Ad

كيف تؤثر الموسيقى على أدمغتنا؟

عرف الإنسان القيمة العلاجية للموسيقى منذ العصور القديمة، فاستخدم اليونانيون المزامير لمساعدة مرضاهم في عسر الهضم وعلاج الاضطرابات العقلية والحث على النوم، وكذلك استعان قدماء المصريين بالموسيقى لعلاج المرضى. بدأت الدراسة المنهجية لتطبيقات الموسيقى في الطب في نهاية القرن التاسع عشر، وكان الطبيب ديوجل مِن أوائل مَن رصدوا قدرة الموسيقى على خفض ضغط الدم ومعدل ضربات القلب. كان ديوجل يأتي بالموسيقيين في مختبره بجانب المرضى لإجراء التجارب وتسجيل النتائج التي توصل إليها. نُشرت هذه النتائج لأول مرة في عام 1880، وتمّ تِكرار هذا العمل فيما بعد بواسطة العالم الروسي تارخانوف.[1]

استمرت دراسة تأثيرات الموسيقى العلاجية، وقُدِّمت أول دورة تدريبية للعلاج بالموسيقى في العالم في جامعة كولومبيا عام 1919 عندما لُوحِظ تأثير الموسيقى الإيجابي على الجنود المصابين بجروح وصدمات نفسية خلال الحرب العالمية الأولى. استُخدِمت الموسيقى كذلك خلال الحرب العالمية الثانية لرفع معنويات الجنود، ولإعادة تأهيلهم نفسيًا وجسديًا.[2]

تكمن قوة الموسيقى العلاجية في قدرتها على تحفيز مناطق مختلفة في الدماغ على سبيل المثال يمكنها تحفيز الفص الجبهي للدماغ؛ وهو الجزء المسؤول على التخطيط واتخاذ القرارات وبالتالي يمكنها التحسين من هذه الوظائف. يمكن للموسيقى أيضًا تحفيز «اللوزة الدماغية-amygdala»، وهي جزء من الدماغ يقع في الفص الصدغي وتُشارك في الاستجابات السلوكية المرتبطة بالخوف والقلق، وبالتالي يمكن للموسيقى أن تتحكم في خوفك وتحمّسُك للقتال.[4]

أظهرت الأبحاث الحديثة أن الاستماع إلى الموسيقى يُمكن أن يقلل من القلق والألم وضغط الدم، وكذلك أن يُحسن من جودة النوم والمزاج والذاكرة والمهارات الحركية، وبالتالي يمكن استغلالها في المساعدة لعلاج عدة أمراض مثل الزهايمر وشلل الرعاش.[2]

هل يمكن للموسيقى أن تسكّن الألم؟

وجدت دراسة أُجريت في عام 2014 أن الموسيقى مُفيدة لمرضى الألم العضلي الليفي، وأظهرت الدراسة أن الاستماع إلى الموسيقى الهادئة التي يختارها المريض يُسكّن الألم ويزيد من الحركة الوظيفية بشكل كبير. يعتقد الباحثون أن الموسيقى تخفف الألم عن طريق تحفيز الجسم لإفراز المواد الأفيونية_مسكنات طبيعية ينتجها الجسم.[2]

وفي دراسة تحليلية شمولية في عام 2016 حلّلت بيانات 97 دراسة وجدت أنه يمكن للموسيقى تسكين الألم، وبالتالي قد تكون الموسيقى علاجًا فعالًا لتخفيف الآلام الحادة والمزمنة.[3]

الموسيقى تقلل التوتر

يكون تقليل التوتر اعتمادًا على نوع الموسيقى التي تستمع إليها، فيمكن للموسيقى الهادئة أن تخفف التوتر عن طريق خفض مستويات الكورتيزول، وهو الهرمون الذي يتم إطلاقه في الجسم استجابةً للتوتر.

أُجريت دراسة في عام 2013 على 42 طفل تتراوح أعمارهم بين 3-11 عام، فوجد باحثو جامعة ألبرتا أن الأطفال الّذين استمعوا إلى الموسيقى الهادئة أثناء إدخال الحقن الوريدي كانت مستويات التوتر لديهم منخفضة مقارنة بالّذين لم يستمعوا إلى الموسيقى.[2]

تأثير الموسيقى على الذاكرة

يمر أغلبنا بتلك الحالة التي تعيدنا فيها أغنية أو مقطوعة ما إلى ذكرى تجمعنا بمكان أو صديق قديم. يقول طبيب الأعصاب أوليفر ساكس: “الموسيقى تثير مشاعرنا ويمكن أن تجلب تلك المشاعر معها الذكريات”.

منذ بداية القرن العشرين اهتمت عدة دراسات بالعلاقة التي تربط الموسيقى بالذاكرة، وأثبتت العديد منها أنه يمكن للموسيقى تعزيز نشاط الدماغ لدى مرضى الزهايمر _مرض عصبي تضمُر فيه خلايا الدماغ ويعاني فيه المريض من الخرف.

أُجريت دراسة في عام 2014 على 89 مريض يُعاني من الخرف تم تقسيمهم إلى 3 مجموعات: مجموعة تمِّ علاجها عن طريق الاستماع للموسيقى، ومجموعة عن طريق الغناء، ومجموعة تُقدِّم لها الرعاية الصحية المُعتادة. بعد 10 أسابيع أظهرت النتائج أنه مقارنة بالرعاية المعتادة فإن كلِّ من الغناء والاستماع للموسيقى استطاعوا تحسين الحالة المزاجية والذاكرة وبدرجة أقل الانتباه والإدراك العام. كما عزَّز الغناء الذاكرة قصيرة المدى، بينما أثَّرت الموسيقى إيجابيًا على جودة حياة المرضى.[2]

علاج الحبسة الكلامية بالموسيقى

يمكن أن تساعد الموسيقى في علاج «الحبسة الكلامية-Aphasia»، وهي حالة تَنتُج عن ضرر يحدث في مناطق اللغة في الدماغ فتؤدي إلى فقدان القدرة على صياغة جمل مفهومة أو فهم اللغة.

تُفقِد الحبسة الكلامية العديد من المرضى القدرة على التعبير وصياغة الجمل الواضحة والمفهومة، ولكن لُوحظ أن بعضهم لايزال له القدرة على الغناء بشكل واضح يحدث ذلك بسبب الطريقة المختلفة التي يُعالج بها الدماغ اللغة والموسيقى.

تتم معالجة اللغة غالبًا عن طريق الجزء الأيسر من الدماغ بينما تتم معالجة الموسيقى والذكريات الموسيقية عن طريق جزئي الدماغ الأيسر والأيمن معًا، وبالتالي عندما يكون سبب الحبسة الكلامية ضرر في الجزء الأيسر من الدماغ يُمكن استخدام الجزء الأيمن عن طريق الغناء لتحسين اللغة التعبيرية هذه العملية تُعرف ب «علاج التنغيم اللحني-Melodic Intonation Therapy». يُكرر المرضى أقوال قصيرة بلحنٍ وإيقاعٍ معين، ويشمل العلاج عدة تقنيات علاجية مثل النقر باليد اليسرى وتقليل معدل الكلام.[5]

فيديو يوضح تدريب مريض مصاب بالحبسة الكلامية على التحدث بواسطة العلاج التنغيمي اللحني: YouTube

الخاتمة

تقول إيلينا مانز في كتاب قوة الموسيقى “لقد وجد العلماء أن الموسيقى تحفز أجزاء من الدماغ أكثر من أي وظيفة بشرية أخرى”.

على الرغم من التقدم الذي حققه الإنسان في معرفة تأثير الموسيقى على الدماغ البشري والاستفادة من هذا التأثير إلّا أنّه لازال الطريق أمامنا طويل لمعرفة كيف تؤثر الموسيقى على أدمغتنا بالتفصيل؟، ولازلنا أيضًا نحتاج لأجوبة كافية حول لماذا الموسيقى بالذات هي من تُحفّز أدمغتنا أكثر من أي وظيفة أخرى؟

مصادر كيف تؤثر الموسيقى على أدمغتنا؟:

[1]. NCBI

[2]. thetabernaclechoir

[3]. academic.oup.com

[4]. ucf.edu

[5]. saebo.com

[6]. musictherapy.org

إقرأ أيضًا: تاريخ الموسيقى

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


حياة طب صحة موسيقى

User Avatar

Sahar mohammed

طالبة طب بشري مهتمة بالعلوم الطبية والبحث العلمي.


عدد مقالات الكاتب : 47
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق