Ad

ما مصير البحث العلمي المشترك بعد خروج المملكة المتحدة من الإتحاد الأوروبي؟

في الساعة الحادية عشرة من مساء يوم 31 يناير، كان الباحثون بين أولئك الذين يشعلون الشموع بمناسبة خروج المملكة المتحدة من الإتحاد الأوروبي. معظم العلماء لم يوافقوا على خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، فقد اشترك العلماء في تأسيس حملة وطنية لإجراء استفتاء ثان على عضوية البلاد في الإتحاد الأوروبي، خشية أن يؤدي هذا الانقسام إلى تدمير الإتحاد الذي عمل على تعزيز التعاون والنهوض بالمعرفة طيلة الأعوام السبعة والأربعين الماضية, لكنها باءت بالفشل بعد تفعيل البريكست.

ما مصير البحث العلمي المشترك بعد خروج المملكة المتحدة من الإتحاد الأوروبي؟

ستكون الأشهر الأحد عشر المقبلة فترة غير مؤكدة مع دخول المملكة المتحدة إلى المرحلة الانتقالية حيث يتعين عليها أن تتفاوض على شروط علاقاتها مع الإتحاد الأوروبي في المستقبل. ولا يعرف الباحثون في المملكة المتحدة بعد ما إذا كانوا سيشاركون في برامج البحوث المشتركة للإتحاد الأوروبي. كما أصبح مستقبل العديد من الباحثين في الإتحاد الأوروبي الذين يريدون أن يعيشوا في بريطانيا بين أيدي وكالة البحوث والإبداع في المملكة المتحدة-UK Research and Innovation، وليس بين أيدي وزارة الداخلية في المملكة المتحدة، أي المؤسسة التي عملت طيلة قسم من العقد الماضي على وضع وتنفيذ السياسات الرامية إلى الحد من الهجرة إلى المملكة المتحدة.

لطالما كانت البحوث من الإهتمامات المحورية بالنسبة للوحدة الأوروبية. ففي عام 1973، انضمت بريطانيا إلى ما هو أسمى من “الجماعة الإقتصادية الأوروبية”، والتي أصبحت فيما بعد الإتحاد الأوروبي. لقد انضمت إلى منظمة أُسست لتعزيز عدد من المبادئ التي تتمحور بالأساس على حل النزاعات عن طريق التفاوض والتسوية، أهمية اتخاد الأمم المتجاورة قراراتها معا وتحقيق مصالح جميع الأعضاء مادام بوسع الدول الغنية مساعدة الدول الفقيرة.

وضعت جميع هذه المبادئ من أجل هدف واحد وهو تجنب تكرار الحرب الوحشية التي خرج منها مؤسسو الإتحاد الأوروبي. وكان علماء القارة الأوروبية جزءاً كبيراً من الحرب العالمية الثانية، وهذا هو السبب الذي جعل مهندسي الكتلة يخططون لكي تصبح البحوث المشتركة (خاصة في التكنولوجيا) جزءاً من وحدة التكتل الأوروبي. وقد ألهمت فكرة “التعاون البحثي وأهميته في بناء السلام” تكتلات إقليمية أخرى في أفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.

ومع تبلور الإتحاد الأوروبي، كان بعض القادة العلميين البريطانيين متشككين في التعاون مع زملائهم الأوروبيين. ولكن الشكوك تلاشت مع وضوح الفوائد المترتبة على إنشاء منطقة أبحاث أوروبية (لا تختلف عن تلك المتواجدة في الولايات المتحدة) والتمويل وحرية التنقل في التكتل.

فقد حصل الباحثون البريطانيون على ثاني أكبر حصة من أموال الإتحاد الأوروبي في بلادهم (بعد المزارعين). ولغاية يونيو 2019، كان التمويل يتعدى مليار يورو سنويا (1,1 مليار دولار أميركي). وخصص جزء كبير من هذا المبلغ للمشاريع التعاونية ذات الأثر المجتمعي، مثل الدراسة الاستقصائية الاجتماعية الأوروبية European Social Survey التي تتتبع المواقف الإجتماعية المتغيرة في 38 بلد أوروبي، وبرنامج السماء النظيفة (Clean Sky Programme)، الذي يعمل فيه باحثون من 27 بلدا للحد من انبعاثات الكربون في الطائرات والضوضاء، ومبادرة الأدوية المبتكرة Innovative Medicines Initiative، حيث يتعاون الباحثون لتطوير أدوية للحالات التي تعاني من نقص الخدمات مثل السل.

حرية التنقل

وإدراكا من الحكومة لما قد تخسره، فإنها تجري تحقيقا بشأن ما إذا كان بوسع بريطانيا أن تدفع للإنضمام إلى برامج الإتحاد الأوروبي. ولكن في الوقت نفسه، كان الوزراء يستعدون لإحتمال عدم حدوث ذلك. وذلك لأن عضوية المملكة المتحدة في برامج البحوث في الإتحاد الأوروبي ستتطلب شكلاً من أشكال حرية التنقل. ولحد الوقت الحالي، قالت حكومة المملكة المتحدة إن حرية التنقل يجب أن تنتهي. ويتوقف الإنضمام إلى برامج الاتحاد الأوروبي أيضا على شروط علاقة المملكة المتحدة مع الإتحاد الأوروبي في المستقبل. فهناك وجهات نظر متباينة داخل الحكومة بشأن مدى قرب بريطانيا من قوانين وأنظمة شركائها السابقين في الإتحاد الأوروبي. ولكن من منظور الباحثين والمجتمع ككل، تعد الفوائد المترتبة عن هذا النظام أكبر من تلك المترتبة على الانتقال في الإتحاد الأوروبي، على الأقل في الوقت الراهن.

فمن مصلحة الجميع أن تستمر بريطانيا في التوافق مع أطر صنع القرار في القارة بشأن البيئة، البيانات، سلامة الأغذية، وعلوم الحياة الواسعة. إن القضايا البيئية دولية بطبيعتها، لذلك ليس هناك معنى أو منطق إذا باشرت بريطانيا في خلق معاييرها الخاصة، أو التوافق مع أقلية من البلدان. وينطبق الشيء نفسه على اللوائح التنظيمية المتعلقة بالتكنولوجيات مثل تلك المعنية بتحرير الجينات والذكاء الإصطناعي. ويتعين على الباحثين في المملكة المتحدة أن يشاركوا في الجهود العالمية.

أمنية رالف داهرندورف

الفيلسوف الألماني البريطاني رالف داهرندورف

كتب الفيلسوف الألماني البريطاني رالف داهرندورف الكلمات التالية بسبب إحباطه سنة 1995 عندما وجدت حكومة محافظة سابقة في المملكة المتحدة نفسها في حالة من الاضطراب بسبب علاقة بريطانيا بالإتحاد الأوروبي:

“يرى الكثيرون أن الإتحاد الأوروبي نموذج يحتذى به، ويجب أن تكون بريطانيا جزء منه”

كان داهرندورف في وضع حيث كان بوسعه أن يرى العلاقة بين بريطانيا والإتحاد الأوروبي من جوانب عدة. فقد كان بوسعه أن يرى كيف فسر البعض عضوية الإتحاد الأوروبي باعتبارها خسارة للسيادة في دولة ما بعد الإمبريالية. ولكن بوصفه لاجئاً من ألمانيا النازية، رحبت به بريطانيا، لذلك أدرك أيضاً الأهمية التي يتمتع بها الإتحاد الأوروبي الرافض لعودة الحكم الاستبدادي في أوروبا.

سيتم رفض رغبة داهرندورف، ولكن من الضروري ألا تسمح كل من المملكة المتحدة والدول الأعضاء الـ 27 المتبقية ومؤسسات الإتحاد الأوروبي بالتقليل من أهمية تلك المهمة بسبب البركست.

إن الإتحاد الأوروبي موجود لحماية الديمقراطية وسيادة القانون. ويكفل استمرار السلام والرخاء عن طريق التفاوض والتسوية، وحرية السفر والتجارة، وعن طريق مساعدة القوي للضعيف. وتحفز جميع هذه المبادئ بالمعرفة والبحث والابتكار. وهذه قيم يتعين على كل دولة أن تتطلع إليها، بما في ذلك المملكة المتحدة حتى لو لم تعد جزءاً من الإتحاد الأوروبي.

المصدر: هنا

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


اقتصاد سياسة تاريخ فعاليّات اخر

User Avatar

Naaima BEN KADOUR


عدد مقالات الكاتب : 45
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *