محتويات المقال :
المدرسة التأثيرية
ظهرت المدرسة التأثيرية في القرن التاسع عشر عندما بدأت مجموعة من الفنانين في فرنسا في تصوير المناظر الطبيعية ومشاهد الحياة اليومية كالطهي والنوم والاستحمام. قد تبدو أشياء عادية ويمكن رؤيتها الآن في الفن، ولكن معظم الفن الشائع في أوروبا حينها احتوى على مواضيع كالمعارك التاريخية والقصص الأسطورية والدينية.
يمكن اعتبار المدرسة التأثيرية أول مبشر للفن الحديث، وقد ظهرت في باريس عندما قام مجموعة من الفنانين الشبان، وهم مونيه وسيزان ورينوار وبيسارو وسيزلي وبازيل بالعمل معًا. كانت تلك المجموعة هم المؤسسون للمدرسة التأثيرية.
بدأ الأمر بعدم رضا تلك المجموعة عن تركيز تدريس الفن الأكاديمي على الموضوعات التاريخية والأسطورية مع الأسلوب المثالي الأكاديمي. وقد تعلموا من المصورين الواقعيين سائرين على نفس نهجهم في اختيار المواضيع والأساليب، لكن ما ميّز التأثيرية بالفعل أنهم قاموا بنقل التصوير من المرسم إلى الهواء الطلق.
وقد تعرف المؤسسون جميعهم على المصور (إدوارد مانيه) واتخذوه رائدًا لحركتهم الجديدة وقاموا بعرض أعمالهم سويًا. لكن رفضهم الصالون الرسمي السنوي والمعارض الحكومية. لم تنته رحلتهم هنا، بل قاموا بعمل معارضهم الخاصة -والتي كانت بمثابة احتجاج على رجال الصالون- في استوديو المصور الفوتوغرافي (نادار). لم يكن الأمر سهلًا فقد لاقوا ردود فعلٍ عنيفة من الجمهور والنقاد لفترة كبيرة.
ما هي التأثيرية؟
بدأ الفكر العلمي في ذلك الوقت يدرك أن ما تدركه العين وما يفهمه ويحفظه الدماغ أمران مختلفان. وقد أعجب عدد من الفنانين الشبان بالاكتشافات العلمية عن الضوء، وسعوا إلى التقاط التأثيرات الضوئية لضوء الشمس كما هي أمام أعينهم لنقل التغيرات في الطقس والتحولات الأخرى في الغلاف الجوي لتظهر في لوحاتهم للمشاهد.
لم يكن الفنانون التأثيريون (الانطباعيون) يحاولون رسم لوحة واقعية كما هي، ولكن كانوا يودون أخذ “الانطباع” لما يبدو عليه الشخص أو المشهد.
غالبًا ما استخدم أسلوبهم ضربات فرشاة سريعة وفوضوية، فمعظم اللوحات قبل التأثيرية كان لها سطح أكثر تسطحًا ونعومة. لم يكن رؤية ضربات الفرشاة سهلًا على الإطلاق فيما قبل التأثيرية. بالإضافة إلى أنه غالبًا ما كانت المناظر الطبيعية أيضًا خيالية ومثالية مرسومة في الإستوديو. لكن غيرت التأثيرية كل ذلك، وقام فنانوها بالرسم في الهواء الطلق كالشوارع والريف.
وقد قام الفنان التأثيري (كاميل بيسارو) بتلخيص التأثيرية في نصيحته التالية حول كيفية رسم منظر طبيعي:
“اعمل في نفس الوقت على السماء والماء والفروع والأرض مع الحفاظ على كل شيء على قدم المساواة. لا تخف من وضع اللون، وارسم بسخاء وبلا تردد، فمن الأفضل ألا تفقد أول الانطباع.”
استبدل التأثيريون الألوان الخضراء والبنية والرمادية التقليدية في المناظر الطبيعية بألوان أكثر إشراقًا وأكثر لمعانًا. فقد بدأوا بوضع تأثير ضوء الشمس على الماء والألوان المنعكسة من تموجاتها. وقد تخلوا عن استخدام الرمادي والأسود في الظلال كألوان. واستخدموا ألوانًا متكاملة بدلاً من الأسود والرمادي لإعادة إنتاج انطباعاتهم البصرية الفورية كما هي مسجلة على شبكية العين.
أدى بناءهم للأشياء من بقع وضربات فرشاة منفصلة من الألوان لاستحضار التغيرات الناتجة عن ضوء الشمس إلى إفقاد الأشكال حدودها الواضحة وجعلها غير مادية ومتلألئة ومهتزة. ولهذا السبب، انتقد العديد من النقاد اللوحات الانطباعية لمظهرها غير المكتمل والجودة التي تبدو من عمل الهواة.
ومن خلال نهج كوربيه –رائد المدرسة الواقعية-، كان الانطباعيون يهدفون إلى أن يكونوا رسامين حقيقيين. هدفوا إلى توسيع الموضوعات المحتملة للرسومات والتركيز على العالم كما يرونه. شملت اهتمامات الانطباعيون محطات السكك الحديدية والشوارع الواسعة والمباني السكنية الكبيرة، بالإضافة إلى مشاهد الترفيه العام لا سيما المقاهي والملاهي.
والآن لنتعرف على بعض من أهم الفنانين التأثيريين والذين أثروا في تلك الحركة وما تلتها بشكل ملحوظ.
إدوارد مانيه
على الرغم من أن (مانيه) لم يكن تأثيريًا ورفض أن توصف أعماله بذلك، لكن قام الفنانين التأثيريين باعتباره زعيمًا لحركتهم لإعجابهم بجرأته وابتكاراته في التصوير. فعندما رسم لوحته الشهيرة (الغداء على العشب) كانت هي البداية بالبعد عن التقاليد الواقعية وأسلوب الأكاديميات. وعندما قدّم العمل في 1863 في صالون الخريف، تسبب في ضجة بسبب محتواه الذي اعتبروه “مبتذلًا”.
فاللوحة التي تصور نزهة رجلين يرتديان ملابس رسمية وامرأة عارية قامت بتحدى تقليد موضوع الأنثى المثالية في الكلاسيكية الجديدة وقاموا باعتبار ذلك إهانة للأخلاقيات رغم أنه في الفنون السابقة كان موضوع “المرأة العارية” شائعًا. لكنها أثارت الجدل خصوصًا لأن وضع المرأة على اليسار كانت تنظر بصراحة إلى المشاهد بالمواجهة بدلاً من المبني للمجهول، بالإضافة إلى أسلوبه في ضربات الفرشاة السميكة وغير الدقيقة في الخلفية وتسطيح البعد الثالث.
كلود مونيه
كان مونيه الرائد الفعلي للتأثيرية، والذي أطلق اسم الحركة بسبب إحدى لوحاته، وهي لوحة “شروق الشمس، تأثير”.
بالإضافة لاهتمامه الواضح باتباع تأثيرات الضوء على الأشياء، فقد اتبع مونيه طريقة مبتكرة في تصوير لوحاته في وقت متأخر من حياته. رسم مونيه الموضوع الواحد في عدة لوحات في أوقات مختلفة من اليوم ليتمكن من دراسة الضوء على الأشياء.
وفي لوحته امرأة في الحديقة Women in the Garden استخدم فيها زوجته (كاميل) كموديل. وقد ظهرت تأثيرات الضوء الخارجي في هذه اللوحة بشكل ومضات من ضوء الشمس الذي يخترق أوراق الشجر إلى الظلال الرقيقة. اشترى صديقه الفنان التأثيري (فريدريك بازيل) العمل لمساعدة مونيه على الخروج من الدين الشديد الذي كان يعاني منه في ذلك الوقت.
أوجست رينوار
كان رينوار أعظم مصوري القرن الـ19 والعمود الرئيسي للتأثيريين، فقد تعاون مع مونيه على تأسيس قواعد تلك الحركة. وكان يتردد كثيرًا على اللوفر لدراسة أعمال عظماء القرن الـ18. وتأثر أيضًا بالمدرسة الرومانسية والواقعية -التين سبقتا التأثيرية- وخصوصًا (كوربيه).
قرر رينوار أن يتراجع عن التأثيرية والرسم في الخلاء، بعد زيارته إلى إيطاليا وتأثره بالفن الروماني وخصوصًا الأعمال في مدينة “بومبي” عائدًا إلى الكلاسيكية مرة أخرى. فنبذ استخدام الألوان للإيحاء بالشكل واتجه إلى الاهتمام بالخط. وأصبحت لوحاته تجمع بين ألوان التأثيريين النقية وبين أسلوب العباقرة القدامى كـ بول روبينز -فنان من عصر الباروك-.
إدجار ديجا
فضّل ديجا أن يطلق عليه فنان واقعي أو (مستقل)، لكنه مع ذلك كان أحد أهم مؤسسي المجموعة التأثيرية ومنظمًا لمعارضها. ومثل باقي التأثيريين، سعى إلى توثيق اللحظات العابرة للحياة الحديثة. لكن أظهر ديجا اهتمامًا ضئيلًا برسم المناظر الطبيعية في الهواء الطلق مفضلاً مشاهد المسارح والمقاهي المضاءة بالضوء الصناعي. استخدم ديجا الضوء الصناعي لتوضيح ملامح شخصياته، وملتزمًا بتعليمه الأكاديمي بشكل كبير.
كانت أكثر الموضوعات التي اشتهر بها ديجا هي مسارح الباليه والأوبرا، ومشاهد منفردة لنساء في حياتهم اليومية. وقد كان تركيزه على الخط وإصراره على أهمية الرسم كبيرًا، حتى أنه طوّر أسلوبه فيما بعد حين نبذ الألوان الزيتية واستخدم ألوان الباستيل بمفردها. كما تميز أسلوب ديجا بتحديد الأشكال بقلم الفحم الأسود الواضح.
النحت في المدرسة التأثيرية
كانت تعتبر بداية النحت الحديث بشكل عام على يد النحات الفرنسي (أوغست رودان – Auguste Rodin). وقد اتجه النحت الحديث إلى الموضوعات المعاصرة بدلًا من الأسطورية أو الدينية كما هو حال التصوير. فقد قل الاهتمام بالتجسيد الطبيعي للغاية أمام الاهتمام بالشخصية العامة والنفسية.
ولم يكن رودان يسعى إلى الأسطح المصقولة الناعمة في منحوتاته، بل أنتج أسطحًا معقدة وتجاويف ونتؤات في منحوتاته. وعلى الرغم من عدم اعتبار رودان نفسه تأثيريًا، إلا أن أسلوبه التعبيري القوي الذي استخدمه في أعماله غالبًا ما كان شبيهًا بضربات الفرشاة السريعة التي هدفت إلى التقاط لحظة عابرة لدى المصورين التأثيريين.
المصادر:
The Art Story
TATE
BritannicaOer2go
كتاب: فنون الغرب في العصور الحديثة لـ: نعمت إسماعيل علام
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :