Ad

بداية الاستيطان في مصر

برزت عمارة الدولة المصرية القديمة بين حضارات البحر الأبيض المتوسط بدءًا من بناء الأهرامات في الدولة القديمة إلى الدولة الحديثة. وعكست آثار عمارة الدولة القديمة في مصر صورة لا نظير لها في جمال فنها، وإنجاز هندستها المعمارية. [1] وتطورت الحضارة المصرية على طول نهر النيل لأن الفيضانات السنوية كونت تربة خصبة لزراعة المحاصيل.

كشفت الأدلة أن البشر سكنوا مصر منذ القدم في مجموعات سكنية صغيرة. ثم بدأت مستوطنة واسعة النطاق في التشكل حوالي عام 6000 ق.م. وكثيرًا ما يحدث التباس عن مصر السفلى والعليا. فإذا نظرنا إلى خريطة المنطقة، نرى أن مصطلح مصر السفلى يطلق على منطقة الدلتا في الشمال. بينما مصطلح مصر العليا يطلق على صعيد مصر والجزء الجنوبي. ويعود سبب ذلك إلى اتجاه سريان نهر النيل. [2]

فترة الأسر ونشأة عمارة الدولة المصرية القديمة

ينقسم جزء كبير من تاريخ مصر إلى ثلاث فترات، الدولة القديمة والوسطى والحديثة. يتخللها فترات انتقالية أقصر بينهم، حيث لم تكن مصر حينها قوة سياسية موحدة. وتشكّلت معظم المستوطنات في وادي النيل وفي حدود بضعة أميال من النهر نفسه. [2]

ونشأت مملكتان منفصلتان حوالي عام 3400 ق.م في المنطقة. ويعتقد الباحثون أنه في حوالي عام 3100 ق.م أخضع ملك الجنوب مينا أو نارمر -وربما كانوا الشخص نفسه- منطقة الشمال، ووحد مصر سياسيًا ليصبح أول ملك من الأسرة الأولى. [2] [1]

وترسخت بعد الوحدة فكرة أن الملك مُنح سلطته من الإله. وعندما أصبح الحكّام أكثر قوة أصبحوا أكثر قدرة على تنسيق العمل والموارد لبناء المشاريع الكبرى. واحتاج المزيد من الناس لإمدادات أكثر من الغذاء، وازدادت أهمية مشاريع تحسين الإنتاج الزراعي كالقنوات والسدود. فبنى المصريون القدماء سدود طينية وجّهت الفيضانات السنوية إلى الأراضي الزراعية وأبقتها بعيدة قدر المستطاع عن المناطق المعيشية. وحفروا القنوات لتوجيه المياه إلى الحقول.

بدأت الدولة المصرية القديمة مع الأسرة الثالثة وحتى نهاية الأسرة السادسة 2686-2181 ق.م. وخلال هذه الفترة كانت مصر موحدة إلى حد كبير وازدادت ازدهارًا. [2]

مواد البناء المستخدمة في الدولة القديمة

اعتمد السكان على ما توفر في محيطهم كمواد بناء حيث وجِدت بعض الأخشاب كالقصب والبردي والنخيل. واستوردوا الأخشاب في أوقات لاحقة عندما احتاجوا إلى عوارض كبيرة لتسقيف القصور أو لصنع الأعمدة.

واستخدموا الطين وبعدها القرميد. كما استخدموا قوالب خشبية لصناعة الطوب، وخلطوا التراب مع القش المفروم وتركوه عادةً ليجف تحت الشمس. بينما اعتمدوا على الوحل لصنع المونة (المادة اللاصقة في البناء). [3]

وشكّل الحجر المادة الرئيسية الثالثة من مواد البناء وازداد الاعتماد عليه بدايةً من الدولة القديمة في بناء المقابر والمعابد. بينما اقتصر الحجر في السكن على سواكف الأبواب والنوافذ، وقواعد الأعمدة. إذ قد تتلف القواعد الخشبية بسبب العفن والرطوبة والحشرات. [4] [3]

عمارة التجمعات الحضرية الطبيعية

لا يوجد أدلة كافية عن القرى قبل العصر الحجري الحديث. ولم يبق من المستوطنات الأولى سوى القليل من الآثار لأنها تألّفت من مساكن قصبية ضعيفة. ومنذ تلك الفترة، فصل المصريون المقابر عن القرى. وعثر المنقبون على مخازن تكوّنت من حفر دائرية في الأرض وبُطّنت بالسلال والطين.

وبنيت الأكواخ في حوالي عام 3600 ق.م من القصب والطين بقطر دائري داخلي حوالي 1-1.2 م وبسمك جدار37 سم. بينما تطوّرت مساقطها فيما بعد لتصبح مستطيلة وبقيت تقنية البناء ذاتها.

و في حضارة العمري، سكن الناس أكواخ بيضاوية الشكل بجدران خشبية. وارتكزت على قواعد حجرية نصفها مستدير حفرت في الأرض، وعلاها هيكل فوقي خفيف. كما دفنوا الموتى في القرية وتحت المنازل.

وعثِر على نموذج لمنزل في مدينة جرزة شمال مصر بقياس 7x 5.5 م مع أرضية خشبية. ووضعوا نافذتان صغيرتان عاليًا في الجدار، وضم المنزل ساحة مسورة. وشمل هذا المسقط البسيط المتطلبات الأساسية للمنزل المصري متعدد الغرف. [3]

رسم تخيلي لمنزل في فترة جرزة. رسمها john kirby

العمارة الجنائزية في الدولة المصرية القديمة

المصاطب

دفن المصريون الأوائل موتاهم في حفر بسيطة في الرمال. ووضعوا الجثة في القبر مع الممتلكات الشخصية وأشياء مفيدة في حياة الآخرة. وبعدها سرعان ما بدأت المقابر بالتطور. [5]

وتألفت معظم المقابر الأولية من جزئين رئيسين وهما غرفة الدفن والمصلى حيث تقدم القرابين للمتوفى. [4]

ودلَّ مصطلح المصطبة بالهيروغليفية على البيت الأبدي إشارة إلى مثوى الموتى الأخير. وبنى المصريون المصطبة بشكل مستطيل مع سقف مستوي وجوانب مائلة وزيّنوها بنقوش متقنة وطلوها باللون الأبيض. وبدأت وظيفتها كمواقع لدفن الملوك في العصور المبكرة من الأسر. إذ بدأ الملوك من الدولة القديمة في الدفن في الأهرامات، بينما استمر العامة في استخدام المصاطب للدفن لأكثر من ألف سنة. [5]

الأهرامات

طلب ملك الأسرة الثالثة زوسر من المعماري إمحوتب تصميم قبر جنائزي خاص به فكان الهرم المدرّج في سقارة. [1]
وتكوّن الهرم من 6 مصاطب متدرجة، ووصل ارتفاعه إلى 62 م. وبنى حول الهرم المدرج ساحات ومعابد، كما أحيط بسياج ضخم.

وبلغت الأهرامات الثلاث الشهيرة ذروة العمارة الجنائزية في الجيزة. ويعد هرم خوفو أكبرها وأهمها وهو المبنى الوحيد المتبقي من عجائب الدنيا السبع القديمة. كما بُنيت 3 أهراماتٍ صغيرة لملكات خوفو. [6] وبنى خفرع ثاني أكبر هرم في الجيزة وصُمّم من الداخل بشكل أبسط من هرم خوفو. بينما يعتبر المعبد المرتبط به أكثر تعقيدًا. [7]

وارتبط بهرم خفرع أكبر تمثال منحوت في العالم القديم ويعرف باسم أبو الهول. يرتفع أبو الهول تقريبا 20 م وبطول 73 م. ونحته المصريون من الصخر الأساسي المكون لهضبة الجيزة على شكل أسد مع رأس إنسان. [1]

دمج المصريون الأسد رمزًا للقوة مع رمز الملك على مر التاريخ المصري. ونستطيع ملاحظة

أن رأس الملك بمقياس أصغر من الجسم ويرجح سبب ذلك إلى عيب في الحجر. ويقع أمام أبو الهول مباشرة معبد منفصل كرسوه لعبادته ولكننا لا نعرف عنه سوى القليل بسبب عدم توافر نصوص تشير إليه. [7]

ويعد هرم منقرع ثالث الأهرامات الرئيسية وهو الأصغر بارتفاع 65 م. ويعتبر مقدمة الأهرامات الأصغر التي بنوها في فترة الأسرة الخامسة والسادسة. [1]

المعابد

يمكن تمييز نوعين من المعابد وهما المعابد الدينية التقليدية والمعابد الجنائزية. وضمت الأولى تماثيل للآلهة المتلقين للعبادة اليومية بينما شيّدت المعابد الجنائزية للطقوس الجنائزية للملوك الموتى. ويعتقد الباحثون أن الفترة الأولى من الأسرة الخامسة ركّزوا فيها على عبادة إله الشمس رع بشكل قوي وغير معتاد. وذكرت النقوش بناء 6 معابد للشمس في تلك الفترة، وشيّدوها بمسقط مفتوح وضم كل منها مسلة.

ولم يبقَ الآن سوى القليل من المعابد التي تعود لتلك الفترة. كما بنى ملوك الأسرة الخامسة معبدين في أبي غراب بين سقارة والجيزة. وبنوا أحدهما كليًا بالحجر على حافة الصحراء، ولذلك بقي جزء من آثاره حتى الآن. ويصل إليه من وادي نهر النيل عبر ممر مغطى على جسر وزينوه بنقوش ورسومات ملونة. كما يؤدى إلى ساحة مفتوحة أحيطَت بها مخازن وغرف عبادة ومذبح ضخم من المرمر، ووضِعت مسلة في الغرب على أساس مستطيل. [8] [4]

المعابد الجنائزية في الدولة القديمة

تعتبر معابد خفرع من أشهر المعابد الجنائزية. ويقع المعبد الجنائزي مجاورًا للهرم والمدخل من الجهة الشرقية. ويتألف من قسم مستعرض وقاعة مستطيلة خلفه، ودعموا القسمين بالأعمدة. وتفتح القاعة الثانية على فناء مركزي محاط بالدعامات ويفتح عليه 5 غرف مقدسة تحوي تماثيل الملك، وخلف كل منها مخزن. ويقع الحرم الداخلي في الجزء الخلفي من المعبد وفيه باب مزيف وطاولة تقديم القرابين. حيث أدى الكهنة الشعائر اليومية وقدموا القرابين لروح الملك، وجمع الملك قرابينه بعد مروره من الباب المزيف.

وربط ممر بين فناء المعبد وساحة الهرم في الخارج. وعثر هناك على 6 حفر للقوارب، فآوت هذه الحفر القوارب التي نقلت رفات الملك إلى مثواه الأخير.

وبني معبد الوادي من كتل ضخمة من الحجر بمدخلين ارتبط كل منهما بدهليز، يؤدى إلى باب قاعة كبيرة على شكل حرف T مقلوب. وغطّوا الجدران بالجرانيت الأحمر بينما كسوا الأرضية بالمرمر ودعّموا السقف بواسطة دعامات صنعوها من قطعة واحدة من الجرانيت. وعثر المنقبون على 23 حفرة وضِعت بها تماثيل الملك وأدى الكهنة الطقوس أمام أحد التماثيل. وقاد ممر وُجِد في الجهة الشمالية الغربية إلى الممر المغلق الذي ربط بين المعبد الجنائزي ومعبد الوادي وطوله 494.6 م. [4] [9]

أما بالنسبة لمعابد منقرع فلم يكتمل أي منها قبل وفاته. وكشفت الحفريات عن سلسلة من تماثيل الملك التي وضعوها حول الفناء. وأعيد بناؤه بالكامل تقريبًا في نهاية الأسرة السادسة بعد أن تعرض إلى أضرار كبيرة بسبب الفيضان. [10]

ويشبه معبد أبو الهول معبد خفرع وتألف من فناء مركزي أحيط بأعمدة من الجرانيت. ويعتبر المعبد فريد لاحتوائه على ملجآن أحدهما في الشرق والآخر في الغرب، ويرجح أن لهما رمزية بشروق الشمس وغروبها. [7]

المدن في عمارة الدولة المصرية القديمة

تل بسطة مدينة نمت طبيعيًا

نمت تل بسطة في مصر السفلى (محافظة الشرقية حاليًا) واعتُبرت مركز هام في الدولة القديمة وغطّت حوالي 75 هكتار. واحتوت على مبانٍ تعود للأسرة السادسة وحتى زمن الرومان. وشيّد المصريون أسوار داخلية أحاطت المعابد وربما المساكن الملكية. وضمت معبدًا صغيرًا من الطوب على شكل مربع. وأضافوا سلسلة من الوحدات الملكية إلى مركز المدينة القائم، فيما يشبه المدن المصرية الأخرى. [3]

مدن للكهنة الجنائزيين

أنشأ ملوك المملكة القديمة مجتمعات حضرية لخدمة احتياجاتهم في الآخرة وبُنيت لأول مرة في نهاية الأسرة الرابعة واستمرت حتى نهاية الأسرة السادسة. وعثر على مدينة صغيرة للملكة خنتكاوس بالقرب من أهرامات الجيزة وبشكل حرف L  وبطول 148م  للضلع الشمالي و48م للضلع الشرقي. وبنيت على منسوبين وغطّيت بالرمال. ويؤكد الخبراء بأنها لم تسكن بعدها. ويرجح بأن المنازل شيّدت بطابق واحد لأن الأسوار لم تكن عالية ولم يوجد آثار للأدراج.

مخطط مدينة خنتكاوس. رسمه selim hassan ونُشر عام 1943

وتظهر الآثار أن المصريين صمّموا المدينة لمتطلبات محددة فالشوارع مستقيمة، والتقاطعات منتظمة. ووجدوا مجموعات سكنية لكل منها مخازنها وخزاناتها الخاصة.

ينقسم السكن إلى ثلاثة أقسام بحسب المساحة. ويأتي في الشمال أول صف منازل للكهنة وعددها 6 في الجهة الغربية وأكبرها مساحة 17x 15م ولها مدخلين في الجنوب والشمال. وتطابقت المنازل وصمّمت لتضم مكتب بواب، وغرفة استقبال، وغرفة المعيشة، وغرفتا نوم متصلتين. وأتاح بعدها فناء للوصول إلى المطبخ وغرفة تخزين المياه. وراعوا في التصميم المناخ واتجاه الرياح وخاصةً بتوجيه المطبخ. ووقعت في الجهة الشرقية منازل أصغر وعددها 4 ومدخلها من الشمال فقط. وبنوا قصران في القطاع الجنوبي، على المنسوب الأخفض من المدينة.

ويأتي بعد صف المنازل ممر بين جدارين سميكين من الطوب. أتاح الوصول المباشر بين الجهة الشرقية ومنطقة المقبرة في الغرب. ووجد في المدينة خزان مياه كبير 8x 29 م ويعتقد الخبراء أن المدينة سكنها 200 شخص على مساحة 0.65 هكتار. وهي نسبة قليلة إذا قارنوها مع الكثافة السكانية المقترحة لمصر القديمة والتي تقدر ب 250 شخص لكل 0.4 هكتار. [3] [11]

المراكز الإدارية وممفيس

احتاج المصريون مركزين إداريين لمصر العليا والسفلى، واختلفت المراكز من عصر لعصر. وتواجدت الإدارة في الدولة القديمة حيث يوجد الملك ولكن هذا لا يلغي العاصمة. وتُعتبر التصنيفات صعبة بشكل عام بسبب وجود العديد من المدن التي خدمت كمراكز إدارية لفترات قصيرة.

و شهدت أغلب المدن نموًا طبيعيًا على مدى قرون، ثم خضعت لتخطيط مكثف وإعادة تنظيم. ويروي المؤرخ هيرودوتس أن الملك مينا حوّل مجرى النهر نحو الشرق ليبني مدينة ممفيس على الأراضي المستصلحة أو على تل طبيعي. وربما يكون قوله صحيحًا، فقد أظهرت الأبحاث أن الجزء السابق يقع على أرض أعلى من غرب الموقع.

ويلاحظ عند دراسة ممفيس بأن تصميمها لم يكن فريدًا. ويرجح بأن المصريون تذكروها كأهم المدن لأن الأسرة الأولى قامت بالمهمة الأصعب وهي السيطرة على الفيضانات من خلال بناء السدود الضخمة والأحواض المائية. ووقعت في نقطة مهمة عند انقسام النيل إلى عدة أفرع، واستمرت كعاصمة خلال ثمان أسر. [3]

وأخيرًا لا يسعنا إلّا أن نقف مبهورين أمام عظمة عمارة الدولة المصرية القديمة عبر التاريخ.

المصادر

1-History
2-Khan Academy
3-Staffsites.sohag-univ
4-Britannica
5-Ancient egypt
6-History
7-Khan academy
8-Britannica
9-The ancient Egypt site
10-Khan academy
11- u.chicago.edu

 

Julie Youssef
Author: Julie Youssef

مهندسة معمارية، أحب الرسم والقراءة

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تاريخ عمارة

User Avatar

Julie Youssef

مهندسة معمارية، أحب الرسم والقراءة


عدد مقالات الكاتب : 57
الملف الشخصي للكاتب :

شارك في الإعداد :
تدقيق لغوي : abdalla taha

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *