النظرية التفاعلية

النظرية التفاعلية في اكتساب اللغة

| 2807 | 4 دقيقة

ضمن الأكثر مشاهدة

Ad
هذه المقالة هي الجزء 6 من 7 في سلسلة مقدمة في نظريات اكتساب اللغة

النظرية التفاعلية في اكتساب اللغة

ترى النظرية التفاعلية (Interactionist Theory) أن عملية اكتساب اللغة تحدث في سياق تفاعلي. حيث تؤكد على أهمية المدخلات اللغوية (language inputs) التي يتلقاها الأطفال من مقدمي الرعاية حولهم. ومع أن التفاعلية تؤمن بالاستعداد الجيني لدى البشر لتعلم اللغة – وهذه من أبرز نقاط النظرية الفطرية – لكنها تذهب أيضاً إلى التأكيد على أهمية البيئة الاجتماعية في هذه العملية – وهذا ما يذكر بالنظرية السلوكية. أي أن النظرية التفاعلية تمثل حلاً وسطاً للنقاش حول ما إذا كانت اللغة هي أمراً طبيعياً أم مكتسباً. ولكن ما يميزها هو تأكيدها على أهمية التفاعل مع الأشخاص الآخرين كعامل أساسي في اكتساب اللغة وتطويرها [1].

أساس النظرية التفاعلية

يعود أصل النظرية التفاعلية إلى عالم النفس السوفييتي فيغوتسكي (Vygotsky) الذي أرسى أصولها عندما طور النظرية الاجتماعية الثقافية في النمو. يرى فيغوتسكي أن تطور الإنسان هو عملية تتم بواسطة المجتمع، ويكتسب من خلالها الأطفال قيمهم ومعتقداتهم الثقافية عبر الحوارات الجماعية مع أفراد ذوي معرفة أوسع منهم [2].

فعلى خلاف بياجيه الذي أكد على أن نمو الطفل يسبق مرحلة التعلم، يناقش فيغوتسكي أن التعلم هو أحد الجوانب الضرورية والعالمية لعملية النمو التي يطور الطفل عبرها وظائف محددة ثقافياً ونفسياً. وبعبارة أخرى، فإن التعلم يأتي قبل النمو، ويوجه ميول الطفل حسب الثقافة السائدة [2].

التفاعلية واكتساب اللغة

كان عالم النفس الأمريكي “برونر – Bruner” أول من اقترح أن الأطفال بحاجة إلى تفاعل مباشر مع الكبار ليحققوا الطلاقة اللغوية. حيث يعتبر أن سلوك البالغين اللغوي عندما يتحدثون مع الأطفال، أو كما يعرف باسم الخطاب الموجه للأطفال (child-directed speech – CDS)، هو نمط معدل للغة يدعم عملية اكتسابها. وأطلق على هذا الدعم اسم السقالات (scaffolding). كما تحدث برونر عن نظام دعم اكتساب اللغة (Language Acquisition Support System – LASS) كرد على جهاز اكتساب اللغة (LAD) الذي تحدث عنه تشومسكي في النظرية الفطرية [3].

إذاً توجد ثلاث نقاط ركز عليها برونر في تطوير نظريته، وهي عوامل أساسية في اكتساب الطفل للغة وفق النظرية التفاعلية.

الخطاب الموجه للأطفال

يشير هذا المصطلح إلى الطريقة التي يتحدث بها مقدمو الرعاية والبالغون مع الأطفال. ومن المعتقد أنها تعزز التواصل مع الطفل عن طريق مساعدته بالتعرف على الأصوات والمقاطع والكلمات والجمل. كما أن طبيعة هذا الكلام البطيئة، والنبرة التي يستخدمها الكبار وتميل إلى التغم، تساهم في جذب انتباه الطفل [1].

يتسم هذا الحديث بكونه لغة بسيطة ومباشرة ليتم فهمه بسهولة، ويتحقق هذا بتضييق نطاق المفردات وتبسيط الصيغ القواعدية المستخدمة. يميل الكبار أيضاً إلى تكرار الأسئلة والعبارات التي يوجهونها إلى الطفل، إضافة إلى الوقوف لفترات أطول وأكثر بدلاً من الحديث بسرعة [1].

السقالات

استخدم برونر مصطلح السقالات لشرح دور مقدمي الرعاية في تنمية اللغة لدى الأطفال. واعتمد في هذا على أفكار فيغوتسكي التي تؤكد على حاجة الأطفال لوجود شخص آخر ذو معرفة أكبر كي يتسنى لهم تطوير معارفهم ومهاراتهم [1].

يمكن تلخيص نظرية برونر عن السقالات بأن المتعلمين يقومون بفعل التعلم لا عن طريق المذاكرة والحفظ. بل يعتمدون على التجربة والخطأ. حيث يشرح برونر أن الأطفال يحتاجون إلى المساعدة من المعلمين والبالغين في مسيرتهم لتعلم مفاهيم جديدة. وتكون المساعدة على شكل دعم فعال. في البداية، يعتمد الأطفال على هذا الدعم المقدم من الكبار. لكن مع الوقت يصبحون أكثر استقلالاً في تفكيرهم ويكتسبون مهارات ومعارف جديدة. وبالتالي، ينخفض مستوى اعتمادهم على الغير. وهذا يشبه السقالات التي تدعم عملية البناء، والتي تتم إزالتها عندما يكتمل العمل [3].

وعليه، تعرف الطريقة التي يدعم الأهل بها أطفالهم باستخدام الحديث الخاص بالسقالات لأنها تدعم عملية اكتساب اللغة وتحقق التفاعل الضروري لإتمامها. ومع الوقت، يتناقص استخدام الكبار للخطاب الموجه للأطفال مع تطور اللغة المكتسبة لديهم [1].

نظام دعم اكتساب اللغة

يقوم الكبار بدفع تطور لغة الأطفال عبر آلية السقالات الداعمة، وتتم هذه العملية عبر نظام أسماه برونر نظام دعم اكتساب اللغة. في الواقع، يوافق برونر مع طرح تشومسكي لفكرة جهاز اكتساب اللغة (LAD)، ولكنه يؤكد في الوقت ذاته أن للسياق الاجتماعي، وسلوك الأهل على وجه الخصوص، أثر كبير على تطور اللغة. ويطلق على هذا الدور للبيئة المحيطة اسم نظام دعم اكتساب اللغة، وهو ما يحتاجه جهاز اكتساب اللغة لدعم عملية تطوير اللغة لدى الأطفال [4].

ويتمثل الدعم الذي يزوده هذا النظام بتعديل اللغة كي تناسب الطفل، إضافة إلى أنشطة التعلم التعاوني. ومن هذه الأنشطة القراءة المشتركة التي يستخدم فيها الكبار الصور ويربطونها مع مفردات ذات صلة ليتعلمها الطفل. كما يعمل الأهل على تشجيع الطفل على الكلام وتقديم الملاحظات من خلال التفاعل. وخلال حديثهم، يعطي الأهل أمثلة ليقلدها الطفل، ويوظفون الألعاب التفاعلية في ممارسة اللغة [1].

توفر هذه التفاعلات الاجتماعية بيئة سقالات تساعد الأطفال في صياغة كلماتهم الأولى، ثم تدفع تطور اللغة لديهم أكثر مع الوقت [4].

مواطن ضعف النظرية التفاعلية

وجد بعض الباحثين أن البيانات التي تدعم النظرية التفاعلية هي بيانات منحازة، بمعنى أنها تمثل فئة معينة من الأفراد، وتحديداً العائلات الغربية ذات البشرة البيضاء ومن الطبقة المتوسطة. وهذا يعكس عدم إمكانية تطبيق نظرية التفاعل بين أطفال والآباء على مجتمعات وثقافات أخرى يسلك فيها الأهل نهجاً مختلفاً في الحديث مع أبنائهم. ولكن على الرغم من ذلك، يكتسب أطفال تلك المجتمعات اللغة بطلاقة [1].

أي أن استخدام الحديث المباشر مع الأطفال هو أمر مهم، ولكن نظراً لأنه ليس سائداً في كل المجتمعات، لا يتعبر أساسياً في اكتساب اللغة. حيث يمر الأطفال الذين لا يسمعون هذا النوع من الكلام بمراحل اكتساب اللغة نفسها ويصلون إلى الطلاقة [5].

المصادر

  1. Interactionist Theory – Study Smart
  2. Simply Psychology
  3. Scaffolding of Learning
  4. LASS
  5. Theories of language acquisition

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فكر لغات علم نفس

User Avatar

Watfa Alassafeen

مترجمة من سوريا. أحب القراءة والكتابة.


عدد مقالات الكاتب : 44
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق