Ad

برج إيفل وكل ما تحتاج معرفته عنه

يمثل برج إيفل (Eiffel Tower – La Tour Eiffel) أحد أشهر المعالم السياحية في فرنسا والعالم. تربع لمدة أربعين عاماً على عرش أطول برج في العالم، ومنذ افتتاحه في عام 1889، لاقى نجاحاً منقطع النظير رغم كل الاعتراضات التي واجهت فكرة بنائه.

أين يقع برج إيفل؟

يا لسهولة هذا السؤال! ومن لا يعرف أن برج إيفل هو أبرز المعالم الفرنسية، والباريسية على وجه الخصوص؟ لكننا سنقرب عدسة الكاميرا أكثر لنتعرف على موقع هذا المَعلَم بالتحديد، ونلقي نظرة على المنطقة المحيطة به.

في الدائرة السابعة شمال غرب العاصمة الفرنسية، وعلى ضفة نهر السين (Seine)، ينتصب هذا البرج الذي كان فيما مضى أطول برج في العالم. تحيط به حدائق شامب دو مارس (Champ de Mars)، وتقابله على الضفة الأخرى للسين ساحة تروكاديرو (Trocadéro) التي تعد منطقة مميزة لالتقاط صور للبرج [1].

تاريخ برج إيفل

السبب وراء بنائه

عمل المهندس الفرنسي غوستاف إيفل (Gustave Eiffel) على تشييد البرج ليكون جزءاً من المعرض العالمي (Exposition Universelle) العاشر في باريس في عام 1889. وكان هذا العام يمثل الذكرى المئوية الأولى للثورة الفرنسية. ولهذه المناسبة، تم الإعلان في عام 1886 عن مسابقة تخص المعرض لتشييد برج حديدي بارتفاع 300 متر. وقد اختير مشروع غوستاف إيفل من بين 107 مشروعات أخرى. وعمل على تصميمه كل من المهندسين موريس كويشلين (Maurice Koechlin)، وإميل نوغوير (Emile Nouguier)، وستيفن سوفيستر (Stephen Sauvestre) الذين كانوا يعملون لدى شركة إيفل [2].

بدأت عملية التشييد في 1887 وانتهت في 1889. وعلى وجده الدقة، استمرت لمدة عامين وشهرين وخمسة أيام، وهذا ما عدَّ آنذاك إنجازاً معمارياً مهماً. أطلق على البرج بداية الأمر اسم “برج 300 متر”، واقد افتُتح رسمياً في 15 أيار/مايو من عام 1889، أول أيام المعرض. ولكن سرعان ما أصبح معروفاً باسم بانيه [2] [3].

في ذلك العام، استقبل المعرض العالمي ملايين الزوار. وكان عدد كبيرٌ منهم، تحديداً 1,953,122، قد أتوا لرؤية برج إيفل. وفي أول أسبوع له، وحتى قبل أن يتم تفعيل المصاعد، تسلق حوالي 30,000 زائراً إلى قمة البرج، باستخدام السلم الذي يتألف من 1,710 درجة. لقد كانت رؤية باريس من قمة أعلى برج في العالم أمراً مذهلاً في ذاك الوقت، ولم يمنع الارتفاع الشاهق أولئك الزوار من خوض هذه التجربة الفريدة [4].

برج إيفل
المعرض العالمي في عام 1889

أعمال غوستاف إيفل

كانت شركة غوستاف إيفل مختصة ببناء الهياكل والأطر المعدنية، ويعود له الفضل في إنشاء العديد من الأعمال في أوروبا. ونذكر على سبيل المثال جسر غارابيت في فرنسا، ومحطة قطار بودابست في هنغاريا. ولكنه تجاوز حدود القارة الأوروبية ووصل إلى أمريكا. فقد شيد الهيكل المعدني لأحد أشهر النصب في العالم، وهو تمثال الحرية في نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية [5].

إذاً، تحيط ببرج إيفل معالم مميزة على عدة أصعدة، منها جغرافياً أي في نفس المنطقة المحيطة به، ومنها تاريخياً أي في فترات زمنية متقاربة. كما لا تخفى عبقرية صانعه على أحدٍ، مع كل المنشآت التي شيدها والإنجازات التي حققها. وتكمن أهمية برد إيفل أنه بات رمزاً للمهارة التقنية، وتمثيلاً للهندسة الفرنسية في أواخر القرن التاسع عشر، وصرحاً مميزاً للحقبة الصناعية. ولكن عند بنائه، كان من المقصود له أن يبقى مشيداً لمدة 20 عاماً فقط. إلا أن التجارب العلمية التي شجعها أطالت بعمره وجعلت له أهمية كبيرة تفوق مجال الجذب السياحي [6].

موقف الفن من الصرح المعماري

احتجاجات الفنانين على بناء برج إيفل

قبل تشييده، لم يلق برج إيفل شعبية كبيرة في المجتمع الفني. إذ إن برجاً حديدياً بارتفاع 300 متر لم يكن ليُعتبر فناً بالأصل، فهو نتيجة عمل مهندسين ومعماريين.

في 14 من شهر شباط/فبراير من عام 1887، وبعد أن بدأ تشييد البرج بالفعل عقب توقيع المهندس إيفل على اتفاقية مع الدولة ومدينة باريس مُنح بموجبها حقوق الموقع لمدة عشرين عاماً. وعندها، اشتعلت احتجاجات مجموعة من الفنانين على الصفحات الأولى لصحيفة “لو تيمبس” (Le Temps) التي كانت من أشهر الصحف آنذاك. وكان من ضمن الأربعين فناناً الذين وقعوا على الاحتجاج المؤلف الموسيقي شارل جونو (Charles Gounod)، والكاتب غي دو موباسان (Guy de Maupassant)، والفنانون ويليام بوغيرو (William Bouguereau) وإرنست ميسونييه (Ernest Meissonier). وحتى المهندس المعماري تشارلز غارنييه (Charles Garnier) الذي صمم أوبرا باريس اشترك بالاحتجاجات التي كانت تدافع عن “جمال مدينة باريس” [7].

وقد تمثلت المخاوف من أن يلوث تشييد هذا البرج “عديم الفائدة” – على حد تعبيرهم – قلب العاصمة، ويهدد تاريخها وفنها. وقد ذهبوا إلى حد الهجوم على المهندس إيفل ووصفه “بباني الآلات”، واتهام مشروعه بأنه سيجلب العار لمدينة باريس التي تخاطر بالتخلي عن جمالها مقابل قبحٍ لا يمكن إصلاحه. من ضمن احتجاجهم، شبّه أولئك الفنانون برج إيفل بمدخنة مصنع سوداء عملاقة تمتد على كامل المدينة مثل “بقعة حبر سوداء” [7].

كيف رد غوستاف إيفل؟

لم تكن آراء الفنانين المعارضة لتحبط من عزيمة المهندس إيفل. بل واجه احتجاجهم بالتأكيد على جمالية البرج. وذهب إلى مقارنته مع أهرامات مصر التي – إذا جردناها من قيمتها الفنية والتاريخية – تستحيل إلى كتل صناعية من التراب. وبهذا كان إيفل يحاول جذب الانتباه إلى الطبيعة المميزة لتصميم برجه. ساعد الدعم الرسمي الذي تلقاه المشروع في إكمال العمل بع رغم كل التحديات، ولم يخيب البرج أمل أحدٍ. بل أصبح بعد إتمامه رمزاً للتقدم التقني والصناعة، وإحدى علامات باريس المميزة التي تحمل عناصر جمالية جديدة [7].

تشييد البرج

عمل على تصميم البرج 50 مهندساً ومصمماً بالمجمل. وفي مرحلة البناء، بلغ عدد العمال المتواجدين في المصنع في بلدة لوفالوا-بيري 150، مقابل 150-300 عاملاً في موقع التشييد. استُخدم لبناء البرج 18,038 قطعةً معدنيةً و2,500,000 مسمار تثبيت (برشام). وقد بلغ وزن الحديد المستخدم 7,300 طن متري، واستهلك 60 طن متري من الطلاء [2].

تتركز قوائم البرج في قاعدة إسمنتية بعمق بضعة أمتار تحت مستوى الأرض. واستُخدم القيسون المنيع للماء في الأساسات من جهة نهر السين كي يتمكن العمال من العمل تحت مستوى الماء [2].

اختيار مادة البناء

اختار السيد إيفل لبناء برجه الحديد المطاوع المصهور في فرن التسويط (puddling iron) بدلاً من الاعتماد على الحجر كما كان حال الأبنية حتى منتصف القرن التاسع عشر. ويعود سبب الابتعاد عن الحجر إلى طول البناء الشاهق آنذاك، والذي كان سيجعل من استخدام الحجر أحد عوامل الخطورة. فكلما زاد الارتفاع، زاد وزن البناء معه. وستكون الأجزاء السفلية هي التي تحمل الأجزاء العلوية وتدعمها لدرجة قد تؤدي إلى التصدع وانهيار البناء [8].

في ذلك الوقت، كانت المعادن من المواد حديثة العهد في عمليات البناء والتشييد، إذ إن دراسة علم المعادن واستخدامها في الصناعة كانت في بداياتها. وكانت الاكتشافات الجديدة هي الطريقة المعتمدة لإثبات إمكانية استخدام المعادن في عمليات البناء [8].

لم يقع الاختيار على الفولاذ لأنه قاسٍ جداً بالنسبة لهيكل البرج الذي يتطلب المرونة بقدر ما يتطلب المقاومة. كما أن عملية تصنيع الفولاذ كانت باهظة في ذاك الوقت. ولم يصبح الفولاذ متوفراً للاستخدام إلى في القرن العشرين مع إدخال طرق الإنتاج الحديثة. ولذا كان لابد من الاعتماد على الحديد الذي تناسب خواصه من مرونة ومقاومة مشروع البرج. ومع أن إيفل كان يستخدم الحديد الصب في مشاريع الجسور الحديدية