Ad

غالبًا ما تؤدي الأحلام والخيال البشري الخصب إلى ظهور علوم وتقنيات جديدة تماماً. ومن رحم هذه الأحلام كانت تقنية النانو ملتقى الخيال العلمي مع الحقيقة. فما هو النانو؟ وما هي تقنية النانو؟ كيف بدأت؟ وإلى أين تتجه اليوم في القرن الحادي والعشرين؟

ما هو النانو “NANO”؟

قبل أن نبدأ الحديث عن تقنية النانو لنلقي نظرة عن مفهوم النانو. تُشتق البادئة “nano” من الكلمة اليونانية القديمة “nanos” والتي تعني القزم. أما اليوم فتستخدم على مستوى العالم كبادئة تعني عامل بالشكل (9-)^10. وإذا قرنت كلمة نانو مع كلمة متر ستجلب مصطلح النانو متر والذي يشير إلى وحدة قياس مكاني تساوي جزء واحد من مليار جزء من المتر أو من (وحدة القياس).

اقتُراح مفهوم “النانومتر” لأول مرة من قبل “ريتشارد أدولف زيجموندي – Richard Adolf Zsigmondy”، الحائز على جائزة نوبل عام 1925 في الكيمياء، لوصف حجم الجسيمات.

ريتشارد أدولف زيجموندي
ريتشارد أدولف زيجموندي

لمساعدتكم في تخيل النانومتر نستعرض المثال التالي:

لنفرض أننا قطعنا متراً إلى 100 قطعة متساوية، فسيكون حجم كل قطعة سنتيمتراً واحداً هذا يعادل حجم مكعب السكر. إذا قطعنا السنتيمتر إلى مائة قطعة متساوية، فستكون كل قطعة مليمترًا واحدًا. يتراوح حجم حبة الرمل من 0.1 مم إلى 2 مم. ويمكن رؤية الأشياء الصغيرة مثل المليمتر بالعين المجردة ولكن عندما تقل أبعاد الجسم عن المليمتر فقد يكون من الصعب تمييزها.

إذا قمنا بتقطيع المليمتر إلى مائة قطعة متساوية فسيكون طول كل قطعة ميكرومتراً. ويبلغ قطر الشعرة من 40 إلى 50 ميكرومتراً. وعادة لا يمكن رؤية الأشياء على هذا المقياس بأعيننا، بل يمكن تصورها باستخدام عدسة مكبرة أو مجهر ضوئي.

إذا قطعنا ميكرومتراً إلى ألف قطعة متساوية، فسيكون طول كل قطعة نانومتراً! وعندما تكون الأشياء صغيرة إلى هذا الحد لا يمكننا ملاحظتها بأعيننا أو بالمجهر الضوئي. وتتطلب هذه الأشياء الصغيرة أداة خاصة للتصوير. إذ يبلغ الحمض النووي 2 نانومتر، والذرات تكون أصغر من نانومتر. فالذرة الواحدة تبلغ قرابة 0.1-0.3 نانومتر، اعتمادًا على نوع العنصر.

توضيح لمقياس النانومتر مقارنة بحجوم المواد
توضيح لمقياس النانومتر مقارنة بحجوم المواد

ما هي تقنية النانو؟

تعرف بأنها أي تقنية تتم على مواد من المقاييس النانوية، فهي العلوم والهندسة والتكنلوجيا التي يتم إجراؤها على نطاق 1 – 100 نانومتر. وتتيح فهم المواد والتحكم بخواصها على المستوي الذري والنووي للتخطيط لعناصر جديدة تنتج ظواهر جديدة لتطبيقات جديدة. حيث تظهر المواد المعدلة على المستوي النانوي خصائص (فيزيائية، وبصرية، وحرارية، وميكانيكية، وكهربائية، وإلكترونية، وغيرها…) فريدة وجديدة تماماً.

تقسم المكونات النانوية إلى هياكل بحسب أبعادها كالتالي:

  • العناقيد النانوية: هي هياكل تتراوح من 1 إلى 100 نانومتر في كل بُعد مكاني. يتم تصنيف هذه الهياكل على أنها هياكل نانوية صفرية البعد 0D.
  • الأنابيب النانوية والأسلاك النانوية: لها قطر بين 1 و100 نانومتر وطول يمكن أن يكون أكبر من ذلك بكثير. ويتم تصنيف هذه الهياكل على أنها هياكل نانوية أحادية البعد 1D.
  • السطوح ذات النسيج النانوي أو الأغشية الرقيقة: يتراوح سمكها بين 1 و100 نانومتر، في حين أن البعدين الآخرين أكبر بكثير. ويتم تصنيف هذه الهياكل على أنها هياكل نانوية ثنائية الأبعاد2D .
  • أخيرًا، المواد الضخمة: ذات الأبعاد التي تزيد أبعادها الثلاث عن 100 نانومتر من الهياكل السابقة تسمى الهياكل النانوية ثلاثية الأبعاد 3D.
أنواع الهياكل النانوية بحسب أبعادها.
أنواع الهياكل النانوية بحسب أبعادها.

ما مقدار أهمية تقنية النانو اليوم؟

تعلمنا تقنية النانو فهم العالم الذي نعيش فيه وتمكننا من فعل أشياء مثيرة للاهتمام عندما ننتقل للمقاييس النانوية.

فعلم النانو وتقنياته يمكن أن يساعدا في إعادة تشكيل العالم من حولنا. إذ نعلم أن كل شيء من حولنا يتكون من ذرات _ الطعام، الملابس، الأبنية، وأجسادنا _ مرتبة بطريقة محددة لتقوم بوظائف محددة، يمكننا أيضًا باستخدام علوم وتقنيات النانو التلاعب وإعادة ترتيب الأجزاء في المواد المختلفة لإنتاج نماذج محددة تقوم بوظائف محددة.

وهناك قضية مهمة لنأخذها في الحسبان وهي أن خصائص الأشياء تتغير عندما تصبح أصغر. بالتالي، عندما يتم التلاعب بالمادة وإعادة تنظيمها على مقياس النانو، سيتمكن العلماء من ضبط خصائص المادة بدقة.

تاريخ تقنيات النانو

منذ حوالي النصف قرن لم تكن تقنية النانو أكثر من مجرد خيال علمي، ثم في عام 1959 قدم الفيزيائي ريتشارد فاينمان الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء خلال اجتماع للجمعية الفيزيائية الأميركية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (CalTech) محاضرة عن مفهوم التلاعب بالمادة والتحكم بها على المستوي الذري. خلق فاينمان بذلك نهجًا جديدًا للتفكير، وبدأت رحلة إثبات صحة فرضياته منذ ذلك الحين. ولهذا السبب يعتبر المؤسس الأول لتقنية النانو.

ريتشارد فاينمان
ريتشارد فاينمان

بعد أكثر من عقد من الزمان، صاغ البروفيسور ” Norio Taniguchi ” مصطلح تقنية النانو (nano-technology).

Norio Taniguchi
Norio Taniguchi

ومع ذلك، فإن العصر الذهبي لتقنية النانو بدأ فقط في عام 1981، عندما تم تطوير واستخدام مجهر المسح النفقي الذي مكننا من رؤية الذرات الفردية. وشهدت بداية القرن الحادي والعشرين اهتمامًا متزايدًا بالمجالات الناشئة في علم وتقنيات النانو. ففي الولايات المتحدة دعا الرئيس السابق بيل كلينتون إلى تمويل الأبحاث في هذه التقنية الناشئة خلال خطاب ألقاه في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في 21 يناير 2000.

وبعد ثلاث سنوات وقع الرئيس جورج بوش على قانون البحث والتطوير في مجال تكنولوجيا النانو للقرن الحادي والعشرين. وقد جعل هذا التشريع لأبحاث تقنيات النانو أولوية وطنية وخلق مبادرة تقنية النانو الوطنية (National Nanotechnology Initiative) (NNI) والتي لا زالت قائمة حتى اليوم.

حاضر ومستقبل تقنيات النانو

في إطار زمني يقارب النصف قرن، أصبحت تقنية النانو الأساس لتطبيقات صناعية رائعة.

اليوم:

تؤثر تقنية النانو على حياة كل إنسان، والفوائد المحتملة منها كثيرة ومتنوعة. ونرى أنها تدخل في العديد من القطاعات مثل:

  • إدارة وسلامة الغذاء والصناعات الغذائية ومستحضرات التجميل لتحسين الإنتاج ومدة الصلاحية والتوافر البيولوجي وغيرها…
  • إدارة البيئة وتنظيفها وهي واحدة من أكبر مشاكل العالم الحقيقي وأكثرها إلحاحا. ستساعد تقنية النانو في حماية البيئة والمناخ من خلال توفير الطاقة والمياه وتقليل الغازات الدفيئة والنفايات الخطرة مع زيادة متانة المواد التي تدوم لفترة أطول وتقلل إنتاج النفايات، وإنتاج الطاقة المتجددة والمستدامة.
  • قطاع التقنيات الرقمية وتعتبر المدخل الرئيسي لعالم رقمي أصغر وأكثر كفاءة.
  • القطاعات الصحية فهي اليوم تستخدم للوقاية التشخيص والعلاج. وتزيد تقنية النانو من فعالية التصوير الطبي التشخيصي مما يجعل العلاجات أكثر فعالية.
  • ونرى اليوم الكثير من المحاولات لتطوير أنظمة توصيل الدواء للعديد من الأمراض وخاصة دون المستوي الذري. حيث يساعد تغليف الجسيمات النانوية على توصيل الدواء مباشرة للخلايا السرطانية. كما يقلل مخاطر تلف النسج السليمة، مما يغير بشكل جذري الطريقة الحالية المتبعة لعلاجات السرطان. ويقلل بشكل كبير من الآثار السامة للعلاج الكيميائي.

في المستقبل:

فيعتبر العصر الناشئ في الطب هو ” طب النانو” وحصرًا عصر ” الروبوتات النانوية ” التي يمكنها إكمال المهام بطريقة آلية. وتتمتع الروبوتات النانوية بالقدرة على الاستشعار وتمييز الصديق من العدو والاستجابة بتقديم حمولاتها الدوائية وذلك كله على مستوى النانو.

وتسخر تقنية النانو اليوم التقدم الحالي في الكيمياء والفيزياء وعلوم المواد والتقنيات الحيوية لإنشاء مواد جديدة لها خصائص فريدة بفعل هياكلها المحددة على مقياس النانومتر.

كما أدت البحوث العلمية في هذه الأفكار وغيرها على مستوى النانو إلى ابتكارات مثيرة للاهتمام. ورغم ذلك لا تزال تقنية النانو في مرحلة الاستكشاف المبكرة جداً، ولكنها تتطور بشكل سريع. فرغم أن آليات مكافحة الأمراض دون الذرية كانت خيالًا علميًا لعقود من الزمن، فقد اقتربنا اليوم من جعل هذه الفكرة حقيقة. وعلى الرغم من الطبيعة المعقدة للمواد النانوية إلا أن مستقبل تقنية النانو يبدو مشرقاً جداً.

المصادر:

.Haick, P. H. (2013). Nanotechnology and Nanosensors
JE Hulla, S. S. (2015). Nanotechnology: History and future. Human and Experimental Toxicology, p. 42
.kohler, J. M. (2021). Challenges for Nanotechnology. Encyclopedia
.Sakhare, D. (2022). Nanotechnology Applications in Science and Technology

 

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تقنيه النانو طب صحة كيمياء تطور بيئة تقنية هندسة

User Avatar

Thouraya Mouhssiena


عدد مقالات الكاتب : 4
الملف الشخصي للكاتب :

شارك في الإعداد :
تدقيق لغوي : abdalla taha

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *