أهم الأحداث في تاريخ الشطرنج

هذه المقالة هي الجزء 10 من 10 في سلسلة تعلم كيف تلعب الشطرنج للمبتدئين

يحظى الشطرنج بالكثير من الأحداث الحافلة، بداية من اختراعه وتسميته بالاسم الذي نعرفه حاليًا على يد العرب في القرن ال 600 بعد الميلاد، ومرورًا على تطوره واختراع قواعده، وليس انتهاءً بسيطرة أساطير وأبطال الشطرنج الذين عهدناهم تعلقنا بهم بدايةً من بول ميرفي ووصولًا إلى جاري كاسباروف وماجنس كارلسن.

في هذا المقال، سنتناول أهم ستة أحداث “أرى” أنها أثرت في تاريخ الشطرنج.

الوزير المجنون

The queen

بحلول الألفية الثانية، حدثت تغيرات جذرية في الشطرنج وقواعده. أصبحت للبيادق القدرة على التحرك مربعين إلى الأمام في حركتها الأولى. كما انتشرت تركيبة اللون الفاتح والداكن المعتادة في الشطرنج. لكن التغير الثوري في قواعد اللعبة كان يتعلق بالملكة، أو بالوزير كما نسميه في عالمنا العربي.

في عام 1450، حصل هذا التغيير الثوري. أراد بعض اللاعبين أن يجعلوا اللعبة أكثر حماسًا، فماذا فعلوا؟ بالتأكيد أزالوا القيود التي تكبل الملكة. حركة الملكة -الوزير- كانت عبارة عن حركة قطرية واحدة وهذا ما لا يتمناه أي لاعب للشطرنج. تغيرت هذه القاعدة وأصبحت للملكة حرية الحركة في جميع الاتجاهات. الحركة التي نعرفها اليوم، الحركة التي تجمع بين حركتي القلعة والفيل والتي تعطي للملكة هيبتها وتجعلها أقوى قطعة على الرقعة. [1]

الشطرنج والوقت

Time in chess

دعني أسألك سؤالًا: ما متوسط المدة التي قد يقضيها لاعب الشطرنج في الدور الكلاسيكي؟ ساعة؟ ساعتين؟ ثلاثُ ساعات؟ كلها إجابات منطقية، ولكنها لا تقارن بالأربعة عشرة ساعة التي كان يقضيها اللاعبون في أدوراهم في بدايات القرن التاسع عشر. مع ستينيات ذلك القرن، أتى الحل النهائي، ساعات الشطرنج.

في 1861، تم تقديم الساعات الزجاجية إلى اللعبة، وظل الأمر في تطور ملحوظ إلى أن وصل إلى الساعات الإلكترونية في 1964. هذه الساعات دقيقة لدرجة تسمح للاعبين بأن يلعبوا في الشطرنج الخاطف والبوليت والذين يلعبان في أوقات صغيرة جدًا؛ 3 دقائق ودقيقة على الترتيب.

وبسبب ارتفاع أسعار تلك الساعات، تم إتاحة الكثير من التطبيقات على الهواتف الذكية والتي توفر نظام الساعات في الشطرنج وبالمجان. [1]

أول بطل عالم في الشطرنج

بعد الفوز على الأستاذ البولندي الكبير يوهانس زوكيرتور، توُج النمساوي الأمريكي ويليام ستاينتز بأول بطولة عالم رسمية في تاريخ الشطرنج عام 1886.

لم تأت هذه البطولة من فراغ، فبعد أن تعرف أن سبب تسمية ويليام ستاينتز ب”أبو الشطرنج الحديث”، ستتأكد من استحقاقه لهذا الإنجاز الغير مسبوق. ساهم ستاينتز في تطوير الشطرنج، وبالأخص أسلوب لعبه، فقبل مباراته مع زوكيرتور بثلاثة سنوات، استحدث بطلنا أسلوب لعب موقفي لا يقهر.

أصبح يهتم بمواقع قطعه وبناء جيش من القطع يضمن له الفوز عن طريق استغلال أقصى قدرات قطعه بوضعها في الأماكن الصحيحة. اهتم بالبناء البيدقي، وميزة الفيلين، ومربعات الأحصنة الضعيفة، وكل هذا سبق وذكرناه في المقالات السابقة.

اتُهم بالأسلوب الممل، ولكن سرعان ما انتهج الكثيرون طريقة لعبه التي تعتمد على الاستراتيجية واللعب على المواقف بعد أن أثبت هذا الأسلوب فعاليته. [1]

أمريكا ضد السوفييت: فيشر ضد سباسكي

لم تكن هذه المباراة مجرد تنافس على رقعة الشطرنج، بل كانت ضمن سباق الحرب الباردة التي نشبت بين القوتين الأعظم في العالم وقتها، الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. كانت هذه المباراة محط أنظار العالم عمومًا وعاشقي الشطرنج خصوصًا. ولمعرفة المزيد عما وراء الكواليس، ننصحك عزيزي القارئ بمشاهدة فيلم Pawn sacrifice.

على أية حال، لم يتعلم بوبي فيشر قواعد الشطرنج قبل سن السادسة، ولم ينل لقب “الأستاذ الكبير”، وهو أكبر لقب في الشطرنج، قبل الخامسة عشرة من عمره ليصبح بذلك أصغر من يحمل هذا اللقب وقتها.

بعد مباراة دامت لأكثر من 20 جولة، وحدث بها الكثير من الإثارة مثل عدم حضور فيشر لأول جولة في المباراة، تمكن اللاعب والرمز الشطرنجي الأمريكي، بوبي فيشر، من هزيمة بوريس سباسكي في سباق النفس الطويل هذا بنتيجة 12.5: 8.5، وقتها وصل فيشر لقمة عطاءه وأبهر العالم بأسلوبه الفريد ليصبح أشهر لاعب شطرنج أمريكي، ومن أشهر اللاعبين في تاريخ اللعبة، وأفضل لاعب شطرنج على مر التاريخ من وجهة نظر الكثيرين. [2]

عصر الذكاء الاصطناعي

كنا قد تحدثنا في هذا المقال عن الصراع بين الإنسان والآلة وعن تفاصيل هزيمة حاسوب IBM ديب بلو لبطل العالم في الشطرنج وقتها، جاري كاسباروف.

هذا الحدث زعزع الوسط الشطرنجي وقتها وأنذر بانتهاء سيطرة البشر وبداية حقبة جديدة من استيلاء الآلة والحواسيب على عرش الشطرنج.

في عام 1989، طورت شركة IBM حاسوبًا لينافس بطل العالم وقتها جاري كاسباروف ويهزمه. ذلك بعد أن قال كاسباروف: “لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه قبل أن يصبح الإنسان في أفضل أيامه غير قادر على هزيمة أفضل جهاز كمبيوتر.”

وبالفعل، في أول مواجهتين بين كاسباروف والكمبيوتر ديب بلو، تمكن كاسباروف من هزيمته في المباراة الأولى التي تكونت من 6 أدوار، كما هزم بطل العالم الحاسوب ديب بلو مرة أخرى عام 1996، لكن في 1997 كانت المفاجأة؛ هزم ديب بلو بطل العالم. طورت الشركة الحاسوب وجعلته قادرًا على حساب 200 مليون موقف شطرنجي في الثانية فاستطاع هزيمة كاسباروف بنتيجة 3.5 – 2.5.

في عصرنا الحالي، أصبحت الحواسيب لا تقهر. ديب بلو الذي هزم كاسباروف لا يستطيع الصمود أمام حواسيب اليوم ولا أمام الذكاء الاصطناعي. [3]

هيمنة ماجنس كارلسن

ماجنس كارلسن هو اللاعب الأعلى تصنيفًا في التاريخ وبالنسبة للكثيرين هو أفضل لاعب في تاريخ الشطرنج. هذا العبقري الأنيق استولى على عالم الشطرنج منذ 2013. إلى الآن، لا يوجد أحد قريب من مستواه. من الطبيعي أن تتقلب مستويات اللاعبين مثل أمواج البحر، ولكن كارلسن لا تنطبق عليه تلك القاعدة.

في 2013، استطاع ماجنس هزيمة بطل العالم فيشواناثان أناند بأسلوبه الهادئ وفهمه العميق للشطرنج. في أية بطولة يكون هو المرشح الأساسي للفوز بها. يتميز كارلسن بالتنوع والابتكار وإخراج الخصوم من تحضيراتهم الطبيعية ليلدغهم بتكتيكاته الخاصة ولعبه الذي يعتمد على المواقف. حساباته غير طبيعية وقدرته على الدفاع لا نظير لها.

تنتظر كارلسن مواجهة على بطولة العالم في شهر نوفمبر من العالم الحالي 2021 أمام الفائز ببطولة المرشحين، الروسي إيان نيبومنياتشي، لكن من غير المرجح أن يُهزم ماجنس. [1]

المصادر:

1- Chess.com
2- BBC
3- Chessbase

الشطرنج بين الإنسان والآلة: مباراتان حسمتا الصراع

هناك صراع بين الانسان والآلة منذ بداية الثورة الصناعية في جوانب عديدة، أهمها الجانب العقلي. أحد معايير هذا الجانب لدى البشر هو الشطرنج، ومنذ بداية اللعبة والبشر في تقدم هائل تنافسيًا وفكريًا. ولكن مهما تقدمنا فكريًا -كبشر- فلن نتمكن من الشطرنج واحتمالاته، فالشطرنج به عدد هائل من الاحتمالات والنقلات التي تفوق البشر فكريًا، فهناك 10123 احتمال في دور الشطرنج المكون من 80 نقلة [1]. فهل ستتمكن الآلة من حصر كل هذه الاحتمالات؟ وما قصة الشطرنج بين الإنسان والآلة؟

تاريخ الآلة مع الشطرنج

البداية الأولى

بدأ الأمر في القرن التاسع عشر، تحديدًا 1890، عندما قام العالم الاسباني، ليوناردو توريس كيوفادو، باختراع جهاز بسيط مكون من سلك ومفتاح ودائرة كهربية. كان هذا الجهاز قادرًا على إعطاء “كش مات” في مرحلة نهاية الدور المكونة من ملك ضد ملك وقلعة. لم يلعب الجهاز أفضل النقلات، بل إنه كان يحتاج إلا أن يلعب حوالي 50 نقلة ليصل إلى مستوى اللاعب المتوسط.

على الرغم من إمكانيات الجهاز المتواضعة، إلا أنه استطاع أن يكشف الحركات غير القانونية في اللعبة، مثل تحريك القلعة على الوتر، وكان يعطي “كش مات” في نهايات بسيطة معينة. ليوناردو اكتشف أن الجهاز ليس له هدف عملي، ولا يستطيع تكوين خطة بسيطة، ولكنه آمن بقدرات الآلة على التحسن.

استمر الأمر كما هو عليه حتى الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1947، قام آلان تورينج بتطوير جهاز إلكتروني بسيط في جامعة مانشستر. كان للجهاز القدرة على التنبؤ بالنقلة القادمة وتحليلها. وفي عام 1951، أي بعد تورينج بأربع سنوات، قام زميل له يدعى “دي. جي بينز” بكتابة برنامج له القدرة على حل موقف شطرنجي يتطلب “كش مات” في نقلتين، ولكنه لا يلعب الشطرنج. [2]

القفزة الأولى للآلة

في عام 1948، قام عالم أمريكي يدعى “كلود شانون” بنشر ورقة علمية استرعت الكثير من الانتباه. كان شانون، مثل تورينج وليوناردو توريس، يعرف قدرات الآلة وما يمكنها فعله. وكان يعلم انه لكي تتمكن الآلة من صنع الفارق في الشطرنج، فعليها أن تقوم ببعض الحسابات التعجيزية للبشر. لاعب الشطرنج المحترف له القدرة على حساب 50 نقلة على الأكثر قبل اختياره لنقلة معينة، أما الآلة فيجب أن تقطع شوطًا أكبر من هذا بكثير. ففي موقف شطرنجي طبيعي، قد يتاح للاعب أن يختار نقلة من 30 نقلة قانونية، وبما أن لكل نقلة رد معين، فيجب أن تدرس الآلة كل هذه الردود لتصل للمستوى المطلوب، هذا يعني 900 نقلة، وإذا أرادت الآلة إيجاد رد مناسب للرد الذي سيلعبه الخصم، فيجب أن تدرس 30 نقلة أخرى (بافتراض أن ذلك عدد النقلات الذي سيتاح)، هذا يعني 30*30*30 = 27000 نقلة!

كان تقييم كلود للآلة يختلف عن تقييم تورينج. تورينج رأى أن الأمر يعتمد على كثرة القطع بعد وضع شطرنجي معين، أما كلود فرأى أن الأمر لا يعتمد على القطع، بل على معايير أخرى، مثل سيطرة البيادق على الرقعة، ووضع القطع السليم وتناسقها مع بعضها البعض. [2]

الانسان ضد الحاسوب

أما عن أول مواجهة بين الانسان والحاسوب، فكانت في ستينيات القرن الماضي، عندما اخترع طالب في جامعة MIT، الحاسوب “ماك هات6” وشارك به في بطولة تابعة للاتحاد الأمريكي للشطرنج في فبراير، عام 1967. خسر الحاسوب في أربع مباريات، ولكنه تعادل في واحدة. الأمر المخيف هو تطور ذلك الحاسوب بسرعة ملحوظة، حيث كان تقييم الحاسوب في شهر فبراير حوالي (1200) ولكن بعدها بشهرين أصبح تقيمه (1600) تقريبًا، وهذا تقييم لاعب متوسط في الاتحاد السوفيتي. [2]

القفزة الثانية للآلة (الحاسوب)

عام 1970، طور فريق من الباحثين (تشيس 3)، والذي فاز بالبطولة التي نُظمت في نيويورك بين الآلة. كانت حواسيب الستينات لها القدرة على تقييم المواقف التي تعتمد على حركتين قادمتين، أما في السبعينات فكان الأمر مختلفًا، حيث تنبأ الباحثون أنه بدراسة نصف نقلة فقط، سيزيد تقييم الآلة إلى 250 نقطة. تطور الأمر عندما ظهر الحاسوب Deep thought، والذي لعب بتقييم 2700، وهو تقييم الأساتذة الكبار في الشطرنج. النقلة النوعية كانت بظهور Deep Blue، وهو حاسوب طورته شركة IBM، ظهر عام 1996، وكان النسخة المطورة من Deep thought، ليس هذا فحسب، Deep Blue، استطاع أن يحسب ويحلل 6 نقلات مسبقًا! جاري كاسباروف، وهو أفضل لاعب في التاريخ من وجهة نظر الكثيرين، قال إنه يستطيع أن يحسب فقط من ثلاث إلى 5 نقلات ويحللها مسبقًا. [2]

الشطرنج بين الإنسان والآلة: كاسباروف ضد ديب بلو

10 فبراير 1996، هو تاريخ هزيمة بطل العالم “جاري كاسباروف” وأقوى لاعب في التاريخ -وقتها- أمام حاسوب IBM “ديب بلو”.  [3]

لعب كاسباروف مباراتان أمام ديب بلو، كل مباراة مكونة من 6 أدوار. المباراة الأولى كانت عام 1996، وفي الواقع، فاز كاسباروف على الآلة في هذه المباراة. [4]

الأغلبية العظمى من جمهور الشطرنج لا يعرفون هذه المعلومة، ولكن الحقيقة أن كاسباروف بالفعل هزم ديب بلو في المباراة الأولى عام 1996، بنتيجة 3-1 لكاسباروف. [4]

أما في المباراة الثانية فاز ديب بلو وهذه المباراة هي التي نالت نصيب الأسد، وهذا دليل على شيئين، الأول هو قوة كاسباروف كلاعب شطرنج، فلو كان عاديًا لما فاز في المباراة الأولى ولم يكن ليحظ بكل هذا الاهتمام. الشيء الثاني وهو الأهم: الآلة قادمة! [4]

ليس بالضرورة أن الآلة تفوقت على البشر، وبالحديث عن الشطرنج بين الإنسان والآلة، نجد أنه حتى في ظل الذكاء الاصطناعي الموجود حاليًا، والحواسيب الشطرنجية الخارقة مثل ألفا زيرو (ذكاء اصطناعي)، وستوك فيش، وكومودو، وغيرهم. بالطبع تتفوق الآلة في بعض الجوانب مثل انعدام المشاعر، ولكن هل هذه ميزة أم عيب؟ الأمر نسبي. على الجانب الآخر، نحن البشر نملك زمام الأمور، على الأقل حاليًا، وكما قال كاسباروف “لماذا يجب أن نقارن بين الآلة والانسان؟ بالعكس، يجب أن نعمل معًا” [5].

المصادر

  1. Scientific American
  2. Britannica
  3. The Washington Post
  4. Kasparov
  5. Garry Kasparov Ted Talk
Exit mobile version