Ad

تعد مملكة الحضر واحدة من أقدم المدن التاريخية الهامة في بلاد مابين النهرين، فهي تتميز بتاريخها الغني والمتنوع الذي يعود إلى العصور القديمة.

الموقع وأهمية مملكة الحضر (عربايا)

تقع مدينة الحضر في قلب بادية الجزيرة الشمالية التابعة لمحافظة نينوى شمالي العراق، وتتوسط نهري دجلة والفرات عند الأطراف الشمالية الغربية من العراق. وامتد نفوذها إلى نهر دجلة من الشرق والفرات من الغرب. لكن في عصر ازدهارها، امتد نفوذها شمالاً إلى ما وراء سنجار.

نشأت مملكة الحضر وتعرف أيضا بـ”عربايا”، أي مملكة العرب على أنقاض طبقات سكنية تعود إلى الفترة الآشورية الحديثة. حيث نمت وتوسعت لتصبح مملكة مستقلة في القرن الثاني قبل الميلاد. واستمر حكمها إلى عام 241 من الميلاد، عندما سقطت على يد الملك الساساني شابور الأول.

تشير النقوش الكتابية إلى أن اسم المملكة كُتب بالآرامية بصيغة “حطرا”. ومن ذلك ما نٌقش على المسكوكات المضروبة فيها من الحضريين أنفسهم شعارا لعملتهم الوطنية الخاصة، وذلك في عبارة “حطرا دي شمش”، وتعني الحضر مدينة الشمس أو العائدة للشمس.

أصبحت مملكة الحضر هي الدولة العازلة بين إمبراطوريتين مهمتين، وهما إمبراطورية الإسكندر وإمبراطورية الفرس. ثم الإمبراطورية السلوقية والساسانية والفرثية، لتصبح بذلك حلقة وصل تاريخية، والملاذ الآمن للقبائل العربية والآرامية. وأنشأت مدينة مزدهرة عمرانياً واقتصادياً، لا سيما أنها كانت محطة عبور للقوافل التجارية.[1]

مملكة الحضر

ملوك الحضر

ظلت مملكة الحضر تحت هيمنة الحكم الروماني مئات السنين، ولم تزدهر وتصبح مملكة لها حضورها المستقل وثقلها الإقليمي إلا بعد سقوط الرومان. وقد تناوب على حكمها 4 ملوك عرب فقط، خلال 84 عامًا، كان أولهم الملك ولجش الذي حكم 65 عاماً. تم التعرف عليه من أكثر من 20 نقشًا من النقوش التي وجدت في المملكة.[5]

وتلاه في الحكم شقيقه الملك سنطروق الأول، وقد وجدت كتابة على أحد المباني الأثرية بالمملكة تقول: “سنطروق هو ملك العرب”. ثم تولى الحكم نجله الأكبر الملك عبد سيما الذي دام حكمه عشر سنوات فقط.

أما الملك سنطروق الثاني فهو الأطول حكمًا للمملكة، فقد دام حكمه أكثر من 40 عامًا. وفي عهده شهدت الحضر أكبر ازدهار لها، على المستوى الجغرافي التوسعي أو الاقتصادي. فامتدت البلاد إلى ما بعد نهر الفرات في الغرب، ووصلت إلى تخوم بلاد الشام. الخاضعة حينها للحكم الروماني.[4]

الديانة في المملكة

سكنت مملكة الحضر قبائل عربية، وعاش وسطهم القليل من الآراميين، ولم تكن سوى قرية نشأت خلال العصر الآشوري الحديث (عام 612 قبل الميلاد). واستغلت غياب قوة الإمبراطورية الآشورية لتتوسع وتصبح مركزا لاستقطاب الأفراد من البدو ورعاة الإبل والمتجولين في عموم البادية الشمالية.[1]

أهل الحضر كانوا يعبدون آلهة عدة منها اللات وشمش. وتعني الحقيقة المطلقة عند الحضريين، كما نعتوا الشمس بالإله الأكبر وقد تخيلوه على هيئة كهل عاقل. كما توضح رسومهم على أقواس وإسكفات في المعبد الكبير، فقد انتقلو من الوثنية و تحولوا إلى الديانة المسيحية. وأصبحت مملكتهم مملكة دينية ذات حكم ديمقراطي، وتتمتع بأرقى معاني الديمقراطية وحرية إبداء الرأي مقارنة بالممالك الأخرى.[2]

معبد الألهة في الحضر

العمارة والفن

شهدت الحضر العديد من الاكتشافات الهامة على مر السنين. ومن بين أهم الاكتشافات التي تم العثور عليها في مملكة الحضر عملات معدنية تحمل اسم “حضر شمش” وتماثيل. وتعد العملات والتماثيل جزءًا من التراث الثقافي للمدينة، كما تم اكتشاف أبراج مراقبة وحمامات ذات نظام تسخين متطور. تعكس حمامات عربايا التقدم التكنولوجي الذي كانت تتمتع به المملكة. كما احتوت على مكان عبادة مخصص لكاتب الله نبو والإلهة ناني، بالإضافة إلى شهادة من كاهنة للإلهة عشتار دي أربيل، وربما أيضًا اسم ذكر الله آشور.

تم العثور أيضاً على نقش بارز يمثل الإلهة على ظهر جمل في معبد اللات، والذي يشير إلى طقوس دينية. يمكن القول بأن هذه الاكتشافات تعكس الحضارة والتقدم الذي تمتعت به مملكة الحضر، وتعد جزءاً من التراث الثقافي لهذه المدينة التاريخية.

كلها كانت عوامل مساعدة دفعتهم للتفكير بالإبداع وإيجاد عناصر عمرانية خاصة متمثلة بالمعابد في إبراز الالهة ومكانتهم. فقد تم العثور على البرونز وأعداد كبيرة من المسكوكات، منها ما هو مضروب في مدينة الحضر. حيث امتلكت مملكة الحضر داراً لضرب العملة النحاسية والفضية والذهبية.[3]

قطع معدنية كانت مستخدمة في مملكة الحضر.

علاقات مملكة الحضر

تشكلت علاقات مملكة الحضر مع الدول الأخرى في المنطقة وخارجها على مر السنين، وكانت هذه العلاقات تتميز بالتعقيد والتنوع. ومن بين العلاقات الدبلوماسية التي كانت تربطها مع الدول الأخرى، علاقات تجارية ودبلوماسية مع الإمبراطورية الرومانية. وكانت تستورد منها بعض المواد الأساسية مثل الحديد والبرونز. وأيضاً كان لها علاقات مع الإمبراطورية الساسانية فاستوردت منها الحرير والتوابل. [5]

الكتابة الحَضَرية

تُعتبر الكتابة الحضرية كتابة خاصّة، شأنها شأن الكتابات في الممالك المجاورة لها كالتدمرية والنبطية، وهي ليست آرامية كما يُعتقد. فمحاولات المتخصّصين في الآرامية لقراءتها باءت كلّها بالفشل منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وما بعده، وإن كانت قد تأثّرت بالآرامية في وضعها لبعض الحروف.

كما لم تُفسّر رموز هذه الكتابة كاملة إلاّ في سنة 1951م على يدي فؤاد سفر ومحمّد علي مصطفى. وتأكّد ذلك بعثورهما على حروفها كاملة منقوشة على الجدار الشرقي لمعبد بَعْلَشْمون بترتيب أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت، وبذلك تيسّر قراءة هذه الكتابة.[3]

حروف الأبجدية الحضرية، وجدت منقوشة على الجدار الشرقي لمعبد بعلشمون. تعود على وجه التقريب إلى القرن الثاني الميلادي.

سقوط المملكة

سقطت المملكة عام 141 من الميلاد، بعد أن حرر آخر ملوك الحضر أقاليم السواد وشهرزور من سلطة الاحتلال الساساني. فأعدّ الإمبراطور الساساني شابور الأول العدّة للهجوم على الحضر، بعد أن فشل والده في احتلالها سابقاً. ففرض عليها حصاراً، وتمكن من اختراقها واحتلالها بعدما ساعده أشخاص من داخلها. [4]

المراجع
1. Britannica.com
2. Unesco.org
3. Depedia.org
4. Heritagedaily.com
5. Ancientneareast

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


آثار تاريخ

User Avatar

Leen Mhanna

استخدم الكتابة كوسيلة لنشر المعرفة والوعي بالتاريخ والآثار.


عدد مقالات الكاتب : 17
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق