علم نفس

الوسواس القهري والشخصية الوسواسية القهرية: اضطرابان مختلفان وتشابه مزعوم

هذه المقالة هي الجزء 16 من 19 في سلسلة رحلة بين أشهر الاضطرابات النفسية

الوسواس القهري والشخصية الوسواسية القهرية: اضطرابان مختلفان وتشابه مزعوم

بين اضطراب الوسواس القهري (Obsessive-Compulsive Disorder – OCD) واضطراب الشخصية الوسواسية القهرية (Obsessive-Compulsive Personality Disorder – OCPD) تقبع مشكلة يعاني منها المصابون، وتنعكس على محيطهم.

فما هما هذان الاضطرابان؟ وما الفرق بينهما؟ وهل هما مجرد حبّ للنظافة وتعلق بالأشياء؟ لنتعرف عليهما أكثر في هذه المقالة.

مقارنة بين الوسواس القهري والشخصية الوسواسية القهرية

تتشابه بعض من أعراض اضطراب الوسواس القهري (OCD) مع اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية (OCPD). إذ من الممكن للأشخاص المصابين بهذين الاضطرابين أن يكونوا من ذوي الإنجازات الكبيرة والمسؤولية العالية تجاه أعمالهم. كما يظهرون انزعاجاً إذا ما تدخل غيرهم بأنماط حياتهم [3]. ولكن بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من اضطراب الوسواس القهري، تظهر لديهم هواجس وأفكار غير مرغوب بها، وتقودهم إلى تصرفات قهرية يصعب إيقافها [3]. في حين يؤمن من لديهم اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية أن أفكارهم صحيحة. وتُصنف تصرفاتهم على أنها سماتٌ شخصية لا توجهها أفكار أو وساوس، بل هي مدفوعة بأهداف أو غايات معينة [4].

فيما يلي شرح مفصل عن كل من هذين الاضطرابين وأعراضهما وأسبابهما وطرق علاجهما.

ما هو اضطراب الوسواس القهري؟ Obsessive-Compulsive Disorder (OCD)

تعريف اضطراب الوسواس القهري

وفقاً لمؤسسة اضطراب الوسواس القهري الدولية (International OCD Foundation)، يعرّف اضطراب الوسواس القهري على أنه اضطراب في الصحة العقلية [5]. وحسب المراجعة 11 للتصنيف الدولي للأمراض (ICD-11) والصادرة عن منظمة الصحة العالمية (WHO)، يدخل هذا الاضطراب ضمن تصنيف الاضطرابات النفسية أو السلوكية أو اضطرابات النماء العصبي. ويوجد تحديداً في القسم الفرعي الخاص بالاضطرابات الوسواسية القهرية والاضطرابات المرتبطة بها. يمكن أن يعاني منه أشخاصٌ من كافة الفئات العمرية، حيث يدخل المصاب في دورة من الوساوس والتصرفات القهرية التي تكون أحياناً مرتبطة ببعضها [6].

أعراض اضطراب الوسواس القهري

كما ذُكر سابقاً، من أعراض اضطراب الوسواس القهري وجود سلسة الوساوس والتصرفات القهرية المتعلقة ببعضها. والتي تشكل حلقة متتابعة قد يصعب قطعها. لنتعرف على ماهيّة هذه الوساوس والأفعال القهرية حسب الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية – الطبعة الخامسة المنقحة (DSM-5) [7].

الوساوس

هي أفكار أو صور أو دوافع متكررة الحدوث، ولكن حدوثها غالباً ما يكون غير مرغوب به. وتتسبب بالقلق أو الضيق لمعظم الأشخاص. قد يحاول الشخص تجاهلها أو قمعها، أو على الأقل تحييدها باستخدام أفكارٍ أو أفعالٍ أخرى [7]. من أكثر هذه الوساوس انتشاراً الخوف من الجراثيم، والحاجة لتنفيذ الأمور بطريقة مثالية، وبعض الأفكار المحرّمة غير المرغوبة كتلك التي تتعلق بالدين أو بأذية النفس أو الآخرين أو العدائية تجاههم [8].

التصرفات القهرية

هي الأفعال والتصرفات المتكررة، سواء كانت جسدية أو عقلية، والتي يشعر الشخص بأنه مرغمٌ على فعلها كرد فعلٍ على الوساوس التي يشعر بها. إذ تهدف هذه التصرفات القهرية إلى تهدئة التوتر أو القلق الناتج عن تلك الوساوس. ويسعى الشخص من خلالها إلى منع أحداثٍ أو مواقف مخيفة. ولكن هذه التصرفات لا تكون مرتبطة بطريقة واقعية بالأفكار التي من المفترض أن تهدئها أو تحيدها. وفي بعض الحالات، تكون هذه الأفعال القهرية مبالغاً بها بشكل واضح [7]. من الأمثلة على التصرفات القهرية التي يقوم بها من يعاني من اضطراب الوسواس القهري غسل اليدين والاعتناء بالنظافة الشخصية بشكل مفرط، والتنظيف المبالغ به للمنزل، والترتيب بطريقة معينة، والتأكد أو التحقق من أمور عدة كأقفال الأبواب أو مفاتيح الكهرباء [9]. ومن الممكن أن تكون هذه التصرفات عقلية كتكرار كلمات محددة أو العد لرقم معين [7].

Related Post

تشخيص اضطراب الوسواس القهري

قد يعاني معظم الناس من أفكارٍ وسواسية و/أو تصرفاتٍ قهرية في فترة معينة من حياتهم. ولكنّ هذا لا يعني أننا جميعاً مصابون باضطراب الوسواس القهري. ففي حالة المرض، تكون هذه الوساوس والأفعال القهرية شديدةً، وتستهلك وقتاً طويلاً من حياة الشخص، الأمر الذي يشكل عائقاً أمام ممارسته لنشاطاتٍ مهمة في حياته [5]. إذاً، هنالك معياران يجب تحققهما كي يتم تشخيص المرء باضطراب الوسواس القهري. أولهما وجود الوساوس والتصرفات القهرية، وثانيهما المبالغة بهذه الأعراض لدرجة تستهلك وقتاً طويلاً (أكثر من ساعة في اليوم) أو تسبّبُ ضيقاً أو قلقاً أو تمنع الشخص عن متابعة حياته اليومية [7].

أسباب اضطراب الوسواس القهري وعلاجه

يعتقد الأطباء وأخصائيو الصحة العقلية أن سبب اضطراب الوسواس القهري قد يكون جينياً. إذ تكشف بعض الدراسات على العائلات ارتفاع احتمال الإصابة في حال كان أحد الأقرباء من الدرجة الأولى يعاني منه. كما يمكن أن تكون عوامل البيئة المحيطة من مسببات هذا الاضطراب، كالاعتداءات الجسدية أثناء الطفولة أو التعرض لصدمات أخرى. أما عن علاجه، فمن أكثر أنواع العلاج انتشاراً استخدام الأدوية أو العلاج النفسي، أو كلاهما [8].

ما هو اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية؟ Obsessive-Compulsive Personality Disorder (OCPD)

تعريف اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية

هو أحد الاضطرابات النفسية أو السلوكية أو اضطرابات النماء العصبي وفقاً للمراجعة 11 للتصنيف الدولي للأمراض (ICD-11). ولكنه لا يندرج ضمن الاضطرابات الوسواسية القهرية والاضطرابات المرتبطة بها. بل هو أحد اضطرابات الشخصية التي يتميز من يعاني منها بصفات معينة [6]. عموماً، تنطوي اضطرابات الشخصية على أنماط تصرفٍ دائمة تنبع من تجارب أو سلوكيات داخلية. وغالباً ما تكون هذه الأنماط ثابتة ومزمنة وغير نمطية، بل وحتى إشكالية [4]. وفي الحالة التي نتحدث عنها، أي حالة اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية، يتمثل النمط السائد أو المتكرر بانشغال أو اهتمام زائد بالترتيب والكمالية والتحكم [7].

أعراض اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية

يعاني المصابون باضطراب الشخصية الوسواسية القهرية من صعوبة في التعبير عن مشاعرهم. وهذا يجعلهم غير قادرين على التعاطف مع الآخرين أو الحفاظ على علاقات وثيقة مع غيرهم. وعادة ما يلجأ هؤلاء الأشخاص إلى وضع قوائم بالمهمات الموكلة لهم، والتقيد التام بالقواعد بشكل صارم يبعد عن المرونة. وتراهم دائماً مكرسين لعملهم ويبحثون عن الكمالية فيما يفعلون، حتى في الأمور البسيطة أو غير المهمة. كما يميلون إلى عدم إعطاء المهام للغير أو ترك أحد آخر يتحكم بمجريات الأمور [4].

تشخيص اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية

قد نرى الأعراض السابقة أو قسماً منها، ولو بنسبة بسيطة، لدى كثير من الأشخاص. وقد نجدها في أنفسنا إذا ما راقبنا تصرفاتنا اليومية وسلوكنا الاعتيادي. ولكن هذا لا يعني دائماً أن الشخص مصاب بالاضطراب. فكما ذكرنا في حالة اضطراب الوسواس القهري، يتطلب تشخيص اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية معايير محددة كي تصنف الحالة على أنها مرضية. إضافة للأعراض التي ذكرناها، يركز من يعانون من اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية على الأمور الجانبية على حساب جوهر العمل أو الأمر الذي يقومون به.

فحين يقومون بوضع القوائم وترتيب المهام، يصل الأمر بهم إلى تحويل تركيزهم إلى القائمة بحد ذاتها. الأمر الذي يحيد انتباههم عن جوهر المهمة الأصلية، ويصبح الهدف الرئيسي ثانوياً. ويكون هؤلاء غير قادرين على تجاوز اهتمامهم بالعمل والانتباه الشديد للتفاصيل. ويصل ذلك إلى درجة مبالغ بها تقودهم إلى إلغاء الوقت الخاص للراحة أو لقاء الأصدقاء. ولكن على عكس المرغوب، يؤدي اهتمامهم المفرط بالكمالية إلى إضاعة الوقت وعدم إنجاز العمل أو المهمة المطلوبة.

ومن المعايير الأخرى التي تُعرّف هذا الاضطراب، الانصياع الصارم لكل القوانين ومبادئ الأخلاق دون قبول أي تغيير أو مرونة، ومحاولة إلزام الآخرين بذلك. كما يظهر في هذا الاضطراب تعلق زائد بالأشياء والمقتنيات ورفض التخلي عنها. حتى وإن لم تكن ذات فائدة، تسيطر على الشخص فكرة أنه من الممكن أن يكون لها حاجةٌ يوماً ما. وقد تصل هذه الحالة إلى حد لا يطاق من قبل عائلة الشخص أو من يشاركه السكن. كما يمكن أن يتعدى الحرص الزائد مسألة عدم التخلص مما هو غير ضروري، ويصل إلى حد البخل في إنفاق المال خوفاً مما قد يحدث في المستقبل. وأخيراً، لا يحب مصابو اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية العمل مع أشخاص آخرين أو إعطاء مهام لغيرهم. بل يصرون أن تسير الأمور كما يريدون هم، وأن يعمل غيرهم وفقاً لتعليماتهم التي غالباً ما تكون شديدة التفصيل [7].

أسباب اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية وعلاجه

تعزو بعض النظريات أسباب اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية إلى مرحلة الطفولة. حيث يمكن لهذه الحالة أن تتطور لدى الأطفال الذين كان أهلهم يبالغون بحمايتهم. ويمكن أن يظهر أيضاُ عند الأشخاص الذين لم يكتمل نموهم العاطفي في مرحلة الطفولة، أو لم يستطيعوا تشكيل تعلق آمن بوالديهم [4]. أما عن علاجه، فإضافة لاستخدام بعض أنواع الأدوية وتمارين الاسترخاء، يعتبر العلاج المعرفي السلوكي (cognitive behavioural therapy – CBT) أحد أكثر الطرق استخداماً مع هذا الاضطراب [10]. إذ يركز هذا النوع من العلاج على نزعة الشخص نحو الكمالية وصرامة التفكير لديه. ويساعده على فهم المعايير المستحيلة والقواعد الحازمة التي يفرضها على نفسه، وكيف أنها تعيقه عن التقدم في حياته [11].

بناءً على ما سبق، يبدو أن اضطراب الوسواس القهري واضطراب الشخصية الوسواسية القهرية هما أكثر من مجرد تعلق بالنظافة والترتيب، أو إعطاء للأوامر وتسيير الأمور بطريقة محددة. ويُنصح دائماً بطلب الاستشارة من أطباء واختصاصيين نفسيين عند تفاقم الحالة كي لا تؤدي إلى عواقب سيئة على الأشخاص المعنيين وذويهم.

مصادر

  1. My Mind
  2. Abnormal Psychology
  3. Medline Plus
  4. Verywell Mind
  5. مؤسسة اضطراب الوسواس القهري الدولية
  6. التصنيف الدولي للأمراض
  7. الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية – الطبعة الخامسة المنقحة
  8. Psycom
  9. الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين
  10. Healthline
  11. Psycom
اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
Author: Watfa Alassafeen

مترجمة من سوريا. أحب القراءة والكتابة.

Watfa Alassafeen

مترجمة من سوريا. أحب القراءة والكتابة.

View Comments

Share
Published by
Watfa Alassafeen

Recent Posts

استخدام حرارة الجسم لشحن الأجهزة القابلة للإرتداء في المستقبل

توصل باحثون إلى اكتشاف رائد يمكن أن يحدث ثورة في عالم التكنولوجيا القابلة للارتداء. لقد…

4 ساعات ago

عصام حجي يقترح طريقة علمية لتقاسم موارد النيل

مع تصاعد التوترات حول نهر النيل، الذي يشكل شريان حياة بالغ الأهمية لملايين البشر في…

4 ساعات ago

سوء استخدام الإنسان للذكاء الاصطناعي سيجعله أكثر خطورة

من المتوقع أن تشهد البشرية في السنوات القليلة المقبلة تطورات كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي.…

4 ساعات ago

المشي حافيًا قد يجعلك أكثر عرضة لمقاومة المضادات الحيوية

مقاومة المضادات الحيوية، التي تمثل تهديدًا صحيًا عالميًا متزايدًا، لها سبب مفاجئ وهي التربة. حيث…

5 ساعات ago

كيف حاول السهروردي وابن عربي شرح طبيعة الإله؟

في عالم الفلسفة الإسلامية، تم التغاضي عن مفهوم رائع لعدة قرون. لقد كانت الأحادية (monism)،…

يوم واحد ago

دراسة تكشف أن الحياة لا تحتاج إلى وجود كوكب!

من خلال إعادة التفكير في افتراضاتنا حول الحياة خارج الأرض، يتحدانا عالمان للنظر في إمكانية…

يوم واحد ago