تقع مدينة بابل القديمة على بعد 100 كيلومتر عن مدينة بغداد حاليًا في العراق. وضع أحد حكامها الأوائل، حمورابي، نظامًا قاسيًا من القوانين، وفي أوقات لاحقة، ستُستخدمُ اللغة البابلية عبر الشرق الأوسط كوسيلة للتواصل عبر الحدود. ومن الإنجازات العظيمة للبابليين، حسب ما تروي القصص القديمة، هو بناءُ الجنائن المعلقة، واحدةٌ من عجائب العالم القديم، الذي يعتقد البعض أنه تم بناؤها من قبل الملك نبوخذ نصر الثاني.
اكتشف العلماء القدماء الذين عاشوا في المدينة اكتشافات مهمة في الرياضيات والفيزياء وعلم الفلك. من بين إنجازاتهم العديدة، قاموا بتطوير علم المثلثات، واستخدموا نماذج رياضية لتتبع كوكب المشتري وطوروا أساليب تتبع الوقت الّتي لا تزال تستخدم حتى اليوم. لا يزال الفلكيون المعاصرون يستخدمون السجلات البابلية القديمة لدراسة كيفية تغير دوران الأرض.
محتويات المقال :
البدايات المبكرة
كتب مايكل سيمور، باحث مشارك في متحف متروبوليتان للفنون، في كتابه “الأسطورة والتاريخ والعالم” أن المنطقة التي تقع فيها بابل “تمتاز بدرجات حرارة عالية جدًا ويصعب فيها الزراعة المطرية.” ويلاحظ أنه يجب استخدام نظام الري الذي يوزع المياه من نهري دجلة والفرات لزراعة المحاصيل.
من الناحية الأثرية، لا يُعرف الكثير عن التاريخ المبكر لبابل. تشير السجلات القديمة إلى أنه قبل أكثر من 4000 عام، في وقتٍ كانت فيه مدينة أور مركزًا لإمبراطورية، بابل كانت على ما يبدو مركزًا إداريًا. كتبت الباحثة جويندولين ليك في كتابها “The Babylonians” (دار نشر روتليدج، 2003):
“لم تكن بابل مدينة مستقلة.”
وتشير إلى أنه في عام 1894 قبل الميلاد، بعد انهيار إمبراطورية أور، غزا المدينة رجلٌ يدعى سومو آبوم. كان أموريًا، ناطقًا بالسامية من المنطقة المحيطة بسوريا الحالية. وشرع في تحويل بابل إلى مملكةٍ صغيرةٍ تتكون من المدينة وعددٍ صغيرٍ من الأراضي المجاورة. ستبقى بابل على هذا النحو حتى بعد حُكم ستة ملوك، إلى أن اعتلى العرشَ رجلٌ اسمه حمورابي (1792-1750 قبل الميلاد). حمورابي هو الحاكم الذي سيحول هذه المملكة الصغيرة إلى إمبراطوريةٍ عظيمة.
امبراطورية حمورابي
يلاحظ المؤرخون أن حمورابي كان عليه أن يتحلى بالصبر قبل أن يتمكن من التوسع. حيث أنه يقع بين مملكتين كبيرتين، لارسا وآشور. كان حذرا، استخدم وقته بحكمة. فقد ركز على تحسين الأساس الاقتصادي لمملكته من خلال بناء القنوات وتعزيز التحصينات.
مع وفاة ملك آشور، وتراجع القوة المملكة، تمكن حمورابي من التوسع. بعد سلسلة من الحملات، هزم ريم سين، وهو رجل كان يحكم مملكة لارسا الكبيرة لما يقرب من 60 عامًا. هذا النصر يشير إلى ضم جميع المراكز الحضرية القديمة، مثل أور وأوروك وإيسين ولارسا. وشنَّ حملاتٍ أخرى ضد آشور وماري. وهكذا توسعت إمبراطورية حمورابي.
لا يعرف علماء الآثار الكثير عما كانت تبدو عليه بابل في عهد حمورابي. حيث يتعذر الوصول لبقايا المدينة بسبب ارتفاع منسوب المياه إلى مستوى عالٍ للغاية بحيث لا يمكن استكشافها.
بالرغم من أن البقايا الأثرية نادرة، إلا أن البقايا النصية أكثر تبشيرًا. وصلت مكانة حمورابي لدرجة أنه أصبح يعتبر إلهًا. وكان الآباء يطلقون على أبنائهم أسماء تعني “حمورابي هو عوني” أو “حمورابي هو إلهي”.
شريعة حمورابي
في حين أن شريحة حمورابي (موجودة الآن في متحف اللوفر) معروفة جيدًا بأسلوبها التشريعي الّذي يسري على خطى “العين بالعين”، إلا أنها تحدد أيضًا طبيعة العلاقة بين حمورابي والآلهة والأشخاص الذين حكمهم. بالرغم من ادعاء حمورابي أنه رؤوف، كانت شريعته قاسية. حيث أكثر من أحكام الإعدام (في بعض الحالات حتى للسرقة) ويسمح بالتجارة بأجزاء الجسم.
شريعة حمورابي. في متحف اللوفر في باريس حمورابي (واقفاً) وهو يتلقى شاراته الملكية من أوتو
يرى الموؤرخون أيضًا أن «استعباد الدَيْن-debt slavery» كانت مشكلة، وكان على حمورابي، ومن ثم خلفائه، إلغاء الديون في بعض الأحيان. يشير هذا التاريخ إلى صورة أقل تفاؤلًا لأعباء الديون الساحقة التي تكبدها الناس لتسديد الضرائب وتلبية الالتزامات الأخرى، كل هذا بسبب انخفاض الإنتاجية الزراعية وارتفاع سعر الفائدة على رأس المال المقترض.
لم تحصل الامرأة دائمًا على معاملة متساوية بموجب قانون حمورابي. ينص أحد القوانين على أنه إذا اتُهِمَت الامرأة بخيانة زوجها، عليها القفزُ في النهر والغرق حتى بغياب الدليل على الخيانة. ومع ذلك، احتوى القانون على قوانين تحمي الامرأة التي كان عليها أن تعيش مع رجل آخر لأن زوجها أسر في الحرب. كانت هناك أيضا قواعد تنص على أن الأرملة يجب أن تحصل على الميراث وأن امرأة غير المتزوجة يجب أن تتلقى الدعم المالي من إخوانها بعد وفاة والدها.
المصادر:
National Geographic
Live Science
The Guardian
إقرأ أيضًا: تعرف على مكتبة بابل: حيث كل ما كُتِب وكل ما سيكتب في المستقبل!
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :