Ad

نعي جميعًا أهمية اختراع الساعة؛ فصوت دقّات عقارب الساعة شيء نعرفه ويرتبط في أذهاننا بالدقة والانتظار وغيرها. حيث نستخدم الساعة لتتبع الوقت وتحديد المواعيد والتخطيط لحياتنا. لكن هل توقفتَ يومًا لتتساءل عن تاريخ اختراع الساعة وضبط الوقت وكيف وصلنا إلى النظام والأدوات التي نستخدمها اليوم؟ بدءا من الساعات الشمسية إلى الساعة الذرية الحديثة، يعد تطور اختراع الساعة وضبط الوقت قصة رائعة عن براعة الإنسان وابتكاره. وهي ما سنتعرف عليه أكثر في مقالنا التالي:

بدايات ضبط الوقت

كانت الساعات الأولى بسيطة وتعتمد على موقع الشمس في السماء. حيث استخدم المصريون والبابليون القدماء الساعات الشمسية لقياس الوقت منذ 1500 قبل الميلاد [1].

وتتكون الساعة الشمسية من لوحة مسطحة بها عقرب (قطعة بارزة) تلقي بظلالها على اللوحة. ومن خلال مراقبة موضع الظل، يمكن تحديد الوقت من اليوم. ولكن، كانت الساعات الشمسية مفيدة فقط خلال النهار ولم تكن دقيقة في الأيام الملبدة بالغيوم التي تحتجب فيها الشمس.

الساعة الشمسية

في وقت لاحق جاء اختراع الساعة المائية نتيجة لتطور الحياة وللبحث المستمر لإيجاد بديل أكثر فعالية من الساعة الشمسية. وقد عرفت باسم “clepsydra”. وكان ذلك في حوالي 1400 عام قبل الميلاد في مصر القديمة وبلاد ما بين النهرين. وهذا يعني أنّها كانت حلًّا فعّالًا لقياس الوقت حتى حين تكون الشمس غير مرئية [1].

تتكون الساعة المائية من وعاء به ثقب صغير في الأسفل، مما يسمح للماء بالتنقيط بمعدل ثابت. وتشير العلامات الموجودة على الوعاء إلى مرور الوقت حيث ينخفض مستوى الماء فيه.

الساعة المائية

الساعات في العصر الإسلامي

كان تطوير اختراع الساعات وضبط الوقت أحد التطويرات المهمة التي قدمتها الحضارة الإسلامية. حيث صنع العلماء والمخترعون والحرفيون آلات مبتكرة. كما أجروا تحليلًا رياضيًا مفصلًا، وصنعوا ساعات معقدة. وقد حاولوا إتقان التحكم الآلي أثناء ابتكارهم للاختراعات وتوسيعها لضبط الوقت وقياسه.

وتعدّ ساعة القلعة التي اخترعها الجزري من أهم الساعات التي أظهرت براعة وتعقيدًا في تصميمها وبنائها. وذكر أنّ ارتفاعها يبلغ حوالي 3.5 متر وعرضها 3 أمتار.

وهي ساعة مائية عملاقة ذكرت آلية عملها المعقدة بالتفصيل في كتاب الحيل .

رسم تخيلي لساعة القلعة

تعد ساعة القلعة نسخة متطورة من الساعة المائية الكلاسيكية أو “clepsydra”. إذ يقاس الوقت بالتدفق المنظم للخارج حيث يتم قياس الكمية بعد ذلك. تكمن الصعوبة في أن معدل تدفق المياه ليس موحدًا ويعتمد على ضغط (ارتفاع) الماء في الوعاء. وللتغلب على هذه المشكلة استخدم الجزري سدادة مخروطية وحجرة العوامة.[2]

يغذي الخزان الرئيسي غرفة الطفو من خلال سدادة مخروطية، وبالتالي كلما انخفض مستوى الماء يسمح بإعادة ملء الغرفة. وفي كل مرة تمتلئ الغرفة بالمياه، تغلق السدادة المخروطية الحجرة بعزلها عن الخزان الرئيسي. وبهذه الطريقة، تكون حجرة العوامة ممتلئة دائمًا بالماء. وبالتالي يتدفق الماء بمعدل ثابت ولا يعتمد على ارتفاع الماء في الخزان الرئيسي. وبذلك يتم قياس ومعرفة الوقت. لكن لم يلجأ الإنسان إلى الماء وحده لقياس الوقت بل استخدم الرمال أيضًا في وقت لاحق.

الساعات الرملية

مَن منا لم ير ساعة رملية في فيلم ما أو حتى في الواقع؟ إنّ ارتباط الساعة الرملية بضبطنا للوقت قديم جدًا. فالساعة الرملية جهاز مبكر لقياس الفترات الزمنية. وتتكون الساعة الرملية من بصلتين زجاجيين على شكل حبّة كمثرى، متحدتان عند قمتيهما ويتكون بينهما ممر دقيق. وتنتقل حباب الرمل عبره من الأعلى إلى الأسفل.

الساعة الرملية

ويقال أن راهبا فرنسيا يدعى ليوتبراند هو من اخترع الساعة الرملية الأولى في القرن الثامن الميلادي. ومع ذلك، فإن الدليل الملموس لهذا الشكل الجديد للساعة، والذي يقيس الوقت بهبوط الرمال من لمبة زجاجية إلى أخرى. قد ورد ذكره لأول مرة في قوائم جرد السفن الأوروبية منذ القرن الرابع عشر. [3] في الحقيقة لم يكتف الإنسان بمشاهدة الطبيعة ليعرف الوقت بل لجأ إلى تطويعها لتساعده في معرفة الوقت بشكل أكثر دقة ومثالية.

في العصور الوسطى لم تعد هماك حاجة للماء لمعرفة الوقت

في العصور الوسطى، اخترعت الساعات الميكانيكية في أوروبا [4]. كانت هذه الساعات المبكرة كبيرة ومكلفة، وكانت دقتها محدودة، لكنها كانت أكثر دقة من سابقاتها. فقد استخدِمت آلية يحركها الوزن وتتطلب اللف كل بضع ساعات.

وبقي الحال كذلك حتى القرن السادس عشر، حيث اخترعت ساعة البندول على يد العالم الهولندي كريستيان هوغنس. نتيجة لذلك تحسنت الدقة بشكل كبير والأهم من ذلك أنّ ساعات البندول سمحت بقياس الوقت لفترات أطول [5]. مما أدى إلى حدوث ثورة في عصر الساعات.

الساعة البندولية

وبعد ذلك تبع اختراع ساعة البندول اختراع الساعة النابضية، والتي كانت أصغر حجمًا وأكثر قابلية للحمل. لكن ما الذي جعل هذه الآلة الثمينة في ذلك الوقت متوفرة في أيدي جميع الناس لاحقًا؟

الثورة الصناعية وانتشار صناعة الساعات

يكمن الجواب في الثورة الصناعية، حيث لم يكن إنتاج الساعات استثناءً من الوفرة التي سببتها الثورة الصناعية على جميع الأصعدة. إذ أدت الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر إلى إنتاج ضخم للساعات وساعات اليد. مما جعل أدوات ضبط الوقت في متناول عامة السكان [6]. وخاصة مع الانتقال إلى عصر ساعات الكوارتز التي نعرفها جميعًا.

ساعة الكوارتز

وتستخدم ساعة الكوارتز، التي تم اختراعها في عشرينيات القرن الماضي، قطعة من بلور الكوارتز للحفاظ على الوقت. ما جعلها أكثر دقة من الساعات السابقة. لكن هل اكتفى الإنسان بمشاهدة العقارب أم لجأ إلى مفهوم الأرقام المكافئ للحداثة والدقة؟

الساعات الرقمية

وجدت الساعات التي تستخدم العقارب منذ قرون. أمّا الظهور الأول للساعة الرقمية كان في أواخر القرن التاسع عشر في عام 1883. حيث اخترع المهندس النمساوي جوزيف بالويبر آلية “ساعة القفز” – وهي أول ساعة جيب رقمية. وتضمنت ساعة بالويبر قرصين داخل الساعة يتم تدويرهما لعرض الساعة والدقائق على وجه الساعة. تم دمج هذه التقنية لاحقًا في ساعات اليد. والجدير بالذكر أنّ هذه التقنية تطوّرت على مر السنين بشكل أكثر تسارعًا من الأنماط الأخرى التي احتاجت قرونًا من التطوير.

وفي وقت لاحق وتحديدًا في عام 1970، أنتجت شركة هاميلتون ووتش أول ساعة يد رقمية مزودة بشاشة LED بكميات كبيرة. وسميت ساعة بولسار. ولكن على الرغم من التكلفة الأولية الضخمة للساعات الرقمية، إلّا أنّ شعبيتها ازدادت بشكل مطرّد. لكنّ العيب الذي وجد في تلك الساعات مجتمعة هو غياب الدقة وهو ذنب لا يغتفر لساعة في الحقيقة. ورغم أنّ هذا العيب أرّق الإنسان على مرّ الأزمان ولأنّه واظب في البحث عن أكثر الحلول نجاعة توصّل أخيرًا إلى أكثر الحلول فاعلية حتى اللحظة. ألا وهو الساعات الذرية.

الساعات الذرية الأكثر دقة

اليوم، تعد الساعات الذرية أكثر أجهزة ضبط الوقت دقة، لأنّها تستخدم اهتزازات الذرات لضبط الوقت. ويتم استخدامها للتجارب العلمية وللحفاظ على معايير التوقيت العالمية نتيجة لدقتها[8].

تعمل هذه الساعات على قياس الوقت باستخدام تردد اهتزازات الذرة. وفي عام 1967، أعاد النظام الدولي للوحدات (SI) تعريف الثانية بأنها الوقت الذي تستغرقه ذرة السيزيوم 133 لإطلاق 9192.631.770 دورة من إشعاع الميكروويف عند الاهتزاز بين حالتين للطاقة.

يمكن للساعات الذرية أن تنتج ترددًا دقيقًا لدرجة أن خطأها الزمني في اليوم يبلغ حوالي 0.03 نانوثانية. وهذا يعني أن الساعة ستفقد ثانية واحدة في حوالي 100 مليون سنة.

ختامًا، إن تاريخ ضبط الوقت هو قصة ابتكار وإبداع الإنسان. فقد تطور ضبط الوقت واختراع الساعة على مدى آلاف السنين، بدءا من الساعة الشمسية القديمة إلى الساعة الذرية الحديثة. وقد أتاح لنا تطور الساعات قياس الوقت بدقة متزايدة، مما جعله جزءًا أساسيًا من الحياة الحديثة.

المصادر:

1- https://nrich.maths.org/6070

2- https://aljazaribook.com/en/2018/09/04/castle-clock_en/

3- https://www.guinnessworldrecords.com/world-records/first-hourglass#:~:text=The%20first%20hourglass%2C%20or%20sand,in%20the%208th%20century%20AD

4- https://museum.seiko.co.jp/en/knowledge/MechanicalTimepieces01/#:~:text=The%20world’s%20first%20mechanical%20clocks,the%20time%20by%20striking%20bells

5- https://www.aps.org/publications/apsnews/201706/history.cfm

6- https://en.wikipedia.org/wiki/Quartz_clock

7-

https://hive.blog/steemit/@sohaib145/history-of-digital-clock-7aefaab0220dc

8- https://interestingengineering.com/science/keep-up-time-with-atomic-clocks

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تراث تقنية تاريخ

User Avatar

Zeinab Afifeh

مترجمة وكاتبة محتوى علمي.


عدد مقالات الكاتب : 24
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق