Ad
الاستخدام الواعي للتكنولوجيا

أصبحت التكنولوجيا الرقمية تشغل حيزا كبيرا في حياتنا اليومية، وعلى الرغم من أنها مصدر قوة إلا أنها يمكن أن تكون مصدرا للإلهاء والتشتت. يمكن لوسائل التكنولوجيا أن توجهنا بطريقة مفيدة مثل تصفح واستكشاف كم هائل من المعلومات، أو التواصل مع الآخرين، أو من أجل الترفيه والتسلية.

لكن في الوقت نفسه؛ فإن إتاحة الكثير من المعلومات مع وجود ضغط مجتمعي للبقاء على اتصال مستمر والاستجابة السريعة، قد أدت إلى انتشار واسع للإحساس بالضغط والتشتت. لذلك أصبحنا نواجه تحديا لاكتشاف كيفية استخدام وسائل التكنولوجيا بطريقة إيجابية.[2]

أهمية الاستخدام الواعي للتكنولوجيا

المقصود بالاستخدام الواعي للتكنولوجيا هو معرفة ما الذي نفعله بالتكنولوجيا ولماذا.[3] بينما تستطيع التكنولوجيا أن تحقق تغييرا مدهشا في نواحي عديدة. فإن التشتت الرقمي الناتج عن الاستخدام غير الواعي للتكنولوجيا أصبح مشكلة قائمة.[2]

أصبح هناك صعوبة متزايدة في التركيز على مهمة واحدة نظرا للطبيعة المشتتة لوسائل التكنولوجيا التي تؤدي إلى شرود العقل والتفكير خارج المهمة نتيجة للانشغال بالتكنولوجيا. ويؤدي التشتت إلى نقص الإنتاجية في أماكن العمل، كما يؤدي إلى ضعف الأداء أثناء التعلم خاصة عند الشباب والطلاب الجامعيين.[1]

لذلك فإن أخذ استراحة من الوسائل الرقمية يساعد في زيادة الإنتاجية. كما يساعد الاستخدام الواعي للتكنولوجيا في بناء عادات صحية وعلاقة جيدة مع التكنولوجيا والوسائل الرقمية.[3]

التشتت الرقمي

ينتج التشتت الرقمي عن استخدام الأجهزة والوسائط الإلكترونية مما يؤدي إلى فقدان التركيز أثناء المهمات التي يجب القيام بها. ويحدث التشتت الرقمي في أماكن العمل أو الفصول الدراسية. ويعد التشتت الرقمي مفهوم متشابك ومتعدد الأبعاد، ويعود إلى محفزات خارجية مثل إشعارات البريد الإلكتروني، أو محفزات داخلية مثل الخوف من إهدار الفرصة المعروف بـ «fear of missing out».

يكون التشتت في صورة المراسلة أو إرسال البريد الإلكتروني أو التسوق عبر الإنترنت أو التفاعل مع وسائل التواصل الاجتماعي أو تصفح الإنترنت أو ممارسة ألعاب الكمبيوتر. ووفقا لدراسة في جامعة كاليفورنيا فالتشتت يتطلب من الفرد حوالي 23 دقيقة و15 ثانية للرجوع إلى المهمة التي كان يقوم بها.[1]

أسباب التشتت الرقمي

هناك عدة أسباب للتشتت الرقمي وتتضمن:

  • الفائض المعرفي، إذ لم يعد الأشخاص مستخدمين سلبيين للإنترنت ولكن أصبحوا يريدون المشاركة بفاعلية في الأنشطة الرقمية.
  • زيادة التحميل الرقمي، فقد أصبح الأشخاص يستهلكون ثلاثة أضعاف المعلومات التي كان يستهلكها الأشخاص من 50 عاما.
  • سياسات الشركات التي لا تسمح للأشخاص أن يستمتعوا بحياتهم المهنية والشخصية بالتساوي.
  • الأجهزة القابلة للارتداء التي تظل مرافقة للشخص دائما مثل الساعات والنظارات الذكية.[1]

السيطرة على التشتت الرقمي

لا يمكن تجنب التشتت الرقمي لأن عقل الأفراد يشرد بنسبة تتراوح بين 30% إلى 50% يوميا، ولكن هناك استراتيجيات للحد منه ومساعدة الأفراد في تحسين قدراتهم على تجنبه. [1] وتعد استراتيجيات التنظيم الذاتي من أفضل الطرق لتقليل التشتت الرقمي.

ما هو التنظيم الذاتي؟

أثبتت نظرية الإدراك الاجتماعي والتي أنشأها «ألبرت باندورا-Albert Bandura» أن العمل البشري ينظم عن طريق التفاعل بين مؤثرات شخصية وسلوكية وبيئية، كما يُحفَز بصورة كبيرة بالتأثير الذاتي المستمر. أشار «باندورا» إلى أن البشر لديهم آلية للإدارة الذاتية تمكنهم من السيطرة على إدراكهم ودوافعهم وسلوكهم.

لذلك فإن اكتساب مهارات التنظيم الذاتي يعني أن يصبح الفرد قادرا على إدراك وتذكر والعمل بالمعلومات التي يمتلكها عند التعرض للتشتت الرقمي، والقيام بعدة مهام مختلفة بنجاح.

إن التنظيم الذاتي يعني محاولة الفرد السيطرة على العوامل الشخصية والسلوكية والبيئية لتحقيق الأهداف. وهو عبارة عن مجموعة واسعة من مهارات مراقبة وإدارة والسيطرة على مشاعر الفرد وأفكاره وسلوكه للوصول إلى الأهداف.[1] وتقترح نظرية الإدراك الاجتماعي أن التنظيم الذاتي أصبح ضروريا في أي بيئة رقمية، وذلك لتقليل التشتت الرقمي وصرف الأفراد عن الأجهزة الرقمية ومساعدتهم على التركيز على أهدافهم ومهماتهم.[1] وتنقسم استراتيجيات التنظيم الذاتي إلى ثلاثة فئات: التنظيم الشخصي والتنظيم السلوكي والتنظيم البيئي.

التنظيم الشخصي

يتم التنظيم الشخصي عن طريق آليتين وهما الاستراتيجية فوق المعرفية، واستراتيجية التحفيز.

الاستراتيجية فوق المعرفية

أو ما يعرف بإدراك الإدراك وهو الدليل الداخلي لدى الشخص والذي يمكنه من أن يكون واعيا ومدركا للعمليات العقلية المعرفية واستخدام قدراته لاكتساب المعرفة. هذا الدليل الداخلي يمكن أن يكون في صور مختلفة مثل خلق الوعي والتفسير الذاتي وإعادة توجيه الانتباه وإدراك الأعمال التي يجب القيام بها.

لتقليل التشتت؛ تصف الاستراتيجية فوق المعرفية كيف يستطيع الأفراد أن يراقبوا استخدامهم لوسائل التكنولوجيا في ظروف مختلفة، وكيف يمكن استخدام الاستراتيجية فوق المعرفية في تحسين الانتباه والتركيز.[1]

إن المراقبة والتوجيه الفعالين يساعدان الأفراد في إصلاح تأثير التشتت الرقمي. لذلك فإن أول خطوة لتقليل التشتت هي التأمل في النفس لمعرفة أسباب التشتت. وتساعد هذه الخطوة الأفراد في فهم ما يمرون به مما يمكنهم من تنمية وتشغيل العملية العقلية المعرفية عند حدوث التشتت.[1]

استراتيجية التحفيز

التحفيز هو نوع من أنواع التأثير الشخصي الذي يساعد الأشخاص في مراقبة سلوكهم وتحقيق أهدافهم. يؤثر التحفيز بقوة على ممارسة الأفراد استراتيجية التنظيم الذاتي. فهناك استراتيجية هامة وهي “الإيمان بقيمة المهمة” والتي تعني إيمان الفرد بمدى أهمية وفائدة المهمة التي يقوم بها. وهي عامل هام من عوامل التحفيز وتساعد الفرد على التركيز على المهمة.[1]

يعد الإيمان بالفعالية الذاتية أيضا عاملا هاما للتحفيز في البيئة الرقمية، ويشير إلى إدراك الفرد لقدراته وكيف يشعر ويفكر ويتصرف. فقد افترض «ألبرت باندورا» أن الفعالية الذاتية تؤثر في اختيار الأنشطة والجهد المبذول والاستمرارية. بمعنى آخر؛ عند مواجهة تحديات مثل التشتت الرقمي؛ يستطيع الأفراد ذوي الفعالية الذاتية أن يستثمروا مجهودهم لتقليل التشتت.

يعتمد التحفيز المستمر على إيمان الأشخاص بأنهم إذا استطاعوا تغيير سلوكهم التدميري؛ فإنهم سيصبحون أكثر إنتاجية وسيحصلون على نتائج إيجابية. [1]

التنظيم السلوكي

تتم عملية التنظيم السلوكي عن طريق الملاحظة الذاتية والحكم الذاتي.

الملاحظة الذاتية

تعد الملاحظة الذاتية العامل الأكثر أهمية في عملية التنظيم السلوكي. إذ أنها تتضمن مراقبة أفعال الشخص تجاه السلوك والمعلومات والتحفيز، ويمكن أن تؤدي إلى تغيرات سلوكية.[1]

يُقيَم السلوك من خلال عدة أبعاد هي الكيفية والمعدل والكمية والأصالة. ويمكن القيام بهذا عن طريق التسجيل الذاتي للأنشطة السلوكية من حيث وقت ومكان ومدة حدوثها. بدون التسجيل لن تنعكس الملاحظة الذاتية على السلوك بسبب الذاكرة الانتقائية. ويتفاجأ العديد من الأشخاص الذين لديهم عادات سيئة مثل التشتت عند معرفة كم الوقت المهدر نتيجة للتشتت خارج المهمات.[1]

الحكم الذاتي

الحكم الذاتي هو تقييم أداء الشخص تجاه الهدف المطلوب. وعند التعامل مع التكنولوجيا؛ يصبح الحكم الذاتي هو تقييم السلوك الحالي للشخص بالسلوك المطلوب تجاه التكنولوجيا.[1] ويساعد التقييم الذاتي في وضع مواصفات ومعايير لتطوير الحكم على أداء الشخص.

عند وجود تقييمات سلبية؛ لن يقلل ذلك من التحفيز إذا كان الشخص مؤمنا بقدرته على التحسين. كما يمكن وضع نظام المكافآت والعقوبات. مكافآت مثل شراء ملابس جديدة أو إجازات لزيادة التحفيز والفعالية الذاتية. وعقوبات مثل إزالة السموم الرقمية “الديتوكس الرقمي” لمساعدة الفرد على البعد عن التشتت الناتج عن الأجهزة الرقمية. [1]  

  التنظيم البيئي

تفترض نظرية الإدراك الاجتماعي أن العمل البشري يتأثر بالتجربة النشطة والتجربة الاجتماعية والبنية البيئية. إن التجربة النشطة «enactive experience » والتي تعني مجموعة الأفعال الإيجابية التي يقوم بها الفرد للقيام بسلوك معين وتحقيق فاعلية إيجابية، هي من أكثر الطرق تأثيرا لتغيير المفاهيم الشخصية، ويمكن أن تساعد في تقليل التشتت.[1]

يمكن تقليل التشتت بواسطة التجربة الاجتماعية والتي تتكون من الإقناع الشفهي وبناء نماذج اجتماعية. وهي ضرورية للمعلمين وأرباب العمل لتشكيل السلوك السليم تجاه التكنولوجيا للشباب.[1]

يمكن أيضا الحصول على الدعم الاجتماعي عن طريق المساعدة الاجتماعية من الزملاء والآباء والمعلمين. أو عن طريق التمثيل البياني للمعلومات مثل الملصقات والمخططات والصور والصيغ المعروضة. يمكن لكل هذه الأشياء أن تساعد في دعم الأشخاص الذين يسهل تشتيتهم بواسطة التكنولوجيا.

تساهم البنية البيئية في تقليل التشتت الرقمي حيث يمكن خلق مساحات للعمل بها تشتت أقل. كما يمكن للأفراد أن ينظموا العمل بتقسيمه إلى مهمات صغيرة مما يساعدهم على التركيز.[1]

في النهاية؛ في الوقت الذي أصبحت فيه التكنولوجيا الرقمية ضرورة لمسايرة المجتمع المدفوع بالتطور المعرفي السريع. فإنها يمكن أن تعوق الأفراد بسبب التشتت الناتج عن الأجهزة الرقمية والذي يحدث بدون وعي الأفراد.[1] لذلك أصبحت مهارات التنظيم الذاتي ضرورية على المستوى الشخصي والمجتمعي حيث يحتاج الأفراد لتعلم كيفية تحمل المسؤولية تجاه أهدافهم الشخصية وأماكن العمل والمجتمع. وعند تنمية مهارات التنظيم الذاتي؛ سيجد المجتمع العديد من الفوائد على المدى البعيد.[1]

المصادر

1.Self-regulation Strategic Framework for minimizing distraction in digital society

2.Mindful Tech: Developing a More Contemplative and Reflective Relationship With Our Digital Devices and Apps

3.Mindful Technology Use

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


صحة تقنية علم نفس

User Avatar

إيمان عبد الحليم


عدد مقالات الكاتب : 6
الملف الشخصي للكاتب :

شارك في الإعداد :
تدقيق علمي : abdalla taha

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *