Ad
هذه المقالة هي الجزء 6 من 9 في سلسلة رحلة بين 8 ألغاز كونية مذهلة!

تعد «انفجارات أشعة غاما-Gamma rays burst» أعنف وأقوى الانفجارات في الكون، كما شكل رصدها ثورة علمية حقيقية وفتح آفاق واسعة أمام العلماء لحل غموضها. فما هذه الانفجارات؟ كيف تحدث؟ وكيف كاد اكتشافها أن يسبب حرباً عالمية ثالثة؟

اكتشاف انفجارات أشعة غاما

كان اكتشاف انفجارات أشعة غاما مفاجأة حقيقية للعلماء؛ فعلى عكس الكثير من الاكتشافات العلمية لم يسبق وأن توقع وجودها في الكون. أما قصة ذلك فتعود لأيام الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي في ستينيات القرن الماضي، وتحديداً بعد توقيع الطرفين على معاهدة حظرت إجراء التجارب النووية، فقد تخوف كل منهما من إجراء الآخر تجارباً لقنابل نووية في الغلاف الجوي؛ مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية لإطلاق أقمار صناعية للتأكد من ذلك. سميت تلك الأقمار ب «أقمار فيلا الصناعية-vela satellites» وقد اعتمدت في عملها على كواشف لرصد أشعة غاما التي تنتج بشكل رئيسي عن الانفجارات النووية.

حدثت المفاجأة عام 1967 حيث استشعرت الأقمار موجة قوية من الإشعاع، أوه لا بد أنهم السوفييت!

ولكن لحسن الحظ أننا نفهم الفيزياء بشكل كافي لنعرف أن مصدر الإشعاع ليس أرضياً وأنه ليس صادراً عن انفجار نووي؛ وإلا لكان العالم على أبواب حرب عالمية ثالثة!

لكن ما هي أشعة غاما؟

يتدرج «الطيف الكهرومغناطيسي-Electromagnetic spectrum» بدءاً من أمواج الراديو ذات الأطوال الموجية الكبيرة جداً؛ والتي قد تصل لكيلومترات عدة، نزولاً إلى أمواج تبلغ سنتيمترات معدودة والتي تعرف باسم الأمواج الميكروية، والأشعة تحت الحمراء بطول يتراوح بين 5 إلى 10 ميكرون، والضوء المرئي عند نصف ميكرون، ثم الأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية وصولاً لأقصرها وهي أشعة غاما؛ مع طول موجي أقل من نصف قطر الذرة!

الطيف الكهرومغناطيسي

وبما أن أمواجها قصيرة فإن طاقتها عالية جداً وبالتالي ليس من السهل إنتاجها، قد تظن أنه من الممكن ذلك بتسخين جسم ما؛ نعم ذلك صحيح! ولكن ذلك الجسم لن يشع غاما قبل أن يبلغ مئات الملايين من درجات كلفن! ذلك أكثر حرارة من مركز الشمس وأعلى من أي شيء سبق اكتشافه في الكون. لذلك لم يتوقع العلماء رصد أشعة غاما من الفضاء. والآن عن لم يكن السوفييت؛ فمن إذاً؟

دراسات

أجريت دراسات عديدة لحل هذا الغموض، كما اقترحت عدة فرضيات لتفسير هذا القدر الكبير من الطاقة. إلا أن محدودية البيانات شكلت عائقاً في طريق اختيار التفسير الأنسب. كنا قد عرفنا بعض المعلومات فقط، مثل وجود نوعين من هذه الأمواج؛ قصيرة المدة وقوية وأخرى طويلة المدة وضعيفة، وأنها غير موزعة بشكل منتظم في الكون بل وتأتي من كل مكان.

الأمواج الضعيفة طويلة المدة

تتميز هذه الانفجارات بأن جميعها يتبع بانفجار «مستعر أعظم-Supernova» قوي مصحوب بشعاع من الضوء المرئي. يجدر الذكر أن كلمة ضعيفة تعني ضعيفة مقارنة بأمواج غاما الأخرى. أما مقارنة بأي شيء أخر لا تزال قوية جداً، فقد أطلق أحد هذه الانفجارات طاقة هائلة خلال دقائق تعادل ما تطلقه الشمس خلال ثلاثة مليارات سنة!

ومع تطور التلسكوبات، تمكن العلماء من تقدير الكتلة التي تحولت لطاقة لإنتاج هكذا أمواج قوية. بلغت تلك الكتلة حوالي 2.7 كتلة شمسية. والآن، بعدما أصبحنا نعرف هذا القدر من المعلومات؛ بات من الممكن أن نختار النموذج المناسب لتفسير تشكل الأمواج الضعيفة طويلة المدة والذي تبين أنها تشّكل ثقب أسود في المراحل المتقدمة من حياة نجم ثقيل جداً.

الأمواج القوية قصيرة المدة

لعل أكثر ما يميزها عن النوع الآخر أنها لا تتبع بأي انفجار مستعر أعظم. معظمها يحدث في مجرات بيضاوية، ولفهم ذلك تجدر الإشارة إلى أن المجرات البيضاوية عجوزة أي لا تحتوي أية نجوم عملاقة باقية لتشكل ثقوباً سوداء. وهو ما يتعارض مع النموذج المطروح لتفسير الظاهرة.

والتفسير في هذه الحالة أن الانفجار نتج عن اندماج نجمين نيوترونيين تشكلا بانفجار مستعر أعظم عندما كانت المجرة شابة. وفي عام 2020 تم رصد أمواج ثقالية ناتجة عن اندماج مشابه تبين أنه انفجار غاما قوي وقصير المدة.

وما يميز نموذج الاندماج النيوتروني أنه يقدم إجابة لسؤالين مهمين:

أولهما التساؤل عن السبب وراء عدم رؤية ضوء مرئي يتبع الانفجار. وللإجابة عن ذلك، تخيل اندماج نجمين نيوترونيين وتناثر محتوياتهما من مواد ثقيلة ونيوترونات. عند تصادم النيوترونات بذرات العناصر سيتشكل عنصر أقل ثباتاً والذي بدوره سيضمحل. ولكن تتبقى الكثير من النيوترونات بعد؛ بالتالي ستستمر هذه العملية بالتكرر وقد تتمكن من إنتاج أي عنصر تريد مثل اليورانيوم. هذه العناصر الثقيلة المشعة ستستمر بامتصاص الطاقة الناتجة عن الانفجار فلن تر أي ضوء مرئي.

ثانيهما كيفية تشكل المواد الثقيلة، لتلك اللحظة توصل العلماء لطريقة تكون العناصر حتى الحديد في أنوية النجوم الثقيلة. ولكن بقي التساؤل عن تشكل العناصر الأثقل كالذهب مثلاً قائماً. يرجح أنها تشكلت بالطريقة السابقة، حيث استمرت عملية الاضمحلال واصطدام النيوترونات وصولاً للعناصر الأثقل.

أجل؛ يمكن القول أن جرة الذهب لا تقبع أسفل نهاية قوس قزح؛ بل في نهاية انفجار غاما القوي قصير المدة!

المصادر:
annual review
iop science
iop science
oxford academic

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فيزياء فلك

User Avatar

Mira Naffouj

طالبة ثانوية مهتمة بعلم الفلك والفيزياء الفلكية


عدد مقالات الكاتب : 34
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق