يعد صراع العروش أحد أعظم الأعمال التلفزيونية في عصرنا الحالي، لولا جزئه الأخير بالتأكيد. لكن في الواقع، يبدو أن الكاتب جورج آر آر مارتن قد استقى الكثير من أحداث روايته “أغنية الجليد والنار”، من وقائع وأحداث وأماكن حقيقية. وربما هي ما جعلت عالم صراع العروش أكثر إثارة. وتعد حرب الوردتين “War of the roses” أحد أكثر ما يتبادر للذهن مما اقتبسه الكاتب من أحداث تاريخية حقيقية. وهي ما سنتعرف عليه في هذا المقال.
محتويات المقال :
ما هي حرب الوردتين؟
حصلت هذه الحرب بين عامي (1455–1485)م، من التاريخ الإنجليزي. وحرب الوردتين هي سلسلة من الحروب الأهلية الأسرية التي حدثت بعنفها وصراعاتها قبل قيام حكومة تيودور القوية. وقامت هذه الحرب بين منزلي لانكستر ويورك لتولي العرش الإنجليزي. وسميت الحرب بعد انتهائها بسنوات عديدة على اسم الشارات المستخدمة للطرفين المتنازعين: وردة يورك البيضاء ووردة لانكستر الحمراء.[1]
استحوذت كلتا العائلتين على العرش لأنهما من نسل أبناء الملك إدوارد الثالث. وعندما استحوذت عائلة اللانكستر على العرش عام 1399، لم تضغط عائلة يورك مطلقًا للمطالبة به إلّا في فترة الفوضى التي سادت في منتصف القرن الخامس عشر.[1] ويظهر اقتباس الكاتب لأسماء عائلتي اللانسترز (اقتباسًا من اللانكستر) وستارك (اقتباسًا من يورك) المتصارعتين في أولى مواسم المسلسل.
كيف بدأت حرب الوردتين ؟
بدأت حرب الوردتين بوفاة الملك إداورد الثالث عام 1377 م، لكنّ وريثه الشرعي ابنه إدوارد الرابع كان قد توفي قبله بعام. لذا تولى العرش ابنه ريتشارد الثاني ذي العشر سنوات. وهنا ظهر الانقسام بين أبناء إدوارد الثالث الذين قد تم تجاوزهم وتولية العرش لابن أخيهم المتوفي.
انحدرت عائلة اللانكستر من الابن الثالث للملك المتوفي، وعائلة اليورك من ابنه الرابع. وبدأ الصراع بين العائلتين عندما أزاح اللانكستر الملك ريتشارد الثاني، وتولى ابن عمه هنري الخامس الحكم في عام 1399 م. [2]
وفاة هنري الخامس
بعد وفاة الملك هنري الخامس في معسكره الحربي عام 1422م. تولى ابنه هنري السادس الحكم (أغسطس 1422 – نوفمبر 1437). حيث كانت المملكة الإنجليزية تدار من قبل مجلس الملك، وسيطر عليه الأرستقراطيون. هذا الترتيب، الذي ربما لم يتوافق مع رغبات هنري الخامس الأخيرة. ومثل الملك ريتشارد الثاني من قبله، كان لدى الملك هنري السادس أقارب أقوياء يتوقون إلى السيطرة على السلطة ووضع أنفسهم على رأس الحكم في الدولة. وسرعان ما تحول المجلس إلى ساحة معركتهم. [1] فسيطرت العائلتان القويتان مع جيشيهما على الريف. وانتشرت الفوضى وشكلت الضرائب عبئًا ثقيلًا على البلاد. [1]
مارغريت أنجو وسيرسي لانستر
لم يكن الملوك الصغار المتولين للحكم أو اسمي العائلتين المتصارعتين هما الشيء الوحيد الذي اقتبسه الكاتب. فقد اقتبس أيضًا شخصية “سيرسي لانستر”، الملكة الطموحة من زوجة هنري الفرنسية مارغريت أنجو. فقد أثبت هنري لاحقًا أنه قليل العقل وقابل للسيطرة عليه، وخاضعًا لنوبات الجنون. مما ساعد مارغريت أنجو الجميلة على السيطرة على زوجها الصغير، التي سمح حزبها بتدهور الوضع الإنكليزي.[1]
ريتشارد سليل آل يورك ونيد ستارك
بين عامي 1450و 1460 م، أصبح ريتشارد، دوق يورك الثالث، رئيسًا لرابطة بارونية عظيمة. وكان أعضاء تلك الرابطة من أقاربه من عائلات نيفيل، وماوبرايس، وبورتشير. [1] وعين ريتشارد مستشارًا للملك، وقد اقتبس منه آر مارتن شخصية “نيد ستارك”. لكنّ استمالت الملكة مارغريت الملك إلى جانبها للإبقاء على نفوذها ونفوذ أتباعها في البلاط. ودفعت الملك لإقصاء ريتشارد بعيدًا إلى أيرلندا للحد من نفوذه. [2]
كان من بين مساعدي ريتشارد الرئيسيين ابن أخيه ريتشارد نيفيل، إيرل وارويك. وكان إيرل وارويك رجل قوي وذو نفوذ، وكان لديه مئات من الأتباع النبلاء المنتشرين في أكثر من 20 مقاطعة. وفي عام 1453، عندما فقد هنري صوابه بسبب الجنون، وضعت زمرة بارونية قوية، بدعم من وارويك، عائلة يورك كحامية للمملكة. لكن عندما تعافى الملك هنري عام 1455، أعاد تأسيس حزب مارغريت، مما أجبر يورك على حمل السلاح للدفاع عن وجودها. وأسفرت المعركة الأولى في سانت ألبانز 22 مايو 1455 عن انتصار عائلة يورك وأربع سنوات من الهدنة المضطربة. [1]
مرحلة جديدة من الحرب الأهلية
بدأت مرحلة جديدة من الحرب الأهلية بين العائلتين في عام 1459. حيث تمردت عائلة يورك لمرة أخيرة، مدفوعة بمخاوف من استعدادات الملكة لمهاجمتهم. ورغم انتصار اليورك في معركة في بلور هيث في سبتمبر. إلا أنهم تفرقوا بعد مناوشات في “لودفورد بريدج” في أكتوبر، وهربوا إلى أيرلندا. وتمكن اللانكستر من إدانة خصومهم وإعدام كل من حاول المساس بهم.
لكن سرعان ما أعاد اليورك تجميع قواتهم وعادوا إلى إنجلترا في يونيو 1460م، وهزموا قوات لانكستر في “نورثهامبتون” في يوليو. واستطاع اليورك المطالبة بالعرش أخيرًا، لكن نجح اللانكستر في الاتفاق معهم على تأجيل حق الخلافة لما بعد وفاة هنري. بالطبع ذلك سيؤدى إلى حرمان ابن هنري، الأمير إدوارد، من وراثة الحكم. وبذلك الاتفاق اتخذت الملكة مارغريت موقف المعارضة لشعورها بظلم ابنها.
يورك تتولى الحكم
رغم الاتفاق على حق الخلافة إلا أن المعارك لم تتوقف بين العائلتين بالطبع. فاحتشدت قوات العائلتين في شمال إنجلترا، وتمكن اللانكستر من قتل ريتشارد في ويكفيلد في ديسمبر، واتجهوا جنوبًا نحو لندن. [1] وفي هذه الأثناء، هزم الابن الأكبر ليورك ووريثها، إدوارد، قوة اللانكاستر في “مورتيمر كروس” في 2 فبراير. وانطلق لفك الحصار عن قواته في لندن، ووصل قبل مارغريت في 26 فبراير.
وعلى إثر انتصارات إدوارد المتتالية والمدوية، تم تنصيب دوق يورك الشاب ملكاً. وارتدى الملك إدوارد الرابع تاجه في وستمنستر في 4 مارس. [1] وبدأ مع بقية قواته في ملاحقة مارغريت شمالًا إلى “توتون”. وفي توتون حدثت أكثر المعارك دموية في الحرب، وحققت عائلة يورك نصرًا كاملًا. وفرّ هنري ومارغريت وابنهما إلى اسكتلندا، وانتهت بذلك المرحلة الأولى من الحرب.
المرحلة الثانية من حرب الوردتين
بدأت الجولة التالية من الحرب بخلافات داخلية بين صفوف يورك. وكان وارويك هو رجل الدولة في المجموعة، والمهندس الحقيقي لانتصارات يورك، والحاكم الحقيقي للمملكة حتى عام 1464. حاول وارويك قمع الناجين من اللانكستر بلا رحمة بسبب تحريض مارغريت لهم وبمساعدة فرنسية، لإبقاء الحرب مستعرة في الشمال وفي ويلز.
معركة هكسهام
في 15 مايو من عام 1464م، تلاقت جيوش العائلتين مرة أخرى في قرية هكسهام في نورثمبرلاند بإنجلترا. وانتهت هذه المعركة بفوز جيش يورك بقيادة جون نيفيل، مركيز مونتاغو الأول. ونجح جيش اليورك في القبض على معظم قادة جيش لانكاستر المتمردين ومن بينهم :هنري بوفورت، دوق سومرست الثالث ، وروبرت هانغرفورد، بارون هانغرفورد الثالث و فيليب وينتورث. وقرر اليورك إعدامهم جميعًا لتأديب اللانكيستر للأبد.
وقد دمرت عمليات الإعدام ما تبقى من مؤيدي اللانكستر. وبدا النصر مكتملاً عندما تم القبض على هنري السادس بعد عام وسجنه في برج لندن. كما بذل وارويك جهدًا كبيرًا لتحسين أحوال حكومة المملكة، واستعادة النظام العام، وتحسين إدارة العدالة. فتولى بعض التدابير الاقتصادية وفرض الضرائب، لجعل التاج قادرًا على سداد الديون.
الملك إدوارد الرابع
وعلى الرغم من خدمات وارويك الثمينة للتاج، لم يكن إدوارد الرابع مستعدًا للخضوع لوصايته إلى أجل غير مسمى. ورغم أنّه لم يرغب في الإطاحة بوارويك إلّا أنّ نفوذه بدأ يقضّ مضجعه. وكانت غلطة إدوارد الوحيدة هي زواجه بشكل متسرع وسرّي من إليزابيث وودفيل في عام 1464م. ورغم أنّ عائلتها لم تتمتع بنفوذ قوي إلّا أنّها ساهمت في إبعاد وارويك عن الأضواء.
وتصاعد الخلاف بين الطرفين في عام 1467 م بعدما طرد الملك إدوارد شقيق وارويك، إثر خلاف بينهما على معاهدة كان الثاني قد تفاوض بشأنها مع الملك الفرنسي. ونتج عن هذا الخلاف إعلان وارويك لمعارضته للملك، ونجح في أسر الملك في نهاية المطاف وقتل والد زوجته إليزابيث وشقيقها. ولكن تمكن الملك إدوارد من استعادة السيطرة على الحكم مجددًا، وهرب وارويك إلى فرنسا. لكنه لم ينس عداءه لإدوارد، فشكّل تحالفًا مع عدوته السابقة الملكة مارغريت على غرار المثل القائل “عدو عدوي، صديقي”.
لكنّ فشل هذا التحالف بسبب تأجج الخلافات بين الحليفين الجديدين الذين لم يثقا ببعضهما. ففتكت بهما الخلافات الداخلية قبل أن تفتك بهما قوات الملك إدوارد الذي حافظ على العرش حتى وفاته في عام 1483 م.
انتهاء حرب الوردتين
بعد وفاة الملك إدوارد الرابع، أعلن شقيقه ريتشارد الثالث أنّ ابن إدوارد، ذي الـ12 عامًا ليس بوريث شرعي. فالملك قد تزوّج والدته إليزابيث وودفيل سرًا. (ومن هنا اقتبس آر مارتن شخصية ستانيس براثيون شقيق الملك روبرت في المسلسل). أدى ذلك الإعلان إلى انشقاقات داخلية في صفوف اليورك، فأيدوا هنري تيودور والذي يعود نسبه إلى دوق لانكستر الأول.
ولكن بمساعدة الفرنسيين والمنشقين من أتباع يورك، قُتل شقيق الملك ريتشارد وهزمت قواته في حقل “بوسورث” في 22 أغسطس 1485، مما أدى إلى إنهاء حرب الوردتين. ووحد هنري مطالب اليورك واللانكستر بزواجه من إليزابيث ابنة إدوارد الرابع في عام 1486، وأصبح الملك هنري السابع. لكن تبقى أحد أتباع يورك الصاعدين وهو لامبرت سيمينيل، فحاربه هنري وانتصر عليه في 16 يونيو 1487، وهو التاريخ الذي يفضله بعض المؤرخين لتحديد انتهاء هذه الحرب.
من المؤكد أن الضراوة المدروسة والمحسوبة التي دخلت الحياة السياسية الإنجليزية الآن تدين بشيء ما للأفكار السياسية لعصر النهضة الإيطالية. لكنها كانت أيضًا جزءًا من إرث العادات الخارجة عن القانون التي اكتسبها النبلاء خلال حرب المائة عام. ولم تكن حرب الوردتين إلّا أحدى تلك المظاهر التي رغم ضراوة معاركها إلّا أنها لم تخلو من المكر والخداع للدرجة التي أمتعتنا في مسلسل صراع العروش.
المصادر:
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :