ما هي الاضطرابات النفسية؟
ستأخذنا هذه السلسلة في رحلة نتعرف فيها على أشهر الاضطرابات النفسية، وكيف تؤثر هذه الاضطرابات على جودة حياة الإنسان، ولكن قبل البدء يجب التعرف على ما معنى اضطراب نفسي؟ ومتى يعتبر الخلل مرضًا؟ كذلك سنتحدث على تأثير الحرب العالمية الثانية في تصنيف هذه الأمراض.
محتويات المقال :
أصبحت الاضطرابات النفسية ولا سيما عواقبها وعلاجها مصدر قلق أكبر، وتحظى باهتمام أكبر مما كانت عليه في الماضي.
إن الاضطرابات النفسية موضوع اهتمام بارز لعدة أسباب. على الرغم من كونها دائمًا دائمًا شائعة، ولكن القضاء على العديد من الأمراض الجسدية الخطيرة التي أصابت البشر سابقًا، أو العلاج الناجح لها جعل الأمراض العقلية سببًا أكثر وضوحًا للمعاناة، وتمثل نسبة أعلى من الأشخاص المعوقين بسبب المرض.
علاوة على ذلك، بدأ الجمهور يتوقع أنه يمكن لمهن الطب والصحة العقلية أن تساعد في تحسين نوعية الحياة عن طريق تحسين الأداء العقلي والبدني على حد سواء. وبالفعل أصبح هناك انتشار واضح لكل من العلاجات الدوائية والنفسية. كما أدى انتقال العديد من المرضى النفسيين الذين لا تزال تظهر عليهم أعراض واضحة من المستشفيات العقلية إلى المجتمع المحلي إلى زيادة وعي الجمهور بأهمية وانتشار المرض النفسي.
على الرغم من زيادة الاهتمام بالاضطرابات العقلية إلا أنه لا يوجد تعريف بسيط ومحدد للاضطراب النفسي عالميًا. وَيرجع ذلك جزئيًا إلى أن الحالات العقلية، أو السلوك الذي يُنظر إليه على أنه غير طبيعي في ثقافة ما قد يُنظر إليه على أنه طبيعي أو مقبول في ثقافة أخرى، وفي أي حال من الصعب رسم خط يفصل بوضوح بين الأداء العقلي غير الطبيعي والصحي.
إن التعريف الضيق للمرض العقلي سيصر على وجود مرض عضوي للدماغ سواء بنيوي أو كيميائي حيوي. أما التعريف الواسع بشكل مفرط من شأنه أن يعرّف المرض العقلي بأنه ببساطة نقص أو غياب للصحة العقلية – أي حالة من الرفاه العقلي والتوازن والمرونة حيث يمكن للفرد أن يعمل بنجاح، ويكون قادر على أن يتحمل ويتعلم كيف يتعامل مع الصراعات والضغوط التي تواجهه في الحياة.
هناك تعريف مفيد أكثر ينسب الاضطراب العقلي إلى الاختلالات أو الاضطرابات النفسية، أو الاجتماعية، أو البيوكيميائية، أو الجينية في الفرد.
يمكن أن يكون للمرض العقلي تأثير على كل جانب من جوانب حياة الشخص بما في ذلك التفكير، والشعور والمزاج، والنظرة العامة، ومجالات النشاط الخارجي مثل الأسرة، والحياة الزوجية، والنشاط الجنسي، والعمل والترفيه، وإدارة الشؤون المادية، ويهتم علم النفس المرضي بدراسة هذه العمليات.
تؤثر معظم الاضطرابات النفسية سلبًا على شعور الأفراد تجاه أنفسهم وتضعف قدرتهم على المشاركة في علاقات مفيدة للطرفين.
يدرس “علم النفس المرضي-psychopathology” بطريقة منهجية الأسباب والعمليات والمظاهر العرضية للاضطرابات النفسية. إن الدراسة الدقيقة والملاحظة والاستفسار التي تميز تخصص علم النفس المرضي هي بدورها أساس ممارسة الطب النفسي (أي علم تشخيص الاضطرابات النفسية وعلاجها وكذلك التعامل معها و الوقاية منها).
يشمل الطب النفسي وعلم النفس والتخصصات ذات الصلة مثل علم النفس الإكلينيكي والاستشارات مجموعة واسعة من التقنيات والأساليب لعلاج الأمراض العقلية، وتشمل هذه استخدام العقاقير ذات التأثير النفساني لتصحيح الاختلالات الكيميائية الحيوية في الدماغ، أو غير ذلك لتخفيف الاكتئاب والقلق والحالات العاطفية المؤلمة الأخرى.
وهناك مجموعة أخرى من العلاجات المهمة وهي العلاجات النفسية، والتي تَسعى إلى علاج الاضطرابات النفسية بالوسائل النفسية والتي تنطوي على العلاج بالكلام، والتواصل بين المريض وشخص مدرب في سياق علاقة شخصية علاجية بينهما. تركز الأنماط المختلفة للعلاج النفسي بشكل متنوع على التجربة العاطفية والمعالجة المعرفية والسلوك العلني.
لا توجد عمومًا اختبارات دم أو فحوصات دماغية يمكن أن تؤكد وجود مرض عقلي ولكن يمكن أن تكون هذه الاختبارات مفيدة في استبعاد الأسباب المحتملة الأخرى للأعراض.
يتم تعريف كلمة “التشخيص” بطريقتين مختلفتين، وهما: ” فحص شخص ما لتحديد مرض أو مشكلة ما”، ويشير أيضًا إلى “بيان أو استنتاج يصف مرضًا”.
تعكس عملية تشخيص المرض العقلي كلا التعريفين ويمكن تلخيصها في ثلاث خطوات رئيسية:
1. جمع المعلومات
سيقوم أخصائي الصحة العقلية أولاً بجمع المعلومات من الشخص من خلال مقابلة مفصلة تتضمن اكتشاف اهتمامات الشخص الرئيسية، وأعراضه، وتاريخ حياته. يتم أحيانًا الحصول على معلومات إضافية من أسرة الشخص أو مقدمي الرعاية، ومن سجلات العلاج السابقة. قد يتم تضمين الفحص البدني والاختبارات المعملية والاستبيانات النفسية غالبًا لاستبعاد الأمراض الأخرى.
2. تضييق الخيارات
بعد ما يتم الحصول على كل هذه المعلومات ودمجها؛ سيبدأ الأخصائي في تحديد ما إذا كانت أعراض الشخص تتطابق مع تشخيص رسمي واحد أو أكثر. يتكون كل تشخيص من قائمة بالعلامات أو الأعراض الشائعة. سيقارن الأخصائي الأعراض التي يعاني منها الشخص بقائمة الأعراض التي تتضمن تشخيصًا محددًا. إذا كانت أعراض الشخص مطابقة تمامًا لتلك الموجودة في القائمة الرسمية لاضطراب معين، فيمكن عندئذٍ إجراء التشخيص.
تم وصف أعراض الأمراض العقلية المختلفة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5) الذي نشرته الجمعية الأمريكية للطب النفسي. يستخدم الأطباء هذا الدليل لتحديد المرض العقلي.
3. تكوين انطباع تشخيصي
بعد مراجعة جميع المعلومات سيشكل المحترف انطباعًا أوليًا أو مؤقتًا باستخدام مصطلحات التشخيص المعمول بها.
يوجد أكثر من مائتي تشخيص مختلف للاضطرابات النفسية. على سبيل المثال إن الفصام، والاضطراب ثنائي القطب، ورهاب الخلاء، واضطراب تعاطي الكحول أمثلة على التشخيص.
كانت الحاجة إلى تصنيف الاضطرابات النفسية واضحة طوال تاريخ الطب، ولكن حتى وقت قريب لم يكن هناك اتفاق يذكر بشأن الاضطرابات التي يجب تضمينها والطريقة المثلى لتنظيمها. اختلفت أنظمة التصنيف العديدة التي تم تطويرها على مدار السنوات الماضية في تركيزها النسبي على الظواهر والمسببات والدورة كميزات محددة.
تضمنت بعض الأنظمة عددًا قليلاً فقط من فئات التشخيص، وشملت الأخرى الآلاف. علاوة على ذلك، اختلفت الأنظمة المختلفة لتصنيف الاضطرابات النفسية فيما يتعلق بما إذا كان هدفها الرئيسي هو الاستخدام في الإعدادات السريرية، أو البحثية، أو الإدارية.
نظرًا لأن تاريخ التصنيف واسع جدًا بحيث لا يمكن تلخيصه هنا فإن هذا المقال يركز فقط على أشهر نظامين للتقسيم، وهما الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM)، والتصنيف الدولي للأمراض (ICD).
نشرت الجمعية الأمريكية للطب النفسي الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية في عام 1952، وكان يعتمد على نظام ICD-6 والنظام العسكري. احتوى الدليل الأول-1 DSM على حوالي 60 اضطرابًا واستند إلى نظريات علم النفس غير الطبيعي وعلم النفس المرضي، وكان للحرب العالمية تأثيرًا واضحًا في إصداره، واستمر تحديث DSM من الإصدار الأول للخامس الّذي صدر في عام 2013.
أما التصنيف الدولي للأمراض-ICD فهو وظيفة أساسية لمنظمة الصحة العالمية منصوص عليها في دستورها، وصدقت عليها جميع الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية البالغ عددها 193 دولة.
إن التصنيف الدولي للأمراض موجود منذ أكثر من قرن وأصبح مسئولية منظمة الصحة العالمية عندما تأسست في عام 1948 كوكالة من وكالات الأمم المتحدة. قبل عام 1980 عكست أنظمة التشخيص النفسي أفكار التحليل النفسي السائدة في ذلك الوقت مؤكدة على دور الخبرة، والتقليل من أهمية علم الأحياء.
كان نظام DSM و ICD مختلفين في الماضي ولكن الآن أصبح النظامين متشابهين جدًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الاتفاقات التعاونية بين المنظمتين، وكذلك لأنه ليس من المفيد للمجال أن يكون هناك نظامان منفصلان لتصنيف الاضطرابات النفسية.
يتم تصنيف الاضطرابات النفسية في DSM في آخر إصداراته إلى 20 صنف تشمل:
1. اضطرابات النمو العصبي
2. الاضطرابات العصبية
3. اضطرابات النوم واليقظة
4. اضطرابات القلق
5. اضطرابات الاكتئاب
6. الاضطراب ثنائي القطب والاضطرابات ذات الصلة
7. طيف الفصام والاضطرابات الذهانية الأخرى
8. الصدمات والاضطرابات المرتبطة بالتوتر
9. الاضطرابات المرتبطة بالمخدرات والإدمان
10. اضطرابات الشخصية
11. الاضطرابات التخريبية والسيطرة على الانفعالات والسلوك
12. الوسواس القهري والاضطرابات ذات الصلة
13. اضطرابات الأعراض الجسدية
14. اضطرابات التغذية والأكل
15. اضطرابات الإقصاء
16. اضطراب تعدد الشخصيات
17. الاختلالات الجنسية
18. اضطراب الهوية الجندرية
19. الانحراف الجنسي
20. اضطرابات أخرى
سنتحدث في هذه السلسلة على أشهر الاضطرابات التي يشملها هذا التصنيف.
في الولايات المتحدة كان الحافز الأولي لتطوير تصنيف للاضطرابات النفسية هو الحاجة إلى جمع المعلومات الإحصائية. ما يمكن اعتباره المحاولة الرسمية الأولى لجمع معلومات حول الصحة العقلية في الولايات المتحدة هو تسجيل تكرار حالات “الجنون” كما تعرف سابقًا في تعداد عام 1840، وفي تعداد عام 1880 تم تمييز سبع فئات من الاضطرابات النفسية: الهوس، والكآبة، والهوس الوحشي، والشلل الجزئي، والخرف، وهوس الاكتئاب، والصرع.
في عام 1917 طورت الجمعية الأمريكية للطب النفسي جنبًا إلى جنب مع اللجنة الوطنية للصحة العقلية خطة اعتمدها مكتب الإحصاء لجمع إحصاءات صحية موحدة عبر المستشفيات العقلية.
على الرغم من أن هذا النظام كرس مزيدًا من الاهتمام للفائدة السريرية أكثر من الأنظمة السابقة إلا أنه كان لا يزال تصنيفًا إداريًا في المقام الأول.
في عام 1921 غيرت الجمعية الأمريكية للطب النفسي- APS اسمها، وتعاونت لاحقًا مع أكاديمية نيويورك للطب لتطوير تصنيف مقبول على المستوى الوطني للأمراض النفسية، والذي سيتم دمجه في الطبعة الأولى من التسمية الموحدة للأمراض الصادرة عن الجمعية الطبية الأمريكية. تم تصميم هذا النظام في المقام الأول لتشخيص المرضى الداخليين الذين يعانون من اضطرابات نفسية وعصبية شديدة.
تم تطوير نظام تصنيف أوسع بكثير في وقت لاحق من قبل الجيش الأمريكي (وتم تعديله من قبل إدارة المحاربين القدامى) لدمج عروض العيادات الخارجية لجنود الحرب العالمية الثانية، وقدامى المحاربين على سبيل المثال الاضطرابات النفسية والفسيولوجية والشخصية والاضطرابات الحادة.
في الوقت نفسه نشرت منظمة الصحة العالمية (WHO) الطبعة السادسة من التصنيف الدولي للأمراض، والتي تضمنت لأول مرة قسمًا للاضطرابات النفسية.
تأثر التصنيف الدولي للأمراض السادس بشدة بتصنيف إدارة المحاربين القدامى وشمل 10 فئات للذهان والاضطرابات النفسية وسبع فئات لاضطرابات الشخصية والسلوك والذكاء.
قامت لجنة APA المعنية بالتسميات والإحصاءات بتطوير متغير من التصنيف الدولي للأمراض تم نشره في عام 1952 كإصدار أول من DSM. احتوى الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية على مسرد لأوصاف فئات التشخيص وكان أول دليل رسمي للاضطرابات النفسية يركز على الاستخدام السريري.
وبالتالي نلاحظ أن الحرب العالمية الثانية كانت حجر الأساس لوضع تصنيف معتمد يصنف الاضطرابات النفسية ويمثل قاعدة رئيسية لتشخيصها.
في الحقيقة إن الحروب بصفة عامة شكلت نقلة في فهمنا للاضطرابات النفسية كذلك، فبعد وقت طويل من الاعتقاد بأن الاضطرابات النفسية خلل جسدي في الدماغ يولد به الإنسان أتت عدة حروب لتبرهن على أن المرض النفسي يحدث لعدة أسباب متداخلة تشكل البيئة والظروف سببًا مهمًا ضمنها.
بالإضافة إلى ما هي الاضطرابات النفسية؟ اقرأ أيضًا: أشهر 10 اضطرابات نفسية: مقدمة حول اضطرابات الشخصية
1. britannica.com
2. healthdirect.gov
3. psychologytoday.com
4. psychiatry.org
5. apa.org
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…
View Comments