- الأرسطية والفلسفة السكولائية، توما الإكويني نموذجًا
- فرانسيسكو سواريز ومحاولة تفسير أرسطية أخيرة
- اختلاف أرسطو وديكارت في تفسير الظواهر
- كيف هدم ديكارت الفكر الأرسطي؟
- تحديات النموذج الديكارتي
- صراع ويليام هارفي وديكارت، صدام بين التجريبية والعقلانية
- الملاحظة والتجريب عند فرانسيس بيكون
- الأدوات العلمية عند كافنديش وروبرت هوك
- النظرية والتجربة عند بويل وهنري مور ونقد الفرضية العلمية
الأرسطية والفلسفة السكولائية، توما الإكويني نموذجًا
يريد الثوار التغيير، بل وقلب كل الأنظمة واستبدالها بأخرى جديدة. هكذا أراد الثوار الفرنسيون الإطاحة بالنظام الملكي واستبداله بالجمهورية. لذلك، إذا كنت ممن يعرفون بوجود ثورة علمية في القرن السابع عشر، وتود معرفة بدايات تلك الثورة العلمية بداية من توما الأكويني وحتى اكتمالها على الفكر الأرسطي، فهناك سؤالان نحتاج إلى طرحهما.
السؤال الأول هو، ما الذي أراد علماء القرن السابع عشر استبداله؟ والثاني، ما الذي أرادوا استبداله به؟
سننظر في أول هذه الأسئلة في هذا المقال. ما الذي أراد العلماء الأوائل استبداله؟
الإجابة المختصرة على هذا السؤال هي أنهم أرادوا استبدال “الفلسفة المدرسية” أو السكولائية. نعني بالفلسفة المدرسية هنا فلسفة مدارس أو جامعات العصور الوسطى.
محتويات المقال :
الفلسفة المدرسية – الفلسفة السكولائية
تتضمن الفلسفة المدرسية مجموعة واسعة من التخصصات من المنطق والأخلاق إلى ما يسمى بـ “الفلسفة الطبيعية”، أو ما نسميه العلم. تابعت الفلسفة الطبيعية المدرسية السير على نهج المفكر اليوناني أرسطو. [1]
في العصور الوسطى، كان يُشار أحيانًا إلى أرسطو بـ”الفيلسوف”، وقد طور مفكرو العصور الوسطى مثل توما الأكويني أفكارهم الخاصة من خلال البناء على أفكار أرسطو.
دعونا نلقي نظرة فاحصة على الفلسفة الطبيعية الأرسطية التي هيمنت على جامعات العصور الوسطى. ربما تكون أفضل طريقة للقيام بذلك هي النظر إلى واحدة أو اثنتين من الظواهر الطبيعية والسؤال عن كيفية تحليلها لمفكر من العصور الوسطى مثل توما الأكويني. لذا أولاً وقبل كل شيء، فكّر في تحول اليرقة إلى فراشة.
الفلسفة المدرسية عند توما الأكويني
وفقًا لتوما الأكويني، نحن نتعامل هنا مع حالة أسماها “التغيير الجوهري”، وهي عملية تغيير حيث تتوقف مادة ما عن الوجود وتظهر مادة أخرى إلى الوجود، فعندما تتحول اليرقة إلى فراشة، تختفي اليرقة من الوجود ولكن تأتي الفراشة إليه. [2]
بمجرد ظهور الفراشة، لن تبقى على حالها أيضًا، ولكن ستتغير بعدة طرق أخرى. على سبيل المثال ستنمو الفراشة، وقد يتغير لونها، لكن هذه تغييرات أقل جذرية بكثير من تحوّل اليرقة إلى فراشة، فالتحول هنا بمثابة التغيير الجوهري عند توما الأكويني.
دعونا نقارن بين الحالتين. عندما تتحول اليرقة إلى فراشة، تختفي اليرقة من الوجود. لكن، عندما يتغير لون الفراشة، فإنها تنجو من هذا التغيير، ولا تختفي من الوجود، أليس كذلك؟
في الواقع، تغيّر اللون هو ما أطلق عليه الأكويني “تغيير عَرَضي”، حيث يحدث تغير في مستوى الخصائص العَرَضية. يمكن توضيح هذا التمييز بين التغيير العرضي والجوهري بشكل أكبر من حيث الأشكال العَرَضية والجوهرية.
التغيير العَرَضي والتغيير الجوهري عند توما الأكويني
وفقًا لتوما الأكويني، فإن الجسد الطبيعي جزء من المادة، تَكوّن بواسطة ما أسماه بـ “الشكل الجوهري”. [3] والشكل الجوهري للجسم هو المبدأ، وهو ما يجعله الجسم الذي هو عليه. الشكل الجوهري للجسم هو ما يجعله يتحرك ويتصرف بطرق مميزة. قد نلخص الأمر بأن الشكل الجوهري للجسم يشبه بشكل ما المُحرك الداخلي المتحكم في كل شيء.
اليرقة في مثالنا السابق هي جزء من المادة، والشكل الجوهري هو ما يكوّنها، مما يجعلها تبدو مثل يرقة، ورائحتها مثل يرقة، وتتحرك وتتصرف كيرقة. أُعيد تكوين هذا الجزء نفسه من المادة بشكل جوهري جديد، مما جعلها تبدو مثل الفراشة، ورائحتها مثل الفراشة، وتتحرك وتتصرف كالفراشة.
في الواقع، عندما أعيد تكوين نفس الجزء من المادة بهذه الطريقة، اختفت اليرقة من الوجود، ولكن ظهرت الفراشة بدلًا منها. فالفراشة لا تتحرك كاليرقة ولا تتصرف مثلها، ولكن أصبح لها محرك داخلي جديد بصفات جديدة.
يمكن إسقاط نفس التحليل على التغيير العرضي. عندما تظهر الفراشات للوجود، ستخضع كل مُركّب المادة والشكل الجوهري لمزيد من التغيرات التي أسماها الأكويني “الأشكال العرضية”.
تُمثل هذه النماذج العرضية الخصائص المؤقتة التي تمتلكها الفراشة في أي لحظة زمنية معينة. فهو يفسر حجم الفراشة ولونها وشكلها المحدد وفقًا لمبدأ الأشكال العرضية. عندما تتغير ألوان الفراشة من اللون الأزرق مثلًا إلى الأحمر، سيفسر الأكويني هذا التغيير بأنها تفقد شكلاً عرضيًا وتكتسب شكلًا عرضيًّا آخر.
مارس التفكير الأرسطي بنفسك
الآن، أنت أصبحت على دراية بمفهومين أساسيين للفلسفة الطبيعية الأرسطية وهما، المادة والشكل. وفقًا لهذه المفاهيم، يمكنك الآن محاولة صياغة تحليلات أرسطية للظواهر الطبيعية بنفسك.
فكر من حيث المادة والشكل في تحليلات لأحداث مثل حرق قطعة خشب وتحول تفاحة حمراء إلى بنية.
كيف ستفسر الحالات السابقة إن كنت أرسطيًّا؟
لقد قدمت للتو تحليلات أرسطية من حيث المادة والشكل بنفسك عندما فكرت في تحول قطعة من الخشب إلى رماد وتحول تفاحة حمراء إلى اللون البني.
سننظر بإيجاز في هاتين الحالتين ببعض التفصيل. عندما تتحول قطعة من الخشب إلى رماد، يقول الأرسطيون أن هذه عملية تتوقف فيها مادة (قطعة الخشب) عن الوجود، وتظهر مادة أخرى.
نحن نتعامل مع حالة تغيير جوهري. في التغيير الجوهري، يعاد تكوين المادة المختفية عبر مادة جديدة تظهر إلى الوجود. في هذه الحالة، تفقد قطعة الخشب الشكل الذي أعطاها الطبيعة الخشبية، وتكتسب شكل الرماد بدلاً من ذلك بصفات جديدة.
ثانيًا، عندما تتحول تفاحة حمراء إلى اللون البني. يتغير التفاح بالفعل، لكنه ينجو من العملية. التفاحة التي كانت حمراء في البداية هي نفسها التفاحة التي أصبحت بنية الآن. لذلك، نحن نتعامل مع حالة تغيير عرضي. في حالة التغيير العرضي، تحتفظ الأشياء بموادها وشكلها الجوهري. ومع ذلك، فهي تخضع لتغيير على مستوى الشكل العرضي فقط. في هذه الحالة، كان للتفاحة في البداية شكل عرضي جعلها حمراء، لكنها فقدت هذا الشكل مع مرور الوقت. ثم اكتسبت شكلاً عرضيًا آخر جعلها بنية اللون.
الثورة العلمية على الفكر الأرسطي
سيطر نموذج التحليل هذا للمادة والشكل على جامعات العصور الوسطى لعدة قرون. ومع ذلك، لم يرض أمثال رينيه ديكارت وروبرت بويل وقادة التنوير في القرن السابع عشر عنه، وهذا يثير سؤالين، أولاً، لماذا لم ينل هذا النموذج إعجابهم؟ وثانيًا، ما النموذج الذي رغبوا في استبدال المنهج الأرسطي به؟ وهو نفس السؤال الثاني الذي بدأنا به المقال، لكنه باق معنا لمقال آخر.
المصادر
[1] Britannica
[2] Internet Encyclopedia of Philosophy
[3] The Conversation
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :