على الرغم من أن الجنس حاجة طبيعية لدى البشر إلا أنه على عكس احتياجاتنا الأخرى نخشى الحديث عنه خاصة في المجتمعات المحافظة.
يكون الحديث عن الجنس مثيرًا للجدل ومنفر في كل مرة إلا أنه كان متوغل في أغانينا ورواياتنا وقصائدنا. كما نحت الفنانون التماثيل ورسموا اللوحات عن الجنس مثل لوحات الفنان النمساوي غوستاف كليمت اللتي تميزت بعرض الإثارة الجنسية والمواضيع الجنسية الأخرى.
ظهر الجنس في فننا وحديثنا ولكن كانت أولى المحاولات لفهمه علميًا في وقت قريب جدًا على يد العالم ألفريد كينزي الذي ارتاد جامعة هارفرد. واهتم كينزي بدراسة علم أنساب دبابير العفص، ولكن سرعان ما بدأ يتجه لدراسة جنسانية البشر. وكان كينزي من أوائل المتحدثين عن بيولوجيا التحفيز الجنسي، وآليات الجماع، وتقنيات منع الحمل في محاضراته. كما مهّدت أبحاثه المثيرة للجدل الطريق لفهمنا التفضيلات الجنسية، والعادة السرية، وهزة الجماع والسلوكيات الجنسية لدى الرجال والنساء. ومن هنا كانت انطلاقتنا تجاه فهم علمي أكثر عن الصحة الجنسية، والذي بدوره ساعد بعض الدول في وضع منهجيات لتدريس الجنس في المدارس.
يعارض البعض التثقيف الجنسي متوقعين أن الحديث عن الجنس سيدفع المراهقين لممارسة الجنس قبل الزواج، إلا أن هذا الاعتقاد خاطيء كما سنوضح في هذا المقال. ولكن دعونا أولًا نفهم ما هي الصحة الجنسية؟ وما هو التثقيف الجنسي وما هي أجزائه؟ ولماذا يكون هذا التثقيف حاجة رئيسية لكل شخص؟
محتويات المقال :
الصحة الجنسية ضرورية
هناك العديد من أنواع الصحة بما في ذلك الصحة البدنية، والصحة العقلية، والصحة الروحية، والصحة الاجتماعية، والصحة المالية، والصحة البيئية، وما إلى ذلك. بالإضافة إلى أن كل هذه الأنواع من الصحة يمكن أن تؤثر على بعضها البعض. على سبيل المثال إذا كنتِ تحاولين منع الحمل وكنتِ قادرةً على الوصول إلى وسائل منع الحمل التي تحتاجينها (الصحة البدنية)، فقد يساعد ذلك في خلق حالة مزاجية أكثر إيجابية (الصحة النفسية). وقد تؤثر الصحة النفسية أيضًا بشكل إيجابي على إحساسك بالثقة الجنسية وتقدير الذات الجنسي (الصحة الجنسية).
الصحة الجنسية لها نفس قيمة أي نوع آخر من الصحة. ومدى أهمية ذلك سيكون مختلفًا لكل شخص. في بعض الأحيان بناءً على مكانك في العالم وتربيتك قد لا تتعرف على الصحة الجنسية بنفس معرفتك للأنواع الأخرى من الصحة. وقد يكون هناك خجل وإحراج وخوف وارتباك مع الصحة الجنسية. هذا أمر شائع جدًا لأنه للأسف ارتبط لدى البعض الشعور بالعار بما يتعلق “بالجنس”. فبلا شك، أنت تشعر براحة أكبر عند التحدث عن نزلات البرد أو الأنفلونزا مع العائلة أو الأصدقاء أو الطبيب أكثر من التحدث عن الأسئلة المتعلقة بالصحة الجنسية.
الصحة الجنسية والإنجابية الجيدة هي حالة من السلامة الجسدية والعقلية والاجتماعية الكاملة في جميع الأمور المتعلقة بالجهاز التناسلي. وتعني أن الناس قادرون على التمتع بحياة جنسية مرضية وآمنة، وقدرة على الإنجاب، وحرية تقرير ما إذا كانوا يفعلون ذلك ومتى وكم مرة. زللحفاظ على الصحة الجنسية والإنجابية للفرد يحتاج الأشخاص إلى الوصول إلى معلومات دقيقة، وطريقة منع حمل آمنة وفعالة وميسورة التكلفة ومقبولة من اختيارهم. وعندما يقررون إنجاب الأطفال يجب أن يكون لدى النساء إمكانية الوصول إلى مقدمي الرعاية الصحية المهرة والخدمات التي يمكن أن تساعدهم في الحصول على حمل لائق وولادة آمنة وطفل يتمتع بصحة جيدة.
علام تعتمد قدرة الرجال والنساء على تحقيق الصحة الجنسية؟
تعتمد قدرة الرجال والنساء على تحقيق الصحة والعافية الجنسية على:
- الوصول إلى معلومات شاملة وجيدة حول الجنس والنشاط الجنسي.
- معرفة المخاطر التي قد يواجهونها وتعرضهم للعواقب السلبية للنشاط الجنسي غير المحمي، والقدرة على الوصول إلى الرعاية الصحية الجنسية.
- العيش في بيئة تؤكد وتعزز الصحة الجنسية.
إن القضايا المتعلقة بالصحة الجنسية واسعة النطاق، وتشمل العلاقات والمتعة والحمل. وتشمل أيضًا عواقب سلبية أو شروطًا مثل العدوى بفيروس نقص المناعة البشرية (HIV)، والأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي (STIs) والتهابات الجهاز التناسلي (RTIs) ونتائجها السلبية (مثل السرطان والعقم)، والعجز الجنسي، والعنف الجنسي، والممارسات الضارة مثل تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية. ويمكن تحقيق هذا الوعي وتزويد الأشخاص بالمعلومات الكافية عن طريق التربية الجنسية أو ما يعرف بالتثقيف الجنسي.
التربية الجنسية
يكون مفهوم التربية الجنسية في أوروبا شمولي (التربية الجنسية الشاملة) حيث تتناول الجوانب الإدراكية والعاطفية والجسدية والاجتماعية للجنس. فتتحدث عن القضايا المتعلقة بالجنس بداية من التشريح الجنسي البشري، والبلوغ، والصحة والحقوق الإنجابية، والجنس الآمن، وتحديد النسل، والنشاط الجنسي، والمتعة. ويتم توفير هذه المعلومات عن طريق الآباء، والمدارس، ومقدمي الرعاية الصحية، وحملات الصحة العامة وغيرها.
تبدأ التربية الجنسية في وقت مبكر من الطفولة وتتطور خلال فترة المراهقة، والبلوغ. وتهدف هذه التربية في مرحلة الطفولة إلى دعم فحص التطور الجنسي. وفي مراحل متقدمة تزود الناس بالمعلومات، والمهارات والقيم الإيجابية لفهم الجنس والتمتع بعلاقات آمنة وصحية.
قُدّمَ التثقيف الجنسي في البدايات في حركة النظافة الاجتماعية في أمريكا الشمالية، وبدأ يتطور ويتغير بالزمن. وكان تفشي الإيدز النقطة المحورية في التثقيف الجنسي في أفريقيا، حيث اعتبره العلماء استراتيجية للتعامل مع الانتشار الوبائي لل HIV.
تاريخ التربية التثقيف الجنسي
دخلت التربية الجنسية في أوروبا للمنهج الدراسي منذ أكثر من نصف قرن. أولا بدأت في السويد في عام 1955، ثم تلاها العديد من بلدان أوروبا الغربية في السبعينيات والثمانينيات. استمر التعليم في التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لأول مرة في فرنسا والمملكة المتحدة. وبعد ذلك في البرتغال وإسبانيا وإستونيا وأوكرانيا وأرمينيا ليلحقا بركب التثقيف الجنسي.
لقد تغير تركيز التربية الجنسية بما يتماشى مع التعليم وأولويات الصحة العامة مع الوقت، ولكن معظم العناصر الرئيسية لديها بقيت على حالها. لقد بدأت بمنع الحمل غير المقصود، ثم انتقلت إلى مجابهة فيروس نقص المناعة البشرية، إلى التوعية عن الاعتداء الجنسي.
لماذا التربية الجنسية مهمة؟
يغطي التثقيف الصحي الجنسي الشامل مجموعة من الموضوعات في جميع مراحل الصف الدراسي للطالب. يمكن أن يساعد التثقيف الجنسي الشباب على تجنب العواقب الصحية السلبية إلى جانب دعم الوالدين والمجتمع.
1. مهارات ضرورية يجب أن يتعلمها الشباب
تحمل كل عام في الولايات المتحدة حوالي 750 ألف مراهقة مع وجود ما يصل إلى 82% من حالات الحمل غير المقصودة. وهناك أكثر من 19 مليون إصابة جديدة بالأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي يصاب بها الأمريكيون كل عام. يعلم التثقيف الجنسي الشباب المهارات التي يحتاجون إليها لحماية أنفسهم. كما تعلمهم مناقشة وسائل منع الحمل والواقي الذكري بحرية فضلاً عن الأنشطة غير المستعدين لها. فتحمي صحة الشباب طوال حياتهم، وتحثهم على تأخير الجنس حتى يصبحوا جاهزين. وقد أثبتت العشرات من برامج التثقيف الجنسي فعاليتها في مساعدة الشباب على تأخير ممارسة الجنس أو ممارسته بمعدلات أقل.
2. تكوين علاقات صحية خالية من العنف
كما يساعد التثقيف الجنسي في فهم العلاقات الصحية وغير الصحية. يتطلب الحفاظ على علاقة صحية مهارات لا يتم تعليمها للعديد من الشباب مثل التواصل الإيجابي وإدارة الصراع والتفاوض بشأن القرارات المتعلقة بالنشاط الجنسي. يمكن أن يؤدي الافتقار إلى هذه المهارات إلى علاقات غير صحية وحتى عنيفة بين الشباب. فقد تعرض واحد من كل 10 من طلاب المدارس الثانوية للعنف الجسدي من شريك المواعدة في العام الماضي في الولايات المتحدة. ويجب أن يشمل التثقيف الجنسي فهم وتحديد أنماط العلاقات الصحية وغير الصحية. وأن يعلم الشباب طرق فعالة لتوصيل احتياجات العلاقة وإدارة الصراع، واستراتيجيات لتجنب أو إنهاء العلاقات غير الصحية.
3. فهم وتقدير الذات ورفض الجنس غير المرغوب فيه
تساعد التربية الجنسية الشباب على فهم وتقدير ذواتهم والشعور بالاستقلالية في أجسادهم. ولا يعلم التثقيف الصحي الجنسي الشامل أساسيات البلوغ والنمو فحسب، بل ويغرس أيضًا في نفوس الشباب حقهم في تقرير السلوكيات التي ينخرطون فيها. كما يساعدهم على رفض النشاط الجنسي غير المرغوب فيه. علاوة على ذلك، تساعدهم على فحص القوى التي تساهم في تكوين صورة إيجابية أو سلبية عن الجسم. وبالتالي تُمكنهم من تكوين صورة سليمة أكثر عن الذات.
4. احترام حق الآخرين في الاستقلال الجسدي وتجنب العنف الجنسي
يشكل احترام حق الآخرين في الاستقلال الجسدي موضوعًا هامًا جدًا. حيث صرح 8% من طلاب المدارس الثانوية أنهم أجبروا على الجماع بينما قال واحد من كل عشرة طلاب إنهم ارتكبوا عنفًا جنسيًا. لذلك يعلم التثقيف الجنسي الجيد الشباب ماهية العنف الجنسي، وكيفية حماية أنفسهم من الاعتداء، والحصول على المساعدة إذا تعرضوا للاعتداء.
من ضمن البرامج التي تهدف للحماية من العنف الجنسي هي اتفاقية مجلس أوروبا بشأن حماية الأطفال من الاستغلال الجنسي والاعتداء الجنسي “اتفاقية لانزاروت”. وتلزم الدول بضمان حصول الأطفال أثناء التعليم الابتدائي والثانوي على معلومات حول مخاطر الاستغلال الجنسي، والاعتداء الجنسي فضلًا عن وسائل حماية أنفسهم بما يتلاءم مع قدراتهم المتطورة.
كما تُشدّد لجنة لانزاروت المسؤولة عن مراقبة تنفيذ الاتفاقية على أن تكون البيئة المدرسية مناسبة بشكل خاص للإبلاغ عن المشاكل الواسعة الانتشار المتمثلة في الاعتداء الجنسي على الأطفال داخل إطار الأسرة أو في “دائرة الثقة” الخاصة بهم. وتهدف لحماية الأطفال من الابتزاز الجنسي، أو التسلط عبر الإنترنت، أو غير ذلك من الاستغلال الجنسي الذي تيسره تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
خرافات حول التربية الجنسية
تضاعفت الحملات في جميع أنحاء العالم، ونُشرت معلومات مشوهة أو مضللة حول مناهج التربية الجنسية القائمة. لقد قدموا التربية الجنسية على أنها إضفاء الطابع الجنسي على الأطفال في سن مبكرة، وحرمان الآباء من حقهم في تعليم أطفالهم وفقًا لقيمهم ومعتقداتهم. ويتم نشر المعلومات المضللة حول المحتويات الفعلية للمناهج بشكل متعمد لتخويف أولياء الأمور.
وقد حددت اليونسكو أهداف التربية الجنسية على أنها “تعليم الجوانب المعرفية، والعاطفية، والجسدية، والاجتماعية للجنس، وتهدف إلى تزويد الأطفال والشباب بالمعرفة والمهارات والمواقف والقيم التي من شأنها تمكينهم من: تحقيق صحتهم ورفاههم وكرامتهم، وتطوير علاقات اجتماعية وجنسية محترمة، والنظر في كيفية تأثير اختياراتهم على رفاههم ورفاهية الآخرين، وفهم وضمان حماية حقوقهم طوال حياتهم “.
فعلى عكس ما يدعي المعارضون، أظهرت الأبحاث التي أجريت على المستويين الوطني والدولي فوائد التربية الجنسية الشاملة بما في ذلك تأخير ممارسة الجنس، وتقليل المخاطر، وزيادة استخدام موانع الحمل، وتحسين المواقف المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية. وقد أُجريت مراجعات شاملة للبرامج الحالية التي تعمل على منع حمل المراهقات، والحماية من فيروس نقص المناعة البشرية، والأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي. وقاموا بتجميع قائمة من البرامج التي أثبتت فعاليتها من خلال التقييم الدقيق. تم تحديد 36 برنامجًا فعالًا. أظهر 16 برنامجًا منهم تأخيرًا مهمًا إحصائيًا في توقيت ممارسة الجنس لأول مرة، وأظهر 21 برنامجًا انخفاضًا مهمًا من الناحية الإحصائية في حمل المراهقات، أو الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية، أو الأمراض المنقولة جنسياً الأخرى. وساعد 16 برنامج الشباب النشطين جنسياً على زيادة استخدام وسائل الحماية.
هل التثقيف الجنسي ضرورة؟
أصبح التثقيف الجنسي في المدارس اليوم ضروريًا للغاية لأن الأطفال في معظم الحالات يحصلون على المعلومات بطريقة أخرى مثل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. ورغم أن هذه الوسائل يمكن أن تكون مصادر مفيدة ومناسبة للمعلومات، إلا أنها يمكن أن تنقل أيضًا صورة مشوهة عن النشاط الجنسي. كما تفتقر إلى المعلومات حول الجوانب العاطفية والحقوقية للجنس. يمكن من خلال مواقع الويب أو وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال أيضًا الوصول إلى معلومات غير دقيقة علميًا على سبيل المثال فيما يتعلق بمنع الحمل.
نعلم أن الحديث عن الجنس يعتبر موضوعًا حساسًا لا سيما في بلداننا العربية. ولكنه حديث لا بد منه لينعم الأشخاص بحياة جنسية صحية بعيدة عن الخرافات ويعي فيها الإنسان حقوقه. كما يجب أن يعلم كيف يحمي نفسه من عمر صغير، ويتعلم التعبير عن نفسه وعن احتياجاته.
يجب ألا ننسى مثلما ذكرنا أن التربية الجنسية لا تهدف لزيادة ممارسة الجنس وإنما تهدف لممارسة جنس صحي وآمن، وفي وقته المناسب.
وفي هذه السلسلة سنتعرف على تركيب الجهاز التناسلي ووظيفته، والجنس، والحمل، والبلوغ، وممارسة الجنس بطرق آمنة وغيرها من المواضيع الشيقة التي تسعى لوضع حجر أساس عن الصحة الجنسية للقارىء.
مصادر الحديث عن الجنس:
1. who
2. who
3. unfpa.org
4. coe.int
5. optionsforsexualhealth.org
6. advocatesforyouth.org
7. gustav-klimt
8. ncbi
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :