كيف بدت مدن العالم بعد انتشار فيروس كورونا ؟
خلال خمسينيات القرن الماضي، نظم متحف نيويورك للفن الحديث معرض صور شهيرًا بعنوان “عائلة الإنسان” في أعقاب كوارث الحرب العالمية. جسدَ العرض الذي امتلئ بصور الناس احتفالاً بالنغمة الإنسانية والمرونة والرابط المشترك.
نشهد اليوم كارثة عالمية فريدة من نوعها، جعلت من تخزين المؤمن الخطوة الأولى من أجل “البقاء”. تحتمي المقاهي على طول «نافيجلي -Navigli» في ميلانو بأقفال نوافذها مع «الميلانزيين-Milanese» الذين اعتادوا على احتساء شراب «أبروس-aperos » بجوار القناة. تظهر تايمز سكوير، ومدينة لندن وميدان «الكونكورد-Concorde» في باريس كمدينة أشباح خلال فترة الذروة الصباحية.
تروي الصور الأخرى كمطار «هانيدا-Haneda» في طوكيو، ومعبد في إندونيسيا، و«أمريكانا داينر -the Americana Diner» في نيو جيرسي قصص مماثلة حيث انتشر الفراغ مثل الفيروس.
أرسلت صحيفة التايمز مؤخرًا العشرات من المصورين الفوتوغرافيين لالتقاط صور للساحات العامة المزدحمة والشواطئ وأرض المعارض والمطاعم ودور السينما ومكة المكرمة ومحطات القطار لتوثيق ما تشهده مدن العالم بعد انتشار فيروس كورونا .
تتبع الأماكن العامة، التي نراها اليوم أثر أصولها العائدة إلى «أغورا-Agoras» اليونان القديمة. من الصعب ترجمة كلمة “أغورا” التي قد تعني للشاعر الملحمي «هوميروس-Homer» “التجمع”. في نهاية المطاف، كان الأمر يعني ضمنيًا المربع أو المساحة المفتوحة في وسط مدينة، والذي بدونه لا يعتبر اليونانيون المدينة مدينةً على الإطلاق، بل كمجموعة متنوعة من المنازل والأضرحة.
بعد آلاف السنين، لا تزال الساحات العامة والمساحات الأخرى رائدة وجاذبة كالمغناطيس حيث نلجأ إليها من أجل المتعة والعزاء، لقياس حرارتنا المشتركة والاحتفال والاحتجاج. بعد الانتفاضات التي وقعت في ميدان «تيانانمن-Tiananmen» وميدان التحرير وميدان تقسيم وأماكن أخرى، أظهر متظاهروا السترة الصفراء في فرنسا استياءهم العام الماضي ليس عن طريق بدء صفحة «GoFundMe» ولكن عن طريق استيلائهم لمواقع عامة مثل «ساحة الجمهورية (باريس)-Place de la République» و «أوبرا باريس-Place de l’Opéra».
تم بناء هاتين الساحتين خلال القرن التاسع عشر كجزء من خطة رئيسية من قبل المسؤول الفرنسي البارون «جورج يوجين هوسمان-Georges Eugène Haussmann»، الذي أعاد تشكيل مساحات شاسعة من باريس بعد أن أقرت المدينة لوائح صحية جديدة في عام ١٨٥٠ لمكافحة المرض. أدت الفيروسات والكوارث الطبيعية الأخرى إلى جعل المدن في جميع أنحاء العالم تصمم بنية أساسية جديدة ولوائح إعادة تنظيم المناطق لضمان المزيد من الضوء والهواء، وأنتجت عنها الأماكن العامة والمباني والمواقع الأخرى بما في ذلك بعض المواقع في هذه الصور، والتي وعدت بتحسين الرفاهية المدنية وهذا يمثل آفاقًا جديدة للتطلع المدني.
يعكس الفراغ الحالي لهذه الاماكن، الذي يعتبر ضرورة للصحة العامة (رغم مرارة الواقع) قدرتنا على التضافر من خلال الاستماع لرعاية الخبراء والبقاء بعيدًا عن التجمعات، من أجل الصالح العام. فيروس كورونا في نهاية المطاف لا ينتمي لحزب. تبدو هذه الصور مسكونة ومن الصعب نسيانها، كما في افلام الاوبئة ونهاية العالم هكذا بدت مدن العالم بعد انتشار فيروس كورونا ، مع إنها في نواحي أخرى تبدو متفائلة.
تذكرنا هذه الصور أيضًا بأن الجمال يتطلب التفاعل البشري. أقصد أن المباني والمعارض ومحطات السكك الحديدية والمعابد الفارغة يمكن أن تبدو جميلة وساحرة بشكل غريب. تعتبر بعض هذه المواقع، مثل العديد من هذه الصور، أعمالًا فنية. أعني أن المباني والساحات والشواطئ الفارغة هي ما تميل إليه كتب تاريخ الفن وتتاجر بها إعلانات الفنادق الفخمة والمأوى اللامع ومجلات السفر. فبدا فراغها كنغمة تفوقت على وتيرة الحياة اليومية والوجود الفوضوي، حيث يبدو للبشر فراغ هذه الأماكن تجربة أقرب إلى دهشة المستكشفين السابقين الذين يأتون على بقايا حضارة مفقودة. يستحضرون الرومانسية من الأنقاض. الجمال يستلزم شيئًا آخر نمنحه، سيكون لحظة عودتنا لهذه الأماكن.
المصدر: The New York Times
اقرأ ايضا
ما هو تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي ؟
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :