحقوق الأطفال.
هذا وقد أصدرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل في عام 2006 توجيها اعتبرت من خلاله العقاب الجسدي ” عنفا مشروعا تجاه الأطفال”، ويجب إيقافه بكافة الطرق التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية.
تدعم العديد من الدراسات توجيهات الأمم المتحدة لاستنتاجها وجود علاقة بين التأديب الجسدي والعديد من الآثار السلبية على سلوك الطفل.
ولكن يجب أن نشير لأن التأديب الجسدي يختلف عن الإساءة والتعذيب Child Abuse وينفصل عنه بخيط رفيع جدا.
محتويات المقال :
إذا، كيف يعرف العقاب الجسدي؟!
هو ارتكاب أي فعل مؤلم أو مزعج تجاه الطفل كعقاب لسلوكه ولكن دون حصول إصابة جسدية.
وتتضمن وسائل التأديب الجسدي العديد من الأمثلة منها:
- الضرب (وهو أشيعها)
- القرص والشد
- الضرب باستخدام أداة مثل الحزام أو الفرشاة أو العصا
- إجبار الطفل على تناول أغذية مزعجة كالفلفل الحار أو الملح.
إن الآثار الإيجابية للتأديب الجسدي من ناحية تقويم السلوك قصيرة الأمد، فيما أن آثارها السلبية تتراكم مع الوقت
يلجأ الآباء لتربية أطفالهم وتقويم سلوكهم من خلال العقاب الجسدي أملا منهم بإنتاج فرد خلوق وبناء اجتماعيا، لكن غالبا مايحصل العكس.
حيث تظهر الدراسات أنه بهذه الوسيلة يتم تعزيز السلوك الاجتماعي المرغوب بالتخلص منه، حيث قد تقتصر إطاعة الطفل والتزامه على تواجد الأهل فقط، فيما يقتنص فرصة غيابهم خارجا لممارسة سلوكه بحرية.
لا يمكن أن نلوم الطفل فالضرب بالتأكيد لن يتيح فرصة للنقاش وبالتالي لن يدرك الطفل مخاطر سلوكه وسبب وجوب توقفه عنه. أليس كذلك؟!
إن هذه النقطة مهمة جدا، فكل شيء يبدأ من هنا تماما، فعندما يختل إدراك الطفل لما حوله من مبادئ سيهتز فهمه للعالم بالتأكيد. العقاب الجسدي يؤثر على تطور الإدراك!! كيف؟!
يظهر التطور الإدراكي للطفل حسب فرضيات مجتمعية-ثقافية نتيجة لتفاعلاتهم الاجتماعية مع المحيط.
قد تؤثر علاقات الأطفال كتعلقهم في سنواتهم الأولى بمقدمي الرعاية ثم لاحقا بالأصدقاء والأخوة والمعلمين بشكل مباشر أو غير مباشر برغبتهم في التعلم وقدرتهم عليه. لذلك فطريقة التربية وتوجيه الأطفال للتعامل مع المحيط حساسة جدا، حيث تحفز الوسائل الشفهية كالشرح والنقاش المنطقي الإدراك والوعي عند الأطفال أكثر من الوسائل الجسدية لوحدها.
قد يعود هذا أيضا لقلق الأطفال من اكتشاف عوالمهم الخاصة خوفا من العقاب الجسدي.
بينت بعض الدراسات كذلك أن الأطفال الذين يتعرضون للتأديب الجسدي الشديد يعانون أكثر من غيرهم من انخفاض الأداء المدرسي والتأقلم مع بيئة المدرسة.
التأقلم مع المحيط!! حسنا، يصعب على الطفل العدائي أن يتأقلم أو يكون صداقات أليس كذلك؟! ما علاقة العقوبة الجسدية بهذا؟
غالبا ما يعتبر الطفل الذي يتعرض للعقاب الجسدي هذا أمرا مقبولا، فالأهل هم القدوة. وبالتالي غالبا ما يلجأ لحل مشاكله مع الأخوة والأقارب عن طريق الضرب.
وسيلة الأهل تصبح وسيلة الابن.
في الحقيقة إن الآباء الذين يستخدمون العقاب الجسدي، قد تعرضوا له في طفولتهم أيضا.
قد يجادل البعض بأنهم تعرضوا للضرب في صغرهم، وها هم الآن بالغون سويون، وبل قد يتفاخرون بالطريقة التي تربوا بها. في الحقيقة، من حقهم طرح هذه الجدلية ولكن!؟
ينتقد D. Robert Larzelere ( وهو بروفسور في جامعة أوكلاهوما يقوم بدراسة وسائل تربية الآباء) بعض الدراسات من خلال نقطتين أولاهما: عدم إظهار هذه الدراسات علاقة سببية مباشرة بين التأديب الجسدي والآثار السلبية ( يقصد هنا أنه لا يمكن أن نقول أن ضرب الطفل بالتأكيد وبشكل مسلم به سيؤدي للعدوانية أو الإجرام مستقبلا). أما النقطة الثانية فهي بأن بعض الدراسات لا تفرق بين الشدات المختلفة للعقاب الجسدي.
كما وجد Larzelere وأحد زملائه من خلال تحليل 26 دراسة مختلفة، أن النهج التأديبي الذي وصفاه ب “الضرب المشروط” أدى إلى انخفاض أكبر في سلوك الطفل المعاند defiant أو المعادي للمجتمع مما أدت له 10 طرق تأديبية بديلة من أصل 13، بما في ذلك الإقناع بالمنطق، وإزالة الامتيازات والوقت المستقطع.
هذا ويعرّف Larzelere الضرب المشروط على أنه تقنية تأديبية للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 2 و 6 سنوات، حيث يستخدم فيها الوالدان ذراعيهما المفتوحتين لإجراء ضربة خفيفة على الأرداف فقط بعد أن يتحدى الطفل وسيلة التأديب الأخف.
رغم ذلك، يوافق D. Larzelere على أهمية تقليل الأهل لاستخدامهم العقاب الجسدي.
تناقش هنا D. Elizabeth Gershoff ( وهي البروفيسورة التي تقود الأبحاث حول العقاب الجسدي في جامعة تكساس ) بأن أغلب الدراسات سيكون فيها نسبة من الانحياز بسبب عدم قدرتنا على توزيع الأطفال بشكل عشوائي على آباء عشوائيين. ( يعتبر التوزيع العشوائي قانونا إحصائيا في الدراسات العلمية ) ولكنها تتابع مشيرة إلا أنه لا يمكن أبدا تجاهل كل هذه الدراسات التي تربط بين التأديب الجسدي والآثار السلبية على الطفل.
” يمكنني أن أعد على يد واحدة الدراسات التي وجدت أثرا إيجابيا للعقاب الجسدي، فيما يوجد مئات الدراسات التي أظهرت أثرا سلبيا “. تجادل د.إليزابيث
من جهة أخرى، وجدت دراسة أجريت على ست دول مختلفة يعتبر فيها العقاب الجسدي منتشرا كجزء من عادات التربية في المجتمع وأمرا طبيعيا كذلك أن الآثار الجانبية كانت أقل خطورة ولكن رغم ذلك كان هؤلاء الأطفال أكثر عدوانية وقلقا من غيرهم.
وبذلك وعلى اختلاف الدراسات المجراة يمكن أن نخلص لمجموعة من الآثار السلبية التي قد يؤدي إليها العقاب الجسدي أو يعززها على الأقل عند الأطفال:
- الاعتقاد بأن العقاب الجسدي أمر مقبول وطبيعي
- العدوانية والتنمر على الأطفال الآخرين
- الخوف من الأهل وقلة الثقة بالنفس
- أكثر عرضة للاظطرابات السلوكية واضطرابات الشخصية
- أكثر ميلا للقلق والاكتئاب.
تزداد هذه الآثار كلما زادت وتيرة وشدة العقاب الجسدي.
نتمنى بعد قراءة هذا المقال أن تفكر قليلا قبل أن ترفع يدك لتعنف بها طفلك.
المصادر:
American Psychology Association: The case against spanking
American Psychology Association: Is Corporal Punishment an Effective Means of Discipline?
American Academy of Child & Adolescent Psychiatry: Physical Punishment
Ministry of Social Development:The State of Research on the Effects of Physical Punishment
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :