تبدأ القصة في أوائل التسعينيات، مع إنشاء شبكة الويب العالمية. وتمتد على مدار عقدين من الزمن، مع أحداث مهمة مثل إطلاق جوجل في عام 1998 وتقديم صندوق البحث والإجابة في أوائل عام 2010.
وموقع هذا الحدث هو الإنترنت، حيث توجد خوادم جوجل ومراكز البيانات المنتشرة في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، فإن آثار هذا التحول محسوسة في كل مكان، بدءًا من أجهزتنا الشخصية وحتى فهمنا الجماعي للمعلومات. في هذا المقال سنأخذك في رحلة لمعرفة كيفية تطور محرك البحث جوجل.
محتويات المقال :
صراع زاحف الويب
إن تصور الإنترنت كمدخل واسع ومتاهة بأبواب لا حصر لها، يمثل كل منها عنوان محدد (URL) فريد، هو فكرة شاقة. في عام 1993، أنشأ ماثيو جراي شبكة الويب العالمية (WWW)، والتي يمكن القول إنها أول روبوت إنترنت وزاحف ويب (web crawler)، وخلال محاولتها الرسمية الأولى لفهرسة الويب، عادت من رحلتها الاستكشافية ومعها 130 عنوان (URL). هذه البدايات المتواضعة تكذب مدى تعقيد المهمة. لفهم كيفية عمل زاحف الويب، تخيل إنشاء خط سير رحلة ينمو بشكل كبير أثناء زيارتك لكل وجهة وإضافة أماكن جديدة مذكورة على طول الطريق. على الرغم من أن هذا النهج يمكن أن يغطي الكثير من الأمور، إلا أنه غير مكتمل بطبيعته، حيث ستكون هناك دائمًا شبكات غير مرئية للمدن أو عناوين (URL) تظل غير مكتشفة.
تكمن صعوبة زاحف الويب في عدم قدرته على توفير دليل شامل للإنترنت. إن كل مشروع أرشيفي واسع النطاق هو مهمة عبثية يجب أن تعترف بحدودها. وتعهد جوجل الجريء بإنشاء فهرس كامل للإنترنت، من خلال عمليات المسح ثلاثية الأبعاد للعالم مثل (Google Street View)، يعد إنجازًا رائعًا. ومع ذلك، من المهم أن ندرك القرارات الأيديولوجية المتأصلة التي تحكم أي الأماكن تستحق المسح، وكيف تشكل هذه الاختيارات فهمنا للعالم. إن الحجم الهائل للإنترنت، مع العدد المتزايد باستمرار من مواقع الويب، يفوق عدد أميال الطريق. مما يجعل مهمة بناء فهرس ومعالجة استعلامات البحث جهدًا هائلاً.
نهج الطبيب مقابل أمين المكتبة
أنت تدخل إلى عيادة الطبيب ومعك قائمة بالأعراض وتغادر مع خطة التشخيص والعلاج. هذا هو منهج الطبيب في التعامل مع المعلومات: تقديم إجابات للأسئلة، وتجميع البيانات المعقدة في حلول سهلة الفهم، وإبعادنا عن السياق الصعب لكيفية وصوله للتشخيص. نفس الأمر يحدث عندما تتجول في مكتبة، محاطًا بأرفف الكتب، وتنخرط في محادثة مع أمين المكتبة الذي يرشدك عبر النطاق الشاسع للمعرفة الإنسانية، ويوجهك نحو المصادر ذات الصلة ويقترح طرقًا جديدة ومراجع لم تخطر على بالك. هذا هو منهج أمين المكتبة في التعامل مع المعلومات: تسهيل الاكتشاف، وتعزيز التفكير النقدي، واحتضان تعقيدات السياق.
في الأيام الأولى للإنترنت، كانت محركات البحث مثل جوجل تشبه بشكل أساسي أمناء المكتبات. حيث كانت تهدف إلى مساعدة المستخدمين على زيارة الصفحات التي أنشأها البشر. وعلى مدى العقد الماضي، تحولت جوجل نحو نهج يشبه الطبيب، حيث أعطت الأولوية للإجابات المباشرة على الروابط، والتضحية بالسياق من أجل الراحة. ويثير هذا التحول أسئلة جوهرية حول طبيعة المعلومات وعلاقتنا بالتكنولوجيا.
نهج الطبيب مغر ويقدم حلولاً سريعة. ولكن من خلال القيام بذلك، فإنه يخاطر بتقليص المعرفة إلى حقائق تافهة قابلة للتسليع، وتقويض قدرتنا على التفكير النقدي والإبداع. من ناحية أخرى، يدرك نهج أمين المكتبة أن الفهم الحقيقي ينشأ من احتضان المشهد الفوضوي الغني بالسياق للفكر والتعبير البشري.
سعي جوجل إلى المعرفة المطلقة
تم إطلاق بحث جوجل في عام 1998، وقد أحدث ثورة في الطريقة التي نبحث بها على الإنترنت من خلال خوارزمية (PageRank) الخاصة به. أنشأ هذا الابتكار درجة ثقة لكل موقع ويب بناءً على عدد المرات التي ترتبط بها المواقع الأخرى ذات السمعة الطيبة. وتستخدم النتيجة لتحديد المواقع التي سيتم فهرستها، وعدد المرات، ومدى تصنيفها في نتائج البحث. ويعد هذا المشروع الجريء بمثابة شهادة على التزام جوجل بجعل الإنترنت متاحًا.
ومع ذلك، فإن سعي جوجل إلى المعرفة المطلقة لا يخلو من التحديات. كل مشروع أرشيفي واسع النطاق يكون غير مكتمل بطبيعته ويتطلب موارد كبيرة. إن الحجم الهائل للمهمة أمر شاق، والإنترنت كيان يتطور باستمرار. حيث يتم هدم المباني، وتنمو الأشجار، وتنشأ الإمبراطوريات وتسقط، مما يجعل من المستحيل إنشاء دليل شامل بالمعنى الحرفي للإنترنت. علاوة على ذلك، فإن القرارات التي يتم اتخاذها بشأن الأماكن التي تستحق الفهرسة هي قرارات أيديولوجية بطبيعتها.
تطور محرك البحث جوجل من الروابط إلى الإجابات المباشرة
في أوائل عام 2010، اتخذت شركة جوجل منعطفًا جذريًا في نهجها تجاه محركات البحث. وبدلاً من مجرد توفير روابط لمواقع الويب ذات الصلة، بدأت في الرد مباشرة على الأسئلة الموجودة على صفحة النتائج. أحدثت هذه الميزة، المعروفة بالعامية باسم مربع الإجابة (Answer Box)، ثورة في طريقة تفاعلنا مع محركات البحث. ولكن كيف حدث ذلك، وما هي دلالات هذا التحول؟
يعتمد مربع الإجابة على الرسم البياني المعرفي لجوجل، وهو عبارة عن شبكة واسعة من الكيانات المترابطة التي تحتوي على بيانات منظمة. يتيح ذلك لجوجل تقديم إجابات مباشرة على الأسئلة، بدلاً من مجرد توجيه المستخدمين إلى مواقع الويب ذات الصلة. على سبيل المثال، قد يؤدي البحث عن “Boygenius” إلى الحصول على إجابة مباشرة حول الفرقة، بدلاً من قائمة الروابط لمقالات مختلفة.
لتوسيع نطاق الأسئلة القابلة للإجابة بشكل أكبر، تستخدم جوجل (Passage Ranking). وهي تقنية تستخرج مقتطفات محددة من الصفحات التي قد تجيب على سؤال المستخدم. وهذا يمكّن جوجل من تقديم إجابات لاستفسارات أكثر دقة، مثل “كيف التقى أعضاء Boygenius؟” أو “ما هو الإلهام وراء أسمائهم؟” والنتيجة هي محرك بحث يمكنه الرد مباشرة على أسئلتنا، غالبًا دون أن يطلب منا النقر للوصول إلى موقع ويب آخر.
مخاطر انهيار السياق
قد يكون تطور محرك البحث جوجل الذي أوصله إلى صندوق الإجابة، على الأقل في شكله الحالي، على وشك الانتهاء. حيث أعلنت شركة جوجل أنها تقوم بتجربة إدخال الذكاء الاصطناعي التوليدي في صفحة النتائج. وهذا من شأنه أن يمكن جوجل من تقديم إجابات على المزيد من الاستفسارات غير المباشرة، ولكن بأي ثمن؟ إن نهاية العالم الناعمة للحقيقة التي تم تحويلها إلى تفاهات هي فكرة مخيفة. نحن نخاطر بفقدان السياق اليومي، والأحاسيس الجمالية لصفحة الويب، والمناطق المحيطة، وصوت الكاتب.
نحن نتجه نحو الاستئصال السياقي، حيث يتم استبدال اللغة البشرية بمحاكاة لها. إن شبح الغموض والعمق، وأساس المحادثة، والتفكير النقدي، والعمل الذي يتم تقديره بشكل صحيح، سيتم التضحية به من أجل الرضا العابر بالمعرفة. ما يثير القلق هو أنه بدلاً من إثارة العجب، فإن أدواتنا ستتعامل مع تساؤلنا كما لو كانت مرضًا.
لدينا خيار لنقوم به هل نريد مستقبلاً تكنولوجيًا يدعي أنه يعرف كل الإجابات، أم مستقبل يشجعنا على طرح المزيد من الأسئلة؟ واحد يعطي الأولوية للمخرجات، أو إمكانية الوصول؟ هذا المقال يحاول أن يخبرك أن مستقبل المعلومات على المحك حقًا!
المصادر:
Google’s Search Box Changed the Meaning of Information / wired
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :