يسعى الإنسان منذ الأزل إلى تحسين قدراته الذهنية والجسدية بمختلف الوسائل. وقد أدت التطورات الحديثة في مختلف المجالات وسهولة التواصل عبر منصات التواصل الاجتماعي إلى ظهور مجتمع من الهواة يهدف إلى استخدام التكنولوجيات المختلفة في تحسين قدراتهم. وقد ازدادت شهرة ما يعرف بالقرصنة البيولوجية خصوصاً مع اكتشاف كريسبر CRISPR. حيث أدى اكتشاف أداة التعديل الوراثي تلك- الرخيصة نسبياً- إلى زيادة كبيرة في عدد الهواة في مجال التعديل الجيني. وإلى سعيهم إلى تطبيق تلك المعرفة في تطوير منتجات تساعد في تحسين قدرات الفرد العقلية والبدنية وربما تعالج الأمراض المستعصية. فما هي القرصنة البيولوجية؟ ولماذا تثير قلق لدى كثير من العلماء والمتخصصين؟ وما الآمال التي تحملها للبشرية؟
محتويات المقال :
تعريف القرصنة البيولوجية:
يمكن تعريف القرصنة البيولوجية بشكل عام على أنها أي محاولة لتحسين قدرات الفرد الذهنية أو الجسدية. وهذا التعريف واسع جداً. فوفقاً لهذا التعريف قد تكون أنت عزيزي القاريء قرصاناً بيولوجياً بذهابك للصالة الرياضية للتمرين أو إدخالك تغييرات في نظامك الغذائي أو حتى شربك للقهوة لزيادة انتباهك.
وبشكل خاص يمكن تعريف القرصنة البيولوجية على أنها إجراء تجارب وأبحاث على النفس (بتناول مواد كيميائية، أو تعديل جيني، أو تعديل غذائي، أو زراعة شرائح إلكترونية أو مواد تحت الجلد، أو تركيب أجهزة بالجسم) بهدف تطوير القدرات الجسة أو الذهنية أو بهدف علاج الأمراض وذلك بواسطة هواة في الأغلب أو متخصصين ولكن خارج الإطار التقليدي للأبحاث. كذلك يشمل التعديل وراثيًا في الكائنت الحية بواسطة هواة بهدف تطوير قدراتها لتعود بالنفع على الفرد. وفي بعض الأحيان يكون الهدف هو فقط تغيير في الشكل الظاهري للفرد مثل تغيير لون القزحية. [2، 3]
أنواع القرصنة البيولوجية:
النيوتريجينوميكس (التغذية الجينومية) Nutrigenomics:
في هذا النوع يقوم الفرد بإحداث تغييرات في بعض نواحي صحته البدنية والذهنية عن طريق القيام بتغييرات في العادات الغذائية بشكل تدريجي. وذلك بناءا على دراسة تفاعل الجينوم الخاص بالفرد مع المغذيات المختلفة. [3]
جرايندرز Grinders:
يسعى هذا النوع إلى تطوير القدرات البدنية أو الذهنية للفرد عن طريق استخدام الأدوات التكنولوجية مثل الشرائح والأطراف الإلكترونية وبعض الحقن الكيميائية. [3]
قم بهِ بنفسك أو بيولوجيا الهواة Do it yourself biology:
هذا النوع يعتبر أكثرهم إثارة للجدل والقلق. حيث يقوم فيه الهواة باستخدام معلومات وتقنيات يزودهم بها المختصون ليقوموا بتجارب على أنفسهم. ويشمل ذلك تجارب تعديل جيني أو استخدام أدوية لم تختبر بعد. وقد ازدادت شهرة هذا النوع خصوصاً بعد اكتشاف تقنية كريسبر وتسهيلها عملية التعديل الجيني. [3]
فاعلية القرصنة البيولوجية:
إلى أي مدى تبدو تلك الوسائل فاعلة فعلاً في تحسين القدرات البشرية أو مواجهة الأمراض. وأي مسافة قطعت هذه الوسائل حقاً على طريق الوصول إلى الإنسان السوبرمان؟! [3]
فاعلية النيوتريجينوميكس (التغذية الجينومية):
في الواقع فإن التغذية الجينومية لها عديد من الفوائد مثلاً:
1- عن طريق معرفة استعداد الفرد الوراثي لأمراض معينة وتجنب الأغذية التي تحفز الإصابة بهذه الأمراض يمكن الوقاية منها.
2- بعض الأغذية تؤثر على ميكروبات الأمعاء. من ثم يمكن وفقاً لبعض الدراسات عن طريق تعديل النظام الغذائي بشكل يحافظ على توزيع سليم لها تحسين وظائف الأمعاء والصحة النفسية للفرد في بعض الأحيان.
3- بعض الأنظمة الغذائية تساعد على تنظيم ضغط الدم والسكري. وكذلك خفض الوزن. مما له عظيم الأثر على صحة الفرد النفسية والجسدية.
ولكن يجدر الإشارة إلى أن كثير من العلماء يرون أن الاعتماد على هذه الوسائل وحدها غير كاف لإحداث تغييرات جسدية ونفسية حقيقية. [3]
فاعلية بيولوجيا الهواة والجريندرز:
بعض هذه التعديلات قد أثبت نجاحاً ما. لكن إلى أي مدى يمكن توسيع نطاق هذه التطبيقات؟ وما هي مخاطرها؟ لا يزال ذلك محل جدل واسع.
على سبيل المثال:
قام أحد الهواة بحقن نفسه بمادة الكلورين إي 6 Chlorin e6 في عينيه. ذلك بهدف تحسين قدرات الرؤية الليلية لديه. حيث تستطيع هذه المادة زيادة حساسية بعض الخلايا المسئولة عن الرؤية في العين. ومن ثم تستجيب للأضواء شديدة الخفوت. وقد نجح هذا الشخص في تبين أجساد أناس يتحركون في غابات شديدة العتمة. ولكن إلى أي مدى قد تتسبب تلك المادة في آثار جانبية على الجسم؟ لم يتم تبين ذلك بعد.
أيضاً قام بعض الجريندرز بزرع شرائح تحديد الهوية بموجات الراديو Radio Frequency Identification Chips بأجسامهم. مكنتهم هذه الشرائح من الدخول إلى أماكن تتطلب تصريح أمني مثل بعض المستشفيات. وقد يسبب هذا تهديد أمني خطير ناهيك عن المخاطر الصحية الغير معروفة من إلتهابات أو سرطانات أو خلافه. [3]
فوائد القرصنة البيولوجية:
مما لا شك فيه أن بعض وسائل القرصنة البيولوجية آمنة بل ومفيدة. فمثلاً:
1- تعديل نظامك الغذائي قد يساعدك على الوصول لوزن صحي ويقيك من السمنة وتوابعها.
2- كذلك الحد من بعض الأغذية التي تزيد الالتهابات في الجسم قد يساعد على تقليل التهابات العظام وآلامها.
3- قد يؤثر نقص بعض الفيتامينات (ب12 على سبيل المثال) على كفاءتك الذهنية والجسدية. مراقبة مستواها في الدم يساعدك على متابعة مدى فاعلية المكملات أو المغذيات التي تتناولها لتعويض النقص في هذه الفيتامينات.
4- الصيام المتقطع Intermittent fasting له عديد من الفوائد وفقاً لكثير من الدراسات التي وجدت أنه يحافظ على مستوى الانسولين بالدم منخفضاً. ومن ثم يساعد الجسم على حرق الدهون. كما يساعد على إصلاح الأنسجة التالفة في الجسم والوقاية من أمراض كالسرطان والسكري.
ولكن القاعدة العامة هي أن تتم استشارة الطبيب قبل اللجوء لمثل تلك الأساليب فقد تختلف أضرارها وفوائدها حسب الحالة الصحية للفرد. [3]
5- تطوير أجهزة تقيس الوظائف الحيوية للجسد أو تطوير البرمجيات التي تساعد في متابعة قراءاتها كما هو الحال في مشروع نايت سكوت والذي سنتحدث عنه تفصيلياً بالأسفل. [7]
6- يرى البعض أن بعض المنتجات التكنولوجية المقبولة والآمنة قد تسبب ضغطاً على شركات الأدوية والتكنووجيا العملاقة من أجل توفير منتجاتها بأسعار أرخص نسبياً. [7]
7- يرى البعض أن الاتجاه التقليدي في العلم والبيروقراطية والنظام الهرمي والضغوط داخل المجتمع الأكاديمي مثل ضغوط نشر الأبحاث والتمويل يحولوا دون التقدم بمعدلات أسرع. ويجعلوا البحث يحيد عن شغفه ويقل إبداعه. لذا فهم يرون أن في القرصنة البيولوجية وسيلة للثورة على تلك المنظومة. [7]
8- كذلك يرى الكثيرون أن توفير أدوات التكنولوجيا والابتكار بأسعار رخيصة نسبياً قد يتيح للباحثين الأكاديميين في الدول النامية الفرصة لأداء تجاربهم في ظلة ندرة الموارد وغياب التمويل الكاف. [7]
اعتراضات على القرصنة البيولوجية:
تتمحور الخلافات حول القرصنة البيولوجية في أمانها وخطورة بعض أنواعها على السلم العام. حيث قد يتسبب توفير أدوات التكنولوجيا المعقدة للهواة لاستخدامها في التجارب في وصوصلها للإرهابيين وعناصر العصابات. كذلك معظم الشرائح التي تزرع تحت الجلد وكثير من تقنيات التعديل الوراثي والكيماويت المستخدمة في تطور قدرات الجسد أو العقل لم يتم التأكد من سلامتها بشكل كامل. [7]
وقام قرصان بيولوجي مؤسس شركة أسّيندنس بيوميديكال (الارتقاء للطب الحيوي) Ascendence biomedical بزعم امتلاك شركته علاجات فيروس نقص المناعة المكتسب وفيروس الهربس. وقام بتجربة علاج الهربس المزعوم على نفسه في أحد التجمعات للقراصنة البيولوجيين. بينما قام بمساعدة مريض بفيروس نقص المناعة المكتسب على تجربة علاجه المزعوم لفيروس نقص المناعة وذلك قبل أن يتم إجراء تجارب كافية على الحيوانات. ولكن جاءت نتائج هذا المريض مخيبة للآمال. حيث زاد انتشار الفيروس في جسده بشكل عنيف.
وقد تعرض هذا القرصان البيولوجي لنقد من مختلف الجهات المتخصصة وأيضاً من بعض أفراد مجتمع القراصنة البيولوجيين. حيث وصف جوسيه زينار Josiah Zayner أحد رواد القرصنة البيولوجية تجارب هذه الشركة بأنها سخيفة وأنه لا يمكن الزعم بأن مركبات ما علاجية دو تجارب وبيانات واضحة. جدير بالذكر أن جوزيه اشتهر بحقن نفسه بتركيبة تعديل جيني علناً في أحد التجمعات الخاصة بالقراصنة البيولوجيين. وكانت الهدف من التركيبة زيادة كتلته العضلية. [8]
أمثلة حية على القرصنة البيولوجية:
مشروع نايت سكاوت Nightscout
كان هناك طفل مصاب بالسكري من النوع الأول. اشترى له والداه جهاز مراقبة متواصلة لمستويات السكر Continuous Glucose Monitoring Device. وذلك حتى يتمكنا من مراقبة التغيرات في مستويات السكر بدمه. لكن المشكلة أنهما لم يكن بوسعهما مراقبة تلك المستويات وهو بالمدرسة. ولأن والده مهندس برمجيات قام هذا الوالد بتطوير برنامج يرسل قراءات الجهاز بشكل متواصل إلى موقع تخزين على فضاء الإنترنت. وبالتالي يتمكن هذا الوالد من متابعة مستويات السكر بدم ابنه حتى وهو بالمدرسة. بعد أن قام الوالد بمشاركة قصته على مواقع التواصل نصحه البعض بمشاركة كود البرنامج.
بالفعل قام بطرح الكود على الانترنت ليتم تطويره بشكل مستمر من كل من لديه خبرة بالبرمجة. وقد أضاف له البعض تعديلات مثل ربطه بتطبيقات هاتفية معينة، إضافة إمكانية حساب السعرات المطلوبة أو كميات الكربوهيدرات المسموحة وفقاً لمستويات السكر، إضافة إمكانية حساب جرعات الأنسولين المطلوبة، وإضافة تنبيهات في حالارتفع او انخفض مستوى السكر بشكل خطر. [7]
قرصان بيولوجي يتم تغريمه لزراعة شريحة تذكرة سفره تحت جلده
أحد هؤلاء القراصنة البيولوجيين قام بنزع شريحة من كارت سفر وتغليفها ببلاستيك خاص. ثم قام بزراعتها تحت جلده. ورغم أن ماسحات الكروت تمكنت من قراءة الشريحة إلا أنه تم تغريمه على فعلته. [9]
شرائح تحت الجلد تعمل عمل المفاتيح
تتضمن الشرائح الإلكترونية التي يزرعها القراصنة البيولوجيون تحت الجلد كما ذكرنا سابقاً: شرائح قادرة على فتح الأبواب المصممة بحيث يكون ملحق بها أجهزة تقرأ هذه الشرائح (بعض هذه الشرائح يتم تصميمه بحيث يحمل عدة أرقام كل منها مخصص لباب وذلك بدلاً من أن تحتاج شريحة لكل باب)، مغناطيسات حساسة صغيرة، وحتى بعض المصابيح الصغيرة التي تضيء تحت الجلد.
آمال جرافسترا مؤسس شركة أشياء خطرة Dangerous things تقوم شركته بتصميم العديد من تلك الشرائح. بعضها قادر على فتح الأبواب كما ذكرنا. كما تبيع شركته الأدوات التي يمكن للفرد العادي استخدامها في تصميم تلك الشرائح بأسعار زهيدة نسبياً.
بسعر يتراوح بين 40 وحتى 100 دولار يطرح القرصان البيولوجي امال جرافسترا Amal Graafstra الأدوات اللازمة لزراعة أجهزة تعريفية تحت جلدك. هذه الشرائح يمكن تصميمها بحيث تكون قادرة على أن تحل محل المفاتيح. كما أنه بإمكانها فتح أجهزة الأندرويد بمجرد لمسها. هذه الشرائح الصغيرة لا تحمل بطاريات ولا يتم توصيلها بشاحن. فهي تحصل على طاقتها من الجهاز الذي يتم توصيلها به. [10، 11]
يوضح الشكل التالي حجم هذه الأجهزة والذي يقل عن حجم عقلة الإصبع.
مؤسسة بحثية عسكرية تتابع القرصنة البيولوجية
أهم الجهات الرسمية المهتمة بابداعات القراصنة البيولوجيين ومتابعة لهم هي داربا DARPA. وتلك هي وكالة مشاريع الدفاع البحثية المتقدمة بجيش الولايات المتحدة The US military’s Defense Advanced Research Projects Agency. وهي تتابع منتجات القراصنة البيولوجيين بشغف. جدير بالذكر أن الأبحاث الخاصة بهذه الوكالة كانت السبب في خروج منتجات مثل السيارات ذاتية القيادة والجي بي إس والمنتج الذي تتابعنا عبره الآن عزيزي القارئ؛ الإنترنت. [8]
مقترحات لتقليل مخاطر القرصنة البيولوجية
1- تشجيع إدراج مشاريع القراصنة البيولوجيين تحت إشراف المؤسسات الاكاديمية بحيث يسهل متابعتها من المختصين.
2- كذلك تمكين القراصنة البيوليجيين من استخدام الأجهزة المعقدة والامكانيات التي تتوفر فقط بالمعامل الأكاديمية ومن ثم يكونوا أيضاً تحت أعين المختصين.
3- تمكين القراصنة البيولوجيين من تسجيل تجاربهم بطريقة رسمية قبل إجراءها.
في النهاية أخبرنا أنت عزيزي القاريء برأيك في تلك الحركة وهل تؤيد استمرارها بشكل مطلق أم بقيود؟ وما من وجهة نظرك القيود التي تراها مناسبة لتجنب الجانب السيء منها؟
المصادر:
- الصورة البارزة للمقال:
Meet the Las Vegas biohackers who are trying to supercharge their bodies – Las Vegas Sun Newspaper - Biohacking | Definition of Biohacking by Merriam-Webster
- Biohacking: Definition, Safety, and Top 11 Hacks for Beginners (healthline.com)
- How does nutrigenomics complement personalised nutrition?—podcast | Vitafoods Insights
- Half Human Half Cyborg ( More Coming Soon ) on Behance
- Intellia Presents First Data Supporting CRISPR/Cas9 HAE Gene Therapy Candidate (angioedemanews.com)
- Do-it-yourself (DiY) science: The proliferation, relevance and concerns – ScienceDirect
- Why I injected myself with an untested gene therapy – BBC News
- Biohacker fined for travel card implant – BBC News
- Bodyhackers: Bold, inspiring and terrifying – BBC News
- Amal Graafstra Sells a Kit so Anyone Can Be a Biohacker (businessinsider.com)
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :