النجوم النيترونية، النجوم الغريبة

هذه المقالة هي الجزء 9 من 18 في سلسلة دليلك لفهم أهم الأجرام والظواهر الفلكية

ما هي النجوم النيترونية

عندما ينفجر نجم ضخم على شكل مستعر أعظم في نهاية حياته، يمكن أن ينهار قلبه لينتهي به المطاف كجسم صغير فائق الكثافة لا تزيد كتلته كثيرًا عن كتلة شمسنا. هذه النوى الصغيرة والكثيفة بشكل لا يصدق من النجوم المتفجرة هي نجوم نيوترونية. إنها من بين أكثر الأشياء غرابة في الكون. وتبلغ كتلة النجم النيوتروني النموذجي حوالي 1.4 مرة بحجم كتلة شمسنا، لكنها تصل إلى ما يقرب من كتلتين شمسيتين (solar mass).

ضع في اعتبارك الآن أن قطر شمسنا يبلغ حوالي 100 ضعف قطر الأرض. ولكن في النجم النيوتروني، يتم ضغط كل كتلته الكبيرة التي تصل إلى ضعف كتلة شمسنا في نجم صغير يبلغ عرضه حوالي 15 كم فقط، أو بحجم مدينة أرضية. لذلك ربما يمكنك أن ترى أن النجوم النيوترونية كثيفة جدًا جدًا. حيث يمكن أن تزن ملعقة كبيرة من مادة النجم النيوتروني أكثر من مليار طن (900 مليار كجم). هذا أكبر من وزن جبل إيفرست، أعلى جبل على وجه الأرض!

طريقة تكونها

طوال معظم حياتهم، تحافظ النجوم على توازن دقيق. حيث تحاول الجاذبية ضغط النجم بينما يسبب الضغط الداخلي للنجم دفع خارجي. والضغط الخارجي ناتج عن الاندماج النووي في قلب النجم. هذا الاحتراق الاندماجي هو العملية التي تتألق بها النجوم. في انفجار المستعر الأعظم، حيث تصبح للجاذبية فجأة وبشكل كارثي اليد العليا في الحرب التي تشنها مع الضغط الداخلي للنجم لملايين أو بلايين السنين. مع استنفاد الوقود النووي وإزالة الضغط الخارجي، تضغط الجاذبية فجأة على النجم نحو الداخل. وتنتقل موجة الصدمة إلى قلب النجم وترتد، وتفجر النجم بعيدًا. قد تستغرق هذه العملية برمتها بضع ثوانٍ.

لكن انتصار الجاذبية لم يكتمل بعد. فمع تطاير معظم النجم في الفضاء، يبقى اللب والذي قد يمتلك ضعف كتلة شمسنا فقط. تستمر الجاذبية في ضغطها، لدرجة أن الذرات تصبح مضغوطة جدًا ومتقاربة جدًا بحيث يتم دفع الإلكترونات بعنف إلى نواتها الأم، وتتحد مع البروتونات لتشكيل نيوترونات. وهكذا حصل النجم النيوتروني على اسمه من تركيبته. وما أوجدته الجاذبية هو مادة فائقة الكثافة وغنية بالنيوترونات، تسمى النيوترونيوم، في مجال بحجم المدينة.

خصائص النجوم النيترونية

وضع علماء الفلك نظرية لأول مرة حول وجود هذه الكيانات النجمية الغريبة في ثلاثينيات القرن الماضي، بعد وقت قصير من اكتشاف النيوترونات. لكن لم يكن لدى العلماء دليل جيد على وجود النجوم النيوترونية في الواقع حتى عام 1967م. حيث لاحظت طالبة دراسات عليا تُدعى جوسلين بيل في جامعة كامبريدج في إنجلترا نبضات غريبة في تلسكوبها اللاسلكي، وصلت بانتظام لدرجة أنها اعتقدت في البداية أنها قد تكون إشارة من حضارة فضائية، ووفقًا لجمعية الفيزياء الأمريكية. تبين أن الأنماط ليست دليل لحياة فضائية. بل بالأحرى الإشعاع المنبعث من النجوم النيوترونية سريعة الدوران.

المستعر الأعظم الذي يؤدي إلى نشوء نجم نيوتروني يضفي قدرًا كبيرًا من الطاقة على الجسم المضغوط، مما يجعله يدور حول محوره بين 0.1 و60 مرة في الثانية، وحتى 700 مرة في الثانية. وتنتج المجالات المغناطيسية الهائلة لهذه الكيانات أعمدة إشعاعية عالية الطاقة، والتي يمكن أن تجتاح الأرض مثل أشعة المنارة، مكونة ما يعرف باسم النجم النابض (Pulsar).

خصائص النجوم النيوترونية خارجة تمامًا عن هذا العالم. حيث أن ملعقة صغيرة واحدة من مادة النجوم النيوترونية يمكن أن تزن مليار طن. وإذا وقفت بطريقة ما على سطحها دون أن تموت، فستواجه قوة جاذبية أقوى بمقدار 2 مليار مرة مما تشعر به على الأرض.

قد يكون المجال المغناطيسي للنجم النيوتروني العادي أقوى بتريليونات المرات من المجال المغناطيسي للأرض. لكن بعض النجوم النيوترونية لديها مجالات مغناطيسية أكثر قوة، ألف مرة أو أكثر من متوسط النجم النيوتروني. وهذا يخلق شيئًا يعرف باسم النجم المغناطيسي (Magnetar).

يمكن للزلازل النجمية (Starquakes) على سطح نجم مغناطيسي، ما يعادل حركات القشرة الأرضية على الأرض التي تولد الزلازل، وإطلاق كميات هائلة من الطاقة. وفقًا لوكالة ناسا، في غضون عُشر من الثانية قد ينتج نجم مغناطيسي طاقة أكثر من التي بعثتها الشمس في آخر 100000 عام.

النجم المغناطيسي (Magnetar)

النجم المغناطيسي هو نوع غريب من النجوم النيوترونية، ميزته أنه يحتوي على مجال مغناطيسي فائق القوة. وهذا الحقل المغناطيسي أقوى بحوالي 1000 مرة من النجم النيوتروني العادي وحوالي تريليون مرة أقوى من الأرض. إذا كنت ستغامر بالقرب من نجم مغناطيسي يزيد عن 600 ميل (1000 كم)، فسوف تموت بسرعة كبيرة. سوف يدمر المجال المغناطيسي جسمك، وتتمزق الإلكترونات من ذراتك وتتحول إلى سحابة من الأيونات أحادية الذرة، أي ذرات مفردة بدون إلكترونات.

النجوم النابضة (Pulsar)

غالبًا ما تبدو النجوم النابضة من الأرض وكأنها نجوم تومض. يبدو أنهم يومضون بإيقاع منتظم. لكن الضوء الصادر عن النجوم النابضة لا يومض أو ينبض في الواقع، وهذه الأجسام ليست نجومًا في الواقع. فتشع النجوم النابضة حزمتين ثابتتين وضيقتين من الضوء في اتجاهين متعاكسين. وعلى الرغم من أن ضوء الحزمة ثابت، يبدو أن النجوم النابضة تومض لأنها تدور أيضًا. إنه نفس السبب الذي يجعل المنارة تبدو وكأنها تومض عندما يراها بحار على المحيط. عندما يدور النجم النابض، قد يكتسح شعاع الضوء الأرض، ثم يتأرجح بعيدًا عن الأنظار، ثم يتأرجح مرة أخرى. بالنسبة لعالم الفلك على الأرض، يدخل الضوء ويختفي مما يعطي الانطباع بأن النجم النابض يومض ويطفأ. السبب في أن شعاع ضوء النجم النابض يدور حوله مثل شعاع المنارة هو أن شعاع ضوء النجم النابض لا يتماشى عادةً مع محور دوران النجم النابض. في الواقع، النجوم النيوترونية هي حراس الوقت السماوي في الكون، ودقتها تضاهي دقة الساعات الذرية.

الكيلونوفا (kilonova)

مثل النجوم العادية، يمكن لنجمين نيوترونيين أن يدور أحدهما حول الآخر. إذا كانوا قريبين بدرجة كافية، فيمكنهم حتى أن يدوروا إلى الداخل مما يسبب هلاكهم في ظاهرة شديدة تعرف باسم كيلونوفا. وقد تسبب اصطدام نجمين نيوترونيين في سماع الموجات حول الكون في عام 2017. عندها اكتشف الباحثون موجات الجاذبية والضوء القادم من نفس الاصطدام الكوني. قدم البحث أيضًا أول دليل قوي على أن اصطدامات النجوم النيوترونية هي مصدر الكثير من الذهب والبلاتين والعناصر الثقيلة الأخرى في الكون. أطلق الاصطدام القوي كميات هائلة من الضوء وخلقت موجات جاذبية تموجت عبر الكون. لكن ما حدث للشيئين بعد تحطيمهما يظل لغزا.

النجوم النيترونية في مجرتنا

يقدر أن هناك أكثر من مائة مليون نجم نيوتروني في مجرتنا درب التبانة. ومع ذلك، سيكون الكثير منهم قديمًا وباردًا وبالتالي يصعب اكتشافه. يعتقد أن تصادمات النجوم النيوترونية العنيفة التي لا يمكن تصورها. والتي تم اكتشاف أحدها في عام 2017 بواسطة مراصد موجات الجاذبية LIGO والمسمى GW170817، هي المكان الذي يتم فيه تكوين العناصر الثقيلة مثل الذهب والبلاتين، حيث لا يعتقد أن المستعرات العظمى العادية تولد الضغوط المطلوبة ودرجات الحرارة.  يُعتقد أن النجوم النيوترونية، بما في ذلك النجوم المغناطيسية والنجوم النابضة، مسؤولة عن العديد من الظواهر غير المفهومة. بما في ذلك الاندفاعات الراديوية السريعة الغامضة (FRBs) وما يسمى بـ (Soft Gamma Repeaters (SGRs.

طرق الاستفادة منها

فكر الباحثون في استخدام نبضات النجوم النيوترونية المستقرة التي تشبه الساعة للمساعدة في التنقل باستخدام المركبات الفضائية، تمامًا مثل GPS التي تساعد في توجيه الناس على الأرض. تجربة على محطة الفضاء الدولية تسمى (SEXTANT) كانت قادرة على استخدام الإشارة من النجوم النابضة لحساب موقع محطة الفضاء الدولية في نطاق 10 أميال (16 كم).

يكتسب الباحثون أيضًا أدوات جديدة لدراسة ديناميكيات النجوم النيوترونية بشكل أفضل. باستخدام مرصد موجات الجاذبية بالليزر (LIGO)، تمكن الفيزيائيون من مراقبة موجات الجاذبية المنبعثة عندما يدور نجمان نيوترونيان حول بعضهما البعض ثم يصطدمان. قد تكون عمليات الاندماج القوية هذه مسؤولة عن صنع العديد من المعادن الثمينة التي لدينا على الأرض، بما في ذلك البلاتين والذهب والعناصر المشعة، مثل اليورانيوم.

المصادر

نُشرت بواسطة

Heba Allah Mahmoud

اسمي هبة وأعيش في مصر حيث لا زلت طالبة في كلية العلاج الطبيعي بجامعة مصر للعلوم و التكنولوجيا. لدي شغف حقيقي بالعلم حيث أتابع كل ما هو جديد في ساحة العلم. أحلم بأن أعمل في مجال البحث العلمي يومًا ما.

Exit mobile version