Ad
هذه المقالة هي الجزء 2 من 9 في سلسلة رحلة بين 8 ألغاز كونية مذهلة!

تقترح فرضية «الأكوان المتعددة-Multiverse Hypothesis» أن كوننا –بما فيه من مجرات ونجوم- ليس الكون الوحيد. وتطرح احتمالية وجود أكوان أخرى مختلفة ومنفصلة تمامًا عن كوننا.  وبحسب هذه الفرضية؛ من الممكن وجود عدد لا نهائي من الأكوان، لكل منها قوانينه الفيزيائية الخاصة، ومجموعته من المجرات والنجوم (إن سمحت قوانينه بوجودها)، وحتى حضارته الذكية الخاصة التي اكتشفت -أو لم تكتشف بعد- وجود أكوان أخرى غير كونها. قد تبدو هذه الفرضية جامحة بشكل لا يصدق؛ فلماذا إذًا يعتقد بعض العلماء بها؟ [1]

الأدلة النظرية على الأكوان المتعددة

نظرية التضخم

يجد مفهوم الأكوان المتوازية مكانةً له في عدة مجالات فيزيائية وفلسفية أيضًا. لكن من المؤكد أن أبرز مثال يأتينا من «نظرية التضخم-Inflation Theory». تعنى نظرية التضخم بحال الكون بعد أقل من ثانية من تشكله. وبالتحديد؛ تصف حدثًا توسع فيه الكون جدًا في وقت ضئيل، “متضخمًا” ليصبح أضعاف حجمه السابق. ويعتقد العلماء أن حدث التضخم هذا انتهى منذ حوالي 14 مليار سنة. لكنه لم ينته في كل مكان في الوقت ذاته، فمن الممكن أنه انتهى في منطقة ما واستمر في الأخرى. [2]

وبالتالي؛ بينما انتهى التضخم في كوننا؛ من الممكن أنه استمر في مناطق بعيدة جدًا منه. بحيث ينتؤ كون مستقل من كل تضخم مستمر، وهكذا دواليك. ولفهم ذلك؛ تخيل أنك تنفخ بالونًا، وبسبب خطأ ما في تصنيعه كانت بعض المناطق منه أرقّ من غيرها. بينما توقف بالونك عن الانتفاخ بعد أن امتلأ هواءً؛ استمرت هذه المناطق الرقيقة منه بالانتفاخ، وبرزت كأنها بالون جديد ناتئ من بالونك الأساسي. والفرق هنا أن العملية لا نهائية في الأكوان المتعددة، فكل “نتوء” جديد سيحوي مناطق يستمر فيها الانتفاخ بعد ان يتوقف في غيرها، لنحصل على انتفاخات لا نهائية داخل انتفاخات أخرى.   

صورة توضح نشوء الأكوان المتعددة بالتضخم
حقوق الصورة: Express

وفي هذا السناريو من التضخم اللانهائي؛ كل كون جديد سيكون مستقلًا عن الكون الذي نشأ منه. ويكون له قوانينه الفيزيائية الخاصة، مجموعته من الجسيمات، ترتيبه من قوى الطبيعة، وقيمه وثوابته الخاصة. ربما يفسر ذلك لما لكوننا خواصه الحالية، وخاصةً تلك التي يصعب على الفيزياء النظرية شرحها، كالمادة المظلمة و«الثابت الكوني-Cosmological constant». فإذا كان هناك أكوان متعددة؛ سيكون هناك ثابت كوني مختلف لكل كون منها، وسيكون توزيع الثوابت عشوائيًا. ويكون ثابت كوننا ليس مميزًا ومحض صدفة لا أكثر. [1]

وجود حياة ذكية في الكون

يعتقد بعض العلماء أن أحد أهم الأدلة على الأكوان المتعددة هو وجودنا وتمكننا من طرح سؤال كهذا. فلطالما شعرنا وكأن كوننا معد مسبقًا ليحضن حياةً ذكية. وكأن كل القوانين والقوى مضبوطةٌ لتلائم وجودنا وتدعمه. وتبدو هذه السمات مميزة جدًا، من استقرار نواة الذرة وتوافر الكربون في الكون، إلى وجود الضوء وحياة النجوم الطويلة.  

ولكن كل ذلك يصبح “طبيعيًا” إذا ما افترضنا وجود عدد لانهائي من الكون. حيث تخبرنا الاحتمالات أنه لا بد من وجود كون من هذه الأكوان تجتمع فيه كل الشروط المناسبة لنشأة الحياة. وبالتالي هناك أيضًا عدد هائل من الأكوان التي لا تدعم الحياة، فلماذا وجدنا في هذا الكون بالتحديد؟ لأنه الوحيد الذي يسمح بذلك.

  ولا بد أن نذكر أن علماء الإحصاء اختلفوا معهم في ذلك، ولم يعتبروا وجود الأكوان المتعددة ضرورة لوجودنا.[3]

ميكانيك الكم

يعد «مبدأ التراكب-superposition» حجر الزاوية في ميكانيكا الكم. وينص أن الجسيم أو الكم يتواجد في حالتين و مكانين مختلفين في الوقت ذاته. ومثالًا على ذلك نرى الطبيعة المثنوية للضوء، فالضوء جسيم يدعى الفوتون وموجة كهرومغناطيسية في آن واحد. وأيضًا؛ يوجد الإلكترون هنا وهناك في الوقت ذاته، ولكننا عندما نرصده نجبره على اختيار مكان منهما. [4]

ويمهد هذا المبدأ لتجربة «قطة شرودينغر-Schrödinger’s cat»، وهي قطة محبوسة في صندوق مغلق، ومصيرها محكوم بأداة كمية قاتلة. وبما أن الأداة توجد في حالتين مختلفتين إلى أن نفتح الصندوق ونقوم بالرصد؛ فالقطة حية وميتة في آن واحد. [5]

وعوضًا عن افتراض أننا “نجبر” الكم على اختيار حالة أو مكان واحد عند رصدنا، يميل مؤيدو فرضية الأكوان المتعددة لتفسير أخر. حيث يعتقدون أنه لا حاجة للاختيار أصلًا! ففي اللحظة التي نرصد فيها الكم، ينقسم الواقع إلى نسختين: واحدة نرصده وقد اختار الحالة 1، وآخر نرصده وقد اختار 2. وكان الواقع يتكون من عدة طبقات متفرعة، كل منها يشكل كونًا من الأكوان المتعددة.  [6]

ولكن لا يزال العلماء متحفظين ومشككين في هذه الفرضية، فالأدلة حتى الآن غير مقنعة كفاية.

الأدلة المادية على الأكوان المتعددة

حاول عدة علماء إيجاد أدلة مادية رصينة تثبت وجود الأكوان المتعددة. مثلًا؛ لو حدث وكان كون ما قريب من كوننا بشكل كافي لالتحم معه مخلفًا أثرًا ما. قد يكون ذلك الأثر تشوهات في «إشعاع الخلفية الكونية الميكروي-cosmic microwave background radiation»* ، أو تصرفات غريبة للمجرات.  

في حين يبحث علماء أخرون في أنواع خاصة من الثقوب السوداء، والتي قد تكون آثارًا لقطع من كوننا انفصلت إلى داخل الكون الآخر في عملية تعرف ب«النفق الكمومي-Quantum tunneling». فإذا انفصلت مناطق من كوننا بهذه الطريقة؛ ستخلف وراءها “فقاعات” في كوننا والتي قد تتحول إلى ثقوب سوداء. [7]

*إشعاع الخلفية الكونية الميكروي: الإشعاع الذي أصدره كوننا عندما كان شديد الكثافة وأصغر بمليون مرة مما هو عليه الآن.

ولكن بحثهم هذا لم يثمر حتى الآن، ولا تزال فكرة الأكوان المتعددة افتراضًا فقط.

المصادر

[1] Nature

[2] NASA

[3] Scientific American

[4] Cornell University

[5] joint quantum institute

[6] space

[7] university College London

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فيزياء فلك

User Avatar

Mira Naffouj

طالبة ثانوية مهتمة بعلم الفلك والفيزياء الفلكية


عدد مقالات الكاتب : 34
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق