Ad

يرى البعض أن سلوكيات كالإيثار والتعاون مثيرة للحيرة من الناحية التطورية، حيث تتناقض مع سعي الفرد للبقاء. وقد فسرها البعض أنها تطور على مستوى مجموعات الكائنات. فوجود ذلك السلوك يجعل تلك المجموعات أكثر قدرة على البقاء. لكن البعض الآخر فسرها على أنها نزعة لجينات أنانية نحملها للبقاء بغض النظر عن الفرد وهو ما يعرف بمفهوم الجين الاناني. ترى ما هية هذه الجينات الأنانية؟ وكيف تؤثر على الفرد بشكل قد يؤدي إلى تفوقه أو يهوي به إلى هلاكه؟

لا شك أن غالبيتنا سمع بشكل أو بآخر عن نظرية التطور. والتي تشير بشكل عام إلى وجود أصول مشتركة بين الأنواع المختلفة. وأن محرك قوي يسمى الانتخاب الطبيعي هو الذي حدد بقاء أنواع أو انتشارها أكثر من غيرها وفناء انواع أخرى.
لطالما اعتقد المختصون أن عملية الانتخاب الطبيعي تتم على مستوى الكائن. إلى أن ظهر مفهوم جديد ثوري حول حدوث الانتخاب الطبيعي على مستوى المورثات (الجينات). وقد تحدث عنه عدد من العلماء. أشهرهم هو عالم الأحياء التطورية ريتشارد دوكينز Richard Dawkins وذلك في كتابه الجين الأناني The Selfish gene والذي أثار فيه فكرة الرؤية الجينية للتطور. [1]

الرؤية الجينية للتطور:

كما ذكرنا وكما هو معروف للجميع فإن النظرة التي كانت سائدة في دراسة تطور الكائنات الحية كانت تدور حول ان التنافس عل ىالبقاء يتم على مستوى أفراد النوع وبفعل الانتخاب الطبيعي يتم الانتقاء. لكن اقترح بعض العلماء على رأسهم ريتشارد دوكينز طريقة أخرى للنظر إلى عملية التطور. حيث أوضح ان التنافس يكون على مستوى الجينات وما الأفراد إلا حوامل فقط للجينات. وفي هذه العملية تسعى الجينات إلى التنافس وإكثار نسخها بغض النظر عن كون ذلك يؤدي إلى نجاة الفرد وبقائه أو فنائه. [2]

تاريخ مفهوم الجين الأناني:

في الحقيقة لم يكن مفهوم وجود جينات تسعى إلى الانتشار والتكاثر حديثاً وقت طرح ريتشارد له في كتابه. فقد بدأ ظهور المفهوم عام 1928 في ورقة بحثية عن المحرك وراء انتشار الكرموزوم إكس في نوع من ذباب الدورسوفيلا (ذباب الفاكهة). تلى ذلك وصف عالم النبات السويدي أويسترجرين Östergren مجموعة من الكروموزمات في النباتات تسمى كروموزومات ب B Chromosomes بأنها كروموزومات طفيلية. حيث أنها وعلى العكس من الكروموزومات أ A Chromosomes لا تحمل فائدة وظيفية للعائل. ومع ذلك تسعى لنشر وإكثار نفسها. [1، 2]

لكن صياغة المفهوم نفسه وشهرته كانت على يد العالم جورج وليامز George Williams في كتابه التكيف والانتخاب الطبيعي Adaptation and Natural Selection والعالم ريتشارد دوكينز Richard Dawkins في كتابه المُصنف ضمن الكتب الأكثر مبيعاً الجين الأناني The Selfish Gene.
[1]

صورة توضح: من اليمين كتاب التكيف والانتقاء الطبيعي لجورج ويليامز، ريتشارد دوكينز(وسط)، وكتاب الجين الأناني لريتشارد دوكينز (يسار).
صورة توضح: من اليمين كتاب التكيف والانتقاء الطبيعي لجورج ويليامز، ريتشارد دوكينز(وسط)، وكتاب الجين الأناني لريتشارد دوكينز (يسار). [3]

أمثلة على الجين الأناني في الطبيعة:

هناك نوعان من الصراع بين الجينات. صراع بين جينات الفرد الواحد Intraindividual conflict وصراع بين جينات الأفراد Interindividual conflict. كلا الصراعان هدفه إكثار وبقاء جينات دوناً عن غيرها.


1- الجينات القافزة والعناصر الجينية المتنقلة Transposable element and mobile genetic elements:

تتميز تلك العناصر الجينية على قدرتها على الانتقال من موقع لآخر على نفس الجينوم أو إلى موقع آخر في جينوم آخر. وقد تحتوي شفرة لإنزبمات تساعدها على التنقل عن طريق قص ولصق نفسها وقد لا تحتويها. وفي الحالة الأخيرة قد تعتمد على جينات اخرى تساعدها على التنقل. سواء كانت تلك الجينات هي الأخرى متنقلة أم لا.

2- الجينات الموجِهة للانقسام الميوزي Meiotic driver genes:

بشكل عام فإن الانقسام الميوزي عملية عادلة في إعطاء احتمالات متساوية لنسختي الكروموزومات في الوقوع في خلية جنسية فاعلة أو في أخرى غير فاعلة. تمتلك بعض الجينات الأنانية القدرة على إخراج الانقسام الميوزي عن حياده وتوجيهه بحيث تقع في القطب الذي سينتج الخلية الجنسية الفاعلة. ومن ثم تزيد من فرص انتشارها. فعلى سبيل المثال تضمن كروموزومات ب الانتقال إلى خلية جنسية (مشيج) فاعلة عن طريق توجيه نفسها نحو القطب الذي سينتجها أثناء الانقسام. [2]

3- جينات تُسبب تشوهات ما بعد التوزيع Post segregation distortion:

بعض الجينات الأنانية لا تكتفي بزيادة انتشارها وإنما تقضي أيضاً على الجينات المنافسة. حيث تقوم بقتل الخلايا الجنسية التي نتجت عن انقسام ميوزي ولم تكن تحتوي هذا الجين الأناني. هذه الجينات تُعرف بقاتلة الأمشاج (الخلايا الجنسية) Gamete killers. على سبيل المثال: بعض الميكروبات تحتوي بلازميدات قاتلة مسئولة عن إفراز سم يقتل الخلايا غير الحاملة للبلازميد. وبذلك يضمن البلازميد بقاء الخلايا التي تنقله لذريتها ويضمن عدم استبداله ببلازميد منافس. حيث أنه بفقده تفقد الخلية دفاعاتها ضد السم وتموت منه.[2، 5]

صورة توضح آلية عمل الجينات الأنانية القاتلة للجاميتات. [6]

4- تأثير اللحية الخضراء Green Beard Effect:

يعتبر سلوك هذا النوع من الجينات الأنانية مثيراً للاهتمام. حيث تتمكن هذه الجينات من تمييز عائلها بعلامة تمكن غيره ممن يحملون نفس الجينات من التعرف عليه. ومن ثم يتعاونون معاً لزيادة مكاسبهم على حساب باقي الأفراد غير الحاملة للجين. يطلق العلماء على هذه الظاهرة تأثير اللحية الخضراء The Green Beard Effect.
[7]
على سبيل المثال: جينFLO1 الموجود لدى بعض فصائل فطر الخميرة ييمزها بعلامة تجعل الخلايا الحاملة للجين قادرة على التكتل معأً دوناً عن باقي الخلايا غير الحاملة للجين. و يمكنها هذا التكتل من التعاون والاستفادة من الوسط المحيط وتقليل ضغط البيئة المحيطة بها بشكل يشبه ما تفعله البكتيريا في البيوفيلم. [8] مثال آخر هو نمل النار حيث تقتل الشغالات الحاملة للجين جي بي-9 Gp-9 المسئول عن إنتاج البروتين العام-9 General protin-9 الملكات غير الحاملات للجين. [7]

صورة لشغالات نمل النار تحمل الجين جي بي-9 تقتل ملكة تحمله.
صورة لشغالات نمل النار تحمل الجين جي بي-9 تقتل ملكة تحمله. [7]

تأثير الجين الأناني على الكائن الحي:

إن الآثار التي قد تنتج عن حمل العائل لهذا النوع من الجينات الأنانية تتراوح بين أن تكون حيادية أو نافعة (تساعد في نجاة وتنافسية العائل) أو ضارة تؤثر بالسلب على بقاء العائل.


فعلى سبيل المثال قد تتسبب الجينات الأنانية في:
1- خلل في وظائف الخلية: قد تتسبب الجينات القافزة في إضطراب في الشفرة الوراثية ينتج عنه خلل في وظائف الخلية مما يعهدد بقاءها.

2- زيادة التنافسية وفرص البقاء: بعض العناصر الجينية المتنقلة تمنح العائل قدرة على النجاة لم تكن لديه. كما تفعل بعض هذه العناصر مع بعض الخلاي الميكروبية فتجعلها مقاومة لبعض المضادات الميكروبية.

3- تكوّن أجناس جديدة: قد ينتج عن نشاط وتنقل العناصر الجينية المتنقلة أجناس جديدة.

4- انقراض الكائن: في بعض الدراسات وجد العلماء أن كثرة العناصر الجينية المتنقلة قد تؤدي إلى انقراضات في بعض الطيور والنباتات والزواحف لكن ليس الثديات. [2]

جدل علمي حول طبيعة الجينات الأنانية:

لا يزال هناك جدال قائم مستمر حول ما إذا كانت بعض هذه الجينات الأنانية حافظت على وجودها بسبب قدرتها على إكثار نفسها أم بسبب أهميتها البيولوجية لبقاء الكائن الحي. وذلك رغم كثرة الادلة التي ترجح أن هذه الجينات طفيلية طريقتها في الانتشار هي التي تحافظ على بقاءها بالأساس. [2]

المصادر:

1- Selfish genetic elements (plos.org)
2- Selfish genetic elements, genetic conflict, and evolutionary innovation | PNAS
3- Amazon.com and Wikipedia
4- Meiotic Drivers: Cheaters divide and conquer | eLife (elifesciences.org)
5- Genetic Villains: Killer Meiotic Drivers. – Abstract – Europe PMC
6- A MUTANT KILLER PLASMID WHOSE REPLICATION DEPENDS ON A CHROMOSOMAL “SUPERKILLER” MUTATION | Genetics
7- The greenbeard effect (cell.com)
8- FLO1 Is a Variable Green Beard Gene that Drives Biofilm-like Cooperation in Budding Yeast ScienceDirect

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


غير مصنف حياة أحياء تطور فلسفة

User Avatar

Gamal Ashraf


عدد مقالات الكاتب : 12
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق