صحة

متلازمة القدس : بين الايمان والجنون

لطالما ارتبط اسم مدينة القدس، عاصمة فلسطين المُحتلّة، بالتاريخ الحضاري والديني لمنطقة الشرق الأوسط. فهي لم تسمَّ “القدس” (أي البيت المقدس) أو “أورشليم” (أي بيت السلام) من باب الصدفة، بل لأنها تُعتبر القلب النابض للأديان السماوية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام.ولكن هل كنت تعلم أن اسم القدس يرتبط أيضًا بمتلازمة نفسية غريبة؟ فما هي هذه المتلازمة؟ وما علاقتها بزيارة القدس؟

تعريف متلازمة القدس

متلازمة القدس هي متلازمة نفسية، وهي مجموعة وساوس أو أوهام ذهانية ذات طابع ديني تطغى على عدد من الأشخاص خلال زيارتهم لمدينة القدس. تصيب المتلازمة حوالى المئة شخص أو أكثر كل عام، ويحتاج حوالى الأربعون شخصًا الدخول الى المستشفى لمعالجة عوارضهم النفسية. ويُعتقد أن عددًا من الحالات يبقى غير مُشخّص. يشكل الزوار المسيحيون واليهود غالبية الحالات، بينما حالات الزوار المسلمين تبقى نادرة.

نبذة عن القدس وعلاقتها بالأديان السماوية

لفهم متلازمة القدس يجب فهم المحيط الثقافي الموجود في هذه المدينة والذي يحفز هذا النوع من الأوهام. تتميز زهرة المدائن بغناها الفريد بالمعالم السياحية الدينية التاريخية، وتحتل القدس مكانة دينية مهمة جدًا ممّا يفسر الصراعات السياسية القائمة حولها.

فبالنسبة للديانة اليهودية، تحتوي القدس على حائط المبكى، الذي يعتقد اليهود أنه ما تبقّى من هيكل النبي سليمان وهو أكثر الأماكن قداسةً عند اليهود.

بالنسبة للمؤمنين المسيحيين، تشكل القدس أهمية قصوى كونها المدينة التي شهدت صلب المسيح وقيامته، وتُعتبر كنيسة القيامة مكانًا للحج يقصده الملايين من المؤمنين سنويًا.

أما بالنسبة للإسلام، فمدينة القدس تحتوي المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وقبة الصخرة التي عرج منها النبي محمد.

إضافةً إلى هذه المعالم، مدينة القدس غنية بعشرات المعالم الدينية والتاريخية والأثرية.

أنواع متلازمة القدس

قُسّمت حالات الإصابة بمتلازمة القدس إلى ثلاثة أنواع بحسب العوارض والسوابق الطبية والخلفية النفسية للأشخاص المُصابين.

Related Post

النوع الأول: متلازمة القدس الناتجة عن مرض ذهاني سابق

في هذه الحالة، يكون الشخص المُصاب بمتلازمة القدس مُصاب سابقًا بمرض ذهاني قبل زيارته القدس. وغالبًا تكون زيارة القدس ناتجة في الأساس عن المرض النفسي الذهاني (مثلًا يتوهم المريض أنه في مهمة إلهية يجب أن يزور القدس).

«الذهان-Psychosis» هو مرض نفسي يسبب الانفصال عن الواقع، وهو يشمل «الفصام-Schizophrenia» الذي يسبب الهذيان بأفكار وهمية مع هلاوس بصرية أو سمعية، و«الاضطراب الثنائي القطب-Bipolar disorder» الذي يسبب التأرجح بين فترات من الهوس (نشاط مفرط وارتفاع غير طبيعي في المزاج والإثارة) وفترات من الاكتئاب.

يتخيل المريض أنه واحد من الشخصيات الدينية أو أنه في مهمة دينية بأمر إلهي، مثلًا توهم شخص أنه شمشون وهو شخصية دينية يهودية وأنه في مهمة لإزاحة صخرة من حائط المبكى، كما توهم أشخاص آخرون أنهم يتقمصون شخصية السيد المسيح أو القديس يوحنا المعمدان، وبعض النساء تخيلن أنهن السيدة مريم العذراء.

النوع الثاني: متلازمة القدس ناتجة عن مرض نفسي غير ذهاني ومترافق مع عادات غريبة

ينتج هذا النوع إجمالًا عن اضطرابات في الشخصية أو عن أفكار وسواسية، وغالبًا ما يصيب مجموعة من الزوار، فيقومون بتصرفات غريبة.

فقد قامت مجموعات من الزوار المسيحيين بزيارات متتالية لعدم تفويت إعادة ظهور المسيح. وقامت مجموعات من الزوار اليهود بمحاولات لخلق “البقرة الحمراء” كالتي ذُكرت في التوراة.

النوع الثالث: متلازمة القدس غير المسبوقة بأي مرض نفسي

يُصاب بعض الأشخاص بنوبة ذهانية حادة عند زيارتهم القدس، رغم عدم وجود أي سابقة مرضية نفسية.

 ويشترط التشخيص بهذا النوع من المتلازمة بعدم ارتباط الزيارة بأي نوع من الأوهام أو الوساوس الدينية، وبمرورهم بسبعة مراحل مرضية وهي: قلق وتوتر حاد، ثم رغبة في الانفصال عن المجموعة السياحية أو العائلة الذي أتى معها، ثم وساوس قهرية متعلقة بالنظافة والطهارة، ثم تحضير لباس ذي طابع ديني (غالبًا ثوب أبيض)، ثم الحاجة إلى صراخ أو إنشاد أحاديث مقدسة، ثم المسيرة إلى أحد الأماكن المقدسة، وأخيرًا إلقاء خطبة دينية (غاليًا غير منطقية) في مكان مقدس.

إجمالًا، يأتي الأشخاص الذين يصابون بالنوع الثالث من متلازمة القدس من عائلات دينية محافظة. يتم معالجة هذا النوع من المتلازمة سريعًا من خلال الأدوية وتختفي العوارض نهائيًا بعد مغادرة القدس.

توضح متلازمة القدس الغريبة مدى تأثر العقل البشري بالمحيط الثقافي والفكري والديني، يصل أحيانًا إلى الهذيان والهلوسة. ويتحول الايمان الديني إلى جنون.غير أن هذا النوع من المتلازمات لا يقتصر فقط على التأثر بالأفكار الدينية، بل أيضًا بالمحيط الفني والهندسي، تمامًا كما يحصل عند الاصابة بمتلازمة ستندال التي تصيب مهووسي الفن عند زيارتهم فلورينسا الايطالية.

المصادر:

Cambridge University Press
The Guardian
The Telegraph
Livescience

Author: Riham Hamadeh

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
Riham Hamadeh

View Comments

Share
Published by
Riham Hamadeh

Recent Posts

مسابقة الابتكار الحيوي العربي 2025: خارطة طريق عربية نحو “اقتصاد المعرفة”

في خطوة استراتيجية تهدف إلى إعادة رسم خارطة الاقتصاد العربي، وفي رحاب المركز القومي للبحوث…

يوم واحد ago

“رحلة الابتكار لا تعرف حدودًا”: مؤتمر التقانات الحيوية الحادي عشر يواجه تحديات الأمن الصحي والغذائي

قمة العلماء العرب تنطلق الأحد القادم.. "التقانة الحيوية".. بوصلة العرب نحو استدامة المستقبل أعلنت رابطة…

5 أيام ago

اختراق علمي: أقدم حمض نووي ريبوزي يكشف أسرار حياة وموت الماموث الصوفي!

تمكن علماء من تحقيق إنجاز علمي باهر عبر عزل وتحديد تسلسل أقدم حمض نووي ريبوزي…

أسبوع واحد ago

لغز “أطلانطس اليابان”: هل “هرم يوناجوني” الغارق يعيد كتابة تاريخ الحضارات الإنسانية؟

هرم يوناجوني": الحقيقة الكاملة للغز الياباني الذي يتحدى الأهرامات منذ اكتشافه صدفة عام 1986، تحوّل…

3 أسابيع ago

جيمس واتسون.. رحيل العبقري الجدلي الذي غيّر وجه البيولوجيا للأبد

وداعاً "أيقونة الحمض النووي": جيمس واتسون ببالغ الحزن والتقدير، أعلن العالم عن رحيل أحد أبرز…

3 أسابيع ago

“عاشق العلم بروح التصوف”.. رحيل الدكتور أحمد شوقي وإرث “كراسات علمية” الخالد

ببالغ الحزن والأسى، ودعت الأوساط الأكاديمية والعلمية في مصر والعالم العربي قامة من قامات الوراثة…

3 أسابيع ago