Ad
هذه المقالة هي الجزء 1 من 11 في سلسلة أثر الموسيقى وتطورها

تتجذّر الموسيقى في السلوك البشري منذ القدم، وهي ترافق جميع الحضارات البشرية في مختلف بقاع الأرض. وتشكّل الموسيقى جزءًا من الطبيعة البشرية، إذ أن أغلب البشر يمتلكون بالفطرة القدرة على فهم الموسيقى والاستمتاع بها، وذلك من عمر صغير جدًا. ولكن لماذا نحب الاستماع إلى الموسيقى؟ غالبًا ما تكون السلوكيات المشتركة بين البشر هي سلوكيات ذات أصول تطورية، أي أنها ساهمت في التكاثر والبقاء على قيد الحياة. فما هي الوظائف التي لعبتها الموسيقى؟

الأصول التطورية للموسيقى

تعود علاقة الموسيقى بالإنسان إلى أكثر من أربعين ألف عام، وهي ليست اختراعًا نشأ عند عدد معيّن من الأفراد وانتشر فيما بعد بين البشر كالكتابة مثلًا، بل هي على العكس نشأت بشكل فطري في جميع الحضارات البشرية، حتى الأقدم منها. (1) (إقرأ أيضًا: تاريخ الموسيقى) إن قِدم الموسيقى وتجذّرها في التاريخ البشري دفع العديد من العلماء إلى البحث حول الوظائف التطوّرية للموسيقى.

تنتشر السلوكيات الموسيقية في الطبيعة عند مختلف الحيوانات من الطيور والحيتان وصولًا إلى الحيوانات الأقرب إلينا جينيًا وهي القردة العليا كالغوريلا والشيمبانزي، التي تصنع الموسيقى من خلال الضرب باليدين. تستخدم الحيوانات الموسيقى لتسهيل التزاوج أو التواصل فيما بينها. من هنا، يمكن ملاحظة أدوار الموسيقى التطورية عند الحيوانات.

الموسيقى عند دارون

كتب مؤسس نظرية التطور داروين عن احتمال وجود وظائف تطورية للموسيقى، واعتبر أن البشر استخدموا الموسيقى للتواصل فيما بينهم قبل تطوير اللغة المعقّدة، وتحديدًا للإثارة الجنسية. في عام 2000 م، اعتبر عالم النفس الأميركي جورج ميلر الموسيقى ذات دور أساسي في الجنس، إذ أن القدرات الموسيقية (الغناء والرقص والعزف وغيرها) يمكن أن تتقاطع مع الصفات الضرورية من أجل التكاثر ورعاية الأطفال، فجودة الأداء الموسيقي تعكس عوامل العمر والصحة والرشاقة والذكاء والتآزر اليدوي والانتباه وغيرها. وأضاف ميلر دور الموسيقى كعامل لجذب انتباه الشريك الجنسي وإثارته.

من ناحية أخرى، تحدّث عالم النفس “كولوين تريفارذن – Colwyn Trevarthen” عن دور الموسيقى في التواصل بين الأم وطفلها، بحيث تستخدم الدندنة والإيقاعات لخلق أنماط ثابتة من التفاعل تساهم بتعزيز علاقة تُشعر الطفل بالأمان. (2)

بالنسبة لعلماء آخرين كـ”بانكسيب-Panksepp” و”برناتزكي-Bernatzky”، لعبت الموسيقى وظيفة تطورية من خلال تسهيل التواصل الاجتماعي وبالتالي زيادة الإنتاجية في عمل المجموعات والقبائل.

من خلال الفرضيات المطروحة، يمكن استنتاج أن الموسيقى تملك عدة وظائف تطورية، قد تكون ساهمت في جعل خاصية خلق الموسيقى والاستمتاع بها خاصية بشرية عالمية وفطرية.

الموسيقى بحسب نظرية الاستخدامات والإشباعات

نظرية الاستخدامات والإشباعات هي مقاربة لتفسير سلوكيات الأفراد تجاه وسائل الإعلام والتواصل لتلبية حاجاتهم الفردية.

أثبتت الأبحاث أن الأشخاص يستمعون إلى الموسيقى لعدد كبير من الأسباب. فقد وجد الباحثون غانتز و بيرسون وشيللر في العام 1978 م أن المراهقين يستمعون إلى الموسيقى بهدف تخفيف التوتر و تمضية الوقت وتخفيف مشاعر الوحدة وإدارة مزاجهم.

في العام 1999 م، عمل الباحثان هارغريفز و نورث على البحث عن وظائف الموسيقى الاجتماعية، وقد وجدوا أنها تلعب ثلاث وظائف أساسية: إدارة المزاج وتحديد الهوية الفردية وتعزيز العلاقات الاجتماعية. وفي دراسة أجروها على عينة من المراهقين الذين يبلغون 13 و14 عامًا ، تبيّن أن وظيفة الموسيقى الأساسية هي رسم صورة اجتماعية للآخرين من جهة، وتلبية حاجاتهم العاطفية من جهة أخرى. (4)

ختامًا، تؤثر الموسيقى على أدمغتنا وتحفز شعور اللذة، مما يجعلنا نستمتع بالاستماع إليها. وهي تساهم في تخفيف التوتر والتعبير عن المشاعر من جهة، وفي صقل هويتنا الفردية وصورتنا الاجتماعية من جهة أخرى. وأنت عزيزي القارئ، ما هو السبب الذي يدفعك إلى حب الموسيقى؟

المصادر:

(1) Language, Brain, and Cognitive Development: Essays in Honor of Jacques Mehler
(2) Taylor & Francis online
(3) NCBI
(4) ACADEMIA

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تطور موسيقى

User Avatar

Riham Hamadeh


عدد مقالات الكاتب : 49
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق