Ad

لقد ناقش الفلاسفة وعلماء النفس عبر التاريخ مفهوم الرغبة البشرية، بما في ذلك بوذا وسيغموند فرويد. حيث يعد السعي لتحقيق الرغبة ظاهرة عالمية تؤثر على الأفراد من جميع مناحي الحياة. في هذا المقال سنفهم الرغبة البشرية وكيف تم تفسير الرغبة عند كل من بوذا وفرويد؟

الرغبة كحالة إنسانية

الرغبة جزء لا يتجزأ من التجربة الإنسانية. إنها القوة الدافعة وراء أفعالنا، والشرارة التي تشعل عواطفنا، والوقود الذي يدفعنا نحو أهدافنا. ومع ذلك، يمكن أن تكون الرغبة أيضًا مصدرًا للمعاناة والإحباط وخيبة الأمل. إن رغباتنا تشكلنا، وتعرِّفنا، وفي كثير من الأحيان، تتحكم فينا.

نحن نسعى باستمرار لشيء ما، السعادة، أو النجاح، أو القوة، أو الحب، أو حتى شعور عابر بالإنجاز. نحن مثل الهامستر على عجلة، نركض إلى ما لا نهاية، ولا نصل أبدًا إلى وجهتنا. لكن لماذا؟

إن السعي وراء الرغبة هو سعي عالمي، تتحدث بها كل الثقافات. إنه الخيط الذي يربط الإنسانية معًا، وهو تجربة مشتركة تربطنا جميعًا. ومع ذلك، وعلى الرغم من انتشارها، تظل الرغبة لغزا، ومفهوما معقدا ومتعدد الأوجه لا يزال يحيرنا ويثير فضولنا.

بوذا والتخلي عن الرغبات

قبل أن يصبح بوذا بوذا، كان أميرًا مدللًا يُدعى سيدهارثا. ولكن على مدار سلسلة من الأيام، شهد أربعة أحداث غيرت موقفه تجاه الحياة تمامًا، مما أدى إلى بدء رحلته إلى البوذية. في يوم معين، بينما كان يسير في السوق، رأى صخبًا هائلاً وتجارة للخيول. كان هذا المشهد يدل على المال والجشع والرفاهية. ولكن كان هناك رجل عجوز يجلس في إحدى الزوايا يتسول، وكان يبدو هادئًا. سأل سيدهارثا حارسه الشخصي عن هوية الرجل،وأجابه الحارس بأنه راهب تخلى عن ممتلكاته.

في تلك الليلة، تأمل سيدهارثا في الرغبة. بينما كان يفكر فيما رآه في السوق. في تلك اللحظة، أصبح متمردًا على الرغبة. كانت الرغبة بمثابة سم يفسدك، لكنها كانت أيضًا إدمانًا. كلما أشبعت رغباتك، زادت حاجتك. وكلما حصلت على المزيد، زادت رغبتك. وهكذا، مثل مدمن كحول يسكب كل مشروباته في الحوض، قرر سيدهارثا التخلي عن كل الرغبات.

يعد الطريق النبيل الثماني مبدأً إرشاديًا للبوذيين، ولكنه يحمل أيضًا رؤى قيمة لأولئك منا الذين لا يتطلعون إلى أن يصبحوا بوذيين. يدور المسار في جوهره حول الاعتراف بعدم ثبات الأشياء وطبيعة الرغبات العابرة. ومن خلال التخلص من ارتباطنا بالرغبات، يمكننا أن نجد إحساسًا بالسلام الداخلي والرضا. الطريق النبيل الثماني هو مجموعة من المبادئ الثمانية التي علمها بوذا كوسيلة لإنهاء المعاناة وتحقيق التنوير.

في عالم اليوم سريع الخطى، من السهل أن تنشغل بالسعي وراء المزيد من الأشياء. ولكن رسالة بوذا هي أن هذا المسعى عقيم في نهاية المطاف. فكلما حصلنا على المزيد، أردنا المزيد، وزادت معاناتنا. ومن خلال التعرف على هذه الدورة، يمكننا أن نبدأ في التحرر منها.

تحذير فرويد من قمع الرغبات

لقد اختلف العديد من الفلاسفة مع فكرة التخلي عن الرغبة. فقد اختلف بعضهم، مثل آرثر شوبنهاور، على أساس أن التخلي عن الرغبة أمر مستحيل، فلا يمكننا أبدا أن نتخلص من رغباتنا. ويزعم آخرون، مثل فريدريك نيتشه، أن الحياة الخالية من الرغبة علاج أسوأ من المرض، بل وربما تكون غير إنسانية.

ويتفق سيجموند فرويد مع بوذا في أن البشر جميعاً لديهم هذه الرغبات الظاهرة التي توجه كل تصرفاتنا. فنحن لدينا طاقات بدائية حيوانية، مثل غريزتنا الجنسية، فضلاً عن الرغبات العقلانية مثل الرغبة في تكوين الكثير من الأصدقاء.

ولكن فرويد يختلف عن بوذا في القول بأننا لا نستطيع أبداً التخلص من هذه الرغبات؛ بل إننا نستطيع فقط إخفاؤها. وبوسعنا أن نتظاهر بأنها غير موجودة أو ندفعها إلى أعماقنا. وإذا كنت تعرف أي شيء عن فرويد، فهو أن القمع أمر سيئ. فعندما ندفن الأشياء فإنها تتفجر بطرق غير صحية في صورة أمراض عقلية ومشاكل نفسية.

الرغبة عند بوذا وفرويد

نهج وسطي يعترف بالرغبة ويستكشفها

لقد استكشفنا النقيضين: تخلي بوذا عن الرغبة وتحذيرات فرويد من مخاطر قمعها. ولكن ماذا عن إيجاد التوازن؟ هل من الممكن أن نعترف برغباتنا دون أن تستعبدنا؟

الجواب يكمن في نهج وسطي يفهم طبيعة الرغبة ويستكشفها ويفهم من أين تأتي وماذا تعني حقًا. مع تقدير التوصية البوذية بعدم السماح لها بالسيطرة على حياتنا.

عندما نرغب في شيء ما، لا يتعلق الأمر فقط بالشيء نفسه، بل يتعلق بالشعور الذي يعدنا به. سواء كان ذلك يتعلق بالسعادة، أو الإثارة، أو الشعور بالإنجاز، فإن رغباتنا غالبًا ما تكون مدفوعة باحتياجات عاطفية أعمق. يتعلق الأمر بإيجاد الحرية عن طريق تنمية علاقة أكثر وعياً بالرغبة وليس رفضها أو قمعها بالكامل.

لنقل أنك ترغب في سيارة جديدة. قد يبدو الأمر ظاهريًا وكأنك تريد فقط سيارة جديدة لامعة. ولكن إذا تعمقت أكثر، فقد تجد أن ما تبحث عنه حقًا هو الشعور بالمكانة أو الحرية أو الإثارة التي تأتي مع امتلاك سيارة جديدة. ومن خلال الاعتراف بهذه الرغبة الأساسية، يمكنك البدء في استكشاف طرق بديلة لتلبية تلك الحاجة. ربما لا يتعلق الأمر بالسيارة نفسها، بل يتعلق بإحساس الحرية الذي تحصل عليه من القيام برحلة على الطريق أو الإثارة في تجربة جديدة.

المصدر

Everyday Philosophy: Freud and the Buddha debate what to do about desire | big think

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فلسفة

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 449
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *