Ad
هذه المقالة هي الجزء 5 من 22 في سلسلة موضوعات تأسيسية في الطاقة المتجددة

تخيل مصدر طاقة لا حدود له عمليًا وليس له تكلفة وقود ولا يصدر منه أي انبعاثات لثاني أكسيد الكربون. ذلك المصدر موجود بالفعل وهي الشمس التي تشرق وتغرب أمام ناظريك كل يوم. تأتي الطاقة الشمسية في شكل إشعاع كهرومغناطيسي وهو في الأساس موجات حرارة وضوء تُشعها الشمس. تخيل كمية الإشعاع الشمسي الذي يسقط على سطح الأرض خلال عام وهو بالطبع يختلف حسب الموقع الجغرافي أو بحسب بعد المنطقة عن خط الاستواء ماذا لو أمكننا تسخير كل هذا الإشعاع لتوليد الطاقة؟ لتصور الأمر بشكلٍ أوضح، يتلقى كل متر مربع من سطح الأرض طاقة كافية سنويًا لتشغيل مروحة سقف متوسطة الحجم بينما يتلقى مترين مربعين ما يكفي لتشغيل تلفزيون، وقد تكفي ثلاثة أمتارٍ مربعة لتشغيل غسالة صغيرة. الآن ألق نظرة سريعة وشاهد عدد الأمتار المربعة من المساحات الفارغة الموجودة في كل مكان في العالم وستتيقن أن لدينا كمية طاقة هائلة يمكننا تسخيرها والاستفادة منها. لكن كيف بدأ البشر في تسخير الطاقة الشمسية عبر التاريخ؟ وما كان دور السيليكون في صناعة الخلايا الشمسية؟ هذا ما سنعرفه في السطور القادمة من هذا المقال.

العدسات الحارقة

من الناحية النظرية، استخدام البشر الطاقة الشمسية في وقت مبكر من القرن السابع قبل الميلاد استخدموا ضوء الشمس لإشعال الحرائق بواسطة العدسات المكبرة. في وقت لاحق من القرن الثالث قبل الميلاد، استخدم الإغريق والرومان المرايا لإضاءة المشاعل للاحتفالات الدينية. أصبحت هذه المرايا أداة طبيعية يشار إليها باسم “المرايا المحترقة” ووثقت الحضارة الصينية استخدام المرايا لنفس الغرض لاحقًا في عام 20 بعد الميلاد.

أساسيات الطاقة المتجددة: كيف تطورت الخلايا الشمسية؟ لماذا يُستخدم السيليكون في صناعة الخلايا الشمسية؟

العدسات الحارقة

توجد طريقة تاريخية أخرى لحصاد الإشعاع الشمسي لا يأخذها الكثير من الناس في الاعتبار عند التفكير في الطاقة الشمسية وهي استخدامها في التصميم المعماري. لطالما شُيدت المباني مع مراعاة دفء الشمس فمن القرن الأول وحتى القرن الرابع قبل الميلاد بُنيت الحمامات الرومانية بنوافذ كبيرة موجهةٍ للجنوب والتي من شأنها التقاط طاقة الشمس بطريقةٍ أكثر فعالية مما يحافظ على الحمامات دافئة بشكل معتدل في الشتاء. في وقت لاحق من القرن الثالث عشر الميلادي، وضع أسلاف الأمريكيين الأصليين في “بويبلو” المعروفين باسم “أناسازي” أنفسهم في مساكن مواجهة للجنوب على المنحدرات لالتقاط دفء الشمس خلال أشهر الشتاء الباردة. الجدير بالذكر أن هذه الممارسة المعمارية مستمرة حتى يومنا هذا.

مصيدة “هوراس دي سوسور” الشمسية

مع تزايد استخدام الزجاج خلال القرن الثامن عشر، أدرك الكثيرون قدرته على احتجاز الحرارة الشمسية وقد لاحظ «هوراس دي سوسور-horace de saussure» هذه الظاهرة وهو أحد علماء الطبيعة البارزين في أوروبا في تلك الفترة وكتب ما يلي: “إنها لحقيقةٌ معروفة وحقيقة ربما كانت معروفة منذ أمدٍ طويل أن أي مكان يصبح أكثر سخونة عندما تمر أشعة الشمس عبر الزجاج سواءً كان ذلك المكان غرفةً أو عربةً أو أي شيئًا آخر “. كان هذا العالم الفرنسي السويسري مندهشًا تمامًا من أن هذه الظاهرة الشائعة لم تؤد إلى أي بحث تجريبي حول درجة الحرارة القصوى التي يمكن بلوغها في مصيدة زجاجية للحرارة الشمسية. عند تجربة الطاقة الشمسية، فضّل معاصروه العمل بالمرايا المحترقة والتي يمكن أن تؤدي أعمالاً مذهلة مثل حرق الأشياء عن بعد أو إذابة أصعب المعادن في غضون ثوانٍ. في عام 1767، شرع دي سوسور في تحديد مدى فعالية مصائد الحرارة الزجاجية في جمع طاقة الشمس.

قام دي سوسور أولاً ببناء مصيدة شمسية مصغرة بسماكة خمسة جدران بناها من خمسة صناديق مربعة من الزجاج كل صندوق يحوي الصندوق الآخر، وقطّع قواعد الصناديق بحيث يمكن تكديس الصناديق الخمسة الواحدة داخل الأخرى فوق طاولة خشبية سوداء. بعد تعريض الجهاز للشمس لعدة ساعات، ومع تدوير هذه المصيدة بحيث تصطدم الأشعة الشمسية دائمًا بالأغطية الزجاجية للصناديق بشكل عمودي، قاس دي سوسور درجة الحرارة. كان الصندوق الخارجي هو الأبرد، وزادت درجة الحرارة في الصناديق الداخلية. سجل الجزء السفلي من الصندوق الداخلي أعلى درجة حرارة -189.5 درجة فهرنهايت   أي ما يعادل 89.5 درجة مئوية وهي تقارب درجة غليان الماء.

أساسيات الطاقة المتجددة: كيف تطورت الخلايا الشمسية؟ لماذا يُستخدم السيليكون في صناعة الخلايا الشمسية؟

مصيدة “هوراس دي سوسور” الشمسية

اكتشاف التأثير الكهروضوئي

في عام 1839، اكتشف العالم إدموند بيكريل التأثير الكهروضوئي من خلال تجربة الخلايا الإلكتروليتية: خلال هذه العملية، أدرك “بيكربل” أنه يتم إنتاج المزيد من الكهرباء إذا تعرضت الخلايا لأشعة الشمس. يُعرف التأثير الكهروضوئي بأنه ظاهرة توليد التيار الكهربي عند تعريض بعض المواد للضوء وهذه الخاصية هي ما تمتاز بها أشباه الموصلات كالسيليكون والجرمانيوم واللذان يُعدان العنصران الأساسيان في صناعة الخلايا الشمسية. أُحرز مزيد من التقدم في عام 1876، عندما اكتشف مجموعة من العلماء أن السيلينيوم يمكن أن يحول الضوء إلى كهرباء بدون حرارة. استخدام السيلينيوم بعد ذلك لإنشاء أول خلية شمسية في عام 1883 وسُجلت براءة اختراع أول سخان مياه يعمل بالطاقة الشمسية بعد ذلك بعشر سنوات.

تفسير أنشتاين للتأثير الكهروضوئي

قبل أينشتاين، لاحظ العلماء هذا التأثير ولكنهم كانوا متحيرين من سلوكه لأنهم لم يفهموا طبيعة الضوء تمامًا. في أواخر القرن التاسع عشر، قرر الفيزيائيان جيمس كليرك ماكسويل في اسكتلندا وهندريك لورنتز في هولندا أن الضوء يبدو وكأنه يتصرف كموجة أُثبت ذلك من خلال رؤية كيف تُظهر موجات الضوء التداخل والحيود والتشتت وهي أمور سمات في جميع أنواع الموجات بما في ذلك الموجات في الماء. في عام 1900، حاول عالم الفيزياء “ماكس بلانك” تفسير انبعاث الضوء من الأجسام الساخنة ووجد أن الطاقة الضوئية تنبعث على هيئة حزم اسماها “الكمات” وأن مقدار الكم يعتمد على تردد الإشعاع ويرتبط بما يُعرف بثابت بلانك.

بعد ذلك في عام 1905 جاء أينشتاين ليوسع نظرية بلانك في تفسيره لظاهرة التأثر الكهروضوئي. يظهر التأثير الكهروضوئي عندما يسقط الضوء على معدن ويؤدي هذا إلى انبعاث الكترونات على الفور من ذلك المعدن ولكن إذا كان تردد الضوء منخفضًا فلن تبعث أي الكترونات. أوضح أينشتاين أنه بغض النظر عن كثافة الضوء الساقط على المعدن فإن الضوء يعمل كجسيم اسماه الفوتون ويمنح طاقته لأحد الالكترونات مما يؤدي ذلك إلى تحرير الإلكترون في حالة إذا كان تردد الضوء الساقط مناسبًا للإلكترون في المعدن وهكذا فُسرت العلاقة التي اكتشفها بلانك بين الطاقة والتردد أنه عند انخفاض تردد الضوء الساقط فلن تنبعث الإلكترونات. بعبارة أخرى، يعني ذلك أن الفوتونات لا تحتوي على طاقة كافية لتحرير الإلكترونات. منُح أينشتاين جائزة نوبل في الفيزياء وذلك لتفسيره التأثير الكهروضوئي والذي انتشرت تطبيقاته فيما بعد لتعم كافة المجالات التقنية حيث اُستخدمت الخلايا الكهروضوئية في بداية الأمر في الكشف عن الضوء باستخدام أنبوبة فارغة بها كاثود -قطب سالب- ليبعث إلكترونات، وأنود -قطب موجب- ليجمع التيار الناتج ومن ثم تطوّرت تلك الأنابيب الضوئية إلى «وصلات ثنائية-Diodes» ضوئية مصنوعة من أشباه موصلات والتي تُستخدم في تطبيقات مثل الخلايا الشمسية والدوائر الدقيقة والألياف البصرية في الاتصالات.

أساسيات الطاقة المتجددة: كيف تطورت الخلايا الشمسية؟ لماذا يُستخدم السيليكون في صناعة الخلايا الشمسية؟

تفسير أينشتاين للتأثير الكهروضوئي: يمنح الفوتون طاقته لأحد الالكترونات مما يؤدي ذلك إلى تحرير الإلكترون

استخدام السيليكون في تصنيع الخلايا الشمسية

ذكرنا سابقًا أن الخلايا الكهروضوئية كانت تصنع من السيلينيوم ولكن الخلايا الشمسية التي نعرفها نعرفها اليوم مصنوعة من السيليكون. يعتبر البعض أن الاختراع الحقيقي للألواح الشمسية يُنسب لكل من “داريل شابين” و”كالفن فولر” و”جيرالد بيرسون” وذلك لابتكارهم لأول خلية السيليكون كهروضوئية في مختبرات بيل في عام 1954. يعتقد الكثيرون بأن هذا الحدث يمثل الاختراع الحقيقي لتكنولوجيا الكهروضوئية لأنه كان المثال الأول لتقنية الطاقة الشمسية التي يمكنها بالفعل تشغيل جهاز كهربائي لعدة ساعات في اليوم. يمكن لأول خلية شمسية من السيليكون تحويل ضوء الشمس بكفاءة تبلغ أربعة بالمائة، أي أقل من ربع ما تستطيع الخلايا الحديثة القيام به. الجدير بالذكر أن بعض الشركات حاليًا صنعت خلايا شمسية بكفاءة تتعدى 30% وإن كنت ترغب بمعرفة المزيد عن مفهوم الكفاءة الكهربائية يمكنك الرجوع لهذا المقال. قد تتساءل عزيزي القارئ ما هي السمة المميزة في عنصر السيكليون ليكون العنصر المثالي لتصنيع الخلايا الشمسية؟

لماذا يُستخدم السيليكون في صناعة الخلايا الشمسية؟

يُعتبر السيليكون واحد من أكثر العناصر توافرًا في الطبيعة ويوجد بشكل أساسي في رمال الصحاري على هيئة أكاسيد السيلكون. لكن ما يجعل السيليكون عنصرًا مميزا في تصنيع الخلايا الشمسية هو تركيبه الكيميائيي الفريد؛ إذ تحتوي ذرة السيليكون على 14 الكترون موزعة على ثلاث مستويات طاقة.  مستويين الطاقة الاول والثاني الاقرب للنواة يكونان ممتلأن تماماً بالالكترونات والمستوى الثالث أو المستوى الخارجي يحتوي على 4 الكتورنات فقط اي يكون نصفه ممتلئ والنصف الاخر فارغ حيث ان المدار يكتمل بـ 8 الكترونات.  وتسعى ذرة السيليكون لان تكمل النقص في عدد الالكترونات في المستوى الخارجي ولتفعل ذلك فإنها تشارك أربع الكترونات من ذرات سيليكون مجاورة وبهذا ترتبط ذرات السيليكون بعضها البعض في شكل تركيب بلوري وهذا التركيب البلوري له فائدة كبيرة في الخلية الكهروضوئية بلورة سيليكون نقية وللعلم بلورة السيليكون النقية لا توصل التيار الكهربي بكفاءة لانه لا يوجد الكترونات حرة لتنقل التيار الكهربي حيث ان كل الالكترونات قد قيدت في التركيب البلوري. ولهذا ولكي يتم استخدام السيليكون في الخلية الشمسية فإننا بحاجة إلى إجراء تعديل بسيط في التركيب البلوري وذلك عن طريق عملية تطعيم ذرات عناصر أخرى تسمى عملية «تطعيم-doping» وهذه الذرات الاضافية تُعرف باسم «شوائب-impurities» وهي ضرورية لعمل الخلية الشمسية. تعمل الشوائب في ذرات السليكون على السليكون النقي بالطاقة وتجعل بعض الكترونات السيليكون تتحرر وتترك مكانها شاغر ويطلق على هذا المكان الشاغر اسم «الفَجوة-hole».  تعمل هذه الفجوة على السماح لالكترون في الجوار بالانتقال اليها تاركاً فجوة اخرى وهكذا تستمر حركة الالكترونات في اتجاه وحركة الفجوات في الاتجاه المعاكس وهذه الحركة هي تيار كهربي. منذ اختراع الخلايا الشمسية سعى العلماء لتطوير كفاءتها وفي الوقت الحالي نجد محطات طاقة شمسية تزود المدن والمصانع بالكهرباء ولكن ليس هذا فحسب فتطبيقات الخلايا الشمسية لم تقتصر على تزويد المنشئات والأحمال في كوكبنا فقط بل وصل استخدامها أيضًا للفضاء الخارجي.

كيف تُزود الأقمار الصناعية بالكهرباء؟

تُستخدم الطاقة الشمسية في الواقع في الفضاء الخارجي لتشغيل الأقمار الصناعية. في عام 1958، استخدم القمر الصناعي “Vanguard I” لوحة صغيرة بقدرة واحد واط لتشغيل أجهزة الراديو الخاصة به. في وقت لاحق من ذلك العام، زُودت المركبات الفضائية “Vanguard II” و “Explorer III” و “Sputnik-3” بتقنية الخلايا الشمسية وفي عام 1964، أطلقت وكالة ناسا أول مركبة فضائية من طراز Nimbus ، وهو قمر صناعي قادر على العمل بالكامل على ألواحٍ شمسية بقدرة 470 واط وفي عام 1966، أطلقت وكالة ناسا أول مرصد فلكي مداري في العالم  مدعومًا بألواح شمسية تبلغ قدرتها واحد كيلوواط.

المصادر

energysage
greenmatch
solargain
instituteforenergyresearch
Energy Principles and Renewable Energy-edx
dartmouth
howstuffworks
livescience solarcooking
university of delft

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تقنية فيزياء هندسة

User Avatar

Qaher Naji

درست تخصص هندسة كهربائية والكترونية، حاصل على درجة الماجستير في قسم التحكم الآلي، مهتم بالتكنولوجيا والهندسة.


عدد مقالات الكاتب : 46
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق