Ad

ملخص رواية “غرناطة” أولى روايات ثلاثية غرناطة للكاتبة رضوى عاشور

“والقلب في بيت القلب يعتصر كأنما تقبضه يد الموت ويموت”
رضوى عاشور، ثلاثية غرناطة

يرى أبو جعفر من بعيد فتاة عارية تهرول في اتجاهه وهو في طريقه إلى حانوته وكان سواد الليل لا يزال قابعًا على المدينة والشارع مهجور والحوانيت مغلقة فظن أبو جعفر في بادئ الأمر أنها رؤيا من رؤى الخيال ولكن سرعان ما تبددت شكوكه باقتراب الفتاه منه فخلع ملفه الصوف ولف جسدها به ولكن الفتاة لم تعره أي اهتمام ومضت في طريقها كالمحمومة.

كان أبو جعفر أحد سكان البيازين يعمل وراقًا ويمتلك حانوت في حارة الوراقين لنسخ الكتب وكتابة الوثائق وغيرها من الأعمال الورقية، وصل أبو جعفر إلى حانوته بعد حادثة الفتاة واجمًا يلتهمه الصمت حتى أنه لم يلق التحية على نعيم ذلك الفتى الذي وجده وهو صغير وتكفل به وأعطاه عملا في الحانوت، وظل مطرق الرأس غارق في أفكاره حتى انقضى النهار وذكرى تلك الفتاة لم تفارقه بل كانت تثير في نفسه خوفًا واضطرابًا.

في اليوم التالي سمع أبو جعفر خبر غرق موسى بن أبي غسان في نهر شنيل فراودته ذكرى الفتاة من جديد وظل في حيرته أيامًا معدودة حتى أتى له نعيم بخبر اكتشافهم لجثة فتاة عارية غارقة في نهر شنيل، فأدرك أبو جعفر أنها كانت إشارة صادقة على مُر الأيام القادمة.

ظلت غرناطة والبيازين في اضطراب ثلاث ليال متوالية بسبب خبر غرق موسى بن أبي غسان، وتعددت الأقاويل حول موته ولكن وصل لأهل البلاد خبر اختلاف موسى بن أبي غسان مع ملك البلاد أبو عبد الله محمد الصغير حول أمر القشتاليين ورغبتهم في البلاد فأراد موسى بن أبي غسان القتال ولكن أبو عبد الله أراد المعاهدة وتسليم البلاد للقشتاليين فخرج موسى بن أبي غسان غاضبًا من المجلس وبعدها أتى خبر غرقه.


انقسم أهل البلاد حول مؤيد ومعارض للمعاهدة فظن بعضهم أنها تحفظ حقوقهم والبعض الآخر رأى أن لا خير في بلاد يحكمها غرباء، مرت الأيام ثقيلة بطيئة على الأهالي وفي يوم قام أبو جعفر من نومة مفزوعًا على صوت أحد حراس الحمراء يركض في الطرقات ويصرخ بكلام غير مفهوم والذي أيقظ أبو جعفر أيقظ سعد أيضًا وهو فتى من مالقة تركها بعد أن قضى عليها الحصار وأتى إلى البيازين بحثا عن عمل وحياة جديدة فعند وصوله التقى أبي منصور صاحب حمام البلدة فأرسله إلى أبي جعفر ليجد عملًا عنده فكفله أبو جعفر هو الآخر، استيقظ سعد ولم يستطع النوم من جديد وظل يفكر في ذلك الصوت الذي أيقظه حتى الضحى، رأى سعد جنودًا قشتاليين يرفعون صليبًا فضيًا كبيرًا فوق برج الحراسة ثم رفعوا علم قشتالة وصاحوا بلغة أعجمية لم يفهم منها سوى اسمي فرديناند وإيزابيلا وأطلقوا الطلقات احتفالًا، فركض سعد كالممسوس صائحًا “دخلوا الحمراء رأيتهم”.

كان أمر المعاهدة السرية بين أبي عبد الله والقشتاليين قد افتضح، فقد سلمهم مفاتيح البلاد مقابل ثلاثين ألف جنية قشتالي وضمان حقه الأبدي في أملاكه، عاش الأهالي والمرارة في حلوقهم تقضي عليهم الأفكار المُرة حول مصيرهم وهم يرون الهجرة الجماعية للأشراف وعلية القوم وهرج ومرج في البلاد وتنصر الأمراء المفاجئ.

في يوليو 1499 وصل الكاردينال خيمينيث البلاد وحاول التودد إلى الأهالي وأغدق عليهم الكثير من العطايا وأمر المنادي أن ينادي في الناس أن الكاردينال خيمينيث سوف يفرج عن حامد الثغري وهو أحد أشجع الفرسان الذين حاولوا الدفاع عن البلاد بعد المعاهدة ولكن لم يحالفه الحظ وألقوا القبض عليه وأكمل المنادي أن من يريد رؤيته عليه التوجه إلى ساحة مسجد البيازين الذي حولوه إلى كنيسة سان سيلفادور، تجمع الناس في باحة المسجد وعلى رأسهم أبو جعفر بصحبة سعد، ظهر الكاردينال وجلس في الرواق على كرسيه الفخم وأشار للحراس فأتوا برجل شديد النحول بملابس رثة مقيد اليدين والقدمين مطأطئ الرأس، فبدأت الهمهمات تتعالى والصدمة بادية على الأهالي، فأمر الكاردينال بفك قيوده وأمره بأن يقص على الناس ما رآه في الحلم ليلة أمس فتكلم الرجل بصوت متهدج ثقيل وقال أنه رأي هاتف يخبره أن الله يريده أن يتنصر ساد الصمت وجفل الناس ونظر سعد إلى أبي جعفر فوجد دموع غزيرة تغرق جبينه فحاول أن يحثه على الرحيل ولكنه أبى وبعد قليل أتى الحراس بحامد الثغري مرة أخرى بعد أن لبس ثوبًا حريريًا واغتسل، اتجه إلى الكاردينال وبدأت طقوس تعميده.

لم يفق الأهالي بعد من واقعة حامد الثغري حتى انتشر خبر أن القشتاليين يجمعون كل الكتب من المساجد والمدارس ويأخذوها إلى مكان غير معلوم، استمر الأمر طوال إسبوع حاول خلاله أيضا الأهالي الحفاظ على ما تبقى لديهم من كتب وخبأوها في أماكن بعيدة مثل الكهوف أو البيوت المهجورة وسراديب المنازل كما أخذ أبو جعفر كل الكتب التي بحوزته وخبأها في سرداب بيته في عين الدمع.

وفي يوم دخل نعيم مهرولًا على أبي جعفر صائحًا أنهم يكدسون الكتب في ساحة باب الرملة وسيحرقونها، لبس أبو جعفر مركوبة وانطلق وراء نعيم وتبعته حفيدته سليمة، اجتمع الناس في ساحة باب الرملة صامتين يشاهدون العربات التي تحمل الكتب وفوقها الحراس يلقون بالكتب والمصاحف الكبيرة على الأرض لتشكل كومة ضخمة ثم قاموا بحرقها جميعًا، كان أبو جعفر مصعوقًا من المشهد يتمزق قلبه على تراثهم الذي أصبح رمادًا.

هام أبو جعفر على وجهه مفطور القلب حزين وعقله متوقف عن التفكير ولم يعد إلى البيت إلا في نهاية اليوم ورقد في فراشة ومات، أرقد موت أبي جعفر سليمة في الفراش تعاني الحمى أيامًا كثيرة وعندما تعافت أخبرتهم أنها ستذهب لتعيش في بيت عين الدمع وإن لم يأتوا معاها ستذهب بفردها فلم يكن أمامهم سوى إطاعتها، وما إن وصلت حتى نزلت إلى السرداب وأعادت ترتيب المكان وإعداد قائمة بأسماء كل الكتب الموجودة.

توالت المصيبة تلو الأخرى على رأس أهل غرناطة فبدأت الأمور بحادثة في ساحة البنود التي تتفرع منها الطرقات حيث كانت فتاة تسير بمفردها اعترض طريقها شابان قشتاليان حاولت الهرب منهما لكنهما لحقا بها وما إن صرخت الفتاة حتى أوسعوها ضربًا وسمع الصراخ أربعة من شباب غرناطة تعرفوا على الشابين أحدهم مفوض الشرطة والآخر خادم الكاردينال فاشتبك معهما شابان وأخذ الشابان الآخران الفتاة إلى أقرب بيت، هرب مفوض الشرطة فتبعه أحد الشباب وكاد يمسك به حتى ألقى أحد على رأس مفوض الشرطة حجرًا من النافذة فمات، أفزعت الحادثة الأهالي وأغلقوا أبواب المدينة واتجه عدد من الشباب لمحاصرة قصر الكاردينال حتى تفاوض معهم الكونت تانديا وأمرهم بالعودة ووعدهم أن يأتي إليهم للمفاوضة وهددهم بإبادتهم عن آخرهم لو ظلوا على موقفهم.

وقبل طلوع الفجر نادى المنادي أن مسجد البيازين رجع مسجدًا مرة أخرى وأن من حقهم الصلاة فيه فاتجه الجميع لصلاة الفجر وبعد الصلاة بدأت المناقشات وانتهت قرب الظهر بتعيين أربعين شخص ليكونوا الحكومة المفوضة من الأهالي، وبالفعل أتى الكونت تانديا بصحبة الأسقف تالافيرا كبير الأساقفة وأعلن أنه سينقل زوجته وأولاده ليعيشوا في البيازين ليضمن الأمان للأهالي بشرط أن يعودوا إلى أعمالهم ويفتحوا الأبواب، فقبل الأهالي ولكن طالب القشتاليين بقاتل مفوض الشرطة فوعدهم القاضي بتسليمه وحدث بالفعل ولكنهم قبضوا على ثلاثة غيره وتدلت أجساد الشباب الأربعة من المشانق أمام أعين الناس، وكان واضحًا أن الضربة القادمة ستكون من حظ حكومة الأربعين فهربوا إلى جبال البشرات.

بعد موت أبو جعفر طلب سعد من أبي منصور أن يطلب له يد سليمة ووافقت وتم العرس وسط صخب الأهالي وفرحتهم، ظلت سليمة تلح على سعد أن يحكي لها عن أهله وحياته في مالقة فظل يحكي لها على مدار ثلاث ليال متواصلة، شرع يحكي عن أبيه صانع الحرير وأمه وأخته التي تصغره بأربع سنوات، حكى لها عن حصار مالقة وسقوطها وكيف كان القشتاليون يقصفون المدينة بكرات اللهب والرخام والمدافع اللمباردية وصوتها المفزع الذي يهز القلوب ويميتها واقتحامهم للمدينة وتوزيع الأجراس والصلبان على المساجد ومنعهم للآذان والصلاة، وكيف عاشوا في قحط وجوع لأيام عديدة وعندما أمر الملكين الكاثوليكيين بتوزيع حصص القمح على الأهالي كان جده قد مات جوعًا وكمدًا، حكى لها كيف سرق القشتاليون الأهالي في صورة فدية يجمعونها منهم وبعدما أخذوا كل ممتلكاتهم أخبروهم أن الفدية لم تكتمل وسيأخذون باقيتها عبيدًا منهم وأغلبهم من النساء وكانت أم سعد واحدة منهن.

تزوج حسن أخو سليمة وحفيد أبي جعفر من مريمة تلك الفتاة التي شاهدها مع أبيها في الخان يعزفون، كان أبيها يعمل منشدًا قبل دخول القشتاليون فبعد دخولهم منعوا الإنشاد نهائيًا فعمل أبوها عازفا هو وأولاده، تزوجها حسن وانتقلت مريمة إلى بيت أبي جعفر هي وصندوقها الخشبي المميز، مرت الأيام وظلت أم حسن تتبرم وتشتكي من مريمة وإهمالها العمل في البيت وجلوسها المستمر مع سليمة التي تعلمها الكتابة أو تجلسن متجاورات سليمة تقرأ ومريمة تطرز الملابس لوليدها ووليد سليمة.

كانت الحياة تمر في بيت أبي جعفر صعبة ولكنها تمر حتى وضعت سليمة مولودها فصدر أمر من الملكين الكاثوليكيين بالتنصر القسري لكافة الأهالي ومن يرفض يجبر على الرحيل من البلاد، فكان رأي حسن أنه لابد من الرحيل وبيع بيت عين الدمع فرفضت أم جعفر رفضًا قاطعًا على ترك بيتها، فقالت مريمة أن لا فائدة من الرحيل وأن الله أعلم ما في القلوب ولن يضيرهم شيء إذا تغيرت أسماؤهم أو حملوا ورقة تشهد بتنصرهم.

وقف ما تبقى من الأهالي الغير قادرين على الرحيل يتلقون قطرات التعميد الجماعي، ولكن لم يقتصر الأمر على تغيير الأسماء فقط كما قالت مريمة ولكن كانت تغير كامل لحياة وعادات وتقاليد وشرائع، وصل بهم الأمر لمنع ارتداء الملابس العربية وغطاء الرأس ولا يجوز لأي متنصر بيع أو شراء أي ممتلكات أو حتى إيواء شخص من أصل عربي، كما أمروهم بتسليم أي كتب أو مخططات يمتلكونها، ويحظر عليهم الإرث على الطريقة الإسلامية.

اتجهت سليمة لعلم الأعشاب وصناعة الأدوية والخلطات الشافية التي جعلتها محط اهتمام كل أهل البلدة وأهملت زوجها مما أساءه كثيرا فقرر سعد الرحيل وخصوصًا بعدما ضاقت عليه الحياة عندما أمر القشتاليون بإغلاق جميع الحمامات ومن ضمنها حمام أبو منصور الذي عمل فيه سعد بعد موت أبو جعفر، فقرر سعد الرحيل مع أصدقاء له للعمل مع المقاومة وانتقل للعيش معهم في الجبال.

كانت مريمة بسرعة بديهتها وحلها للأزمات بخفة وشكل غير تقليدي ومساعدتها للجيران والمعارف مصدر بهجة واطمئنان للكثيرين عادا زوجها الذي كان يخاف أن تجلب تصرفاتها تلك المشاكل للعائلة، علمت مريمة أولادها كما أراد حسن في المنزل يتحدثون العربية ويعيشون كما عاش أباؤهم أما في الخارج يتحدثون القشتالية ويتصرفون مثلهم، تواصلت الفجائع التي يقوم بها القشتاليون فشهدت البلاد الكثير من عمليات الإعدام شنقًا وحرقًا دون التفريق بين رجل أو إمرأة أو حتى طفل، حتى وصل الأمر بأن أحدهم انتزع طفل من أحضان أمه وأطعمه لكلبة أمام عينيها ومن ثم قام بقتلها هي الأخرى برصاصة أسكنت صراخها الحارق.

كان الوضع صعب أيضًا مع سعد فقد تم القبض عليه وقضى فترة طويلة في السجن يتعرض لكافة أنواع التعذيب وعندما انتهت فترة عذابه خرج منها يمشي على عكازين ويرتدي عباءة الخطائين وممنوع من العمل كذلك، فقرر سعد الرجوع للبيت ولكن ما إن فتحت أم حسن الباب ورأته حتى بدأت في النحيب الذي راعه كثيرا، وعلم بعد ذلك سببه، وأن رجال ديوان التحقيق قد أخذوا سليمة محمولة في قفة بعد أن فتشوا غرفتها وسجلوا كل ما وجدوه من أعشاب وقدور وأوراق فعلم سعد أنهم يتهمونها بممارسة السحر.

فعلًا تمت محاكمة سليمة بتهمة ممارسة السحر ويوم المحاكمة ساقوها مقيدة إلى ساحة باب الرملة وكانت تغالب نفسها لتمشي على قدميها المتورمتين جراء التعذيب، وقفت سليمة أمام قاضيها الذي حكم عليها بالإعدام حرقًا أمام أعين الجميع، وتحت وطأة نظرات الفرح في أعين القشتاليين والفزع في أعين أهلها دفعها الحراس إلى النار.

للمزيد من ملخصات الكتب

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


ملخصات كتب

User Avatar

Aya Gamal


عدد مقالات الكاتب : 36
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق