Ad

منذ 42 ألف سنة تقريبًا، وفي الوقت الذي كان يعيش فيه إنسان النياندرتال جنبًا إلى جنب مع الإنسان العاقل في أوروبا. انعكس المجال المغناطيسي الأرضي وضعف تدريجيًا، سامحًا للجسيمات دون الذرية الأتية من الشمس أن تخترق غلافنا الجوي. مما سبب كارثة مناخية على الأرض أدت إلى عدة انقراضات وربما تكون هي من قتل إنسان النياندرتال. فهل سيكون انعكاس المجال المغناطيسي للأرض سببًا أخر لفناء البشرية؟

المجال المغناطيسي للأرض

يحمي المجال المغناطيسي كوكب الأرض من الجسيمات دون الذرية الأتية من الشمس. هذه الجسيمات شديدة التأثير على الإنسان وعلى كافة أنواع الحياة الأخرى. فكوكب المريخ مثلا يفتقر اليوم إلى مجال مغناطيسي قوي، وتعتبر الظروف الموجودة على سطحه مدمرة جدًا للحياة لدرجة أن أي ميكروبات قد تعيش على المريخ ستعيش تحت سطحه. أما على الأرض، فيضمن المجال المغناطيسي وجود الحياة واستمرارها.

انعكس المجال المغناطيسي الأرضي أكثر من مرة سابقًا وسينعكس مستقبلًا. ومع انعكاسه فإنه يضعف ويتلاشى في بعض الأحيان. وفي كوكب يدعم الحياة مثل كوكب الأرض فإن اختفاء المجال المغناطيسي سيسبب حتمًا كارثة على الحياة فيه.

المجال المغناطيسي يحمي الأرض من الجسيمات دون الذرية الأتية من الشمس

الأشجار أرشيف للغلاف الجوي

تقدم ورقة بحثية نُشرت في مجلة《 Science》 تأريخًا دقيقًا بشكل مثير للإعجاب لأخر انعكاس للحقل المغناطيسي للأرض. عبر دراسة حلقات أشجار ماتت منذ عشرات ألاف السنين تبين أن الفترة التي انعكست فيها الأقطاب المغناطيسية للأرض حصل فيها أيضا تغير واضح في المناخ.

التقط العلماء المشاركون في الدراسة دليل هذا التغير من أشجار《كوري-kauri》، التي تعتبر أحد الأنواع المميزة الأصلية لنيوزيلندا. هذه الأشجار كبيرة جدًا وطويلة العمر، ويصل عمرها إلى أكثر من 1000 عام. وغالبًا ما يبقى خشب الشجرة مدفونًا في المستنقعات، حيث يبلغ عمر بعض العينات عشرات الآلاف من السنين.

يقول 《فلوريان أدولف- Florian Adolphi》، عالم المناخ القديم في معهد ألفريد فيجنر، إن أشجار الكوري شبه الأحفورية هي أرشيف مثير لتكوين الغلاف الجوي. يمكن أن تعيش هذه الأشجار لعدة آلاف من السنين. وتسجل التغيرات السنوية لكمية الكربون المشع في الغلاف الجوي أثناء نموها، وهو ما قاسه فريق البحث بدقة.

أشجار الكوري.

يعود تاريخ الأشجار المدروسة إلى وقت حدث 《Laschamps》 ، وهو الإسم الذي يطلق على حدث الأقطاب المغناطيسية الأرضية، وحدث ذلك منذ حوالي 40 ألف عام. تم تأريخ العينة باستخدام تقنية الكاربون 14، وحسب حلقات الأشجار الفردية تم استنتاج الظروف المناخية التي كانت سائدة في السنوات الفردية في تلك الفترة.

يمكن أن توفر دراسة النظائر الأخرى الموجودة في الخشب تقديرات تقريبية لكل شيء. من النشاط الشمسي في تلك الفترة إلى أنماط هطول الأمطار.

وجد الفريق أن كمية الكربون 14 في حلقات الأشجار المترسبة في ذلك الوقت شهدت ارتفاعًا ملحوظًا، بما يتفق مع وصول المزيد من الجسيمات دون الذرية إلى الأرض بسبب تلاشي مجالها المغناطيسي.

ثقب الأوزون

لم يقتصر الأمر على زيادة نسبة الكربون. فباستخدام نموذج لكيمياء الغلاف الجوي، وجد الباحثون أن هذه الجسيمات الأتية من الشمس يمكن أن تولد مواد كيميائية تدمر طبقة الأوزون. وفقًا لغافن شميدت من ناسا، فإن ثقب الأوزون الناتج عن ذلك ليس كبيرًا مقارنة بثقب الأوزون الحالي.

كان الإشعاع غير المفلتر من الفضاء يكسر جزيئات الهواء في الغلاف الجوي للأرض، ويفصل الإلكترونات بحيث تخرج منها فوتونات الضوء وهي عملية تسمى التأين. أدى ذلك إلى موجة من التغيرات في الغلاف الجوي، بما في ذلك زيادة الضوء المبهر الذي نسميه بالشفق القطبي، والذي ربما لوحظ في ذلك الوقت ليس فقط بالقرب من القطبين ولكن في جميع أنحاء العالم.

تحليل  النتائج

بغض النظر عن نسبة الضرر الذي من الممكن أن يسببه هذا الحدث. إن الباحثين اليوم يحاولون ربطه بجميع الأحداث مجهولة الفاعل التي حصلت في تلك الفترة كإنقراض إنسان النياندرتال مثلًا.

كما أن أستراليا في تلك الفترة قد شهدت انقراضًا كبيرًا للحيوانات الضخمة. مما يشير إلى وجود ارتباط بين الانقراض ونسبة هطول الأمطار المتغيرة في نصف الكرة الجنوبي الذي يعتقد أن الإنعكاس المغناطيسي قد سببه. إنها فكرة مثيرة للإهتمام، على الرغم من أن أحداث الانقراض مثل هذه تمتد عادةً على فترات زمنية طويلة.

في ذات الفترة تقريبًا انتقل الإنسان العاقل من أفريقيا ومنطقة شبه الجزيرة العربية إلى أوروبا. وانقرض إنسان نياندرتال بعد ذلك بوقت قصير. في حين أنه من المعقول الشك في أن هذين الحدثين الأخيرين مرتبطان، إلا أنه ليس من الواضح سبب ارتباط أي منهما بانقلاب المجال المغناطيسي وأي تأثير له على المناخ. لكنه يبقى احتمالًا ضعيفًا.

تشهد هذه الفترة أيضًا نموًا في مدى وتطور فن الكهوف من قبل مجموعات البشر العقلاء المهاجرة. ومرة أخرى، يحاول الباحثون ربط هذا التطور الفني بالإنعكاس المغناطيسي. فبرأيهم إن البشر قد لجأوا إلى الكهوف هربًا من الإشعاعات القاتلة. واستخدموا المغرة الحمراء كواقي من أشعة الشمس القاتلة، وهكذا اكتشفوا هذه المادة التي استعملوها في الفن أيضًا.

الحقيقة هي أن البشر والنياندرتال كانوا يستخدمون المغرة الحمراء لأسباب فنية لعشرات الآلاف من السنين في تلك المرحلة كما أنهم سكنوا الكهوف لفترة طويلة.

يمكنك أن تقرأ أيضًا: الإنسان الأخير .. كيف انقرض إنسان النياندرتال؟

في المقابل فإن العديد من علماء المناخ وعلماء الأنثروبولوجيا قد أعربوا عن الكثير من الشكوك حول هذه الادعاءات. على الرغم من أن عددًا منهم وجد المزاعم الفردية مثيرة للاهتمام وتستحق المتابعة. لكن الاختبار الحقيقي لبعض هذه الأفكار سيأتي عندما يستخدم الباحثون الكربون 14 في تأريخ عينات أخرى تسجل التغيرات البيئية في تلك الفترة. سيعطينا هذا صورة أوضح عما إذا كانت الأحداث التي وقعت في نفس الوقت تقريبًا هي نتيجة لهذا الانعكاس القطبي أم لا.

مستقبل الأرض

هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن الأقطاب المغناطيسية للأرض تتجه نحو انعكاس آخر. إذا حدث ذلك، فسيؤدي إلى كارثة عالمية تجعل من الفيلم 《 The day after tomorrow》 ليس سوى يوم ثلجي عادي.

حسب ما قال 《آلان كوبر- Alan Cooper》 المؤلف المشارك للدراسة إذا حدث شيء مماثل اليوم، فستكون العواقب وخيمة على المجتمع الحديث. الإشعاع الكوني القادم من شأنه أن يدمر شبكات الطاقة الكهربائية وشبكات الأقمار الصناعية التي تعتبر ركيزة حضارتنا اليوم.

بالطبع، مع انتشار جائحة عالمية اليوم، وتهديد مستمر للأرض من أخطار الإحتباس الحراري، وتخوف من حرب نووية مدمرة. فإن الانعكاس المغناطيسي كسبب لنهاية العالم يعتبر شيئًأ جديدًا علينا.

المصادر:

دراسة بحثية منشورة في مجلة Science.

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
Yanal Mokdad
Author: Yanal Mokdad

أحب القراءة والتعلم المستمر، أكتب عن العلوم وأحاول تبسيطها للقراء، لدي إهتمام خاص بأشكال الحياة على الأرض وكيف نشأت وتطورت، أجيد التصميم الغرافيكي وأتعلم البرمجة ذاتيًا.

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


آثار فلك

User Avatar

Yanal Mokdad

أحب القراءة والتعلم المستمر، أكتب عن العلوم وأحاول تبسيطها للقراء، لدي إهتمام خاص بأشكال الحياة على الأرض وكيف نشأت وتطورت، أجيد التصميم الغرافيكي وأتعلم البرمجة ذاتيًا.


عدد مقالات الكاتب : 21
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *