لماذا نسبت الإنفلونزا الإسبانية لبلد إسبانيا؟ هل حقا هي البلد الأصلي؟ كيف تخلص العالم من تلك الجائحة؟
من حين لأخر قد تجد نفسك أو أحد معارفك يختفي عن الأنظار لعدة أيام، ولعل السبب الشائع هو الإصابة بالبرد أو الإنفلونزا. حيث ترتبط سيرتها في الأذهان بالخمول وشعور بالألم وعدم الراحة يسري في الجسد، بالإضافة إلى زيادة كمية المخاط بالأنف الذي يسد فوهاتها والتي تدفع صاحبها لاستخدام أوراق المناديل باستمرار؛ وقد يتطور الأمر إلى السعال وضيق بالتنفس. وعندما تظهر مثل تلك الأعراض على صاحبها يحاول أن يفرض على نفسه تباعدا اجتماعيا بقدر الممكن كتعريف مخفف للعزل الذاتي بسبب شيوع الوعي أنه يمكن لمثل تلك الأنفلونزا الخفيفة أن ينتقل مسببها وهو فيرس الإنفلونزا من شخص إلى آخر، وتصيبه مثل تلك الأعراض التي تظهر على صاحبها؛ على الرغم من أن البعض لا يعرف أن مثل تلك الإنفلونزا الموسمية الخفيفة تقتل أكثر من نصف مليون شخص سنويا طبقا لتقارير صادرة عن منظمة الصحة العالمية، وهذا قد يعيد لأذهاننا التحدث عن الجائحة الأكبر في التاريخ الحديث وهي الإنفلونزا الإسبانية.
محتويات المقال :
التشاؤم يزيد، هل عززت الإنفلونزا الإسبانية من وجوده؟
في العام الذي ظهرت فيه الإنفلونزا الإسبانية، كان العالم قبلها يعاني من حالة تشاؤم وسوداوية شديدة، حيث كانت نسبة الوفيات والقتلى مرتفعة للغاية بسبب آثار الحرب العالمية الأولى، ومن تداعيات تلك الحرب أنها خلفت مجاعات شديدة تسببت في زيادة أعداد الوفيات في البلدان التي حطت عليها. بالإضافة إلى العديد من الأمراض التي ساهمت تلك الحرب في انتشارها مثل مرض السل الذي لم يتسنَ للعلم وقتها أن يجد له علاجا شافيا بسبب تلك الظروف. كل تلك العوامل عززت من ظهور الإنفلونزا الإسبانية والتي كانت سببا في إصابة ثلث الكرة الأرضية.
كيف فرضت الإنفلونزا الإسبانية نفسها؟
لم يستطع العلماء أن يحددوا المكان الذي ظهر فيه ذلك الوباء، لكن تضاربت الآراء ويعزى البعض بداية ظهورها بين ثلاث دول في مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية ثم فرنسا والصين، وسرعان ما انتشرت بالعالم كله، وبدأت في التفشي بكثرة داخل معسكرات الجنود المشاركين في الحرب نظرا للبيئة غير النظيفة التي خيمت فيها المعسكرات جانب حظائر الطيور والخنازير. ولم يعرف العلماء السبب الرئيسي في ظهور ذلك الوباء وقتها، لكن فيما بعد توصل بعض منهم لإمكانية أنه قد يكون انتقل من أحد سلالات الطيور المصابة بالفيروس المسبب لهذا المرض.
دور الشفافية الصحفية في تسجيل التاريخ؟
كانت إسبانيا من الدول المحايدة التي لم تشارك في الحرب العالمية الأولى، ولم تفرض سلطاتها أي رقابة أو تشديدات على صحافتها، على عكس الدول المشاركة بالحرب التي لم يظهر في صحافتها عنوانا صحفيا إلا ومر على جهات تخص السلطة للبت في نشره. وتلك الحرية الصحفية التي تمتعت بها إسبانيا جعلتها تقترب أكثر من وضع الجائحة في العديد من الدول، فكانت تسجل أخبار ذلك الوباء وتذيع تحديثاته باستمرار.
سجلت شراسة تلك الجائحة التي أصابت ٥٠٠ مليون شخصا على مستوى العالم، وقتلت بين ٣٠ إلى ٥٠ مليونا من المصابين خلال عام واحد، وذلك لتحور المرض داخل جسد المصاب والذي تزداد شدته فتملأ رئتيه بالسوائل الناتجة عن الإلتهاب، فيفشل عن التنفس. وعلى الرغم من أن الصحافة الإسبانية كانت تطلق على ذلك المرض “الإنفلونزا الفرنسية”، لكن لارتباط أخبار هذا المرض في أذهان الناس بالصحافة الإسبانية، تم تسميته بالإنفلونزا الإسبانية.
حلول سريعة، ما عواقبها؟
مع ظهور الجائحة وزيادة أعداد المصابين والوفيات، وضعف وضحالة الخدمات الصحية المقدمة من الحكومات تجاه هذا الوباء، أشار بعض الأطباء على الحكومات في تطبيق العزل الإجتماعي على المواطنين، وهو ما تبنته الحكومات وقت الجائحة الإسبانية، وقامت بفرض حظر التجوال والحجر الصحي المنزلي وعزلت المدن عن بعضها وفرضت غرامات على المخالفين، وهو ما تسبب في تراجع نسب المصابين والوفيات، وعند تخفيف تلك التشديدات ظهرت موجة جديدة للمرض، وارتفعت نسب الإصابات والوفيات من جديد. وتبنى أحد الأطباء فكرة معالجة الأعراض التي تظهر على المصابين بالأسبرين، فكان يعطي للشخص المصاب ٣٠ جراما يوميا من هذا العقار، والذي ثبت بعدها بأيام أن الوضع ازداد سوءا، ومات كثيرا من المصابين الذين تعاطوا الأسبرين، وذلك لأن الجرعة القصوى التي يتحملها الجسم لا تزيد عن ٤ جرامات يوميا.
هل فهمنا الدرس؟
الجدير بالذكر أن العلماء لم يضعوا أسبابا واضحة عن كيفية تخلص العالم من تلك الجائحة، لكن السبب الوحيد والذي يراه البعض منطقيا هو اكتساب سكان الكرة الأرضية مناعة القطيع ضد هذا المرض، فتمكنت مناعتهم من التعامل معه؛ لكن تلك الجائحة نبهت إلى أهمية تبني الحكومات إنشاء المستشفيات والمستوصفات الطبية، وتولية الاهتمام لتمويل الأبحاث العلمية المتعلقة بدارسة الفيروسات وفهم جيناتها حتى يستطيع العلماء اختراع اللقاحات والأدوية المناسبة لمحاربتها. وعلى الرغم أن حالة المجتمعات في عصر الإنفلونزا الإسبانية لم تكن بمقدار التحضر أو التمدن الحالي من حيث وسائل المواصلات البسيطة والقليلة أو عدد السكان والذي كان يفترض أن تستغل تلك النقطة في تخفيف آثار تلك الجائحة! لكن هذا يدفعنا إلى المزيد من التفكير والبحث في الكيفية التي تنتقل بها مثل تلك الأوبئة.
والدرس المهم الذي نتعلمه، أن البشرية طوال سجلها التاريخي لم تسلم من شيوع مثل تلك الجوائح والأوبئة، وهذا يعني بالضرورة أن مثل تلك الأمراض سوف تستمر في الظهور بين الحين والآخر، فيجب أن نعد له العدة ونستعد لتلقي جوائح جديدة، نحن بصدد مواجهة واحدة منها الآن، وهي جائحة فيروس كورونا المستجد (covid 19 – كوفيد ١٩).
المصادر:
Stanford.Edu, World Economic Forum, National Geographic, CDC USA, History.
مواضيع قد تهمك:
مواضيع الأكاديمية بوست عن فيروس كورونا
حوار مع بيل غيتس حول سياق تنبؤاته لفيروس كورونا قبل 5 سنوات ومستلزمات اللقاح
هل العدوى الفيروسية مسبب محتمل لمرض الألزهايمر؟
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :