Ad

تعتبر كل سنة من سنوات حياة الطفل الأولى سنة ثمينة ومهمة، ولكن عندما يتعلق الأمر بالنمو، فالسنوات الخمس الأولى هي الأكثر أهمية. والتي قد تحدد ما سيغدو عليه الطفل عندما يكبر.

أهمية السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل

للسنوات الخمس الأولى من حياة الطفل تأثير بالغ الأهمية على مستقبل الطفل، فهي المرحلة التي تحدث فيها تغيرات في النمو البدني لطفلك. بالإضافة إلى تغيرات في مهارات طفلك الاجتماعية والعاطفية والسلوكية والتفكير والتواصل. كل مجالات النمو هذه مرتبطة ببعضها البعض، ويعتمد كل منها على الآخر ويؤثر عليه.

تحفز التجارب والعلاقات في هذه المرحلة نمو الأطفال، مما يؤدي إلى إنشاء ملايين الروابط العصبية في أدمغتهم كل ثانية. حيث تطور أدمغة الأطفال في السنوات الخمس الأولى الروابط بمعدل أسرع من أي وقت آخر في حياتهم. وبالتالي هي المرحلة التي يتم فيها وضع أسس التعلم والصحة والسلوك طوال الحياة. [1]

كيف ينمو دماغ الطفل في السنوات الخمس الأولى؟

تتأثر أدمغة الأطفال بكل من الجينات والبيئة التي ينشأون بها. ويولد الأطفال وهم جاهزون للتعلم، حيث ينمو الدماغ بنسبة تعادل حوالي 90 ٪ في السنوات الخمس الأولى من حياتهم. [3]

تتطور مسارات الرؤية والسمع أولًا، وتليها المهارات اللغوية المبكرة والوظائف الإدراكية العليا. وغالبًا ما تتضاعف مفردات الطفل أربع مرات بين سن الثانية والرابعة. وتصبح هذه الروابط أكثر تعقيدًا مع النمو. وتؤثر على نمو الدماغ لخلق سلوكيات تعليمية إيجابية في سن مبكرة. [3]

تتأثر كيفية نمو الدماغ بشدة مع ما يحدث في بيئة الطفل وتفاعلاته مع الأشخاص من حوله. ومع كل عناق وكل قبلة، مع كل وجبة مغذية ولعبة تلعبها معه، فأنت تساعد في بناء دماغ طفلك.

بناء دماغ الطفل

* بوسع 15 دقيقة من اللعب أن تصنع آلاف الوصلات الدماغية في دماغ طفلك.

* توجه نسبة تعادل حتى 75% من كل وجبة يأكلها طفلك إلى بناء دماغه.

* يكتمل ما يزيد عن 80% من دماغ طفلك عند بلوغه 3 سنوات. [4]

ما دور العلاقات والتواصل في نمو الطفل؟

يتعلم الطفل معلومات أساسية عن عالمه من خلال العلاقات. مثل تعلمه ما إذا كان العالم آمنًا، وما إذا كان محبوبًا، ومن يحب ومن لا يحب، وماذا يحدث عندما يبكي أو يضحك، وغيرها الكثير.

يتعلم الطفل أيضًا من خلال علاقته مع والديه وأشقاءهِ وأقرانه ومن مراقبة العلاقات بين الآخرين ورؤيته كيف يتصرف الوالدين مع أفراد الأسرة والآخرين. هذا التعلم هو أساس تنمية مهارات التواصل والسلوك والمهارات الاجتماعية وغيرها لدى الطفل. [1]

كيف يمكن لآلية اللعب أن تساهم في تنمية الطفل وتعلمه في المراحل المبكرة؟

بالإضافة إلى كون اللعب أمرًا ممتعًا للطفل فهو يمنحه أيضًا فرصًا لتطوير خياله وقوته الجسدية والمعرفية والعاطفية. ويسمح اللعب له بالاستكشاف والمراقبة والتجربة وبالتالي يساعده على إدراك عالمه الخارجي وتطوير كفاءات جديدة تؤدي لتعزيز الثقة والقدرة على التكيف التي سيحتاج لها في مواجهة تحديات المستقبل.

وبالطبع، يلعب التشجيع والدعم والمشاركة من قبل الآباء ومقدمي الرعاية دورًا هامًا، ولكن من المهم الموازنة بين دعم الطفل والسماح له بتجربة الأمور بنفسه وارتكاب الأخطاء أحيانًا، حيث يعد استكشاف كيفية عمل العالم بنفسه جزءًا كبيرًا من تعلمه.[1]

كما ويساعد اللعب الطفل على النمو من الناحية الاجتماعية، حيث يتعلم الطفل النظام والإيمان بروح الجماعة واحترامها. ويصبح الطفل أنانيًا إذا لم يمارس اللعب مع الأطفال الآخرين. كما قد يميل إلى العدوانية وكره الآخرين. ولكنه يستطيع إقامة علاقات جيدة ومتوازنة معهم عن طريق اللعب، وحل ما يعترضه من مشكلات.

أثر الشدائد والضغوط النفسية والحرمان

يوفر مقدمو الرعاية الداعمين للأطفال درعاً قوياً للحماية من الإجهاد والضغوط. لذلك فإن تقوية العلاقات المستقرة في السنوات الأولى من الحياة يمكن أن تمنع التنشيط المفرط لهرمونات التوتر. كما تحمي الأطفال من الآثار الضارة المحتملة بشكل فعال. ويمكن أن تساعد العلاقات الداعمة والتنشئة السليمة على تطوير قدراتهم الخاصة للتعامل مع آثار ضغوط الحياة المبكرة أيضاً. مما يساعد على التخفيف من آثارها المدمرة على سعادتهم.

يمكن أن تؤدي استجابات الإجهاد السامة إلى إعاقة النمو بتأثيرات تستمر مدى الحياة. فعندما نكون في وضع خطر، تختلف تهيئنا لأجسامنا للاستجابة، عن طريق زيادة معدل ضربات القلب، وضغط الدم، والتفاعل الالتهابي، ومستويات السكر في الدم. تحدث هذه التغييرات عن طريق الانتشار السريع لهرمونات التوتر مثل الأدرينالين والكورتيزول. وتعد استجابة “القتال أو الهروب” هذه منقذة للحياة في مواجهة تهديد جاد. ولكن يمكن أن يؤدي حدوثها المستمر إلى تخريب مجموعة واسعة من الوظائف البيولوجية المهمة. لذلك يعد تعلم كيفية التعامل مع الشدائد جزءاً هاماً من نمو الطفل الصحي.

إذا كانت استجابة الإجهاد شديدة وطويلة الأمد، ولم تتوفر الحماية المؤقتة من شخص بالغ، فيمكن أن يؤدي ذلك إلى تعلم الخوف بسرعة. والتحول إلى الوضع الدفاعي عند وجود القليل من الاستفزاز. أو التفاعل بقوة حتى عند عدم الحاجة إلى ذلك. ويمكن أن يكون لهذا الأمر تداعيات سلبية مدى الحياة، مما يتطلب حلولاً أكثر شدة وتكلفة لاحقاً.[5]

دراسات حديثة

كشفت دراسة تم نشرها في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم عن احتمالية أن تؤدي هذه الضغوط النفسية إلى تغيرات دائمة في الجهاز العصبي. فالأمر لم يعد قاصرًا على المستوى النفسي فقط وإنما العضوي أيضاً. ما يعني تغيراً في حجم المخ، بحيث يصبح أصغر منه بالنسبة لمن لم يتعرضوا إلى مثل هذه الظروف. وتغير حجم المخ يتبعه بالضرورة تأثير سلبي على معامل ذكاء الطفل IQ.

جاءت هذه النتائج بناء على مسح تم إجراؤه على مجموعة من الشباب الذين يقيمون في إنجلترا. وكانوا في الأصل أطفالاً يتامى من رومانيا تم تبنيهم من قبل عائلات إنجليزية في بدايات تسعينات القرن الماضي. وقد أوضح الخبراء أن هؤلاء الشباب وعلى الرغم من نشأتهم في عائلات تحيطهم بالحب والاهتمام، فإن الإهمال الذي تعرضوا له أثناء طفولتهم قد ترك أثره على نمو المخ وتطوره. وهو الأمر الذي أدهش الفريق البحثي من جامعة كينغز كوليدج لندن! خصوصاً مع وجود كثير من الدراسات السابقة التي تم إجراؤها على أطفال الملاجئ والتي تشير إلى قدرة الأطفال على تجاوز تراجع القدرات الإدراكية أثناء فترة الحرمان لاحقاً إذا تحسنت ظروفهم الحياتية.

كما أوضح الباحثون أن الذكريات السيئة قد تكون غير قابلة للعلاج حتى في ظل أفضل الظروف والرعاية لاحقاً. وأكدوا على لعب عدة عوامل أدواراً هامة في حدوث التغيرات الدائمة في المخ، ومنها سوء التغذية في الملاجئ، والعزلة الاجتماعية، وغياب الرعاية الكافية. ما أدى إلى إصابة بعضهم بأمراض عصبية مثل اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD). كما عانوا في البلوغ من القلق والاكتئاب. [6]

تجربة الشباب الرومانيون والتغيرات في نمو وحجم الدماغ

مسح الباحثون عن طريق استخدام أشعة الرنين المغناطيسي صور الأشعة لـ 67 شاب روماني ممن قضوا فترة من طفولتهم في الملاجئ والإصلاحيات في بلادهم وقت الديكتاتورية. وتتراوح أعمارهم الآن بين 23 و28 عاماً. وجميعهم قضوا فترات مختلفة في الملاجئ تتراوح بين 3 شهور وحتى 41 شهراً، قبل أن يتم تبنيهم جميعاً للأسر الإنجليزية.

وفي المقابل، قام الباحثون بمقارنة هذه الأشعة مع 21 من البالغين الآخرين من أصول إنجليزية. وتتراوح أعمارهم بين 23 و26 عاماً (الفئة العمرية نفسها)، وكان هؤلاء أيضاً قد تم تبنيهم من قبل أسر في المملكة المتحدة حينما كانوا في عمر 6 شهور. ولذلك لم يتعرضوا لمثل الظروف الصعبة في الملاجئ في بداية حياتهم. فكانت النتيجة أن حجم المخ في الشباب ذوي الأصول الرومانية أقل بنسبة 8.6 % من أقرانهم الإنجليز.

النتائج

كانت الملاحظة تبعاً للأشعة أنه كلما زادت الفترة التي قضاها الأطفال الرومانيون في الملاجئ كان حجم المخ أقل من أقرانهم الذين قضوا فترات أقل. وفي المتوسط، كان قضاء شهر أكثر في الملجأ يسهم في خفض حجم المخ بنسبة بلغت 0.27 %. وهو الأمر الذي يعني أن كل يوم من الحالة النفسية السيئة يمر على الطفل، له أثر عضوي بالغ على حجم المخ حتى لو كان طفيفاً. وهذه التغيرات العضوية تبعتها تغيرات إدراكية وقدرات عقلية تمثلت في خفض معدلات الذكاء. ما يعني أن المعاملة السيئة للطفل يمكن أن تؤثر على مصيره الدراسي وتفكيره وقرارته المستقبلية حتى بعد التعافي بفترة طويلة.

 

دراسات أخرى مشابهة

بيّنت أيضاً دراسات أخرى وجود ارتباطات بين الدخول المبكر إلى دور الرعاية والبنية/الوظيفة العصبية.

تم قياس أحجام المادة الرمادية والبيضاء باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الهيكلي في دراسة تمت على المتبنين الإنجليزيين والرومانيين. [7]

لوحظ صغر حجم المادة البيضاء والرمادية لدى 14 مراهقاً ممن دخلوا إلى دور الرعاية سابقاً وتم تبنيهم من رومانيا إلى المملكة المتحدة بالنسبة إلى 11 شخصاً لم يتم إدخالهم إلى دور الرعاية تم تبنيهم من المملكة المتحدة بشكل ملحوظ، حيث كان يعادل عمر المجموعتين 16 سنة عند التصوير. [7]

أشارت هذه الدراسة أيضاً إلى حجم حُصين أيسر غير مصحح أصغر (بالنسبة لحجم الدماغ الكلي) وحجم جسم لوزي أيمن أكبر بين الأطفال الذين تم إدخالهم إلى دور الرعاية سابقاً. [7]

أشارت دراسة أخرى تمت على 34 طفلاً تم إدخالهم إلى دور الرعاية وتبنيهم في الولايات المتحدة (متوسط عمر يعادل 8.4 سنة) و28 طفلاً يعيشون في الولايات المتحدة مع عائلاتهم الحقيقية بالولادة (متوسط عمر يعادل 9.4 سنة) إلى عدم وجود حُصين أصغر أو جسم لوزي أكبر بين هذه المجموعات، ومع ذلك، فإن حجم الجسم اللوزي كان أكبر عند الأطفال الذين تم تبنيهم بعد عمر 15 شهراً بالنسبة إلى الحجم الكلي للدماغ. [7]

هل تبقى الشخصية عالقة في مرحلة الطفولة المبكرة؟

على الرغم من اقتراب أبحاث علم النفس التنموي وطب الاطفال وعلم الأعصاب من استنتاج مفاده أن السنوات الخمس الأولى كانت حاسمة بشكل خاص في تكوين شخصية الفرد وذكائه، إلا أنه لا يوجد موعد نهائي حاسم للتطور الاجتماعي أو المعرفي البشري. إذ أن الدماغ يكون في حالة تتطور طوال حياة الفرد. حيث يمكن للأطفال الذين نشأوا في منازل مسيئة على سبيل المثال أن ينموا ويكبروا ليصبحوا أصحاء عاطفيًا. ويمكن للبالغين الذين عانوا من القلق والتوتر ومشكلات أُخرى لفترة طويلة أن يتعلموا التغيير من خلال العلاج النفسي والعلاج السلوكي المعرفي. [2]

بالنهاية فإن رعاية الطفل في سنواته الخمس الأولى تعد أمر جوهري ليصبح فردًا صالحًا يتمتع بصحة جيدة وشخصية سليمة متوازنة ومستعدة لمواجهة العالم. فقدموا كل ما أوتيتم من حب وعطف ودفء لطفلكم. واجعلوه يشعر دائما أنكم هنا بجانبه، وشاركوه اللعب والأنشطة. امنحوا أطفالكم وقتكم وانخرطوا معهم بشكل مثمر. اهتموا بغذاء صحي ومتوازن لطفلكم من أجل نمو سليم وجسم صحي. قدروا طفلكم وكافئوه على كل مساعيه، فذلك يشجع الطفل على مواجهة تحديات أكبر في الحياة. وحافظوا على بيئة آمنة سليمة ومتوازنة لينشأ ويترعرع في أحضانها.

المصادر

1- Raising Children Network

2- Psychology Today

3- NSW Government

4 – Unicef

5- Harvard

6 – Columbia University

7 – The Rockefeller University

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


علم نفس

User Avatar

Mjdoleen Tuleyli


عدد مقالات الكاتب : 1
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق