Ad
هذه المقالة هي الجزء 3 من 9 في سلسلة رحلة بين 8 ألغاز كونية مذهلة!

تساءل علماء الكونيات لعقود من الزمن عما إذا كانت بنية كوننا كسوريّة – «الكسوريات-Fractals» – على المقياس الكبير. أي ما إذا كانت بنية الكون تبدو ذاتها مهما كبر مقياسنا؟ وبعد إتمام العلماء مسح شامل للمجرات توصلوا أخيرًا لما يبدو أنه إجابة: لا، ولكن بدرجة ما. ففي مطلع القرن العشرين؛ لاحظ الفلكيون أن كوننا واسع بشكل لا يصدق. وقد بدأ ذلك الفلكي الشهير «إدوين هابل-Edwin Hubble» عند اكتشافه المسافة الشاسعة التي تفصلنا عن مجرة «المرأة المتسلسلة-Andromeda»، أقرب المجرات إلى درب التبانة. كما رأى الفلكيون أن المجرات متناثرة قرب بعضها وبعيدة عن بعضها الآخر. لذلك ظهر السؤال التالي: هل يوجد نمط معين في توزيع تلك المجرات أم أن الكون عشوائي تمامًا؟

في البداية بدا التوزيع عشوائي كليًا. فقد رأى الفلكيون عناقيد مجرية عملاقة، يحتوي كل منها على آلاف المجرات. كذلك رأوا مجموعات أصغر من المجرات، ومجرات وحيدة أيضًا. واعتمادًا على عمليات الرصد هذه؛ جزم العلماء بغياب نمط شامل وأن الكون عشوائي.

تقبل الفلكيون ذلك بصدر رحب، فقد سبق وافترضوا فكرة تعرف باسم «المبدأ الكوني-The Cosmological Principle»، والتي تفترض أن الكون «متجانس-Homogeneous» تقريبًا (أي متماثل في جميع الأماكن)، وأنه «متماثل-Isotropic» (أي هو ذاته أينما نظرت من أي اتجاه). وحزمة من المجرات والعناقيد العشوائية تناسب ذلك المبدأ.

ولكن في أواخر سبعينيات القرن الماضي، أصبحت الدراسات الاستقصائية للمجرات معقدةً بما يكفي لتكشف عن بدايات نمط في توزيع المجرات في الكون. فإلى جانب العناقيد المجرية، وجدوا أيضًا خيوط رفيعة من المجرات، بالإضافة إلى فراغات شاسعة من اللا شيء. وقد سمى الفلكيون ذلك «الشبكة الكونية-The cosmic web». حيث يخالف هذا النمط المبدأ الكوني، لأنه يعني أن المناطق الواسعة من الكون لا تبدو مثل المناطق الأخرى منه. [1] ربما هناك المزيد لنعرفه!

كون داخل كون آخر

اقترح عالم الرياضيات «بينويت ماندلبروت-Benoit Mandelbrot» وأب «الكسوريات-Fractals» فرضية لحل مشكلة الكون العشوائي. بدايةً، غالبًا ما تكون الكسوريات عصية على التعريف الدقيق، ولكنها بسيطة بما يكفي على الحدس. فهي ببساطة أنماط تتكرر مهما كبّر أو صغّر مقياسك.

يجدر بالذكر أن ماندلبروت لم يبتكر مبدأ الكسوريات، فقد درسها علماء الرياضيات لعصور سبقته. لكنه هو من صاغ كلمة “كسوري” وأدخلها في دراساتنا الحديثة عن المبدأ. [2]

تحيط بنا الكسوريات في كل مكان، ويمكننا رؤيتها في الطبيعة. فإذا كبّرت ندفة ثلج ترى ندفات ثلج مصغّرة. وإذا كبّرت أغصان شجرة ما سترى أغصان أخرى مصغرة. أما رياضيات الكسوريات فمكنتنا من فهم بنى كثيرة متشابهة في الكون.

وضع ماندلبروت فرضية تنص على:

إذا كانت الكسوريات في كل مكان؛ فلربما يكون الكون بأكمله كسوري. ولربما ما رأيناه من بدايات نمط في توزع المجرات يكون بداية أعظم كسوري ممكن. وربما إن استطعنا القيام بدراسات استقصائية أكثر تعقيدًا؛ قد نجد شبكات كونية داخل شبكات كونية، تملأ كوننا إلى ما لا نهاية. [3]

كون متجانس

اكتشف الفلكيون المزيد عن الشبكة الكونية، وعرفوا المزيد حول تاريخ الانفجار العظيم، ثم أتوا بعدة طرق لشرح وجود أنماط على النطاق الواسع من الكون. توقعت هذه النظريات أن الكون لا يزال متجانسًا على المقاييس الكبيرة للكون، مقاييس أكبر بكثير مما رصده العلماء من قبل.

لم نتوصل إلى الاختبار النهائي لفكرة الكون التجزيئي من قبل، ولكن تقنيات هذا القرن مكنتنا من ذلك. حيث استطاعت عمليات المسح والاستقصاء الهائلة مسح مواقع ملايين المجرات، ورسم صورة للشبكة الكونية على مقاييس كبيرة لم تُرصد من قبل، مثل «مسح سلووان الرقمي للسماء-Sloan Digital Sky Survey».

إذا كانت فكرة الكون الكسوري صحيحة؛ لتمكننا من رؤية شبكتنا الكونية متضمّنة داخل شبكة كونية أكبر. أما إذا كانت خاطئة؛ ستتوقف الشبكة الكونية عن كونها كذلك عند نقطة ما، وسيبدو أي جزء عشوائي من الكون كأي جزء عشوائي آخر (إحصائيًا).

النتيجة أن الكون متجانس، ولكن على مقياس هائل. عليك أن تقطع 300 مليون سنة ضوئية قبل أن يبدو الكون متجانسًا. وبكل تأكيد؛ الكون ليس كسوري، لكن بعض أجزاء الشبكة الكونية لها صفات كسورية. مثلًا؛ تضم كتل المادة المظلمة المسماة «الهالات-Halos» بنىً متداخلة وفرعية، تحتوي فيها الهالات على هالات ثانوية، والثانوية على ثالثية وهكذا، والعكس صحيح.

الفراغات في كوننا ليست فارغة تمامًا، بل تحتوي على بعض المجرات القزمة الباهتة، والتي تتوزع بشكل مماثل للشبكة الكونية. ووفقًا للمحاكاة الحاسوبية؛ للفراغات الثانوية فهي شبكة كونية أيضًا. [4]

ومع أن كوننا ليس كسوري بحد ذاته، حيث لم تصمد فكرة ماندلبروت طويلًا، لكننا لا نزال قادرين على إيجاد الكسوريات أينما نظرنا!

المصادر

[1] Space
[2] Live Science
[3] Live Science2
[4] Space2

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فيزياء فلك

User Avatar

Mira Naffouj

طالبة ثانوية مهتمة بعلم الفلك والفيزياء الفلكية


عدد مقالات الكاتب : 34
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق