هل سيعتبر العلم الحديث الفيروسات كائنات حية؟

شكل اعتبار الفيروسات حية من عدمه جدلية واسعة عبر الزمن ولا يزال. ولنفهم جوانب هذا النقاش لابد لنا من الإجابة عن سؤال آخر لا يقل أهمية.

كيف تعرف العلوم المختلفة الحياة؟ وما هي نقاط الضعف في كل منها؟

يعرف علم الاستقلاب Metabolism الأنظمة الحية بأنها كائنات ذات حدود واضحة، فهي تتبادل بعض المواد مع محيطها لكن دون أن تغير صفاتها العامة، على الأقل خلال فترة زمنية معينة.

إلا أن هذا التعريف لا يخلو من الاستثناءات، حيث تبقى بعض الأبواغ والبذور على سبيل المثال خاملة دون نشاط استقلابي لمئات وربما آلاف السنين في درجات الحرارة المنخفضة، لكنها سرعان ما تستعيد نشاطها هذا عند تواجد ظروف بيئية ملائمة.

ولكن ماذا عن احتراق الشمعة؟! أليس للهب شكل محدد وحدود واضحة؟! بل وأليس يحافظ على هذه الحدود من خلال استقلابه لماده الشمع العضوية وجزيئات الأكسجين المحيطة منتجا بذلك ثاني أوكسيد الكربون والماء؟! هل يمكننا أن نقول إذا أن لهب الشمعة حي؟!

يدفعنا هذان المثالان الجدليان للتفكير مليا قبل القول أن التعريف السابق كاف للإجابة عن معنى الحياة.

فيما يعرف علم وظائف الأعضاء Physiology الحياة بأنها أي نظام قادر على أداء وظائف مختلفة مثل الأكل والتمثيل الغذائي والإفراز والتنفس والحركة والنمو والتكاثر والاستجابة للمنبهات الخارجية.

مجددا، لا يخلو هذا التعريف من المشاكل الجدلية التي تؤثر على كفايته ودقته. حيث أن العديد من الخصائص سابقة الذكر غائبة عن بعض الكائنات مثل بذرة الشجرة الخاملة ذات الغلاف القاسي والتي ندعوها جميعا بالحية، فيما أننا قد نجدها في العديد من الآلات التي بالطبع لن يرغب أحدنا بتسميتها كائنا حيا!!

تنظر الكيمياء الحيوية للكائنات الحية على أنها أنظمة تحوي معلومات وراثية قابلة للتكاثر مشفرة ضمن جزيئات الحمض النووي، وتقوم بعملية الاستقلاب عن طريق التحكم في معدل التفاعلات الكيميائية باستخدام المحفزات البروتينية المعروفة باسم الإنزيمات.

قد يكون هذا التعريف أكثر إرضاءً من التعريفات الفسيولوجية أو الاستقلابية للحياة إلا أن الأمر لا يخلو من الأمثلة الخلافية. تفتقر البريونات وهي عوامل شبيهة بالفيروسات إلى الأحماض النووية، إلا أن الأحماض النووية الخاصة بالخلايا الحيوانية المضيفة قد تكون متورطة في تكاثرها.

في مثال آخر، يمكن لجزيئات الحمض النووي الريبي (RNA) أن تتكاثر وتطفر ومن ثم تستنسخ طفراتها في أنابيب الاختبار وذلك على الرغم من أنها ليست حية في حد ذاتها!

علاوة على ذلك، فإن تعريفا مقتصرا على المصطلحات الكيميائية لوحدها يعتبر ضعيفا.

نلاحظ من خلال استعراضنا السابق أنه لا يوجد إلى الآن جواب حاسم ودقيق عن معنى الحياة، وربما يكون هذا أحد الجوانب المساهمة في الخلاف حول الفيروسات.

إذا، هل الفيروسات كائنات حية؟!

يعتبر D.David Bhella أستاذ علم الفيروسات البنيوي أن محاولة إيجاد تعريف دقيق لـ “الحياة” ليس لها قيمة عملية تذكر، ولكن من الممتع بالنسبة له التفكير بذلك.

ويعتقد بأن الجدلية حول كون الفيروسات حية من عدمها غالبا متجذرة في إجابتها ضمن علم الأحياء التطوري والفرضيات حول أصول الحياة. حيث يمكن لجميع الكائنات الخلوية أن تدعي نسبًا مباشرًا لخلية أو خلايا بدائية من خلال العودة لسلسلة مستمرة من الانقسامات الخلوية التي مرت بها. فهل الفيروسات قادرة على ادعاء أصل مماثل؟

إضافة لتساؤل D.behella يضيف علماء الأحياء الدقيقة تساؤلا آخر حول إمكانية مساهمة الفيروسات في تطور الكائنات الحية الأخرى، مما سيعزز من كونها كائنا حيا كذلك.

للإجابة عن هذه التساؤلات، فلنخض رحلة قصيرة في عالم تطور الكائنات الحية والفيروسات.

اقترحت نظرية التطور لأول مرة بناءً على الملاحظات البصرية للحيوانات والنباتات.ثم ساعد اختراع المجهر الضوئي في النصف الأخير من القرن التاسع عشر العلماء على البدء باستكشاف العالم الشاسع للكائنات غير المرئية، والتي أطلق عليها لويس باستور اسم الأحياء الدقيقة Microbes. مما أدى إلى إعادة التفكير في تصنيف الكائنات الحية.

حيث اقترح من قبل كارل ويز وعلماء آخرين في منتصف السبعينيات تصنيف جديد للكائنات الحية، استنادا على تحليل جيناتها الريبوزومية، يقسمها إلى: حقيقيات النوى والبكتيريا وبدائيات النوى.

وعلى الرغم من أن الفيروسات كانت مرئية في ذلك الوقت باستخدام المجاهر الإلكترونية إلا أنها تركت خارج شجرة الحياة لأنها لم تكن تمتلك الجينات الريبوزومية المستخدمة عادة في التحليلات الجينية.

حاليا، ومع ظهور تسلسل الجينوم الكامل، أدرك الباحثون أن معظم الكائنات الحية تحتوي في الحقيقة على جينات من مصادر مختلفة ( حقيقيات النوى وبدائيات النوى وفيروسية على حد سواء ). هذا يقودنا إلى إعادة التفكير في التطور وفي مدى التدفق والتبادل الجيني بين العالمين المرئي والمجهري.

بعد إعادة التفكير، هل ساهمت الفيروسات في التطور؟

لقد أصبح معترفا به على نطاق واسع أن الفيروسات مكوكات للمواد الوراثية، حيث تشير الدراسات المجراة في علم الجينوم البيئي metagenomic إلى أن مليارات الفيروسات على الأرض تحتوي على معلومات وراثية أكثر من بقية العالم الحي مجتمعة. كما تقترح هذه الدراسات أهميتها على الأقل في تطور الحياة مثلها مثل جميع الكائنات الحية الأخرى على الأرض.

اكتشاف حديث في مطلع الألفية الثانية، يحمل أهمية كبرى في هذا المجال: الفيروسات العملاقة.

إن الفيروسات العملاقة Giant Viruses هي فيروسات كبيرة في الحجم كما يشير اسمها وكذلك في المخزون الجيني. إن بعضها يماثل حجما أو يكبر بعض الجراثيم الطفيلية.

يحتوي بعضها أيضًا على جينات للبروتينات الضرورية للترجمة( وهي العملية التي تقرأ من خلالها الخلايا التسلسلات الجينية من أجل بناء البروتينات). وتعتبر هذه العملية واحدة من أهم العمليات التي تقوم بها الكائنات الحية.

من ناحية أخرى، تشير البيانات المتاحة إلى أن بعض جينات الفيروسات العملاقة المحفوظة جيدًا يمكن أن تساعد في إعادة بناء التاريخ التطوري للفيروسات.

وحسب D.Didier Raoult أخصائي الأمراض المعدية والأحياء الدقيقة فإنه وجد من خلال تجميع الجينات ذات الوظيفة المعروفة ظهور أربع مجموعات لها ذخيرة جينية مختلفة تتوافق مع كل من الفيروسات العملاقة وبدائيات النوى والجراثيم وحقيقيات النوى. وبالتالي يجب أن تأخذ الفيروسات العملاقة مكانها بين الأحياء الدقيقة والأهم من ذلك بين الأحياء ككل باعتبارها الفرع الرابع من الحياة.

ويشير D.Raoult إلى إنه من خلال دمج الفيروسات العملاقة في الأشجار الوراثية سنكون قادرين على البدء في فهم دورها أكثر في تطور الحياة.

قد تكون الفيروسات عراب العالم الحديث!!

يعتقد D. Patrick Forterre رئيس قسم الأحياء الدقيقة في معهد باستور ومجموعة من العلماء الآخرين بأن الحمض النووي الريبي منقوص الأوكسجين DNA صنع بواسطة الفيروسات، مما ساعد في تحويل العالم من كائنات مستندة على RNA إلى آخر أصبح فيه DNA الوحدة الرئيسية للوراثة. حيث تقترح الفرضيات العلمية أن الحمض النووي الريبي RNA هو الأساس الجزيئي للحياة الأولى على الأرض.

يقترح D.Forterre دفاعا عن فرضيته هذه أن كلا من خلايا ال RNA المبكرة وفيروسات ال RNA القديمة التي قد تكون مشتقة من هذه الخلايا المبكرة ،تعايشتا وتفاعلتا معا في ذلك الوقت، وعلى الأرجح من خلال علاقة تطفل للفيروسات القديمة على الخلايا المبكرة.

ربما طورت الفيروسات القديمة أثناء علاقة التطفل ال DNA لتحمي نفسها ضد هجمات المضيفين. في حين أن المضيف ربما قام بتطوير دفاعات خاصة مرتبطة بال RNA تحديدا وذلك لحماية نفسها من العدوى الفيروسية. انطلاقا من هذه النقطة الحساسة، لربما قامت الفيروسات أثناء استعارة المادة الوراثية للمضيف وإعادتها إليه بتمرير ال DNA الخاص بها إلى هذه الخلايا. وبما أن ال DNA يعتبر أكثر استقرارا فغالبا تم تفضيله بعملية الانتقاء الطبيعي.

في حين لا تزال هذه الفرضيات تحتاج للكثير من التوضيح، لكن يبدو جليا أن الفيروسات المهملة منذ فترة طويلة أساسية للإجابة عن الكثير من الأسئلة حول تطور الكائنات الحية.

بعد رحلتنا مع عالم التطور، ماذا عن التكاثر والاستقلاب؟ وكيف يجادل D.Bhella في هذا المجال؟

الفيروسات كائنات بسيطة وراثيا. حيث يبلغ أصغر الجينومات الفيروسية 2-3 كيلوبت طولا في حين أن أكبرها يصل تقريبا إلى 1.2 ميغابيت. إنها تمتلك على اختلاف أنواعها جميعًا دورة تكاثر معقدة بشكل مدهش. إنها تتكيف بشكل رائع مع المضيف لإيصال جينوماتها إلى موقع التكاثر ولديها كذلك تنظيم دقيق لشلالات التعبير الجيني.

تعمل الفيروسات أيضًا على هندسة بيئتها، من خلال تجهيز العضيات من الداخل بحيث تتمكن من التكاثر فيها بأمان، وهي سمة تتشاركها مع الطفيليات داخل الخلوية الأخرى.

“أعتقد أن الفيروسات حية للغاية، بمجرد توصيلها للبيئة المناسبة” يقول D.Behella.

تجادل وجهة النظر القائلة بأن الفيروسات ليست على قيد الحياة باعتبارها كلا من القدرة على الاستقلاب والتكاثر الذاتي تعريفان رئيسيان للحياة. فالفيروسات لاتستطيع التكاثر بدون النشاط الاستقلابي للخلية المضيفة.

لكن لا يوجد كائن حي يعتمد كليًا على نفسه. هناك العديد من الأمثلة على العضيات الحية المجبرة خلويا من بدائيات النواة وحقيقيات النوى والتي تعتمد بشكل أساسي على الأنشطة الأيضية للخلايا المضيفة. وبالمثل، يعتمد البشر على النشاط الأيضي للبكتيريا المثبتة للنيتروجين والتركيب الضوئي للنباتات وعلى نشاط الفلورا الموجودة لدينا.

يعتقد D.Bhella أن التعريف المرضي الوحيد للحياة يكمن في الخاصية الأكثر أهمية للوراثة الجينية: التطور المستقل. وفي حين أن الحياة هي عرض لمجموعة من الجينات المختصة بنسخ نفسها ضمن المجال الذي توجد وتتطور به فإن الفيروسات تحقق هذا التعريف.

المصادر:

Britannica: life

Microbiology society

The Scientist: Viruses Reconsidered

Phys.org

اقرأ المزيد:

ماذا تعرف عن عالم الفيروسات البسيط بتركيبه المُعقّد بألغازه ؟

هل يوجد اختلاف في نمط النوم بين النساء والرجال؟

تشير العديد من الدراسات إلى شيوع اضطرابات النوم عند النساء. وفيما لا يزال سبب هذه الشيوع عندهن غير واضح تماما، فمن المفيد دراسة الاختلاف بين النساء والرجال في نمط النوم كي نصل لتفسير علمي أكثر وضوحا.

حسنا، أين يكمن هذا الاختلاف؟ وما هي العوامل المؤدية إليه؟

تؤدي الاختلافات البيولوجية والصبغية بين الجنسين إلى فروقات على مستوى الخلايا والأعضاء والأجهزة في الجسم، مما سينعكس بالتأكيد على مختلف جوانب الحياة سواء أداء الوظائف أو الانفعالات أو نمط النوم. ولعل اختلاف النظم اليوماوي بين النساء والرجال، يشكل سببا رئيسيا لفروقات النوم بين الجنسين.

بداية، ما هو النظم اليوماوي؟ وما علاقته بالنوم؟

هو عبارة عن ساعة داخلية تقوم بتنظيم دورة النوم واليقظة على مدار أربع وعشرين ساعة. بمعنى آخر فأنت تشعر بالنعاس في أوقات محددة يوميا، وبالنشاط في أوقات أخرى بسبب هذه الساعة البيولوجية الواقعة تحت تأثير منطقة من الدماغ تدعى الوطاء hypothalamus.

تساهم العديد من العوامل في الحفاظ على دورة عمل طبيعية لساعتك البيولوجية، كإطفاء الإنارة من حولك أو كاستيقاظك وخلودك للنوم يوميا بأوقات محددة.

ما هي الاختلافات في النظم اليوماوي بين الجنسين وماذا ينجم عنها من اختلاف في نمط النوم؟

تتميز الساعة البيولوجية عند الرجال بأنها تعمل على مدار 24 ساعة كاملة من الوقت أو أكثر بقليل، وسطيا فإن دورة هذه الساعة لديهم أطول بست دقائق منها عند النساء. هذا يفسر أنهم أقل شعورا بالتعب عند المساء.

فيما أن دورة الساعة البيولوجية عند النساء أقل من أربع وعشرين ساعة، فهذا يفسر ميلهن للاستيقاظ مبكرا.

كما أن هذه الدورة الأقصر تعني انخفاض الطاقة بشكل أوضح مساء عند الإناث، وهذا بدوره يرتبط بارتفاع معدل إصابات العمل عند النساء العاملات ليلا.

فيما يكون أثر قلة النوم عند الرجال أوضح نهارا، حيث يؤثر على نوعية العمل.

ومن الجدير بالذكر أن الرجال أقل سرعة بالتعافي من آثار قلة النوم من النساء.

هناك أيضا اختلافات أخرى في نمط النوم جديرة بالذكر تتعلق ب:

– كمون بدء النوم:

يعرف كمون بدء النوم بأنه طول الفترة الزمنية اللازمة للانتقال من حالة اليقظة التامة إلى حالة النوم. و يتأثر بالعديد من العوامل سواء النظم اليوماوي أو عوامل بيئية أو نفسية أو دوائية.

لقد وجد أن هذا الزمن أطول عند النساء منه عند الرجال.

– موجات النوم البطيئة SWS

تعبر موجات النوم البطيئة SWS عن الطور الثالث من النوم، وهو أعمق أطوار نوم حركة العين غير السريعه NREM. ويتم قياس هذه الموجات من خلال تخطيط الدماغ الكهربائي.

تبدي النساء عددا أكبر من موجات النوم البطيء منه عند الرجال في أي وقت وفي أي عمر. كما أن عدد هذه الموجات يتناقص تدريجيا عند الرجال مع التقدم في العمر.

ما هي اضطرابات النوم الأكثر شيوعا عند النساء؟

بينت الدراسات أن النساء أكثر عرضة من الرجال لكل من الأرق ومتلازمة فرط النوم مجهول السبب وصعوبات التركيز والتذكر المرتبطة بالشعور بالنعاس والتعب المرتفع لديهن.

المصادر:

National Sleep Foundation: How Sleep Is Different for Men and Women

NCBI: Exploring Sex and Gender Differences in Sleep Health: A Society for Women’s Health Research Report

American Academy of Sleep Medicine

Nature.com: slow wave sleep

اللقاحات، إلى أين تعود أصولها؟ وهل شكل الجدري بداية عصرها؟

أفجع وباء الجدري البشرية تاريخيا لقرون عديدة، وقادها كذلك لمحاولة مواجهته من خلال العديد من الممارسات الطبية البدائية التي قد تكون أشعلت أولى شرارات التمنيع. ولتتبع آثار هذه الشرارات فمن المفيد أخذ لمحة سريعة عن تاريخ مرض الجدري.

الجدري: فرضيات الظهور والانتشار

رغم أن زمن ظهور مرض الجدري في التاريخ القديم غير معروف، لكن يعتقد أنه أعلن عن نفسه أمام الإنسان حوالي عام 10000 ق.م، بما يتوافق مع وقت ظهور المستوطنات الزراعية الأولى في شمال شرق إفريقيا. و يبدو من المعقول أنه انتشر من هناك إلى الهند عن طريق التجار المصريين القدماء. حيث تم العثور على أول دليل عن وجود آفات جلدية مشابهة لتلك التي نجدها في الجدري على الوجه المحنط لمومياء الفرعون المصري رمسيس الخامس ( توفي عام 1157 ق.م ).

في الوقت نفسه وجدت معلومات عن الجدري في الثقافات الآسيوية القديمة، حيث تم وصفه في وقت مبكر في عام 1122 ق.م في الصين. كما أنه مذكور في النصوص السنسيكريتية القديمة في الهند.

أما بالنسبة لأوروبا فيعتقد أنه انتشر إليها عبر طرق التجارة في وقت ما بين القرنين الخامس والسابع، حيث كان غالبا ما يتكرر على شكل أوبئة في العصور الوسطى.

كيف حاول الإنسان القديم وقاية نفسه من الجدري؟!

كان معروفا بشكل واسع بالنسبة للإنسان القديم أن الناجين من مرض الجدري يكتسبون مناعة ضد المرض. ففي بدايات 430 ق.م كان يستدعى الناجون من الجدري لتمريض المصابين به.

فيما أن أنجح طرق الوقاية قديما كانت تعرف بالتحصين “inoculation” أو التجدير “variolation” وهو عبارة عن تعريض شخص غير مصاب بالمرض لآثار مأخوذة من آفات الجدري.

حسنا إذا، إلى أين تعود أصول التجدير؟ وماهي الطرق المتنوعة التي كان يتم من خلالها؟

هناك فرضيتان مختلفتان للأصول الأولى للتجدير:

  • تعود الفرضية الأولى بمكانها إلى الصين، إلا أنه وبسبب تكتم ممارسي التحصين الصينيين على أسرار مهنتهم فمن الصعب أن نعرف تماما كيف بدأ بشكل دقيق أو متى، وإن كانت أغلب الأدلة التاريخية الموجودة تشير إلى القرن السادس عشر.

تقريبًا في منتصف القرن السابع عشر، تم نشر أدلة توضح تقنيات التجدير. وهي ذات الفترة التي قام بها الإمبراطور Khang بتلقيح عائلته بأكملها وجيشه ومجموعات أخرى ، وتبين أنهم مروا جميعًا بجدري معتدل. اعتمدت أغلب التقنيات على نفخ المواد المستخرجة من الآفة الجلدية في أنف الشخص المراد تحصينه.

حيث كان يتم طحن القشرة الجافة للآفة إلى مسحوق. وفي أوقات أخرى كان يتم استخراج القشرة إلى الماء ، وأحيانا يتم بثق محتوى البثرة على سدادة قطنية ووضعها في الأنف.

  • أما الفرضية الثانية فتعود إلى الهند، حيث تضمنت تقنيتهم إدخال إبرة حديد حادة في بثرة الجدري ومن ثم وخز جلد المراد تحصينه بها بشكل دائري، وعادة كان يتم ذلك على أعلى الذراع.

ما هي المشاكل التي واجهها التجدير؟!

حسنا، رغم أن هذه الطريقة قد قللت من شدة الإصابة، إلا أنها لا تمنع انتقال العدوى من شخص لآخر وبالتالي قد تساهم بانتشار المرض. إضافة إلى المخاوف المتعلقة بالإصابة بالأمراض المنتقلة بالدم كالتهابات الكبد.

بسبب استمرار انتشار وباء الجدري، لم يكن أمام البشرية إلا طريقة التجدير للحد من شدة الوباء رغم مخاطرها، إلى أن أتى إدوارد جينر.

من هو إدوارد جينر؟!

طبيب إنكليزي، ولد عام 1749، و هو أول من صنع لقاحا فعالا لمرض الجدري.

جينر وحالبات البقر، القصة التي أنقذت البشرية من وباء الجدري القاتل.

بدأت القصة عندما كان جينر يراقب العاملة سارا نيلمس وهي تحلب بقرة تدعى ” بلوسوم “، لم يكن جلدها يحمل أيا من الآفات النازفة المميزة للجدري والتي تشير لخطورة الإصابة، باستثناء يديها. كان هذا النمط من الإصابة يدعى ب ” جدري البقر “. وفيما كانت سارا وزميلاتها منيعات ضد الإصابة بالجدري البشري، فإن هذا بالنسبة لجينر لم يكن مصادفة.

قام جينر في الرابع عشر من أيار عام 1796م بحقن عينة صغيرة مستخرجة من البثرات العائدة لسارا نيلمس في ذراع الطفل جيمس فيبس البالغ من العمر ثمانية أعوام.

أصيب فيبس في وقت لاحق بحمى خفيفة وحس انزعاج في الإبطين. بعد تسعة أيام من الإجراء شعر بالبرد وفقد شهيته ، ولكن في اليوم التالي كان أفضل بكثير. في حزيران 1796، قام جينر بحقن الصبي مرة أخرى، هذه المرة مع مادة من آفة جديدة للجدري البشري. وكانت النتيجة المدهشة بأن فيبس بقي سليما.

رغم أن جينر كما وجدنا ليس مكتشف التمنيع ولكنه أول من وضع أسسا علمية دقيقة له وتابع أبحاثه في هذا المجال لينقل العالم بذلك إلى حقبة جديدة، حقبة التلقيح vaccination.

المصادر:

NCBI: The origins of inoculation

History of vaccines: Early Chinese Inoculation

NCBI: Edward Jenner and the history of smallpox and vaccination

Smithsonian Magazine: The Mysterious Origins of the Smallpox Vaccine

التكنولوجيا : ما هي آثارها السلبية والإيجابية على عالم الأطفال والمراهقين؟

لم يعد هناك مهرب من التكنولوجيا في عصرنا الحديث. لقد أصبحت محط اهتمام الجميع ومن كافة الفئات العمرية أطفالا ومراهقين وبالغين. لكن ما الذي تحمله وسائل التكنولوجيا المختلفة من آثار سلبية وإيجابية على صحة أبنائك النفسية والجسدية؟! لنتعرف على ذلك معا.

التكنولوجيا والتعلم

عند الأطفال حتى عمر السنتين:

تعتبر هذه الفترة العمرية حساسة جدا فيما يخص تطور الطفل ونضجه السلوكي واللغوي والاجتماعي، وفيما لا تزال كل من الذاكرة والرمزية والاعتماد على الذات غير مكتملة وظيفيا فلا يستطيع الأطفال في هذه المرحلة اكتساب المهارات والتعلم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والأجهزة الذكية كما في التفاعل المباشر وجها لوجه.

يجب بالتأكيد أن تتواجد رقابة لصيقة من الأهل ومقدمي الرعاية عند استخدام الأجهزة الذكية من قبل صغار الأطفال لضمان تفاعل وتطور أفضل. حيث يمكن للطفل البالغ من العمر 15 شهرا أن يتعلم كلمات جديدة من خلال التطبيقات الالكترونية التعليمية، ولكنه لا يستطيع أن يسقطها على العالم الواقعي.

أما بعمر 24 شهرا فيمكن أن يتعلم كلمات جديدة بشكل جيد من خلال محادثة عن طريق الفيديو مع شخص بالغ أو من خلال التطبيقات التفاعلية التي توجه الطفل لاختيار إجابة من متعدد.

يعتبر تواجد الأهل مع الطفل وإعادة توجيه المحتوى الالكتروني بشكل تفاعلي حاسما في تسهيل التعلم من خلف الشاشات الذكية أو المتلفزه.

عند الأطفال قبل سن المدرسة:

يمكن لبرامج التلفاز والتطبيقات التعليمية أن تحسن من نتائج الإدراك والتواصل الاجتماعي عند الأطفال بين الثالثة و الخامسة من العمر. لكن من سلبياتها أنها على الأرجح لا تستند على مناهج تعليمية واضحة ولا على نصائح خبراء التطور والتعليم، إضافة إلى أن هذه التطبيقات ليست مصممة في الغالب لمشاهدين إثنين وبالتالي لا تتيح تفاعل أب-ابن.

ماذا عن الكتب الالكترونية؟!

إن الكتب الالكترونية وخاصة تلك التي تم تحسينها لتتضمن محتوى تفاعليا قد تقلل من فهم الطفل للمحتوى و من تفاعل الأهل كذلك مع النص وذلك بسبب تشتتهم بالمؤثرات البصرية. لذلك ينصح الأهل أن يتعاملوا مع هذه الكتب كما لو كانوا يقرؤون كتابا عاديا.

ما الذي يجب أن يدركه الأهل في هذه المرحلة؟!

من المهم أن يفهم الآباء أن مهارات التفكير العالي ومبادئ إتمام المهام الضرورية للنجاح المدرسي كالتحكم بالاندفاع وضبط الانفعالات والمواظبه على الواجبات والتفكير المرن والإبداعي، كلها يتم تعليمها من خلال اللعب الاجتماعي غير الالكتروني والتواصل المباشر بينهم و بين أطفالهم.

أجهزة ذكية في الصف المدرسي، ما الذي يمكن أن تقدمه؟

تم من خلال إحصائية أجريت على المدرسين في الولايات المتحدة الأمريكية حول ما يمكن أن يقدمه تواجد أجهزة ذكية في جو الصف الدراسي التوصل إلى ثلاق فوائد:

  • الاعتماد على الذات: يمكن من خلال تعليم الأطفال تنظيم وقتهم في استخدام هواتفهم الذكية أن يساعدهم على تطوير الوعي وسلوكيات الاعتماد على الذات أثناء نموهم وتطورهم.
  • الحكمة في استخدام الإنترنت: من خلال تعليمهم البحث عن المعلومة و تحري مصادرها.
  • الوصول إلى خدمة الطوارئ عند الضرورة.

التكنولوجيا في سن المراهقة

يعتبر المراهقون والشباب وخاصة بين 16-24 عاما الفئة الأكثر إدمانا على وسائل التواصل الاجتماعي.

تفسر الدراسات هذا الشيوع بين المراهقين بأنها تؤثر على مراكز المكافأة في الدماغ التي تعتبر بالأصل نشطة بشدة لديهم.

ما الذي يمكن أن تقدمه وسائل التواصل والأجهزة الذكية عامة من فوائد للمراهقين؟

يمكن لوسائل التواصل الاجتماعية من خلال ما تعرضه من معلومات وأفكار جديدة أن تزيد الوعي حول القضايا والأحداث الراهنة. كما أنها تتيح فرصة للعمل الجماعي، فيمكن للطلاب أن يتشاركوا بحل الواجبات والمشاريع العلمية على العديد من المنصات الالكترونية.

كما تتيح هذه الوسائل فرصة للوصول للعديد من شبكات الدعم المختصة بذوي الأمراض المزمنة أو الحالات الخاصة.

يضاف لهذه الفوائد إمكانية البحث عن المعلومات عامة والصحية خاصة وبالتالي المساهمة في نشر الوعي حول العديد من العادات الصحية كالإقلاع أو الابتعاد عن التدخين واتباع أنظمة غذائية متوارنة.

كما ويمكن للمراهقين إيجاد بيئات الكترونية موازية بالاهتمامات مما قد يقلل شعورهم بالإقصاء الاجتماعي ويزيد من ثقتهم بنفسهم.

التكنولوجيا، سلاح ذو حدين. فما هي آثارها السلبية؟!

فيما يخص تطور صغار الأطفال:

كما ذكرنا آنفا فإن استخدام الأجهزة الذكية عند صغار الأطفال يقلل من التفاعل المباشر بينهم وبين الآباء، وينقص من مشاركتهم مع العائلة في الواجبات المنزلية. هذا سينجم عنه تأخر في التطور المعرفي واللغوي والاجتماعي.

فيما يعتبر البدء المبكر جدا باستخدام وسائل التواصل وازدياد عدد ساعات الجلوس وراء الشاشات الالكترونية من المؤشرات السلبية لتطوير أداء مدرسي منخفض لاحقا.

يعتبر كل من المحتوى وتواجد الأهل حاسمين في هذه النقطة، فكل من المحتوى العنيف والمتابعة السيئة من قبل الأهل ذوي أثر سلبي تراكمي في هذه الناحية.

البدانة

تشير الدراسات أن ارتفاع نسبة قضاء الوقت خلف الشاشات المتلفزة أو الالكترونية يعتبر عامل خطر للبدانة عند المراهقين والأطفال. هذا يرتبط غالبا بازدياد تناولهم لوجبات عالية السعرات الحرارية أثناء الجلوس خلف هذه الشاشات.

اضطرابات النوم

تؤثر الأشعة الزرقاء المنبعثة من الأجهزة الالكترونية سلبا على حلقة النوم مما يؤدي عند استخدامها مساءا إلى الأرق واضطرابات النوم الأخرى. كما وجدت الدراسات أن هذا الأثر السلبي يمتد حتى على حديثي الولادة، فأولئك الذين تواجد حولهم جو من الأجهزة الذكية استغرقوا وقتا أقل في النوم.

إن اضطرابات النوم هذه ستنعكس سلبا على المزاج والقدرة على التفكير والتفاعل مع الآخرين.

السلوكيات الخطيرة

يعرض استخدام المراهقين للانترنت لسلوكيات اجتماعية ونفسية خطيرة، ففيما تم ربطه قي العديد من الدراسات بارتفاع معدلات الاكتئاب والتوتر بينهم، فإنه كذلك قد يؤدي إلى اضطرابات الطعام وأذية الذات والتنمر الالكتروني، وقد يزيد من احتمال تناولهم للمشروبات الكحولية والتدخين.

كيف تؤثر التكنولوجيا على الرؤية؟!

قد يؤدي الاستخدام الشديد للأجهزة الذكية لجفاف وإجهاد العين والصداع وتشوش الرؤية. قد تتحول هذه الآثار السلبية إلى آثار دائمة إن لم يتم التعامل مع التكنولوجيا بحذر. لذلك ينصح بإبقاء مسافة بين 18-24 إنشا عن الأجهزة الذكية وبأخد استراحة 20 ثانية كل 20 دقيقة.

كيف يمكنك أن تساعد أطفالك على اتباع عادات صحية فيما يخص استخدام التكنولوجيا؟

  • تجنب وسائل التواصل ما عدا التحدث عن طريق الفديو عند الأطفال تحت السنة ونصف من العمر
  • اختر برامجا تعليمية عالية الجودة عند الأطفال من عمر سنة ونصف حتى السنتين وقم بمتابعتها معهم.
  • اسمح بساعة واحدة فقط في اليوم وتحديدا من البرامج التعليمية عالية الجودة عند الأطفال من عمر سنتين إلى خمس سنوات
  • أما للأعمار من ست سنوات فما فوق فعليك أن تحدد زمنا ونوعية مناسبة لهم من وسائل التكنولوجيا.
  • لا تفرط في ردات فعلك: لا تبالغ بالقيود على استخدام التكنولوجيا، علم أطفالك عادات صحية فيما يخصها لتبقى معهم عبر الزمن.
  • عرف أطفالك على التكنولوجيا منذ الصغر وناقش معهم مساوئها ومحاسنها وعلمهم مبادئ احترام الخصوصية وأهمية السلوك الحسن والابتعاد عن الإساءة وعدم التنمر على الآخرين.
  • للحد من الآثار السلبية للأجهزة الالكترونية على حلقة النوم، أبعد أطفالك عن استخدامها لمدة نصف ساعة على الأقل قبل الخلود للنوم.
  • راقب المحتوى الذي يتابعه أبناؤك على الإنترنت، وفيما يعتبر هذا سهلا عند الأطفال الصغار إلا أنه من الصعب تتبع سلوك المراهقين عليه. لذلك من الجيد إجراء نقاشات صريحة وواضحة معهم حول ما يتابعونه.

المصادر:

Child Mind.org

AAP: Media and Young Minds

Healthy Children.org: Where we stand

AAP: Media Use in School-Aged Children and Adolescents

APA: Digital Guidelines: Promoting Healthy Technology Use for Children

AAO: Is Too Much Screen Time Harming Children’s Vision

Concordia University: Examining the Effect of Smartphones on Child Development

اقرأ المزيد:

كيف يمكن لإدمانك على استخدام الأجهزة الذكية أن يؤثر سلبا على طفلك؟

كيف يمكن لإدمانك على استخدام الأجهزة الذكية أن يؤثر سلبا على طفلك؟

أثرت التكنولوجيا الحديثة على مختلف جوانب حياتنا لتكون عنوان الحقبة الحالية من الحضارة البشرية. لقد صنعت منا الأجهزة الذكية جيلا جديدا وكذلك آباء مختلفين وربما مشتتين كثيرا.

لماذا بجب أن تضع الأجهزة الذكية جانبا عند الجلوس مع طفلك؟

كثيرا ما يشعر الطفل بأنه في حالة منافسة مع الأجهزة الذكية ليحوز على اهتمام أهله الملتصقين بها. إضافة لتأثر تطوره وتفاعله الاجتماعي، فهو يشاهد بعينه تفضيل أهله للتواصل مع الآخرين من خلف شاشة الجوال أو الجهاز اللوحي بدل اللقاء معهم وجها لوجه.

هل يمكن أن يؤدي استخدامك للهاتف الذكي لأذية طفلك الجسدية؟ ولماذا؟

تبعا لمركز التحكم والوقاية من الأمراض CDC فإن استخدام الأهل للهواتف الذكية أدى لارتفاع نسبة الأذيات الجسدية غير المقصودة عند الأطفال تحت الخامسة من العمر بنسبة ١٠ % بين عامي ٢٠٠٧ و ٢٠١٢. يمكن أن يعزى سبب هذه الأذيات إلى تشتت ذهن الأهل وعدم الانتباه إلى مايفعله طفلهم أثناء اللعب، فهو قد يضع لعبة ما في فمه أو يمشي رأسا على عقب أو يتسلق مكانا عاليا أو قد يقفز من أرجوحة متحركة خاصة مع ملاحظته أن والديه منشغلان عنه.

ماذا عن استخدام جهازك الذكي أثناء تناول وجبة الطعام؟!

قامت جيني راديسكي( أخصائية أطفال في مركز بوسطن الصحي ) و زملاؤها بإجراء دراسة على ٥٥ عائلة أثناء تناولهم الطعام في محلات الوجبات السريعة. أربعون شخصا من هذه العائلات قاموا باستخدام أجهزتهم الذكية بمرحلة ما و ٤٠% من هؤلاء انشغلوا بها طوال وجبة الطعام.

كيف أثر هذا التصرف على أطفالهم؟

حسنا، كان هناك طيف واسع من ردات الفعل عند الأبناء فمنهم من حاول تسلية نفسه ومنهم من حاول جاهدا أن يحوز على اهتمام أهله بأي طريقة وإن تضمنت سوء السلوك. الملفت أكثر كان طريقة استجابة الآباء القاسية على أبنائهم من خلال نبرة الصوت الحادة أو التأنيب الجسدي وخاصة عند أولئك الأكثر التصاقا بأجهزتهم الذكية.

انقطاع التواصل بين الآباء والأبناء، جانب سلبي آخر للأجهزة الذكية.

غالبا ما يقوم الكثير من الآباء بإنهاء حديث هام مع طفلهم عند سماعهم لرنين هاتفهم الجوال، وكثيرا مايشتكي الأبناء من نقص تفاعل الآباء معهم في أنشطتهم اليومية فقط لأنهم جالسون أمام شاشة الجهاز المحمول.

لاحظ باحثون في علم النفس في جامعة Essex في دراسة قاموا بها حول تأثير وجود الأجهزة الذكية على جودة التواصل والمحادثات بين الأشخاص أنها تغير من شكل العلاقات فهي تقلل من التقارب والثقة بين الناس ومن القدرة على الشعور بالتعاطف. وتقترح الدراسة أن هذه الانعكاسات قد تحدث في اللاوعي.

ولذلك فوجود ولو جوال واحد في جلسة عائلية يجعل من النقاشات سطحية وأقل جدلية خوفا من أن يتم مقاطعتها.

إذا، هل التربية في ظل التكنولوجيا الحديثة سيئة تماما؟!

رغم كل شيء، فإن للأجهزة الذكية فوائدها كذلك فهي تسمح لك بالعمل عن بعد وقضاء وقت أكثر مع طفلك والتواجد قدر الإمكان في أنشطته المختلفة خارج المنزل. في عالم أنت محاط فيه بالتكنولوجيا في كل مكان، يتعلق كل شيء بالتنظيم الجيد والتوازن.

كيف يمكن أن تنظم حياتك العائلية في ظل عالم التكنولوجيا؟

  • قم بوضع خطة عائلية لاستخدام الأجهزة الذكية توازن بها بين احتياجاتك لها وواجباتك تجاه أسرتك: يمكن أن تستيقظ قبل موعدك المعتاد بنصف ساعة لتتفقد رسائلك الإلكترونية وتجهز مهامك عبر الإنترنت. أما بالنسبة لأوقات الطعام والقيادة والخلود للنوم فأبقها خالية من التكنولوجيا لتشجع بذلك الأحاديث العائلية عن مجريات اليوم، فهذا سيحمل الكثير من الطمأنينة لطفلك.
  • يمكن أن تتشارك مع طفلك بمعلومات حول ما تفعله على جهازك الذكي. هذا سيجعله يشعر بأنه أقل عزلة.
  • يوم كامل دون أجهزة ذكية: حاول أن تفرغ ٢٤ ساعة من وقت العائلة خالية من التكنولوجيا، حيث يضع الجميع أجهزتهم الذكية جانبا.
  • شجع الأنشطة والرحلات العائلية: اصطحب عائلتك إلى نزهة في الحديقة أو إلى مدينة الألعاب. قاوم أخذ الصور ولو لمرة واحدة وضع هاتفك بعيدا، ستشعر بالمتعة أكثر مع أطفالك.

المصادر:

https://bit.ly/2JOuanf

https://bit.ly/3aXuXhu

https://bit.ly/2wul24g

هل طفلك مصاب بقلة الانتباه وكثرة الحركة والنشاط ؟

هل طفلك مصاب بقلة الانتباه وكثرة الحركة والنشاط ؟ تعتبر متلازمة قلة الانتباه وكثرة الحركة والنشاط إحدى أكثر اضطرابات الطفولة شيوعا. تبعا للإحصائيات فإنها موجودة لدى ١١ % ممن هم في سن المدرسة. ففي صف نموذجي يحتوي ثلاثين طالبا فإن واحدا منهم على الأقل مصاب بهذه المتلازمة.

ما هي متلازمة قلة الانتباه وفرط النشاط؟

هي اضطراب عصبي تطوري يؤدي إلى نقص في الانتباه وكثرة الحركة والاندفاع الزائد .

هل كل طفل كثير الحركة أو قليل الانتباه يكون مصابا بهذا الاضطراب؟!

لا، ليس دائما. هناك مجموعة من المعايير وضعتها الرابطة الأمريكية للطب النفسي في دليلها التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية DSM-5:

معايير تشخيص نقص الانتباه:

لنقول أن هناك نقصا في الانتباه يجب أن تجتمع ٦ أعراض أو أكثر عند الأطفال والمراهقين حتى عمر ١٦ عاما أو ٥ أعراض على الأقل للأعمار من ١٧ عاما فما فوق مما يلي:

١- عدم الانتباه للتفاصيل وكثرة أخطاء نقص الانتباه في المدرسة أو العمل.

٢- وجود مشكلة في الاستمرار بالتركيز أثناء اللعب أو أداء المهام.

٣- الطفل المصاب لا يصغي لك غالبا عند الحديث إليه بشكل مباشر.

٤- وجود مشكلة في اتباع التعليمات وإنهاء الواجبات المدرسية والأعمال المنزلية وسرعة شرود الذهن.

٥- وجود مشكلة في تنظيم المهام والأنشطة.

٦- عادة ما يتجنب أو يمانع المصاب أداء المهام التي تتطلب جهدا عقليا لفترة طويلة من الزمن (كالوظائف المدرسية).

٧- عادة ما يفقد الأشياء الضرورية لإنجاز المهام (كأدواته المدرسية أو كتبه أو مفاتيح المنزل).

٨- عادة ما يكون من السهل تشتيت انتباهه.

٩- عادة ما ينسى الأنشطة اليومية.

معايير تشخيص فرط الحركة والاندفاع:

١- غالبا ما يكون الطفل متململا ويطقطق بأصابع يديه وقدميه وكثير الحركة في مقعده.

٢- غالبا لا يبقى في مكانه في المواقف التي تتطلب بقاءه جالسا.

٣- غالبا يركض ويتسلق في ظروف غير ملائمة.

٤- غير قادر على المشاركة في الأنشطة التي تتطلب هدوءا.

٥- متأهب دائما وكأنه مزود بمحرك كهربائي

٦- مفرط الكلام.

٧- غالبا يجيب على السؤال قبل أن يتم إكماله.

٨- عادة لا ينتظر دوره.

٩- كثيرا ما يقاطع أحاديث الآخرين.

يضاف لهذه المعايير مجموعة من الشروط ليكتمل التشخيص:

١- ظهور عدد من الأعراض السابقة قبل الثانية عشرة من العمر.

٢- ظهور عدد من هذه الأعراض في مكانين أو أكثر( كالمنزل أو المدرسة أو الحديقة أو عند الأصدقاء و الأقارب أو أماكن الأنشطة الأخرى).

٣- وجود دليل واضح أن هذه الأعراض تقلل من نوعية الأداء المدرسي والاجتماعي.

٤- لا يوجد أي اضطراب آخر يفسر بشكل أفضل سبب هذه الأعراض.

هل توجد أنماط مختلفة لمتلازمة قلة الانتباه وفرط النشاط؟!

يوجد ثلاث أنواع لهذه المتلازمة تبعا لتنوع الأعراض عند الطفل المصاب بها:

١- النمط المختلط: تجتمع في هذا النمط جميع معايير التشخيص من قلة الانتباه و فرط الحركية والاندفاع.

٢- نمط سيطرة نقص الانتباه: في هذا النمط تتوفر معايير كافية ولمدة ٦ أشهر متواصلة لتشخيص نقص الانتباه و لكن معايير فرط الحركية والاندفاع غير كافية.

٣- نمط فرط الحركية والاندفاع: وهنا تتوافر المعايير الكافية لفرط الحركة والاندفاع لمدة ٦ أشهر متواصلة ولكن دون كفاية معايير تشخيص نقص الانتباه.

تتغير أعراض المتلازمة مع العمر و لذلك يمكن أن يتغير النمط عند نفس الشخص في فترات زمنية مختلفة.

ما هي أسباب هذه المتلازمة؟

إن أسبابها لا تزال مجهولة إلى الآن ولكن معظم الأبحاث تشير لوجود عامل وراثي، حيث تصل نسبة الإصابة إلى ٢٥ % في حال وجود قريب درجة أولى مصاب. كمت يوجد ترافق إصابة بنسبة ٥٩ إلى ٨١ % بين التوائم الحقيقية و ٣٣% عند التوائم الكاذبة.

هل توجد عوامل خطر للإصابة؟!

يمكن أن تشكل العوامل التالية خطرا للإصابة:

١- الأذيات الدماغية.

٢- التعرض أثناء الحمل لعوامل بيئية ( كالرصاص).

٣- التدخين أو شرب الكحول أثناء الحمل.

٤- الطفل غير تام الحمل (الخداجة).

٥- انخفاض وزن الولادة.

هذا و لا تدعم الأبحاث أبدا الفرضيات الشعبية التي تربط بين هذه المتلازمة و بين الإفراط في تناول السكاكر أو مشاهدة التلفاز كثيرا أو الفقر أو الاضطرابات العائلية. معظم هذه الأشياء قد تسيء للأعراض ولكنها ليست سببا مباشرا لظهورها.

العلاج:

هناك نمطان من العلاج: سلوكي ودوائي.

يعتبر العلاج السلوكي الخط الأول في المعالجة عند الأطفال ما قبل سن المدرسة وخاصة تدريب الأهل على التعامل مع الحالة قبل اللجوء للعلاج الدوائي.

فيما أنه يفضل مزيج من العلاج السلوكي والدوائي بدءا من عمر ٦ سنوات فما فوق.

أخيرا ، إذا اشتبهت بأن طفلك لديه أعراض قلة الانتباه وفرط الحركة فعليك أن تراجع طبيبا مختصا لوضع التشخيص والخطة العلاجية المناسبة.

مصادر:

CDC

APA

Exit mobile version