متلازمة الكوخ والعزلة المرضية
أتت جائحة كورونا عام 2020 لتفرض علينا حجرًا منزليًا طويلًا، فصلنا عن الحياة الصاخبة التي اعتدنا عليها. وعلى الرغم من الراحة النفسية التي تعطيها العطلة في العادة، إلا أن هذه العطلة القسرية سببت للكثير من الأشخاص حول العالم عوارضًا نفسية عديدة، وعاد الحديث حول ما يسمَى بمتلازمة الكوخ. فما هي متلازمة الكوخ؟ وما هي أعراضها؟
محتويات المقال :
ما هي متلازمة الكوخ؟
متلازمة الكوخ، أو ما يُسمى باللغة الانكليزية ب«Cabin fever»، هي مجموعة من الأعراض النفسية التي تصيب الشخص بسبب مكوثه لفترات طويلة في المنزل. وعلى الرغم من أنها غير مُصنفة كمرض نفسي حقيقي، إلا أن عدد كبير من الأشخاص يشعرون بأعراضها. وهي تتراوح بين المشاعر السلبية والتوتر الناتجة عن قضاء وقت طويل في المنزل، حتى تصل الى مشاعر حادة من الوحدة والعزلة أو حتى أذية النفس.
من الأرجح أن أول استخدام لمفهوم هذه المتلازمة يعود الى أوائل القرن العشرين، حيث تكلم عنها سكان المناطق الشمالية من القارة الأميركية، الذين كانوا يضطرون للبقاء في منازلهم لفترات طويلة خصوصًا في أيام الشتاء. وبعض المصادر تعتبر أنه بدأ الحديث عن متلازمة الكوخ في أوائل القرن التاسع عشر مع انتشار حمى التيفوئيد المُعدية التي أجبرت السكان على البقاء في المنازل لأيامٍ عديدة.
يربط العلماء أحيانًا متلازمة الكوخ بالاكتئاب الموسمي، الذي يصيب بعض الأشخاص عند حلول فصل الشتاء.
شكلت متلازمة الكوخ لفترة طويلة معضلة لعلماء النفس، بحيث اعتبر البعض أن عوارضها حقيقية، فيما رأى البعض الآخر أنها مجرد معتقد اجتماعي غير دقيق ولا يرقى للتشخيص الطبي. اليوم يعترف علماء النفس بمتلازمة الكوخ كمجموعة من الأعراض المختلفة الناتجة عن المكوث في البيت، لكنها غير مُصنفة كتشخيص وليس لديها تعريف محدد.
ما هي الأعراض؟
تختلف أعراض متلازمة الكوخ بين شخصٍ وشخص. وهي تشمل المزاج السيئ والملل والضجر والقلق والتوتر والغضب واليأس وفقدان التحفيز أو الرغبة بالعمل والانزعاج السريع والأرق وصولًا الى الاكتئاب وأحيانًا العنف تجاه الآخرين أو أذية النفس.
وتنعكس هذه الأعراض على الحياة اليومية للأشخاص المُصابين بها فتؤثر على الانتاجية، وتقلل نسبة التركيز. كما يمكن أن تسبب اضطرابات في النوم بين الأرق وقلة النوم أو النوم لفترات طويلة من اليوم. كذلك تسبب المتلازمة أحيانًا اضطراب في الطعام، وتحفز عند بعض الأشخاص شرب كميات كبيرة من الكحول.
من يُصاب بمتلازمة الكوخ؟
تنتج المتلازمة عن أسباب خارجية (البقاء في المنزل) لكنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأسباب الداخلية الفردية. بحيث تُصيب متلازمة الكوخ بشكل أكبر الأشخاص الانبساطيين (Extrovert) أي الأشخاص الذين يميلون الى الخروج من المنزل ولقاء الآخرين بكثرة، فهم ليسوا معتادين على روتين المنزل.
ارتباط متلازمة الكوخ بوباء كورونا
أجبر وباء كوفيد-19 المليارات من البشر على التباعد الجسدي والاجتماعي، وقضاء فترات طويلة في المنزل. لذلك فهو مرتبط بشكل بديهي ومنطقي بمتلازمة الكوخ. فبدأت الصحف حول العالم تتكلم مجددًا عن المتلازمة، وتشدّد على أهمية الانتباه الى الصحة النفسية الى جانب الصحة الجسدية والوقاية من الوباء.
لا شك أن تكنولوجيا الاتصالات لعبت دورًا هائلًا في الحفاظ على التواصل مع العالم الخارجي ممّا خفف من الشعور بالوحدة عند الكثيرين، ولكنها لم تعوض عن الاتصال المباشر والحقيقي عند آخرين ولم تمنع ظهور أعراض المتلازمة بعد فترة طويلة من الحجر.
الوقاية من متلازمة الكوخ والعلاج منها
بما أن متلازمة الكوخ غير مصنفة كمرض نفسي، فلا يوجد إجراء علاجي واضح. إلا أن علماء النفس ينصحون إجمالًا الأشخاص المعرضين للمتلازمة باللجوء الى اعتماد روتين صحي، من خلال تنظيم النوم ووجبات الغذاء. كما ينصحون بشدة بالبقاء على تواصل مع العالم الخارجي والأهل والأصدقاء (حتى لو كان هذا التواصل افتراضيًا)، وبالابقاء على النشاط الذهني من خلال العمل أو الدراسة أو المطالعة أو أي نشاط ذهني آخر، والنشاط الجسدي من خلال الحركة والرياضة.
أما في الحالات الحادة، عندما تصل أعراض المتلازمة الى اليأس الحاد والاكتئاب والقلق والعنف، يحتاج المُصاب بها الى مساعدة من خلال العلاج النفسي وأحيانًا الى علاج طبي دوائي.
العزلة أمر جيد، ولكنك تحتاج شخص ما لتخبره بأن العزلة جيدة.
-هونوري دي بالزاك
الانسان حيوان اجتماعي، وعقله يتغذى بالتواصل الاجتماعي تمامًا كما يتغذى بالطعام والنوم. وعلى الرغم من اختلاف حاجات البشر بين أشخاص يميلون الى الوحدة وآخرين يفضلون وفرة العلاقات الاجتماعية على أنواعها حولهم، إلا أن التواصل يبقى أوكسيجين العقل البشري.
المصادر:
Medical News Today
CNN
Washington Post
اقرأ أيضًا، متلازمة أليس في بلاد العجائب
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :