Ad

على عكس مفاعلات الانشطار النووي، لا تزال مفاعلات الاندماج النووي في مرحلة التطوير. ويرجع التحدي الأكبر في مفاعلات الاندماج، كونها تحتاج درجات عالية من الحرارة –تتجاوز المئة مليون درجة– من أجل خلق الاندماج النووي. وبسبب انعدام أية مادة قادرة على تحمل هذه الحرارة، فقد تم تطوير عدة طرق لحصر الوقود النووي في الفراغ. فما هي الطرق التي تم استعمالها في توليد الاندماج النووي؟ وهل اقترب العلماء من بناء مفاعل اندماج نووي يولد الكهرباء؟

تفاعلات الاندماج النووي

من بين أهم تفاعلات الاندماج النووي التي يمكن توظيفها في مفاعلات الاندماج النووي، نجد اندماج نظيري الهيدروجين الديوتيريوم (D) والتريتيوم (T) واندماج ذرتي ديوتيريوم مع بعضهما. ولكل نوع من الاندماج إيجابيات ومساوئ. فالأول يتميز بكونه ينتج طاقة كبيرة (14.1MeV) مقارنة بالتفاعل الثاني (4.03MeV)، بالإضافة إلى أن احتمالية حدوث التفاعل الأول أكبر من فرص حدوث التفاعل الثاني. و في المقابل، تتواجد ذرة  الديوتيريوم بشكل طبيعي في الماء، على عكس ذرة التريتيوم التي تحتاج إلى التصنيع من أجل استخدامها كوقود نووي. وعلى مستوى البناء، فإن النيوترونات ذات الطاقة العالية التي تتحرر عند اندماج  الديوتيريوم والتريتيوم تلحق الضرر بجدار الوعاء الذي يضم الوقود النووي، مما يستلزم استبداله دوريًا، وبالتالي يزيد من حجم النفايات المشعة لهذا النوع من المفاعلات. ورغم هذا يبقى تفاعل نظيري الهيدروجين D و T المُرشَّح الأقوى للاستخدام في مفاعلات الاندماج النووي [1].

مراحل تطوير مفاعل اندماج نووي

يتطلب بناء مفاعل اندماج نووي المرور بأربعة مراحل، تبدأ بأداء تجارب على مستوى الجسيمات الفردية للتحقق من التفاعل ومن مدى إنتاجه للطاقة. تليها مرحلة إحداث أنظمة قادرة على جعل الطاقة المتولدة من التفاعل تفوق تلك التي يستهلكها. بعدها، يتوجب تصميم جهاز قادر على إنتاج قدرة عالية (في حدود الميغاوات) حتى يتسنى استغلالها في تطبيقات عماية. وفي النهاية، تأتي ضرورة تحسين تصميم المفاعل لجعل المنشأة ملائمة للأغراض التجارية. وقد حقق العلماء المستوى الأول. بينما، نشهد عدة تطورات واعدة بالنجاح في المستوى الثاني. أما المستويان الثالث والرابع، فلا يزالان في قيد الإنجاز مع آمال بأن يتحققا خلال هذا القرن [1].

طرق توليد الاندماج النووي

من أجل توليد اندماج نووي فعال، يجب أن تفوق الطاقة التي ينتجها التفاعل الطاقة التي يستهلكها –وهو ما يعرف بظاهرة الإشعال [2]. ولتحقيق الإشعال طور العلماء طريقتين مختلفتين هما «الحصر المغناطيسي-magnetic confinement fusion» و«الحصر بالقصور الذاتي-inertial confinement fusion». تتمثل الأولى في حجز البلازما المسؤولة عن توليد تفاعل الاندماج بواسطة مجالين كهربائي ومغناطيسي قويين. وفي المفاعلات التي تعتمد هذه الطريقة، يتم تسخين البلازما (الحالة الربعة للمادة، حيث تتفكك فيها المادة إلى أيونات وإلكترونات حرة) إلى درجات عالية من الحرارة إلى أن تصل مرحلة الإشعال. أما في الطريقة الثانية، فتُقذف كرية من الوقود النووي بأشعة الليزر أو بجسيمات مشحونة، وذلك بهدف تسخين ورفع كثافة الوقود النووي بضغطه نحو المركزإلى أن يصل إلى الإشعال[1][3].

آلات الحصر المغناطيسي

صُمِّمت ألات الحصر المغناطيسي من أجل إنتاج البلازما وحصرها في موضعها. تتم هذه العملية اعتمادًا على المجالين الكهربائي والمغناطيسي، حيث يسهمان في إنتاج الشحن المكونة للبلازما والحفاظ عليها. وتُسخن البلازما من خلال تمرير تيار كهربائي عبرها، أو من خلال طرق أخرى كاستخدام موجات المايكرويف التي تتلاشى داخل البلازما مُمِدة إياها بالطاقة اللازمة لتسخينها [1].

ومن أبرز آلات الحصر المغناطيسي، نذكر جهاز «التوماك-tokamak » المستخدم في المفاعل التجريبي الحراري (ITER) المتواجد بمدينة كاداراش جنوبي فرنسا، والذي تم بنائه بشراكة عدة دول من بينها الولايات المتحدة وروسيا والإتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى الحلقة الأوروبية المشتركة (JET) الموجودة بمركز كولهام للطاقة الاندماجية في أوكسفوردشاير[4].

الحلقة الأوروبية المشتركة (JET)

آلات القصور الذاتي

تعتمد آلات القصور الذاتي على الضغط الداخلي للوقود النووي من أجل إنتاج الطاقة اللازمة للاندماج النووي. وتشبه طريقة عمل هذه الآلات مبدأ عمل القنبلة الهيدروجينية، حيث يؤدي تسليط الليزرنحو  الطبقة الخارجية لكرية صغيرة من الوقود النووي إلى تفجيرهذه الطبقة. وتعمل قوة الانفجار على ضغط الوقود النووي نحو الداخل فترتفع كثافة الوقود وحرارته إلى أن يتحقق الاندماج النووي [5].

وقد سبقت هذه التقنية في الوصول إلى ظاهرة الإشعال. حيث نجحت منشأة الإشعال الوطنية الأمريكية (ولأول مرة في التاريخ) في الوصول إلى مرحلة الإشعال في بداية هذا الشهر. واستعملت لهذا الغرض 192 جهاز ليزر، من أجل قذف أسطوانة ذهبية بحجم حبة البازلاء، تحتوي كرة مجمدة من نظيري الهيدروجين الديوتيريوم (D) والتريتيوم (T).  تم إرسال 2.05 ميغاجول من الطاقة نحو الأسطوانة التي انهارت بفعل التردد المصاحب لهذه الطاقة. وحررت بذلك الحرارة اللازمة لتفعيل عملية الاندماج النووي. وقد ولّد هذا الأخير ما يعادل 3.15 ميغاجول من الطاقة وهو ما يفوق الطاقة المحفزة للتفاعل بما يقارب 54%. ورغم أن أجهزة الليزر استهلكت 322 ميغاجول من الطاقة خلال العملية، فإن الوصول إلى مرحلة الإشعال يعد دفعة مهمة في طريق الوصول إلى مفاعل اندماج نووي [6].

المصادر

[1] Nuclear energy: An introduction to the concepts, systems, and applications of nuclear processes

[2] Fusion and Ignition

[3] Plasma Physics

[4] اﻻﻨدﻤﺎج اﻟﻨووي ﻫل ﻫو اﻟﻤﺴﺘﻘﺒل ؟

[5] Inertial Confinement Fusion

[6] مختبر اندماج نووي يحقق تفاعل “إشعال”: ما دلالة هذا الإنجاز؟

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تقنية فيزياء

User Avatar

مريم بلحساوية


عدد مقالات الكاتب : 27
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق