محتويات المقال :
ترى نظرية وظائف اللغة أن للغة وظائف محددة تقود الأطفال إلى تعلمها للقيام بهذه الوظائف. فالطفل يتعلم لغته الأم في الوقت نفسه الذي يتعلم فيه عن العالم من حوله. ولهذا، تكون اللغة جزءاً من القواعد الثقافية التي تساعد الأطفال على أن يكونوا جزءاً من مجتمعهم، ولا يقتصر هدفها على التواصل فحسب [1].
وقد شرح هذه الوظائف اللغوي البريطاني “مايكل هاليداي – Michael Halliday” في عام 1975. وركز على فكرة أن الأطفال يبدؤون بالتواصل واكتساب اللغة قبل أن يبدؤوا بالكلام. وبناء على ملاحظاته لابنه وكيفية تعلمه للغة الأم، نشر أوراقاً بحثية شرح فيها ارتباط اللغة بالثقافة ككل، ووسع مفهوم وظائفها ليشمل مجالات أبعد من التواصل، وأطلق عليها اسم الوظائف النمائية (developmental functions) [1].
يمكن شرح فكرة هاليداي بأن تطور اللغة لدى الأطفال هو عبارة عن إتقانهم للوظائف اللغوية وتعلمهم كيفية إضفاء المعنى. أي أن الطفل يتعلم استخدامات اللغة وإمكان المعاني المرتبطة بها (تفعيل المعاني). وبناء عليه، يرى هاليداي أن الكلمات والتراكيب والأصوات التي تتألف منها اللغة هي عبارة عن تطبيق للمعاني المحتملة المرتبطة بها، وأن تعلم الطفل للغته الأم ينطوي على التعرف على أنماط سلوك وطرق تفكير جديدة [2].
فتطور اللغة لدى الطفل هي عملية تنشئة اجتماعية، لأنها القناة الرئيسية التي ينقل البالغون من خلالها إلى الطفل كل أنماط الحياة، ويتعلم عبرها أن يتصرف كأي فرد في المجتمع الذي يعيش فيه ويتبنى ثقافته وأفكاره ومعتقداته وقيمه. تتم هذه العملية بشكل غير مباشر من خلال تجارب يعيشها الطفل في أحداث متنوعة، ولو كانت صغيرة. ويلعب البالغون دوراً في توجيه السلوك ومراقبته خلال هذه التجارب، مما يساعد الطفل على بناء علاقاته [2].
يتعمد هاليداي استخدام مصطلح “تعلم” بدلاً من “اكتساب“، لأنه يرى أن اللغة تتركب لدى الطفل عن طريق التفاعل. وعلى عكس تفسير النظرية الفطرية، لا تعتبر اللغة هنا بأنها موجودة في الأصل وبانتظار أن يتم اكتسابها. بل إن ما يكتسبه الطفل هو إمكان المعنى (meaning potential) الذي تشكله مكونات اللغة [3].
يتحدث هاليداي عن ثلاث مراحل يمر بها الطفل في رحلته لتعلم اللغة. تنطوي المرحلة الأولى منها على نظام اللغة الأول الذي يتكون لدى الطفل، فيما تمثل المرحلة الثانية العبور من نظام الطفل إلى لغة البالغين. وأخيراً، تأتي المرحلة الثالثة التي تكون لغة البالغين قد تبلورت بها [3].
في المرحلة الأولى، يكون الهدف من تعلم اللغة الاستفادة من وظائفها النمائية أو الدقيقة (micro functions) لتحقيق أغراض معينة للطفل. وتتعقد هذه الوظائف السبعة مع تقدم الطفل بالعمر وازدياد كل من وعيه واحتياجاته، كما أنها تحدد الخيارات المتاحة للتعلم، والتراكيب التي تساعد على إعمال هذه الخيارات وتفعيلها [4]. أما عن الوظائف السبعة، فهي كالتالي:
النفعية (instrumental): تدل هذه الوظيفة على استخدام اللغة لتلبية حاجات محددة كالطعام أو الشراب أو الراحة. وعادة ما تضم أسماءً وكلمات مجردة.
التنظيمية (regulatory): تتمثل هذه الوظيفة باستخدام اللغة للتأثير على سلوك الآخرين، إما عن طريق الإقناع أو الطلب أو حتى الأوامر.
التفاعلية (interactional): وتستخدم لتطوير العلاقات مع الآخرين وتسهيل عملية التواصل. وقد تحمل عبارات مثل “شكراً”.
الشخصية (personal): يصبح الهدف عند إدراك هذه الوظيفة استخدام اللغة للتعبير عن الآراء الشخصية والمواقف والمشاعر الخاصة بالمتكلم.
التمثيلية / الإعلامية (representational / informative): أما هنا، فيتطور اعتماد الطفل على اللغة لتصبح وسيلة لتبادل المعلومات مع الآخرين. إذ يصبح الطفل قادراً على طرح أسئلة تؤدي إجاباتها إلى تفاعلات لغوية.
الاستكشافية (heuristic): يتمثل الهدف من اللغة هنا بالاستكشاف والتعلم عن طريق طرح أسئلة وإعطاء تعليقات. وتختلف عن الوظيفة الإعلامية من ناحية أنه لا يتم تبادل معلومات هنا، بل يكون الطفل مستكشفاً ومتلقياً لما هو جديد.
التخيلية (imaginative): تتجسد هذه الوظيفة في الغالب أثناء اللعب والأنشطة الترفيهية التي يقوم بها الطفل. حيث يستخدم اللغة للحديث عن قصص ينسجها ومواضيع يتخيلها [4].
مع نهاية المرحلة الأولى، يكون الأطفال قادرين على استخدام اللغة وفق وظائفها السبعة المختلفة. لكن هذا لا يعني أن مفرداتهم تكون قد اكتملت أو أن تراكيبهم تنوعت. بل يتألف نظامهم اللغوي من مجموعة أصوات ونبرات، لكنها لا ترقى لمستوى المفردات المتمايزة أو الصيغ القواعدية. بالنتيجة، في المرحلة الأولى لتعلمهم اللغة، يدرك الأطفال جيداً ما يمكن أن يفعلوه باللغة، لكنهم لا يستطيعون استخدامها كالكبار بعد [4].
في المرحلة الثانية، تزداد مفردات الطفل بسرعة وتتسع قدرته على الانخراط بحوارات أطول. وتصبح ألفاظه متعددة المهام، كما أن النظام اللغوي يتطور من كونه ذو وظائف دقيقة إلى وظائف كلية (macro functions). حيث يستطيع الطفل، وهو الآن بعمر عامين تقريباً، أن يستعمل اللغة بأكثر من وظيفة من تلك التي تعلمها في المرحلة الأولى، وفي وقت واحد [4].
في المرحلة الثالثة، أي بالوصول إلى لغة البالغين، يتعلم الطفل أن اللغة تستخدم بنطاق أوسع، ويتمكن عندها من ربط مجموعة كلمات وألفاظ مع بعضها. وهنا يتجاوز هدف اللغة وظائفها الأساسية، فتصبح الوظائف ذات أبعاد أكبر (meta functions). أي يمكن للطفل أن يبدأ بتفسير العالم من حوله واختباره بشكل أكبر. كما يصبح قادراً على تكوين علاقات متشعبة من خلال المحادثات واستخدام اللغة للإبقاء على التفاعل بين المتحدث والمستمع. كما يمكن له أن يفهم نصوصاً أو إصدارات لغوية معينة ضمن سياقاتها [4].
إذاً، تحدث هاليداي عن وظائف أساسية لتعلم اللغة هي التي تشجع الأطفال على تعلمها. وتمر هذه العملية بعدة مراحل حتى تتطور إلى لغة البالغين.
توصل باحثون إلى اكتشاف رائد يمكن أن يحدث ثورة في عالم التكنولوجيا القابلة للارتداء. لقد…
مع تصاعد التوترات حول نهر النيل، الذي يشكل شريان حياة بالغ الأهمية لملايين البشر في…
من المتوقع أن تشهد البشرية في السنوات القليلة المقبلة تطورات كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي.…
مقاومة المضادات الحيوية، التي تمثل تهديدًا صحيًا عالميًا متزايدًا، لها سبب مفاجئ وهي التربة. حيث…
في عالم الفلسفة الإسلامية، تم التغاضي عن مفهوم رائع لعدة قرون. لقد كانت الأحادية (monism)،…
من خلال إعادة التفكير في افتراضاتنا حول الحياة خارج الأرض، يتحدانا عالمان للنظر في إمكانية…