تبدأ قصة الصفائح التكتونية بسؤال، كيف تتحرك قارات الأرض، وما الذي يحرك حركتها؟ لعدة قرون، سعى العلماء إلى فهم سطح الأرض. لقد أحدثت نظرية تكتونية الصفائح، التي تم تطويرها في منتصف القرن العشرين، ثورة في فهمنا لسطح الأرض وعملياتها الديناميكية.
نعتقد الآن أن الغلاف الخارجي للأرض مقسم إلى ألواح كبيرة من الصخور الصلبة، تسمى “الصفائح”، والتي تنزلق فوق وشاح الأرض، الطبقة الوسطى الصخرية فوق نواة الأرض. تسمى الطبقة الخارجية الصلبة للأرض، والتي تشمل القشرة والوشاح العلوي، بغلاف الأرض الصخري (lithosphere).
وتشير دراسة أجريت عام 2023 في مجلة ساينس إلى أن سمكها يتراوح بين 60 و140 كيلومترًا. يوجد أسفل الغلاف الصخري طبقة تسمى نطاق الانسياب (asthenosphere)، وهي طبقة لزجة تظل قابلة للتشكيل بفعل الحرارة في أعماق الأرض. وهي تعمل على تزييت الجوانب السفلية من الصفائح التكتونية للأرض، مما يسمح للغلاف الصخري بالتحرك.
وتتحرك الصفائح التكتونية بمعدل يتراوح بين 3 إلى 5 سنتيمترات سنويًا. وهذا يعادل تقريبًا سرعة نمو أظافرك!
محتويات المقال :
ولادة نظرية الصفائح التكتونية
يعود سعي المجتمع العلمي لفهم خصائص وحركات سطح الأرض إلى أوائل القرن العشرين. وضعت فكرة ألفريد فيجنر الرائدة حول الانجراف القاري، والتي تم اقتراحها في عام 1912، الأساس لتطوير نظرية الصفائح التكتونية. ومع ذلك، افتقر عمل فيجنر إلى تفسير حاسم للقوى الدافعة وراء الحركة القارية. وشهدت العقود اللاحقة موجة من الأبحاث العلمية، وبحلول الخمسينيات والسبعينيات من القرن العشرين، بدأت نظرية الصفائح التكتونية في التبلور.
ويتم وصف نظرية الصفائح التكتونية بأنها «النظرية الموحدة للجيولوجيا». وقد نجحت هذه النظرية في تفسير تنوع السمات الجيولوجية في جميع أنحاء العالم، بدءًا من تكوين سلاسل الجبال وحتى نشوء البراكين والزلازل.
وقبل ظهور نظرية الصفائح التكتونية، كان على الناس أن يتوصلوا إلى تفسيرات للسمات الجيولوجية في منطقتهم والتي كانت فريدة من نوعها بالنسبة لتلك المنطقة المعينة. لقد وحدت نظرية الصفائح التكتونية كل هذه الأوصاف وقالت إنه يجب أن تكون قادرًا على وصف جميع السمات الجيولوجية كما لو كانت مدفوعة بالحركة النسبية لهذه الصفائح التكتونية.
كيف تعمل الصفائح التكتونية
إن القوة الدافعة وراء حركة الصفائح التكتونية هي الحمل الحراري في الوشاح. حيث ترتفع المواد الساخنة الموجودة بالقرب من نواة الأرض، وتغوص صخور الوشاح الأكثر برودة. إن الأمر يشبه إلى حد ما وعاء يغلي على موقد.
وفي الوقت نفسه، يتخيل الجيولوجيون الصفائح فوق هذا الوشاح المتلاطم على هيئة سيارات تصادم؛ فهي تصطدم بشكل متكرر، ثم تلتصق ببعضها البعض، ثم تتمزق. ويشير الجيولوجيون إلى الأماكن التي تلتقي فيها الأجزاء وتنقسم على أنها حدود الصفائح (plate boundaries). وهناك ثلاث طرق تلتقي بها حدود الصفائح، وكل منها تؤدي إلى ظهور سمة جيولوجية فريدة.
الحدود المتقاربة
تحدث الحدود المتقاربة عندما تصطدم الصفائح، وحيث تنهار قشرة الأرض وتنثني في سلاسل جبلية. على سبيل المثال، اجتمعت الهند وآسيا منذ حوالي 55 مليون سنة لتكوين جبال الهيمالايا. ومع استمرار هذا الالتحام، تنمو هذه الجبال أعلى من أي وقت مضى.
لقد اكتشف الجيولوجيون أن جبال الألب السويسرية ترتفع بشكل أسرع من انخفاضها بسبب التآكل، وبالتالي تنمو كل عام، وفقًا لدراسة أجريت عام 2020 في مجلة (Earth-Science Reviews). ومع ذلك، عندما تصبح كتلة الجبل كبيرة جدًا بحيث لا تقاوم الجاذبية، فإنها ستتوقف عن النمو. كما أن التآكل يعيق النمو عن طريق تآكل الجبال، ولكن لأن الجبال يمكن أن تنمو بمعدل سريع نسبيًا، فإن التآكل لا ينتصر عادةً.
في بعض الأحيان تصطدم صفيحة محيطية (تتكون من صخور أكثر كثافة من القشرة القارية) بصفيحة قارية، وفي هذه الحالة “تغوص” إحدى الصفيحتين تحت الصفيحة الأخرى. ثم تهبط إلى وشاح الأرض وتذوب في الصهارة الساخنة للوشاح، ثم تقذف إلى الخارج في شكل ثوران بركاني.
وعندما تتقارب صفيحتان محيطيتان، يتشكل خندق عميق، مثل خندق ماريانا في شمال المحيط الهادئ والذي يُعتقد أنه أعمق نقطة على وجه الأرض. ويمكن أن تؤدي هذه الأنواع من الاصطدامات أيضًا إلى نشوء براكين تحت الماء.
الحدود المتباعدة
إن الحدود المتباعدة هي حدود تكتونية حيث “تتباعد” الصفائح أو تتباعد عن بعضها البعض. تخلق هذه الحركة أحواضًا عملاقة على الأرض، مثل صدع شرق إفريقيا. وفي المحيط، تخلق نفس العملية حيد وسط محيط (mid-ocean ridges). تتدفق الصهارة الساخنة من وشاح الأرض إلى هذه التلال، لتشكل قشرة محيطية جديدة وتدفع الصفائح بعيدًا عن بعضها البعض. يمكن أن ترتفع الجبال والبراكين تحت الماء على طول هذا الخط، وفي بعض الحالات تشكل جزرًا
فالق تحويلي
أما النوع الأخير يسمى الفالق التحويلي (transform boundaries)، فيوجد حيث تتحرك الصفائح جانبياً بالنسبة لبعضها البعض. والحركة الانزلاقية لحدود الصفائح هي التي تسبب العديد من الزلازل. ويُعد صدع سان أندرياس في كاليفورنيا، حيث تصطدم الصفائح التكتونية في أمريكا الشمالية والمحيط الهادئ ببعضها البعض بحركة أفقية في الغالب، أحد الأمثلة الشهيرة على الفالق التحويلي.
كم عدد الصفائح التكتونية الموجودة؟
لأن الأرض كروية الشكل، فإن صفائحها التكتونية منقسمة إلى عشرات الأقسام المنحنية مثل قشرة بيضة متشققة. ويتراوح حجم كل صفيحة من بضع مئات إلى آلاف الكيلومترات، واعتماداً على حجمها، يتم تصنيفها على أنها “كبرى” (major) أو “صغرى” (minor) أو “مجهرية” (micro).
ويتفق معظم الجيولوجيين على وجود ما بين 12 و14 صفيحة تكتونية أساسية تغطي مساحة كبيرة من سطح الأرض. ويشمل ذلك الصفيحة التكتونية لأمريكا الشمالية والمحيط الهادئ وأوراسيا وأفريقيا والهندية الأسترالية وأمريكا الجنوبية والقطب الجنوبي. ومع ذلك، فإن الزلازل التي حدثت على مدى العقود القليلة الماضية هي دليل على أن الصفيحة الهندية الأسترالية قد تصدعت على مدار العشرة ملايين سنة الماضية، مما أدى إلى إنشاء صفيحة هندية وصفيحة أسترالية منفصلتين.
إن صفيحة المحيط الهادئ تظل الأكبر بين كل الصفائح التكتونية. إذ تبلغ مساحتها 103,000,000 كيلومتر مربع، وهي تقع مختبئة تحت المحيط. وتشمل الصفائح الصغيرة للأرض الصفيحة العربية، والصفيحة الكاريبية، وصفيحة كوكوس، وصفيحة نازكا، وصفيحة الفلبين، وصفيحة سكوتيا، وغيرها. وهناك أيضًا العديد من الصفائح الأصغر حجمًا في جميع أنحاء العالم.
متى بدأت ظاهرة الصفائح التكتونية؟
في حين أن عمر الأرض يقدر بنحو 4.54 مليار سنة، فإن القشرة المحيطية تتجدد باستمرار في مناطق الاندساس. وهذا يعني أن أقدم قاع بحر لا يزال عمره حوالي 340 مليون سنة فقط. وتوجد أقدم صخور المحيط في شمال غرب المحيط الهادئ وشرق البحر الأبيض المتوسط. أما شظايا القشرة القارية فهي أقدم بكثير، حيث توجد قطع كبيرة عمرها 3.8 مليار سنة على الأقل في جرينلاند وأجزاء أصغر من القشرة القارية يعود تاريخها إلى حوالي 4.4 مليار سنة في أستراليا.
وباستخدام الأدلة التي خلفتها الصخور والحفريات، يستطيع علماء الجيولوجيا إعادة بناء تاريخ قارات الأرض القديم. ويختلف العلماء حول متى بدأت حركة الصفائح التكتونية، فبعض الجيولوجيين يعتقدون أن هذه العملية بدأت منذ 700 مليون سنة، بينما يقترح آخرون أنها بدأت منذ 3.2 مليار سنة، ويعتقد آخرون أن الصفائح بدأت تتحرك منذ أكثر من 4 مليارات سنة، بعد فترة وجيزة من تشكل الأرض.
المصدر
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :