Ad

لعلك تتذكر جورجيو باريزي وسيوكورو مانابي وكلاوس هاسلمان الحائزين على نوبل 2021 في الفيزياء ومساهماتهم في فهم الأنظمة المعقدة، ففي كل مجال سواء في الرياضيات أو الفيزياء أو الأحياء أو الاقتصاد… هنالك بعض الأنظمة التي لم يستطع العلماء تفسيرها مثل مجموعات النمل التي تراها، الاقتصاد البشري أو المناخ أو حتى الوعي البشري، الذي ينظر إليه كونه خاصية ناشئة لشبكة معقدة من الخلايا العصبية في أدمغتنا والكثير من الأمثلة، فقد أطلق العلماء على تلك الأنظمة اسم (الأنظمة المعقدة) فهنالك قول أرسطو الشهير: “الكل أكبر من مجموع أجزائه”. إذ إن الأنظمة المعقدة يستلزم فيها السلوك الجماعي لأجزائها لظهور خصائص يصعب استنتاجها. فيأتي علم الأنظمة المعقدة (نظرية التعقيد) ليقدم لنا طرقًا لفهم الكون من حولنا. فدراسة التعقيد نظرية علمية جديدة وفي هذا المقال سنوضح ما هي نظرية الأنظمة المعقدة وخصائصها.

كيف نفهم الأنظمة المعقدة؟

الساعة التي ترتديها بيدك، السلوك المنتظم لها هو الذي سمح لنا بإنشاء جهاز ضبط الوقت. لكن هناك بعض الأنظمة مثل الطقس أو الإنترنت. نحن نفهم هيكلهم لكن من الصعب التنبؤ بسلوكهم، كذلك دماغك معقدة من حيث التركيب والسلوك. فما يتضح لنا أن كلمة التعقيد (معقد) تُطلق على العديد من المكونات المتفاعلة التي من الصعب فهم سلوكها أو هيكلها.

فالأنظمة المعقدة ليست جديدة، لكن لأول مرة في التاريخ تُتاح أدوات لدراسة مثل هذه الأنظمة بطريقة علمية محكمة. فقديمًا، كانت دراسة الأنظمة المعقدة في البيئة أو الاقتصاد تستغرق وقتًا طويلًا أو خطيرة أو باهظة الثمن وغير علمية. لكن الآن وباستخدام الحواسيب، يمكن بناء على سبيل المثال بدائل سيليكون كاملة لهذه الأنظمة ويمكن التلاعب فيها.

مثال على النظرة غير العلمية

افترض أن مستثمرًا فرديًا يتفاعل مع البورصة وبذلك يؤثر على سعر السهم أثناء اتخاذ قرار بالشراء أو البيع أو الاحتفاظ، فيرى هذا المستثمر السوق على أنه معقد أو بسيط اعتمادًا على مدى إدراكه لتغير الأسعار. لكن لتلاحظ هنا أن البورصة أيضًا تعمل على المستثمر. فما يحدث فيها مؤثر على قرارات المستثمر، فهنا السوق يحكم بأن المستثمر لديه درجة معينة من التعقيد؛ تؤثر على تصرفاته مثل التوتر أو الهدوء أو عدم الاستقرار. فهنا يكمن التعقيد في عين المستثمر بقدر ما يكمن في بنية وسلوك النظام نفسه. فمفهوم التعقيد هنا من نظرة أي شخص غير علمية، فالبعض يرى أن الأميبيا أبسط من الفيل.

الخصائص المختلفة المرتبطة بالأنظمة البسيطة والمعقدة

عادة ما تستخدم كلمة التعقيد كاسم لشيء مخالف للحدس أو لا يمكن التنبؤ به أو صعب في فهمه. لذلك وضعت خصائص لوصف الأنظمة المعقدة بعيدًا عن المفاهيم غير العلمية. لنتطرق الآن لبعض تلك الخصائص…

«التنبؤ-Predictability»

لا مفاجآت في الأنظمة البسيطة، أسقط حجرًا؛ فسيقع. ضع أموالك في حساب بنكي فائدته ثابتة؛ ستتراكم الأموال بانتظام… فمثل هذه السلوكيات التي يمكن التنبؤ بها هي من خصائص الأنظمة البسيطة، أما الأنظمة المعقدة لا سلوك متوقع فيها ومليئة بالمفاجآت مثل فتح طرق سريعة جديدة؛ سيؤدي إلى زيادة أوقات التنقل واختناقات مرورية…

«الترابط-Connectedness»

تحوي الأنظمة البسيطة عددًا قليلًا من المكونات مع عدد قليل من المتغيرات مع سيطرة على الروابط بين تلك المتغيرات مثل منظمة ما تتميز بالاستقرار الوظيفي أو المقايضة البدائية حيث تداول عدد قليل من السلع وهي أبسط في الفهم من الاقتصاديات المتقدمة للدول الصناعية التي نعدها من الأنظمة المعقدة.

