Ad
هذه المقالة هي الجزء 1 من 7 في سلسلة مقدمة في نظريات اكتساب اللغة

تعلم اللغة واكتسابها: عمليتان مختلفتان في الظروف والمراحل

بين عمليتي تعلم اللغة واكتسابها، يكمن فرق في الآلية التي تتم فيها العملية والظروف التي تجري ضمنها. إذ لا يتوقف الاختلاف بين هاتين العمليتين على رقم اللغة موضوع التعلم؛ فيما إذا كانت اللغة الأولى (اللغة الأم) أو لغة أخرى غيرها.

الفرق بين تعلم اللغة واكتسابها

يمكن تعريف اكتساب اللغة على أنه التطور التدريجي للمقدرة اللغوية لدى المتحدث. ويكون هذا التطور نتيجةً طبيعيةً لعمليات التواصل مع المحيط الناطق بهذه اللغة. فتلقي اللغة في هذه الحالة هو أمر عفوي وتلقائي، لأنها لغة المجتمع الذي يعيش فيه الشخص. لذا يكون إتقانها أمراً مفروضاً من مواقف الحياة اليومية أكثر من كونه خياراً [1].

بالمقابل، يُعرف التعلم على أنه عملية تتسم بالوعي والإدراك. أي أنها مقصودة ومخططٌ لها من قِبَل المتعلم. فهو يعمل على تجميع المعلومات المتعلقة باللغة الهدف. كما يدرس سماتها وقواعدها ومفرداتها باختياره. وغالباً ما يتم هذا في سياق تدريسي كصفّ أو مدرسة [1].

ترتيب اللغات التي يمكن اكتسابها / تعلمها

بالنسبة للغة الأم، يكون إتقانها لدى الأطفال ناتجاً عن عملية اكتسابٍ لا تعلم. فالطفل يتعرض للّغة مما يسمعه من الأشخاص من حوله. ويؤدي هذا إلى التقاطها وتطورها لديه. حتى عندما نتكلم عن الأطفال ثنائيي اللغة، يكون إتقانهم للغة الثانية أيضاً بعملية اكتساب. فهؤلاء هم الأطفال الذين يعيشون في بيئة تتحدث لغتين. قد تتمثل هذه البيئة بالوالدين أو مقدمي الرعاية أو المجتمع المحيط. وعادة ما يكتسب الطفل اللغتين بالتزامن مع بعضهما [2].

أما عند الانتقال إلى لغة غير اللغة الأم، يجب التمييز بين مصطلحين. فاللغة الأخرى هي إما أن تكون “لغة ثانية” أو “لغة أجنبية”، ولكل من هذين المصطلحين دلالةٌ مختلفة. بالنسبة للغة الثانية، فهي اللغة التي يتعلمها غير الناطق بها عندما يكون في مجتمعٍ أو محيطٍ يتحدثها. على سبيل المثال، عندما يسافر شخص عربي إلى فرنسا ويباشر تعلم اللغة الفرنسية، فهي لغة ثانية بالنسبة للمتعلم. فهو في تلك الحالة يعيش في مجتمع يتحدث اللغة الهدف. وحتى وإن درسها في مؤسسة تعليمية، فهو يعيش في بيئة تنطق بها وتتخذها لغة أصلية. أما إذا التحق المتعلم نفسه في أحد معاهد تعلم اللغة الفرنسية في بلده العربي، تكون عندها الفرنسيةُ لغةً أجنبيةً، لأنه يتعلمها ضمن مجتمع غير ناطقٍ بها [1].

اكتساب (وليس تعلم!) اللغة الأم

تنطوي أول سنتين من نمو الطفل على الكثير من عمليات التفاعل مع أشخاصٍ يستخدمون اللغة. وهذا ما يساهم في تطويرها لديه. إذ إن الأطفال الذين لا يسمعون اللغة – إما لأسباب صحية أو لغير ذلك من الظروف التي قد يتعرضون لها – لن يكونوا قادرين على الكلام. وهذا يدل على أن اللغة التي يتعلمها الطفل هي مكتسبةٌ وليست أصلية أو موروثة. كما أنها تتأثر بالبيئة المحيطة وبكيفية استخدام اللغة فيها [1].

المدخلات التي تساعد على اكتساب اللغة الأم

من الأمور التي تساعد الطفل على اكتساب اللغة وجود “المدخلات” اللغوية التي تنتج عن البالغين أو حتى الأطفال الأكبر سناً ممن يختلط معهم. وتمر هذه العملية بمراحل متعددة. فالطفل لا يبدأ باستخدام كلماتٍ كاملةٍ أو جملٍ صحيحةٍ مباشرةً. بل يأخذ وقتاً حتى يصل إلى مرحلة الإتقان اللغوي، خاصة وأن الكبار من حوله لا يستخدمون معه اللغة الصحيحة تماماً. بل يميل مقدمو الرعاية، إما الوالدان أو غيرهم من الكبار، إلى استخدام لغةٍ بسيطةٍ وعباراتٍ غير معقدة عند التواصل مع الأطفال الصغار [1].

تمر عملية اكتساب اللغة الأم لدى الأطفال بمراحل متعاقبة. وعند تقسيم هذه المراحل، من الجدير الانتباه إلى أن الأعمار التي تحدد هذه المراحل هي تقديرية. صحيح أن اللغويين يؤكدون على توخي الدقة في هذه التفاصيل. لكنهم يشيرون إلى أنه في مجال لغة الأطفال، يوجد احتمال تباين كبير بين مختلف الأطفال فيما يتعلق بالعمر الذي يبدؤون فيه بإصدار اللغة، ومراحل تطورها لديهم [1].

مراحل اكتساب اللغة الأم لدى الأطفال

في المرحلة الأولى، تكون المخرجات اللغوية من الطفل عبارةً عن أصواتٍ مثل “با با با” أو “غو غو غو”. تتزامن هذه المرحلة مع الأشهر الأولى من حياة الطفل، ومع تقدمه بالعمر، تتداخل مختلف الأصوات مع بعضها. كما يبدأ الطفل بمحاولة تقليد الكبار بالنبرة. بدورهم، يقوم مقدمو الرعاية والبالغون المحيطون بالطفل بالتفاعل مع هذه الأصوات كأنها تواصل متكامل. وبالنتيجة، تتطور قدرة الطفل على التفاعل الاجتماعي باستخدام الأصوات [1].

أما المرحلة الثانية لاكتساب اللغة، فتأتي بين عمر السنة وسنة ونصف. وتتسم لغة الطفل عندها باحتوائها على العديد من الكلمات ذات المقطع الصوتي الواحد، والتي يسهل تمييزها. وتشير معظم تلك الكلمات إلى أشياء من الحياة اليومية، كبعض أنواع الأطعمة مثل “كعك” أو “شاي”. كما يمكن أن تضم أسماء أدواتٍ يستخدمها الطفل مثل “ملعقة” أو “كوب”. لكن من الصعب أن تكون هذه الكلمات صحيحةً دائماً. بمعنىً آخر، قد يصدر الطفل لفظاً مؤلفاً من صوت واحد ويشير بالمقابل إلى شيءٍ ما، لكن ربما يكون هذا اللفظ بعيداً عن الكلمة الحقيقية في اللغة [1].

بعد بلوغه سنة ونصف السنة تقريباً، ينتقل الطفل إلى مرحلة أكثر تقدماً في التعبير. ويستخدم ألفاظاً أو كلماتٍ مؤلفة من مقطعين صوتيين. وعند الوصول إلى عمر السنتين، يصبح باستطاعته أن ينطق بتراكيب مؤلفة من كلمتين. ومع أن تلك التراكيب لا تكون دائماً صحيحة لغوياً، يستطيع الأهل أو مقدمو الرعاية أن يفهموا ما يقصده الطفل بناء على السياق [1].

وبالانتقال إلى المرحلة بين سنتين وسنتين ونصف، تتطور اللغة لدى الطفل وتأخذ شكل عدد كبير من الألفاظ التي يمكن تصنيفها على أنها كلمات معقدة. وتكمن أهمية هذه الألفاظ بتنوع صيغ الكلمات المستخدمة، فضلاً عن كثرة عددها. وبعد هذه المرحلة تتوسع مجموعة المفردات لدى الطفل بسرعة. وعند سن الثالثة، يصبح مخزون هذه المفردات عدة مئاتٍ، مع تحسن ملحوظ في اللفظ. حيث يأخذ لفظه شكلاً أقرب إلى لفظ البالغين منه إلى لغة الأطفال [1].

تعلم اللغة الثانية

ذكرنا أعلاه الفرق بين تعلم اللغة واكتسابها. كما وضحنا كيف يختلف مصطلحا اللغة الثانية واللغة الأجنبية. ولكن لأن هذه اللغة الجديدة هي لغة أخرى غير اللغة الأم أو الأولى، يستخدم عادة مصطلح “اللغة الثانية” للدلالة عليها في كلتا الحالتين.

بعد أن يتعلم الشخص لغته الأم وتتعزز لديه، يكون تعلم اللغة الثانية عمليةً واعيةً وضمن نطاق منتظم. كما يمكن أن تتم في أي عمر يختاره المتعلم؛ ليس بالضرورة منذ الطفولة. وتوجد العديد من الطرق لتعلم اللغة الثانية، منها ما هو نظري ومنها ما هو تفاعلي. لكن يميل البعض إلى تطبيق أساليب تفاعلية تجعل من التعلم أقرب للاكتساب الطبيعي. أي أن بعض منهجيات التدريس تركّز على تطبيق أنشطة تتضمن التواصل والتعرض للغة بطريقة تشبه اكتساب اللغة الأم. فقد أثبتت عملية الاكتساب فعاليتها أكثر من الطرق التقليدية التي تقوم على التلقين والحفظ [3].

اقرأ أيضاً: ما أهمية تعلم الأطفال اللغات؟

المصادر

  1. George Yule, The Study of Language, 4th edition. Cambridge UP.
  2. ESLbase
  3. Reading Rockets

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فكر لغات

User Avatar

Watfa Alassafeen

مترجمة من سوريا. أحب القراءة والكتابة.


عدد مقالات الكاتب : 44
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق