في حادثة تشيرنوبل، أدت تجربة روتينية إلى كارثة عالمية. وكان السبب في ذلك أخطاء فادحة في اتخاذ قرارات حول التحكم بالمفاعل النووي، حيث أدى قرار برفع كل أعمدة التحكم (التي تتحكم بدرجة الانشطار النووي) إلى إفلات السيطرة على التفاعلات في قلب المفاعل. فكيف يتم التحكم في المفاعلات النووية؟ وكيف نتأكد أن أحد المفاعلات لن يخرج عن السيطرة أثناء تشغيله؟
محتويات المقال :
يتم التحكم في المفاعلات النووية عن طريق التحكم في «دفق النيوترونات-Neutron Flux» (كمية النيوترونات التي تخترق مساحة معينة في الثانية) داخله. ويحدث هذا بفضل قضبان التحكم التي يمكن رفعها أو تغطيسها في قلب المفاعل حسب الحاجة. فعندما نريد رفع قدرة المفاعل (كمية الكهرباء التي نريد إنتاجها) مثلًا، نرفع قضبان التحكم إلى أن نصل إلى القدرة المطلوبة ثم نعيد تغطيس جزء منها حتى لا تظل القدرة في ازدياد. وتحكم هذه العملية عدة عوامل تجعل التحكم في المفاعلات أكثر تعقيدًا مما يبدو عليه. ذاك أن التحكم في التفاعل التسلسلي الذي يحدث داخل المفاعل يستدعي حساب بعض المعاملات كمعامل التضاعف الفعال، الذي يحدد ما إذا كان المفاعل تحت السيطرة أم لا. بالإضافة إلى هذا، فإن تقادم المفاعل النووي يسمم الوقود مما يؤدي إلى تأثيرات جانبية يجب التعامل معها ضمانا لاستمرار عمل المفاعل بشكل طبيعي [1].
في التفاعل التسلسلي، يدخل نيوترون مقذوف في تفاعل مع نواة انشطارية فتنقسم هذه النواة باعثة معها عدة نيوترونات جديدة (بين 2 و3). وتدخل هذه النيوترونات في عمليات انشطار جديدة. وهكذا، نجد أن نيوترونًا واحدًا قد يؤدي –نظريًا- إلى عدد لا نهائي من التفاعلات (انظر الشكل 1). وهنا يأتي دور أعمدة التحكم التي تمتص جزءا من هذه النيوترونات حتى لا يخرج التفاعل عن السيطرة. ويحدد عدد الأعمدة المغطوسة بالإضافة إلى مستوى التغطيس (طول الجزء المغطوس في قلب المفاعل) نسبة النيوترونات الممتصة [1].
يحدد معامل التضاعف الفعال keff ما إذا كان عدد النيوترونات داخل قلب المفاعل يتزايد مع الزمن. ويمثل نسبة النيوترونات المنبعثة بين جيلين من التفاعل التسلسلي، أي معدل النيوترونات المنبعثة بين انشطار والذي يليه. ويكون المفاعل في أحد من ثلاث حالات حسب قيمة Keff:
ويمكن أن نصف حالة المفاعل بمعامل آخر هو «التفاعلية-Reactivity»، ويرمز له ب ρ. ويكتب بدلالة keff كالتالي:
وحسب المعادلة فإن التفاعلية تكون منعدمة في الحالة الحرجة. بينما تكون موجبة في الحالة فوق الحرجة وسالبة في الحالة دون الحرجة [1]. وفي العادة، نستعمل التفاعلية في وصف تطور المفاعل وليس المعامل keff.
تبدأ حياة جيل من النيوترونات بانبعاثها من الانشطار النووي ثم تمر بمرحلة التباطؤ (يتم إبطاؤها حتى تصير حرارية) ومن تم تنتهي بامتصاصها في الانشطار الذي يليه. وخلال عبورها لهذه المراحل، يمكن أن تختفي بعض النوترونات وتظهر أخرى. فعند انبعاث نيوترون إثر انشطار نووي، فإنه إما يدخل في انشطار جديد فينتج جيلا جديدا من النيوترونات، أو يُفقَد من خلال امتصاصه من بعض المواد غير الانشطارية أو من خلال تسربه خارج قلب المفاعل. وهكذا، فإننا نبدأ بنيوترون حراري واحد تمتصه نواة انشطارية فينتج عنها عدة نيوترونات سريعة. تحاول هذه الأخيرة أن تتباطئ لتصير حرارية بدورها، فيُفقَد منها من فقِد عبر الشرود خارج قلب المفاعل أو عبر اقتناصه من قبل نواة غير انشطارية، ويتضاعف جزء منها بفضل الانشطار السريع -الذي ينشأ عن النيوترونات السريعة. وتشكل النسبة التي نجحت في أن تصير حرارية وتخلق انشطارًا نوويًا قيمة keff (انظر الشكل 2) [2].
تحدد «صيغة العوامل الستة-six-factor formula» قيمة keff انطلاقا من ستة عوامل متضمنة في دورة حياة النيوترون. وتكتب المعادلة على الشكل التالي:
حيث يمثل η «معامل التكاثر-reproduction factor» الذي يعطي نسبة النيوترونات المنتجة بعد الانشطار الحراري (الرقم 1 في الشكل 2).
أما ε فهو «معامل الانشطار السريع-fast fission factor»، ويَحسُب نسبة النيوترونات التي أُنتِجت عن طريق الانشطارات غير الحرارية أي تلك التي حصلت أثناء عملية إبطاء النيوترونات (الرقم 2 في الشكل 2).
وبالنسبة ل p، فإنه يعبر عن احتمالية وصول النيوترونات إلى الحالة الحرارية دون أن يتم امتصاصها (الرقم 3 في الشكل 2)، ويسمى «احتمال الهروب الرنيني-resonance escape probability».
بينما يعطي «معامل الاستعمال الحراري-Thermal utilization factor f» احتمالية امتصاص النيوترونات الحرارية داخل الوقود (الرقم 4 في الشكل 2).
وأخيرا نجد PNL الذي يمثل احتمالية عدم تسرب النيوترونات خارج المفاعل. ويمكن كتابته على الشكل:
PNL = PNLT* PNLF
حيث يمثل PNLT احتمالية عدم التسرب بالنسبة للنيوترونات الحرارية و PNLF احتمالية عدم التسرب بالنسبة للنيوترونات السريعة. وتتعلق احتمالية عدم التسرب هذه بشكل المفاعل وتصميمه. ومن أجل التخلص من هذه التبعية، تم اعتماد ∞k الذي يمثل معامل التضاعف في وسط لا نهائي حيث لا وجود لأي تسربات. وهو ما يعرف أيضا ب « صيغة العوامل الأربعة- four-factor formula» [2].
ختامًا، نجد أن قيمة معامل التضاعف تلعب دورًا محوريًا في التحكم في المفاعل، حيث يتم رفع أو إنزال أعمدة التحكم حسب الحالة التي نريدها. لكن المؤسف في الأمر، أن معامل التضاعف لا يخضع فقط لمستوى إنزال أعمدة التحكم، بل إن تقادم المفاعل يسمم الوقود النووي، حيث تتراكم نواتج الانشطار النووي وتسبب تغيرات كبيرة في قيمة معامل التضاعف يجب أخذها بعين الاعتبار أثناء تشغيل المفاعل. وهذا ما سيكون موضوع المقال القادم.
[1] Physique des Réacteurs Nucléaires
[2] Nuclear Reactor: Physics and Engineering
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…
View Comments