«التحكم المركزي-Centralized control»

يتركز التحكم في الأنظمة البسيطة في موقع واحد أو عدة مواقع قليلة على الأكثر مثل الشركات المملوكة للقطاع الخاص. على العكس تمامًا، تُظهر الأنظمة المعقدة انتشارًا للسلطة الحقيقة وقد يبدو لك أن لها سيطرة مركزية فتشمل الأنظمة اللامركزية للحكومات والجامعات والإنترنت كذلك… فتميل الأنظمة المعقدة إلى التكيف على نحو أسرع مع الأحداث غير المتوقعة وتُعد أكثر مرونة.

«التحلل-Decomposability»

التفاعلات بين النظام البسيط قليلة أو ضعيفة بين مكوناته المختلفة. فيتصرف النظام على نحو أكثر أو أقل كما كان عليه سابقًا عند قطع بعض الاتصالات. من الناحية الأخرى، فالعمليات المعقدة غير قابلة للاختزال أي لا يمكن أن يتحلل النظام إلى أنظمة فرعية دون خسارة، فإهمال جزء من عملية ما أو قطع الاتصال الرابط بين أجزائها؛ سيُدمر الجوانب الأساسية لسلوك النظام أو هيكله.

وترجع آليات توليد المفاجآت إلى السلوكيات التي تظهرها الأنظمة المعقدة مثل:

«المفارقة-Paradox»

تنشأ المفارقات عادة من الافتراضات الخاطئة التي تؤدي إلى تناقضات بين السلوك المرصود والمتوقع وتحدث في مواقف غير منطقية.

«عدم الاستقرار-Instability»

عند حدوث اضطرابات صغيرة في الأنظمة غير المستقرة، تتولد المفاجآت مثل انهيار أسواق الأسهم.

«غير قابلة للحوسبة-Uncomputability»

إن السلوكيات التي تُظهرها نماذج الأنظمة المعقدة هي نتيجة اتباع مجموعة من القواعد. لأن تلك النماذج مجسدة في حواسيب التي بالضرورة تتبع لقواعد محددة. مع أن آلات الحوسبة تتبع قواعد، فلا يوجد سبب للاعتقاد بأن أي عمليات في الطبيعة أو بشرية تستند بالضرورة لقواعد. فإذا كانت هناك عمليات غير قابلة للحوسبة موجودة في الطبيعة مثل حركة الكتل الهوائية في الغلاف الجوي، فإن الظاهرة الحقيقة لأي نظام لن تظهر على الحاسوب أبدًا لأن تلك الكميات غير القابلة للحوسبة موجودة فعلًا خارج عالم الرياضيات.

«الاتصال-Connectivity»

يتميز النظام بالروابط والتفاعلات بين مكوناته وكذلك تأثير تلك الروابط على سلوكه وهذه إحدى الخصائص. فمثلًا العلاقة بين رأس المال والعمل هي التي توجد الاقتصاد، فالنظام المعقد مترابط ومتصل جيدًا ويكمن التعقيد والمفاجأة في الأنظمة المعقدة في تلك الروابط.

«التولد-Emergence»

تشير إلى الخصائص غير المتوقعة في أية أنظمة فرعية فردية التي تنشأ من التفاعلات. مثل الماء، فخصائصه المميزة في شكله في صورة سائل وعدم القابلية للاشتعال وذلك بالطبع يختلف عن خصائص الغازات المكونة له. فيكمن الاختلاف بين التعقيد الناشئ عن «التوليد-Emergence» في طبيعة التفاعلات بين المكونات.

فلا تركز فقط على ما إذا كان هناك نوع من التفاعلات بل أيضًا على طبيعة تلك التفاعلات فمثلًا لا يمكنك التمييز بين (ماء الصنبور العادي) الذي يتضمن تفاعلًا بين جزيئات الهيدروجين والأكسجين و(الماء الثقيل) الذي يتضمن تفاعلًا بين نفس المكونات لكن مع وجود نظير لمادة الهيدروجين يدعى (ديوتريوم) في هذا المزيج؛ فالتولد من شأنه التمييز، إذ تظهر خصائص معينة (المتولدة) عند تفاعل تلك الأنظمة.

فهذه العناصر هي الخصائص التي هي مصدر توليد المفاجآت.

وهكذا نختم حديثنا عن ذلك العلم الواسع الذي تعرفت فيه على نُبْذَة من شأنها أن تساعدك في فهم المقالات القادمة في الحوسبة الكمية، إذ سنتحدث عن نظرية التعقيد الحسابي؛ فتابعنا.

المصادر

uwaterloo

cssociety

britannica

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


بيئة فكر علم اقتصاد رياضيات غير مصنف كيمياء

User Avatar

Ayaa Yasser

آية من مصر، أدرس الرياضيات، مُحبة للعلوم والبحث العلمي.


عدد مقالات الكاتب : 48
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق