Ad

لقد ابتكر الفيلسوف فرانك جاكسون التجربة الفكرية المثيرة للتفكير المعروفة باسم “غرفة ماري” في عام 1982. في هذه التجربة، عاشت ماري، عالمة الأعصاب اللامعة، حياتها بأكملها في غرفة بالأبيض والأسود، ولم تختبر الألوان أبدًا. على الرغم من معرفتها بكل شيء عن إدراك الألوان، إلا أنها لم تر لونًا واحدًا من قبل. والسؤال هو، إذا خرجت ماري من الغرفة ورأت اللون للمرة الأولى، فهل اكتسبت شيئًا بالفعل؟ هل تعلمت شيئاً جديداً؟ أثارت هذه التجربة الفكرية جدلاً حول حدود المعرفة والإدراك، وانعكاساتها على مفهوم الذكاء الاصطناعي. هل يمكن لآلة، مثل ماري، أن تفهم الألوان والعواطف من خلال المعرفة العلمية فقط، أم أنها تتطلب تجارب شبيهة بالإنسان لفهمها حقًا؟ الإجابة على هذا السؤال هي الغرض الرئيسي من هذا المقال حول الذكاء الاصطناعي وغرفة ماري.

الذكاء الاصطناعي وغرفة ماري

بينما نتأمل في حدود معرفة ماري، نبدأ في التساؤل عما إذا كان الذكاء الاصطناعي (AI) يمكنه حقًا تجربة الألوان والعواطف مثل البشر. فهل يستطيع أي برنامج، مهما كان متطورا، أن يتعرف على الكواليا؟ الكواليا هي الخصائص الذاتية النوعية لتجاربنا الواعية.

دعونا نفكر في مثال يطرح القضية بوضوح أكبر. قد يمتلك الشخص المصاب بعدم الإحساس الخلقي بالألم (CIPA) معرفة واسعة عن الألم وقدرة على وصفه، لكنه لم يشعر به أبدًا. هل يمكنه مثلًا العمل كطبيب؟ وهل ستؤثر عدم قدرته على تجربة الألم على عمله كطبيب؟ ربما سيكون أكثر كفاءة، وغير منزعج من الألم الجسدي، ولكن هل سيتفهم حقاً معاناة مرضاه؟

وبالمثل، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي معالجة وتخزين كميات هائلة من المعلومات حول التعرف على العواطف البشرية، ولكن هل يمكنها حقًا تجربة الروابط العاطفية التي نربطها بالعواطف أو معانيها؟ هل يمكنهم الشعور بدفء اللون الأصفر الذي يذكرنا بالشمس أو الجوهر المهدئ للون الأخضر الناعم؟ هل يمكنهم فهم السعادة الناجمة عن النجاح؟ هل يواسونا حقًا ويفهمون الحزن الناجم عن وفاة طفلك؟ هل يضعون أنفسهم مكاننا؟

تكمن الإجابة في عالم الكواليا، حيث تتجاوز التجربة الإنسانية مجرد المعرفة الجسدية. وفي حين أن الذكاء الاصطناعي يستطيع حفظ دلالات لا حصر لها للدرجة الواحدة من اللون الأزرق، أو درجات الحزن البشري وتمييزها، إلا أنه لا يستطيع تكرار التجربة العاطفية التي تصاحب التجربة البشرية. والسؤال هو، هل يمكننا تكرار العمليات المعقدة التي تحدث في الدماغ البشري لإنشاء دماغ رقمي يمكنه الشعور حقًا؟

الذكاء الاصطناعي وغرفة ماري

الفن مثالًا

أثار ظهور الفن الناتج عن الذكاء الاصطناعي جدلا حول دور الآلات في الإبداع. وانتشرت اسئلة حول إمكانية أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الفنانين البشر، بينما اعتبره البعض مجرد أداة مساعدة للإبداع البشري. في حين أن نماذج الذكاء الاصطناعي يمكنها تحليل وتقليد بعض العناصر والارتباطات، إلا أنها تفتقر إلى العمق العاطفي والخبرات الشخصية التي يجلبها الفنانون البشريون إلى أعمالهم.

الفن لا يقتصر فقط على الأنماط والخوارزميات؛ إنه انعكاس لمجتمعاتنا، وطريقة للتواصل والمشاركة. يستفيد الفنانون البشريون من تجاربهم وعواطفهم ووجهات نظرهم الخاصة لإنشاء عمل يتردد صداه في قلوب الآخرين. إن الفن يثير المشاعر، ويثير المحادثات والروابط، ويتحدى وجهات نظرنا.

من ناحية أخرى، يقتصر الفن الناتج عن الذكاء الاصطناعي على البيانات التي تم تدريبه عليها. حيث يمكن أن يولد صورًا مذهلة، لكن تفتقر أعماله إلى الروح والهدف من وراء الفن البشري. إنها إعادة إنتاج ميكانيكية، وليست إبداعًا حقيقيًا.

ومع ذلك، هذا لا يعني أن الذكاء الاصطناعي ليس له مكان في عالم الفن. إذ يستخدم العديد من الفنانين بالفعل التعلم الآلي لزيادة عملياتهم الإبداعية واستكشاف إمكانيات جديدة ودفع حدود ما هو ممكن. ويمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي أداة قوية، مثل فرشاة الرسم الرقمية التي تمكّن الفنانين من تحقيق رؤيتهم على أرض الواقع.

إيجاد التوازن بين الفن البشري والذكاء الاصطناعي

يمكن في المستقبل أن تصبح الأدوات الفنية المدعومة بالذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من سير عمل الفنان، مما يزيد من إبداعه بدلاً من استبداله. ويمكن لهذا التعايش أن يفتح أبعادًا جديدة للخيال، مما يسمح للبشر بالتركيز على الجوانب الخاصة بالمفاهيم والمشاعر المرتبطة بالأعمال الفنية، بينما يتعامل الذكاء الاصطناعي مع الجوانب التقنية المملة والمتخصصة. ومن خلال تبني هذا النهج التعاوني، يمكننا ضمان الحفاظ على جوهر الفن البشري، مع الاستمرار في الاستفادة من قدرات الآلات.

إن المناقشة الدائرة حول الفن الناتج عن الذكاء الاصطناعي لا تدور حول وضع التكنولوجيا في مواجهة التقاليد، بل تدور حول إيجاد تناغم بين الاثنين. وبينما نمضي قدمًا، من الضروري أن ندرك قيمة الحدس البشري والتعلم الآلي، وتسخير إمكاناتهما معًا لإنشاء شيء ثوري حقًا.

وفي النهاية، فإن مستقبل الفن والإدراك لا يتعلق بالاختيار بين البشر والآلات، بل يتعلق بخلق لغة جديدة تتحدث عن تقاطع الإبداع والتكنولوجيا والتجربة الإنسانية. ومن خلال القيام بذلك، يمكننا إطلاق العنان للإمكانات الكاملة للفن الناتج عن الذكاء الاصطناعي، وإنشاء حقبة جديدة من التعبير الفني.

المصدر

The AI stuck in Mary’s Room — Investigating the limits of knowledge and perception | medium

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


ذكاء اصطناعي

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 455
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *