على مدى قرون، انبهر علماء الآثار والمستكشفون بهرم خوفو، المعروف أيضًا باسم الهرم الأكبر، وأسراره العديدة. ومن بين الحفريات والتحقيقات العديدة، تم استرداد ثلاثة عناصر فقط من داخل الهرم الأكبر، والمعروفة باسم بقايا ديكسون (Dixon Relics). تم اكتشاف هذه الأشياء الغامضة في عام 1872 من قبل واينمان ديكسون وجيمس جرانت، ولكن على الرغم من العثور عليها منذ أكثر من 140 عامًا، إلا أن الغرض الحقيقي منها ظل محاطًا بالغموض.
محتويات المقال :
ألغاز البناء القديم
لقد أذهلنا الهرم الأكبر بالجيزة، وهو أعجوبة هندسية قديمة، منذ فترة طويلة بحجمه الهائل وغموضه. ولكن كيف حقق المصريون القدماء هذا الإنجاز؟ إن بناء الهرم هو شهادة على براعتهم وتنظيمهم وإتقانهم للرياضيات. ولفهم أسرار الهرم، لا بد من الخوض في تاريخ تقنيات البناء المصرية القديمة.
في حوالي عام 2580 قبل الميلاد، أمر الملك خوفو ببناء الهرم الأكبر، والذي استغرق إكماله حوالي 20 عامًا. عمل الآلاف من العمال المهرة بلا كلل لنقل الكتل الحجرية الضخمة، التي يزن بعضها أكثر من 2.5 طن، إلى مكانها. تم بناء قلب الهرم باستخدام كتل من الحجر الجيري والجرانيت، مع غلاف خارجي أملس مصنوع من الحجر الجيري الأبيض المصقول.
أحد الجوانب الأكثر إثارة للاهتمام في هذا البناء المصري القديم هو استخدامهم لأدوات بسيطة لكنها فعالة. لقد استخدموا الأزاميل النحاسية والمطارق الخشبية والأسافين (Wedge) الحجرية (آلة تستخدم لفصل جسمين) في المحاجر وتشكيل الكتل الحجرية. كما طور المصريون نظامًا متطورًا من البكرات والحبال والرافعات لتحريك الكتل إلى مكانها.
كان فهم المصريين القدماء للرياضيات أمرًا حاسمًا أيضًا في بناء الهرم. لقد استخدموا النظام العشري وكانوا على دراية بمفاهيم مثل الهندسة والجبر. وقد سمحت لهم حساباتهم بتحقيق دقة رائعة، حيث كان كل جانب من جوانب الهرم محاذيًا بشكل مثالي تقريبًا مع الاتجاهات الأساسية الأربعة.
بقايا ديكسون
تم اكتشاف القطع الأثرية الثلاثية، التي تتكون من كرة حجرية صغيرة، وقطعة نحاسية معقوفة، وقطعة من خشب الأرز، في ممر هوائي يؤدي إلى غرفة الملكة. وبينما أشارت تقارير الصحف في البداية إلى أنها قد تكون أدوات مستخدمة في بناء الهرم، إلا أن الوظيفة الدقيقة لهذه الأشياء القديمة تظل موضوعًا للنقاش حتى يومنا هذا.
المتحف البريطاني هو المكان الذي استقرت فيه الكرة الحجرية والقطعة النحاسية المعقوفة الآن. وبحسب المتحف، يبدو أن هذه العناصر هي أدوات ربما استخدمها عمال البناء، على الرغم من إمكانية وضعها في الهرم للسماح لروح الملك خوفو المغادرة بالخروج من الحجرة والسفر إلى الحياة الآخرة. وخضعت قطعة خشب الأرز، الموجودة الآن في جامعة أبردين، للتأريخ بالكربون المشع، مما يكشف أنها تم تصنيعها في الفترة ما بين 3341 و3094 قبل الميلاد، أي قبل بناء الهرم الأكبر بأكثر من 500 عام.
على الرغم من هذه النتائج، فإن الطبيعة الحقيقية للآثار والغرض منها لا تزال محاطة بالغموض. يقترح البعض أن قطعة خشب الأرز قد تكون جزءًا من قاعدة القياس المستخدمة أثناء بناء الهرم. ومع ذلك، فإن العنصر الأكبر الذي جاءت منه هذه القطعة لا يزال يتعذر الوصول إليه. حيث أنه عالق في تجويف داخل الهرم، وتم إلقاء نظرة عليه آخر مرة في عام 1993 عبر كاميرا آلية.
النظريات المذهلة حول بقايا ديكسون
تقدم بقايا ديكسون لمحة فريدة عن عالم صناعة الأدوات المصرية القديمة. حيث تعد القطعة النحاسية المعقوفة على شكل ذيل حمامة، والكرة الحجرية الصغيرة، من أكثر القطع الأثرية إثارة للاهتمام الموجودة داخل الهرم. وفي حين أن وظيفتهما الدقيقة لا تزال لغزًا، يعتقد العلماء أنها ربما استخدمتا في عملية البناء.
إحدى النظريات هي أن القطعة النحاسية المعقوفة كان تستخدم كرافعة لتحريك الكتل الحجرية الضخمة إلى مكانها. ومن ناحية أخرى، كان من الممكن استخدام الكرة الحجرية كثقل للتوازن أو حتى كجهاز قياس بدائي. ويتجلى اهتمام المصريين بالتفاصيل والدقة في بناء الهرم، وربما تحمل هذه الأدوات المفتاح لفهم كيفية تحقيق هذه الدقة.
ومن خلال دراسة تركيب هذه الأدوات وصناعتها، يمكن للعلماء الحصول على رؤى قيمة حول القدرات التكنولوجية للمصريين القدماء. على سبيل المثال، يشير وجود النحاس في الخطاف إلى أن المصريين كان لديهم فهم متطور لعلم المعادن. وبالمثل، يشير السطح الأملس للكرة الحجرية إلى مستوى عالٍ من المهارة في الأعمال الحجرية.
إن كشف أسرار هذه الأدوات القديمة يمكن أن يسلط الضوء أيضًا على الديناميكيات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع المصري القديم. فهل كانت هذه الأدوات مخصصة للحرفيين المهرة أم أنها كانت متاحة على نطاق واسع؟ كيف حصل المصريون على المواد والمعرفة اللازمة لإنشاء مثل هذه الأدوات المتطورة؟
الرحلة المذهلة لقطعة خشب الأرز المفقودة
وتحمل قطعة خشب الأرز، التي يبلغ طولها 13 سم فقط، أسرار الهرم الأكبر التي يكتنفها الغموض لأكثر من قرن. وقد اكتشفها جيمس جرانت وتبرعت ابنته بهذا الأثر لجامعة أبردين في الأربعينيات. ولكن في تحول صادم للأحداث، اختفت القطعة الأثرية، مما ترك علماء المصريات في حيرة من أمرهم.
لأكثر من سبعة عقود، ظلت قطعة خشب الأرز مخفية، ولم يكن وجودها معروفًا إلا لقلة مختارة. وكان ذلك حتى عام 2019، عندما عثر عليها الباحثون في علبة سيجار ضمن المجموعة الآسيوية للجامعة. أثار هذا الاكتشاف غير المتوقع موجة من الإثارة بين علماء الآثار، الذين أتيحت لهم الفرصة أخيرًا لدراسة القطعة القديمة.
تساؤلات وغموض
إن اكتشاف هذه الآثار يثير تساؤلات حول دور الطقوس والرمزية في العمارة المصرية القديمة. فهل تم وضع هذه الأشياء في الهرم لتسهيل رحلة الملك الروحية، أم أنها مجرد أدوات منسية تركها عمال البناء وراءهم؟ يمكن أن تؤدي الإجابات على هذه الأسئلة إلى فهم أعمق للممارسات الثقافية والروحية للحضارات القديمة.
وبينما نواصل كشف أسرار بقايا ديكسون، يتم تذكيرنا بأن أسرار الماضي تحمل المفتاح لفتح ابتكارات المستقبل. ومن خلال دراسة هذه الأشياء الغامضة، قد نكتشف تقنيات ومواد ورؤى جديدة للتجربة الإنسانية. إن رحلة قطعة خشب الأرز المفقودة، منذ اكتشافها إلى العثور عليها، هي بمثابة شهادة على قوة الفضول البشري وأهمية الحفاظ على تراثنا الثقافي. عندما ننظر إلى هذه الآثار، نتذكر أن الماضي القديم لا يزال لديه الكثير ليعلمنا إياه. وأن أسرار الهرم الأكبر تظل كنزًا دفينًا في انتظار الكشف عنه.
المصادر:
Only A Few Objects Have Ever Been Recovered From Inside The Great Pyramid / iflscience
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :