Ad
هذه المقالة هي الجزء 1 من 10 في سلسلة رحلة إلى أعتم أجسام الكون، "الثقوب السوداء"

في زمنٍ اعتمد فيه علم الفلك كليًا على الضوء، شكلت طبيعة «الثقوب السوداء-Black holes» عائقًا في سبيل رصدها، فكانت مطاردتنا لها -منذ القرن الثامن عشر- خاسرةً لا محالة. إلا أن هذه الحقبة المظلمة أضيئت أخيرًا مع مطلع عام 2015، عندما طور الباحثون تقنيات للكشف عن الأمواج الثقالية: تلك الاضطرابات التي تسببها الأحداث الفلكية الكبيرة في نسيج المكان-الزمان. إليك تاريخ موجز للثقوب السوداء.

القرن الثامن عشر

تعود الجذور الأولى لمفهوم الثقب الأسود إلى القرن الثامن عشر. حيث طرحها لأول مرة الفيلسوف الطبيعي «جون ميشيل-John Michell» ومن بعده «بيير سيمون لابلاس-Pierre-Simon Laplace». فقد عمل كلا العالمين على حساب «سرعة إفلات-Escape velocity» جسيم الضوء من بعض الأجسام؛ اعتمادًا على قوانين نيوتن للجاذبية. واستنتجا إمكانية وجود نجوم شديدة الكثافة بحيث تتجاوز سرعة الإفلات فيها سرعة الضوء، فلا تصدر أي ضوء وتكون غير مرئية. وسماها ميشيل «النجوم السوداء-Black stars».
[1]

القرن التاسع عشر

لم تصمد فكرة النجوم السوداء طويلًا وسقطت في بداية القرن التاسع عشر مع اكتشاف الطبيعة الموجية للضوء عام 1801. ففي حين بنى العلماء فرضيتهم على تأثير جاذبية النجوم في جسيمات الضوء، لم يجدوا سببًا واضحًا لتؤثر في أمواج الضوء. فبحسب نيوتن، تؤثر الجاذبية في الأجسام فقط لا الأمواج. [2]

القرن العشرون

أينشتاين وشوارزشايلد ولوميتر

في عام 1915، قدم ألبرت أينشتاين نظريته النسبية العامة، نظريةً بديلةً لجاذبية نيوتن. وطرح فيها تأثير حقول الجاذبية على الأمواج الضوئية. ثم في عام 1916، طرح الفيزيائي «كارل شوارزشايلد-Karl Schwarzschild» حلولًا لبعض معادلات أينشتاين. واستنتج وجود حد يدعى «نصف قطر شوارزشايلد-Schwarzschild radius». وهو قيمة تعين محيط محدد للأجسام الفلكية، لا يمكن لأي شيء اجتيازه وبما فيه الضوء. ويشبه ذلك فكرة ميشيل إلى حد ما. لكن محيط شوارزشايلد الحدي هذا كان حاجزًا غير قابل للاجتياز. [3]

ثم في عام 1933 وضح «جورج لوميتر-George Lemaître» أن ما عده شوارزشايلد غير قابل للاجتياز هو مجرد وهم تختبره الأجسام البعيدة. وشرح ذلك مفترضًا وجود شخصين: أليس وبوب، حيث يقف بوب بعيدًا بينما تقفز أليس داخل الثقب الأسود. عندها يرى بوب أليس تتحرك أبطأ فأبطأ، إلى أن تتوقف قبل الوصول إلى نصف قطر شوارزشايلد. أما في الواقع، أليس تجتاز الحاجز، ولكن بوب وأليس يختبران الحدث بشكل مخالف كليًا. [4]

ولأن العلماء لم يعرفوا في ذلك الوقت أي جسم فلكي بكتلة كافية ليكون ثقبًا أسودًا، لم تؤخذ الأفكار السابقة محمل الجد. ولم تنل حقها من البحث حتى الحرب العالمية الثانية.

الحرب العالمية الثانية

في الأول من سبتمبر عام 1939، اجتاحت القوات النازية الألمانية بولندا، مشعلةً حربًا غيرت مجرى التاريخ إلى الأبد. وفي نفس اليوم، طرح الأمريكيان «ج. روبرت أوبنهايمر-J Robert Oppenheimer» و«هارتلاند سنايدر-Hartland Snyder» أول ورقة بحثية تناولت موضوع الثقوب السوداء في التاريخ. وتوقعا فيها استمرار انهيار بعض النجوم الثقيلة تحت تأثير جاذبيتها، مشكلةً جسمًا جاذبيته هائلة بحيث لا يستطيع الضوء الهرب منه. وقد قدموا بذلك النموذج الأول لتعريفنا الحديث للثقوب السوداء. ولكن فكرة الثقوب السوداء بقيت غريبة في الوسط العلمي، ولم تلق قبولًا حتى طورت بما يكفي في العقدين التاليين. [5]

ما بعد الحرب العالمية الثانية

في فترة الحرب العالمية الثانية، أيقن السياسيون أهمية العلم في إمداد الجيوش بالأسلحة المطورة. وقدمت الحكومات دعمًا كبيرًا لبحوث الفيزياء وخاصةً النووية، مهملةً علم الكونيات والفيزياء الفلكية وبما فيهم بحث أوبنهايمر. إلا أن علم الفيزياء -ككل- تطور بشكل كبير كنتيجة للحرب.

استئنفت دراسة الكون بعد الحرب، وأعيد الاعتبار لنظرية النسبية العامة، لاسيما أن الحرب زادت تقدير الحكومات للعلم والبحث العلمي. الأمر الذي كان أساسيًا لفهم فكرة الثقوب السوداء وقبولها في الوسط العلمي. [6]

الستينيات والدليل الحاسم

شكك بعض العلماء في وجود نجوم كتلتها تكفي لتتحول إلى ثقب أسود بعد انهيارها. فبما أننا لا نستطيع رصد الثقوب السوداء، لما لا نتحقق من وجود هكذا نجوم؟

ولحسن الحظ، تطورت تقنيات رصد الأشعة السينية بشكل كبير في ستينيات القرن الماضي. لا سيما بعد إطلاق عدة أقمار صناعية وتلسكوبات؛ فالأرض تحجب أي أشعة سينية تأتي من الخارج. [7]

وفي عام 1964، رصد العلماء واحدًا من ألمع مصادر الأشعة السينية في السماء في كوكبة الدجاجة، وسمي «الدجاجة X-1Cygnus – X-1». تميزت الأشعة المرصودة بتغيرها السريع في أقل من ثانية، مما اقترح أن مصدر الأشعة أصغر حجمًا من النجم العادية. وبعد ست سنوات، اكتشف العلماء وجود نجم مرافق للدجاجة x-1، مما مكن الفلكيين من تقدير كتلتها اعتمادًا على «تأثير دوبلر-Doppler effect» على النجم المرافق. وبلغت الكتلة المقدرة نحو 15 ضعف كتلة الشمس، متجاوزةً بذلك كتل الأقزام البيضاء والنجوم النيوترونية. أما كل هذه الخصائص المكتشفة -التغير الزمني السريع، وسطوع الأشعة السينية الكبير، والكتلة الكبيرة- فقد جعلوا من الدجاجة x-1 أول ثقب أسود محتمل يكشتفه البشر. [8]

إلى اليمين: صورة تخيلية للدجاجة x-1، إلى اليسار: صورة لموقع الدجاجة x-1
حقوق الصورة: NASA

القرن الحادي والعشرون

تطور مفهومنا عن الثقوب السوداء في السنوات القليلة الماضية، لا سيما بعد تحديد خصائص جديدة وأنواع مختلفة من الثقوب السوداء. وفي عام 2018، التقط مرصد «لايغو-LIGO» أمواج ثقالية ناتجة عن اصطدام ثقبين أسودين ببعضهما، منتجين أمواجًا مضطربة في نسيج المكان-الزمان. [9]

ولعل أبرز ما في تاريخ الثقوب السوداء أن أهم ما حققه البشر في سبيل فهمها فعلوه في أكثر فترة مظلمة في تاريخهم: فترة الحرب العالمية الثانية.

المصادر

[1] The Astrophysics Data System
[2] Las Cumbres Observatory
[3] Scientific American
[4] Springer Nature
[5] PHYSICAL REVIEW JOURNALS
[6] royal society publishing
[7] Chandra X-ray Observatory
[8] the Institute of Physics
[9] The conversation

Mira Naffouj
Author: Mira Naffouj

طالبة ثانوية مهتمة بعلم الفلك والفيزياء الفلكية

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فيزياء فلك

User Avatar

Mira Naffouj

طالبة ثانوية مهتمة بعلم الفلك والفيزياء الفلكية


عدد مقالات الكاتب : 34
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *